مجموع الأصوات: 28
نشر قبل سنة واحدة
القراءات: 1466

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

في معنى التسامح

لقد تحددت العديد من المعاني لمفهوم التسامح، بحسب المجالات التي ارتبط بها. ومع تعدد هذه المعاني إلا أنها تتقاطع فيما بينها، وتشترك في الإطار الذي يتصل بفلسفة هذا المفهوم. الفلسفة التي هي نقيض التعصب والأحادية والإكراه والموقف القسري، والتي لا ترى في التعدد والاختلاف حرجا ومضرة، ولا ترى في البحث عن الحقيقة نهاية واكتمالا.
ومن المجالات التي استعمل فيها التسامح، مجال اللغة، وفي هذا المجال يأتي التسامح، كما جاء في تعريفات الجرجاني بمعنى (أن لا يعلم الغرض من الكلام، ويحتاج في فهمه إلى تقدير لفظ آخر. أو هو استعمال اللفظ في غير الحقيقة، بلا قصد علاقة معنوية، ولا نصب قرينة دالة عليه، اعتماداً على ظهور المعنى في المقام، فوجود العلاقة يمنع التسامح)
وفي المجال الاجتماعي يستعمل التسامح بمعنى السهولة في المخالطة والمعاشرة، وهو لين في الطبع، في مظان تكثر في أمثالها الشدة. والسهولة واللين تارة تكون بالكلام، مصداقاً لقوله تعالى﴿ ... فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا 1 وقد فسر الفخر الرازي القول الميسور، بالقول اللين والسهل. ومصداقاً أيضاً لقوله تعالى﴿ اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ 2ويرجع الفخر الرازي في تفسيره الكبير أمر الله لموسى باللين في مخاطبة فرعون، لوجهين:
الأول: إنه كان قد رباه فرعون فأمره أن يخاطبه بالرفق رعاية لتلك الحقوق.
الثاني: إن من عادة الجبابرة إذا غلظ لهم في الوعظ، يزدادوا عتواً وتكبراً، والمقصود من البعثة حصول النفع لا حصول زيادة الضرر، فلهذا أمر الله تعالى بالرفق).
وتارة تكون السهولة واللين بالسلوك، مصداق قوله تعالى﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ... 3 وقوله تعالى ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ 4
وفي المجال الديني يستعمل التسامح بمعنى إبداء السماحة للمخالفين للمسلمين من جهة الدين، وهذا المعنى في نظر الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، اصطلح عليه العلماء الباحثون عن الأديان من المتأخرين في أواخر القرن الماضي الهجري، أخذا بالحديث النبوي بعثت بالحنيفة السمحة، وقد صار هذا اللفظ حقيقة عرفية في هذا المعنى. وربما عبروا عن معناه سالفاً كما يضيف الشيخ ابن عاشور بلفظ التساهل، وهو مرادف له في اللغة. ويرى ابن عاشور أن الاصطلاح الذي خص لفظ التسامح بمعنى السماحة الخاصة تجاه المخالفين في الدين، كان حقيقاً بأن يترك مرادفه في أصل معناه، ولذلك هجروا لفظ التساهل، لأنه يؤذن بقلة تمسك المسلم بدينه، فتعين لفظ التسامح للتعبير عن هذا المعنى، وهو لفظ رشيق الدلالة على المعنى المقصود، ولا ينبغي استبداله بغيره.
وفي اصطلاحات المعاصرين كما جاء في كتاب (المعجم الفلسفي) فإن التسامح يأتي بمعنى أن تترك لكل إنسان حرية التعبير عن آرائه، وإن كانت مضادة لآرائك، وأن يحترم المرء آراء غيره، لاعتقاده أنها محاولة للتعبير عن جانب من جوانب الحقيقة.
والتسامح كما يقول غوبلو لا يوجب على المرء التخلي عن معتقداته، أو الامتناع عن إظهارها، أو الدفاع عنها، أو التعصب لها، بل يوجب عليه الامتناع عن نشر آراءه، بالقوة والقسر والقدح والخداع.
والذي يفهم من تلك المعاني والاستعمالات أن التسامح هو امتزاج بين الفكر والأخلاق، وتعبير عن موقف فكري من جهة، وموقف أخلاقي من جهة أخرى. موقف فكري يحدد طريقة التعامل مع المفاهيم والأفكار المغايرة على مستوى النظر، وموقف أخلاقي يحدد طريقة التعامل مع المفاهيم والأفكار المغايرة على مستوى العمل5.