الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق

طاعة الحاكم الظالم

تعددت العلوم في نهج البلاغة و تطرق أمير المؤمنين عليه السلام إلى جهات مختلفة و من ضمن حكمه ما روي عنه عليه السلام في الحكمة 165، قال: «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ»، كما يُروى عن رسول الله صلى الله عليه وآله.
و المعنى أنّه لا يجوز للانسان أن يفعل محرما أو معصية لله لأمر أحد من الناس أو طاعة لأحد من الناس، فطاعة الله هي الواجبة و ما يخالفها معصية.
و المثال الواضح هو طاعة الحكام و الرؤساء و الأمراء إذا أمروا بأمر فيه معصية  لله  سبحانه و تعالى كالقتل و السجن و التعذيب و النفي و النهب و السلب و الرشاوي و غيرها من معاصي و أفعال منكرة، و هذا كثير و متكرر في التاريخ و الحاضر، و الأمثلة كثيرة لا حصر لها طول التاريخ و كربلاء أحدها و مثالها الواضح.
و منها ما يقوم به توابع الحكام و الطغاة طول التاريخ و حتى العصور الحالية من جرائم طاعة للحكام و معصية لله، و كمثال صارخ في التاريخ قصة حُميد بن قَحطبة، و هو أحد توابع العباسيين في خراسان، و أحد القادة العسكريين، و قام بقتل ستين نفسا بريئة من أولاد علي و فاطمة عليهما السلام في ليلة واحدة طاعة لهارون العباسي.
و المجازر و الحروب و الكوارث التي يقوم بها صغار الإداريين و العسكريين طاعة لحكامهم من القتل و سفك الدماء في العصور الحالية مثال واضح أيضا، و كل ما يخالف طاعة الله يجب تركه و اجتنابه.

و الرواية نصا و معنى مذكورة في روايات أخرى منها ما روي عن رسول الله (ص) «لا طاعةَ في مَعْصيةِ اللَّهِ، إنّما الطّاعةُ في المَعْروفِ، ..، وَ لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اَلْخَالِقِ»1.
و الرواية عن رسول الله صلى الله عليه و آله يرويها أمير المؤمنين عليه السلام، قال : «بَعَثَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ جَيْشاً وَ أَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلاً وَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَمِعُوا لَهُ وَ يُطِيعُوا فَأَجَّجَ نَاراً وَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَقْتَحِمُوا فِيهَا فَأَبَى قَوْمٌ أَنْ يَدْخُلُوهَا وَ قَالُوا إِنَّا فَرَرْنَا مِنَ اَلنَّارِ وَ أَرَادَ قَوْمٌ أَنْ يَدْخُلُوهَا فَبَلَغَ ذَلِكَ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ لَوْ دَخَلُوهَا لَمْ يَزَالُوا فِيهَا وَ قَالَ لاَ طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اَللَّهِ إِنَّمَا اَلطَّاعَةُ فِي اَلْمَعْرُوفِ.
وَ رُوِيَ فَهَمَّ اَلْقَوْمُ أَنْ يَدْخُلُوهَا فَقَالَ لَهُمْ شَابٌّ لاَ تَعْجَلُوا حَتَّى تَأْتُوا رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَإِنَّهُ إِنْ أَمَرَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوهَا فَادْخُلُوهَا فَأَتَوْا رَسُولَ اَللَّهِ فَقَالَ لَهُمْ لَوْ دَخَلْتُمُوهَا مَا خَرَجْتُمْ مِنْهَا أَبَداً إِنَّمَا اَلطَّاعَةُ فِي اَلْمَعْرُوفِ وَ لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اَلْخَالِقِ.
وَ قِيلَ اِسْمُ اَلْأَمِيرُ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ مُخَمَّرٍ وَ كَانَتْ فِيهِ دُعَابَةٌ فَلَمَّا هَمُّوا بِالدُّخُولِ قَالَ اِجْلِسُوا فَإِنَّمَا كُنْتُ أَضْحَكُ وَ أَلْعَبُ»2.

و  ذكر المعنى أيضا الإمام زين العابدين عليه السلام مع اختلاف في اللَّفظ، حينما أُخذت سبايا أهل البيت عليهم السلام إلى الشام بعد كربلاء، قال الراوي: « وَ دَعَا يَزِيدُ اَلْخَاطِبَ وَ أَمَرَهُ أَنْ يَصْعَدَ اَلْمِنْبَرَ فَيَذُمَّ اَلْحُسَيْنَ وَ أَبَاهُ صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِمَا فَصَعِدَ وَ بَالَغَ فِي ذَمِّ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ اَلْحُسَيْنِ اَلشَّهِيدِ صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِمَا وَ اَلْمَدْحِ لِمُعَاوِيَةَ وَ يَزِيدَ فَصَاحَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ وَيْلَكَ أَيُّهَا اَلْخَاطِبُ اِشْتَرَيْتَ مَرْضَاةَ اَلْمَخْلُوقِ بِسَخَطِ اَلْخَالِقِ فَتَبَوَّأْ مَقْعَدَكَ مِنَ اَلنَّارِ»3.

و في القرآن الكريم، في سورة العنكبوت، قال الله تعالى:﴿ ... وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ... 4، موردُه في الوالدين و المعنى العام هو لا تُطع أحدا في معصية الله سبحانه و تعالى.
و قال تعالى:﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾ 5، لا تميلوا  إلى الظالمين و لا تتبعونهم و لا تأمنوا جانبهم و هو نهى عام عن الركون إلى الظالمين، و مناصرتهم، و العقوبة هي النّار.
فلا يمكن تبرير الظلم بطاعة الظالم بل ينبغي الحذر منه و من مخططاته، و عدم التعاون معه أو مودته، بل وعدم إظهار الرضا منه، فضلا عن الاعتماد أو الاستناد إليه في معاشه و نفوذه و تنفيد أوامره.
و لكل شيء آثار و نتائج في الدّنيا و الآخرة و طاعة الحاكم الظالم تورث أصحابها الندم و الحسرة، قال تعالى:﴿ وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا 6.

و «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ»، و التي تروى أيضا عن رسول الله (ص) ردّ صريح على القائلين بطاعة الحاكم مطلقا و إن فعل الأفاعيل، فإنّ بعض المنتفعين يبرر الظُلم بطاعة الحاكم، و هذا باطل و فاسد و الصحيح هو إنّ طاعة الحاكم ممكنة إذا كان في طاعة الله، أماّ إذا كان في معصية الله فلا طاعة له و لا كرامة، و الطاعة الأصل لله و يُطاع من أطاعه، فإذا ما عصي الله مخلوق فلا طاعة له.
و بعضهم يبرر طاعة الظالم أو الحاكم الظالم في معصية الله بقوله «المأمور معذور» أو بقوله «مأمورين» يعني مأمورين و لا عتب أو ذنب، إمّا تبريرا لظلمه للمظلوم أو إرضاء لضميره و كلا المحاولتين من التبرير و الإرضاء باطلتان، و ليس كذلك لا عتب أو ذنب، فإنّ المأمور ليس معذورا بل يجب عليه أن يكون حرا و لديه إرادة تمنعه من ارتكاب المعصية المأمور بها، و  لديه حرية في اتخاذ القرار و الموقف الصحيح و رفض الباطل، و الامتناع عن الأوامر المحرمة و التي فيها معصية لله.

وفي رفض طاعة السلاطين و الحكام و الطغاة في معصية الله يروى عن رسول الله (ص) « مَنْ أَرْضَى سُلْطَاناً بِسَخَطِ اَللَّهِ خَرَجَ عَنْ دِينِ اَلْإِسْلاَمِ»7، و «مَنْ أَرْضَى سُلْطَاناً بِسَخَطِ اللَّه خَرَجَ مِنْ دِينِ اللَّه»8.
و في الخطبة القاصعة في نهج البلاغة قال أمير المؤمنين عليه السلام في التحذير من طاعة الكبراء المتكبرين «أَلَا فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ طَاعَةِ سَادَاتِكُمْ وَ كُبَرَائِكُمْ الَّذِينَ تَكَبَّرُوا عَنْ حَسَبِهِمْ وَ تَرَفَّعُوا فَوْقَ نَسَبِهِمْ وَ أَلْقَوُا الْهَجِينَةَ عَلَى رَبِّهِمْ»9.
و قال عليه السلام « وَ لَا تُطِيعُوا الْأَدْعِيَاءَ الَّذِينَ شَرِبْتُمْ بِصَفْوِكُمْ كَدَرَهُمْ وَ خَلَطْتُمْ بِصِحَّتِكُمْ مَرَضَهُمْ وَ أَدْخَلْتُم فِي حَقِّكُمْ بَاطِلَهُمْ وَ هُمْ أَسَاسُ الْفُسُوقِ»9.

ومعونة الظالمين من كبائر الذنوب، و الروايات في هذا  المقام كثيرة، و عن الإمام الباقر  «لَا دِينَ لِمَنْ دَانَ بِطَاعَةِ مَنْ عَصَى اللَّه»10.
فمن يدين بطاعة الحاكم الظالم و الطاغي الذي يأمر بالمعاصي و أنواع الظلم لا دين له حقيقة و لا إيمان، قال أمير المؤمنين عليه السلام: «لاَ دِينَ لِمَنْ دَانَ بِطَاعَةِ اَلْمَخْلُوقِ وَ مَعْصِيَةِ اَلْخَالِقِ»11.