حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
- الاسلام - الانسان - بقاء الاسلام - الشهادة
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
لا تزاحم بين الإسلام وبين إنسانية الإنسان
طريق الصعود إلى الله، والتأهل إلى مرضاته، والتأدب بأدبه طريق واحد لم يترك الله عزوجل للعباد أمره، بل نصَّ عليه نصّاً، ورفض ما سواه رفضاً قاطعاً، فلا غير الإسلام، ولا بديل عنه، ولا شيء يضاف إليه.
وليس إلّا الإسلام الذي يعترف بحاكمية الله ويردّ الأمر كله إليه، ويواجه من يعطي لنفسه حق الحاكمية من دون الله.
هذا هو الإسلام الذي كانت من أجله عاشوراء مواجهةً للإسلام الأموي اليزيدي المزيّف، وكانت من أجله الثورة الإسلامية في إيران ردّاً على الإسلام الشاهنشاهي الأميركي المكذوب.
إنه التمييز الواضح للإسلام اللافتةِ التخديريّةِ الاستغلاليةِ الذي يعلو سوطاً على ظهور المحرومين المقهورين، ويُسوّق تبريراً لتسلط الظلمة الجبّارين. هذا التمييز الذي حرصت نصوص الثورتين على تركيزه وعياً وشعوراً وموقفاً عمليّاً في نفوس أبناء الأمَّة وجماهيرها العريضة، التمييز الذي أعطى قيمة خاصَّة لكل قطرة دم تقدَّست بهذا الوعي من دم شهيد أو جريح 1.
ولا تَزاحُمَ مطلقاً بين الإسلام- بقائه وعزّه وظهوره- وبين إنسانية الإنسان؛ فليس أكثر من أن يتطلب عزّ الإسلام تضحية الإنسان، وهو هنا إنما يضحي ببدنه تقديماً لإنسانيته التي لا تجد ذاتها إلّا في الإسلام.
وليس من لحظة يشهد فيها الإنسان حضوراً إنسانياً غنيّاً، وغزارة وتدفقاً وفاعلية لهذا الوجود، ونضجاً وقفزة في مستواه كلحظة إقدامه على الشهادة في سبيل الله واعياً مختاراً مطمئناً مخلصاً؛ إذ لا شك أنها:
أولًا: اللحظة التي يصغر فيها عند الشهيد كلّ شيء من دون الله، ولا يكون كذلك إلا بأن يكون الله قد فتح عليه باباً من اللطف والهدى، وأسكن قلبه الطمأنينة، بما أراه من جماله وجلاله وصادق وعده، مما يريحه ويُرضيه ويرتفع بشعوره عن الدنيا وما فيها.
ثانياً: وهي لحظة ترى إنسانية الإنسان فيها ذاتها صدقاً ظلًا لقدرة القدير ولطفه الكبير، وهل لإنسانية الإنسان غنىً ونضج وبلوغ غير أن نرى هذه الرؤية فتزايل الدنايا وتطيب وتطهر، وتستريح وتستقر، وتثق ويغمرها اطمئنان وفير؟!
ثالثاً: وهذا الاتصال الحي المثري من الفاني بالباقي، ومن الذليل بالعزيز، ومن الفقير بالغني، يضاف إلى إنّه يمثل القفزة الهائلة والنضج النهائي لإنسانية الشهيد إنّه يبقى منذ لحظة الشهادة الاتصال الحي الثابت الدائم الذي لا غياب له ولا فتور.
لو تزاحم بقاء الإسلام مع بقاء الإنسان أيهما يُقدّم؟
هذا وقد يحصل التزاحم بين مصلحة البقاء والعز للإسلام، وبين البقاء عدداً من سنوات في الحياة الدنيا لبعض من مجتمع أو أمة؛ وهو تزاحم بين إنسانية الإنسان وعزه وكرامته وبقائه الخالد الراغد من جهة، وبين أن يبقى بجسده قليلًا أو كثيراً من سني الذّل والهوان والخسة في الفانين من جهة أخرى؛ وهو تزاحم لا يتردد فيه الإسلام- بشهادة نصوصه الداعية إلى الجهاد، وتاريخه في الصراع المرير مع الكفر كله- لا يتردد أن يقدم عزَّ الإيمان وإنسانية الإنسان وحياة السُعداء الخالدين على حياة الذلِ والانسحاق في الأشقياء الفانين.
نعم هذه هي العلاقة: الإسلام من أجل الإنسان يربيه ويزكيه ويقوّم مسيرته ويصحح أوضاعه ويبلغ به غايته، والإنسان يتحمَّل أمانة الإسلام حتى الموت في سبيله، وهذا موت جسد فيه أشد حياة للروح وأكبر طفرة في الوجود، وأخصر طريق للغاية 2 3.