الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

لماذا الحديث عن الشيعة والسنة؟

الحديث عن (الشيعة والسنة) (هو حديث عن الإسلام) في محرقة التاريخ، فالذين لم يفهموا الشيعة، وأغلقوا نوافذ الجهل على أنفسهم وأجيالهم، واكتفوا بمذاهبهم، لا يمكنهم إدراك قيمة (الحسم) الاعتقادي. وإن التغيب والتجهيل المستمرين، هما اللذان يولدان الفرقة! والوحدة لا يمكنها أن تأتي من دون فهم وإدراك، للآخر:

إن المسلك (المذهبي) الذي سيطر على وعي الأمة، هو الذي سلبها، قابلية التوحد والتعايش. وهو مسلك نرفضه إطلاقا، وكنت أظن أن الشيعة هم أيضا، يحجبون عامتهم عن أفكار واعتقادات أهل السنة والجماعة، ولكنني وجدت عكس ما كنت أتصور. وفي مكتبات الشيعة وحوزاتهم، كتب لأهل السنة والجماعة، ومراجعهم وكتب استدلالاتهم، بل حتى تلك الكتابات الدعائية السخيفة والتشهيرية الوهابية، في متناول أصغر طالب في حوزاتهم، ولكنني لم أعرف مؤسسة سنية، احتوت على كتاب من كتب الشيعة، وهذا مسلك غير متكافئ في التعاطي مع المذاهب الأخرى.

والصورة التي نقلها الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء النجفي في أصل الشيعة وأصولها) عن التشهيرات الغبية ضد الشيعة ليست باطلة. فأنا السني المنشأ، لم أكن أجد في بيئتنا ما يعرف بالشيعة، تعريفا حقيقا، وكل مذهب من

مذاهب الدنيا، نستطيع الإحاطة به في بيئتنا سوى (الشيعة) فإن حصار الوهابية عليهم أقوى من (جدار برلين). نعم، قد كنا نعلم أن الشيعة، أصحاب طريقة غريبة عن كل البشر، وأن أشكالهم، ربما لها أيضا بعض الخصوصيات، وأن يكون تصور الناس للشيعة على أنهم أصحاب أذناب البقر، كما أشار آل كاشف الغطاء، ليس مبالغة منه، وحال الأمة كذلك، لقد تعجب الشامي، وهو يسمع إن عليا (ع) قتل في المحراب، فقال:(أو علي يصلي)؟!.

وقد ذكر صاحب العقد الفريد في باب كتاب الياقوتة في العلم والأدب: قال أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ: أخبرني رجل من رؤساء التجار قال:

كان معنا في السفينة شيخ شرس الأخلاق، طويل الاطراق، وكان إذا ذكر له الشيعة غضب وأربد وجهه وروى من حاجبيه، فقلت له يوما: يرحمك الله، ما الذي تكرهه من الشيعة، فإني رأيتك إذا ذكروا غضبت وقبضت؟ قال: ما أكره منهم إلا هذه الشين في أول اسمهم، فإني لم أجدها قط إلا في كل شر وشؤم وشيطان وشعب وشقاء وشنار وشرر وشين وشوك وشكوى وشهوة وشتم وشح.

قال أبو عثمان: فما ثبت لشيعي بعدها قائمة.

هكذا كان يفهم أعداء الشيعة الشيعة. وذلك لأنهم يجهلون حقيقتهم.

وقديما قال الإمام علي (ع) (الإنسان عدو ما جهل)!. وإذا كرسنا واقع التجهيل والتغييب، فلربما لا سمح الله ورد من يرى في (السين) السنية: سوء، وسم، وسؤر، وسحاق، وسقم، وسخط، وسب، وسقط، وسخب، وسرقة، و... و.. وهذا التجهيل، أمتد اليوم، ليأخذ أشكالا مختلفة، كلها، تنظر إلى المسألة الشيعية بمنظار أسود!.

أقول إن الحديث عن (السنة والشيعة) ضرورة، لأن فيه تفويت للفرصة على تجار الفرقة والطائفية. ليعرف بعضنا بعضا، بكل وضوح وجلاء.

لقد رأيت بأم عيني، حركة التشهير والتجهيل، التي تبعد الناس عن الوعي الصحيح. ومن المضحكات التي لم أكن أعهدها على علماء الأديان السماوية. أن يقوم (تقي الدين الهلالي)، في آخر أيامه، بإعادة توزيع منشوره القديم (مناظرة...) وأعطاه للأميين الذين يحيطون به كحواريي المسيح (ع). لقد جاء لي البعض بهذا المنشور الساذج، وهم يتوخون هدايتي. كانوا يتصورون بأنني مفتون أو قد حل بي جنون. وما أن أطلعت عليه، حتى مزقت حجب الصمت، ورحت أفضح حقائق الكاتب والكتاب. كان أحد من الشيوخ ممن تخرج على يد (تقي الدين الهلالي)، وربما يروى عنه الحديث. سألته عن مصلحة الإسلام وراء نشر مثل هذه المنشورات.

فأجاب: إنها خدمة الإسلام.

قلت له: شيخنا، ألا ترى إن هذا منكر؟!.

قال: أعوذ بالله، اتق الله، إنه تقي الدين الهلالي وما أدراك!.

كنت أعلم إن هذا الشيخ، أكثر (أمية) من جدتي، ولكنني حاولت إقناعه، بأن يجد له صناعة أخرى، غير الفتنة!.

نعم، إن تقي الهلالي، جاء فتانا، ولم يأت ليوحد الصفوف، وهو أكبر مروج للوهابية في المغرب. وكان واجهة سعودية في البلد، ومن انحاز إلى صفه من الشباب، أعطاه تزكية. وبعثه إلى (جدة)!.

في يوم من الأيام قبيل موته - رحت أزوره، وكان قد خرج من المستشفى للتو، وكان في مرضه الأخير، وبينما أنا واقف قدام الباب، إذا بصديق لي، يخرج من البيت، وبدت على وجهه حمرة. ولما سألته عن السبب، قال لي: لقد ندمت على هذه الزيارة، إن الشيخ، لا يزال مستمرا في تكفيره للعلماء المسلمين، لقد كفر مجموعة علماء وخطباء، وكان من بين أولئك الذين أصابتهم شرارة التكفير، الشيخ عبد الحميد كشك، لأنه يكثر من مناداة الرسول صلى الله عليه وآله في خطاباته، والرسول صلى الله عليه وآله ميت، وهذا شرك صريح1!. وفي نفس المناسبة، قام بتوزيع منشوراته الفتانة!.

كان الحوار والمناظرة التي أجراها الشيخ تقي الدين الهلالي، مع بعض خطباء الشيعة من نوع خاص وإنني لم أعرف من هؤلاء الشيعة الذين ناظرهم، ولم أكن أدري ما السبب الذي جعل تقي الدين الهلالي يستنكف عن مناظرة رجال الشيعة الكبار، مثل السيد الحكيم، والسيد الخوئي، السيد الصدر، والسيد محمد الشيرازي، وعشرات العلماء والمراجع المعاصرين له في العراق ولبنان وقم... وعجبت كيف راح يبحث في القرى عن الأميين، وهؤلاء موجودون طوع البنان. وكيف لا يستحيي من الله ولا من التاريخ أن يقول إنهم من كبار علماء الشيعة، في زمن المراجع الكبار. أليس هذا هو التجهيل؟ إنهم يكتبون للأميين والمغفلين! لذلك تراهم لا يتورعون عن التلفيق!.

لقد أهدوني هذه المناظرة بين (عالم) يخدم آل سعود، وشيعيين مجهولين، لا يعرفهما أحد، وأهديتهم كتاب (المراجعات) الأضخم حجما، والأضبط مضمونا، وهو حوار موضوعي متكافئ وهادئ بين عالمين معروفين للجميع.

الأول، شيعي عاملي، خريج النجف الأشرف، والآخر شيخ للأزهر.

وشتان، شتان2.

لهذا، كان الحديث عن (الشيعة والسنة) ضرورة، تقتضيها الفتنة والجهل.

لقد انجلت تلك الصورة التي ورثتها عن (الشيعة) وحل محلها المفهوم الموضوعي الذي يتأسس؟ على العمق العلمي المتوفر في الكتابات التأريخية، والذين لم يتحرروا من أصدقائي، من هذه النظرة، هم أولئك الذين اكتفوا بالموروث، وسحقا للموروث!.

بل وإنهم اليوم لهاربون من السؤال. ويتجاهلون الموضوع. حتى لا يتحملوا مسؤولية البحث، ونتائجه!.

ويجب أن يجرى الحديث البناء حول هذه المسألة، لأسباب أخرى لا تحصى.
فبعد أحداث مكة المكرمة، التي راح ضحيتها مسلمون كثر، اهتز الإعلام العربي الرسمي وغير الرسمي. وتحول إلى موجة موحدة ذات إيقاع واحد، موضوعها الرئيسي (الشيعة والتشيع). ويومها كانت (الجدبة) في المغرب غير بسيطة.

قام المستر (مصطفى العلوي) بحملة مسعورة، ومدفوعة الثمن أيضا، واتهم الشيعة فيها بألوان من التهم التقليدية، لم أجد لها مصدقات في واقع التراث الشيعي. وكنت على علم راسخ، بأن مصطفى العلوي، هذا، لم يمسك كتابا واحدا من أمهات الكتب الشيعية. ولم تمض السنوات، حتى يعلن (العلوي المدغري) وزير الأوقاف، في الدروس الرمضانية، عن الحقيقة، ويكذب من اتهموا الشيعة بذلك. وخسئ (مصطفى العلوي).

وفي هذه الأثناء، جاء فخامة (أبو بكر الجزائري) زائرا للمغرب، يحمل في حقيبته أوراقا وهابية جديدة. كان كما بدا لنا مبعوثا رسميا من جهة هو ساكنها.

وتواجد في تلك الأثناء في أحد بيوت الأصدقاء. وكانت كلمته تتمة لما سبق من (هرج ومرج) حول (الشيعة والتشيع) ومحاولا رسم صورة كاذبة وتشهيرية، ضد الشيعة، مستغلا بذلك جهل الناس بحقيقة التأريخ ولكنه ضل الطريق هذه المرة.

فقام أحد الأصدقاء، وقال له: عفوا، هلا حدثتنا عن (الماسونية) ونشاطها في العالم الإسلامي؟3.

لهذا التجهيل، ولهذا التشهير، كان (الحديث عن الشيعة والسنة) ضرورة، لتفويت الفرصة على الصيادين في الماء العكرة. وبذلك يمكننا أن نمنح التقاعد لمثل تلك الشخصيات التي دأبت على طلب الرزق، بوظيفة التفريق والتشتيت!4.

  • 1. أعتقد أن الفهم الوهابي التوحيد، ليس إلا قصورا نجديا، بدويا. وبهذا التصور جعلوا من الإسلام دينا راكدا، جامدا، لا يتعدى المسواك، والمسك، واللحي، والتقصير و..
  • 2. الأول هو السيد شرف الدين الموسوي العاملي والثاني هو الشيخ سليم البشري.
  • 3. وكان هذا الشاب للأسف من أهل السنة والجماعة مما أحرج أبا بكر الجزائري.
  • 4. لقد شيعني الحسين (ع)، للاستاذ السيد ادريس الحسيني المغربي حفظه الله.