مجموع الأصوات: 39
نشر قبل سنة واحدة
القراءات: 1234

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

سمات المجتمع الفاعل

تتفاوت المجتمعات الإنسانية في قوتها وضعفها، ففي حين نرى أن بعض المجتمعات قوية ومتماسكة ومتقدمة وفاعلة؛ نجد في المقابل مجتمعات أخرى تعاني من الضعف والتمزق والتأخر والتخلف.
ويعود ذلك إلى أسباب وعوامل مختلفة، قد تختلف من مجتمع إلى آخر، ولكن في الجملة توجد عوامل وركائز ومقومات مشتركة تساهم في عملية البناء الاجتماعي، وتقدم المجتمع، وفي المقابل توجد عوامل وأسباب أخرى تؤدي إلى تأخر المجتمع، وانعدام التقدم والتحضر لديه.
و إذا ما أردنا الحديث عن سمات المجتمع الفاعل و القوي والمتقدم، فيمكن الإشارة إلى عدد من هذه السمات الرئيسة ضمن النقاط التالية:
1 ـ التعاون بين الناس:
التعاون بين الناس في البر والخير والصلاح من المبادئ التي حَثَّ عليها الإسلام، يقول تعالى:﴿ ... وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ 1 كما يشير الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى أن التعاون يؤدي إلى الخير، وانعدامه سبيل للشر، إذ روي عنه أنه قال: (( لا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، وتعاونوا على البر، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت عنهم البركات، وسلط بعضهم على بعض، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء ))2 وعنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أيضاً: (( إن معاونة المسلم خير وأعظم أجراً من صيام شهر واعتكافه في المسجد الحرام ))3.
فالتعاون في مجال الخير والصلاح وكل ما فيه منافع عامة بخدم المجتمع، ويساهم في تقويته وفاعليته وحيويته، أما التعاون على الإثم والعدوان فهو يؤدي إلى خراب وفساد المجتمع، ويساهم في تأخره وتخلفه عن ركب التحضر والتقدم. ولذلك نهانا الله تعالى عن هذا النوع من التعاون، قال تعالى:﴿ ... وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ... 1.

2ـ تنمية العمل التطوعي:
ومن سمات المجتمع الفاعل والقوي نمو حركة العمل التطوعي في المجتمع، فالأعمال التطوعية عامل رئيس من عوامل بناء المجتمع القوي والمتقدم، ولا يمكن أن يتقدم المجتمع بصورة حقيقية في ظل غياب ثقافة وروح العمل التطوعي من الفضاء الاجتماعي.
ولو ألقينا نظرة فاحصة على المجتمعات المتقدمة في عالمنا المعاصر لوجدنا أن من أسباب قوة تلك المجتمعات وتقدمها هو شياع وانتشار الأعمال التطوعية بما بخدم تقدم المجتمع وتطوره.
وكأمثلة على ذلك: أعلن الملياردير الأمريكي ( بيل غيتس ) رئيس مجلس إدارة ((مايكروسوفت)) العالمية وأحد مؤسسيها، عن تبرعه بمبلغ ثمان وعشرين بليون دولار من ثروته لأعمال الخير، أي ما يقارب نصف ثروته !4.
كما أوصت حلاقة أمريكية بـ 35 مليون دولار لمصلحة إجراء بحوث طبية، إذ ذكرت صحيفة الحياة أن حلاقة أمريكية واسمها ( أوجينيا بودسون ) توقيت في نهاية 2005م عن مائة سنة بثروة تبلغ قيمتها 35 مليون دولار لمصلحة جامعة ميامي في سبيل إجراء بحوث طبية.
وقد عاشت حياتها كلها في شكل متواضع جداً لتتمكن من تحقيق أهدافها الخيرية.
وسيمنح ثلثا الـ 35 مليون دولار إلى مركز بحوث حول مرض السكري، والثلث الأخير إلى مركز بحوث حول السرطان، والمركزان تابعان لجامعة فلوريدا 5.
كما أن مؤسس شبكة CNN الأمريكية واسمه ( تيد تورنر ) تبرع بثلث ثروته إلى المنظمات الإنسانية في الأمم المتحدة، ويساوي مبلغ مليار دولار أمريكي 6.
والأمثلة على ذلك كثيرة، وكلها تشير إلى انتشار روح المساهمة في الأعمال التطوعية في البلاد الغربية، والتي تعد ركيزة مهمة من ركائز التقدم المجتمعي، وعماد من أعمدة قوة المجتمع وحيويته.
وإذا ما أردنا في مجتمعنا أن نتقدم ونتطور فلا بد من إنماء ثقافة العمل التطوعي، و تطوير مجالاته وأنشطته، وزيادة أعداد الناشطين في المناشط التطوعية والخيرية.
3ـ المبادرة إلى فعل الخير:
عندما تكثر في أي مجتمع روح المبادرة إلى فعل الخيرات، والإتيان بالأعمال النافعة، وتأسيس المشاريع العلمية والثقافية... يتقدم المجتمع، ويرتقي نحو سلالم المجد والكمال.
ولأهمية المبادرة في تقدم الأفراد والمجتمعات، يؤكد القرآن الكريم في آيات عديدة على أهمية المبادرة في فعل الخيرات، كقوله تعالى: ﴿ ... وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ 7 وكقوله تعالى:﴿ ... فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ... 8 وكقوله تعالى:﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ 9 وقال الإمام علي ( عليه السلام ): (( بادروا بعمل الخير قبل أن تشتغلوا عنه بغيره ))10 .

والتنافس على القيام بمبادرات اجتماعية أو ثقافية أو اقتصادية يؤدي إلى تطور المجتمع، فالمجتمع الذي تكثر فيه المبادرات ويتنافس أفراده على فعل الخيرات، ويتسابق أهله على تشييد المؤسسات التطوعية؛ يتصف بأنه مجتمع حي وناهض وفاعل.
ومجتمعنا أحوج ما يكون إلى تنمية روح المبادرة بين أفراده من جهة، ومؤسساته من جهة أخرى؛ إذا ما أردنا أن يكون مجتمعنا مجتمعاً قوياً وفاعلاً ومتقدماً.
أما المجتمع الذي يكثر فيه الكلام، ويقل فيه العمل، و يترامى أفراده إلقاء المسؤولية على بعضهم البعض، ويتحدثون عن المفروضات على الآخرين، ويتناسون القيام بواجباتهم، فهذا المجتمع سيراوح مكانه، ولن يتقدم خطوة نحو الإمام؛ بل سيعيش حالة من التراجع المستمر والتقهقر نحو الوراء.
ويحذر القرآن الكريم مثل هؤلاء الناس الذين يكتفون بالكلام بديلاً عن العمل، يقول تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ 11.
والإمام علي ( عليه السلام ) أيضاً يوبخ أصحابه الذين يكثرون الكلام في المجالس، ولكنهم حين العمل يقدمون الأعذار لعدم القيام بواجباتهم، يقول ( عليه السلام ): (( كلامكم يُوهي الصُّم الصلاب، وفعلكم يطمع فيكم الأعداء، تقولون في المجالس: كَيْت وكَيْت، فإذا جاء القتال قلتم: حَيْدي حَيَاد ))12.

وهذه آفة الكثير من المجتمعات المتخلفة، حيث يكثر الكلام عن المشاكل والنواقص والثغرات، ولكنهم لا يعملون شيئاً لتجاوز ذلك.
ومن أجل تجاوز تلك الحالة، علينا أن ننمي صفة المبادرة في مجتمعنا، بل وأن يبادر كل واحد منا في تأسيس مشروع خيري، أو تشييد عمل ثقافي مميز، أو بناء مشاريع صحية، أو المساهمة في حل المشكلات الاجتماعية، أو جعل أوقاف جديدة تخدم الحاجات الجديدة للمجتمع ... وغير ذلك كثير.
وبذلك نستطيع أن نساهم في عملية البناء الاجتماعي، والتقدم بالمجتمع خطوات نحو الرقي والازدهار والكمال.
4 ـ تعزيز مؤسسات المجتمع المدني:
والمقصود بمؤسسات المجتمع المدني هي المؤسسات التي تنبثق من رحم المجتمع، وتكون مستقلة عن الدولة، ولكنها مكملة لأنشطة الدولة، وبمعنى آخر: إنها مؤسسات ذاتية التأسيس وشعبية الاشتغال، وتعمل في خدمة الصالح العام، وتقدم خدمات عامة لصالح المجتمع.
وتتنوع مجالات وأنشطة مؤسسات المجتمع المدني، ومن هذه المجالات: الاهتمام بالفقراء والمحتاجين، رعاية وحماية الطفولة، الاهتمام بقضايا جيل الشباب، حل مشكلات المرأة، الدفاع عن حقوق الإنسان، نشر الوعي الصحي، حماية البيئة، تنمية الوعي الثقافي... وغير ذلك كثير. وكلها تستهدف النهوض بالمجتمع، وتقوية بنائه الداخلي.
وتشجع انتشار مؤسسات المجتمع المدني على تزايد المبادرات الاجتماعية، كما أنها ترتكز على التطوع في أعمالها دون أن يكون هدفها التجارة أن الربح المادي، وتشمل مختلف الجوانب من اقتصاد واجتماع وثقافة وبيئة ودين ... وغير ذلك.
وتكثر في المجتمعات المتقدمة مؤسسات المجتمع المدني، كما لها فاعلية كبيرة في النهوض بالمجتمع وتقويته. أما في مجتمعاتنا العربية والإسلامية فهي بالكاد ترى لها وجوداً حقيقياً أو فاعلاً أو مؤثراً.
ومن هنا لابد من تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني كخطوة لابد منها في عصر العولمة للنهوض بالمجتمع، وتنمية قدراته، واستثمار ما لدى أفراده من إمكانات ومهارات ومواهب يمكن صقلها وتجميعها لتصب بعد ذلك في بناء المجتمع بناء قوياً.
وبهذه الأسس التي ذكرناها يمكن أن نؤسس لبناء مجتمع فاعل وقوي ومتماسك، وهي صفات رئيسة من صفات أي مجتمع قوي وفاعل وناهض 13.