الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

ما نزل في سورة النور في شأن فاطمة عليها السلام

قوله تعالى:
﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ... 1

عن ابن عباس ومحمد بن مجاهد في قوله تعالى: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ... 1 فضل الله: محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ورحمته علي (عليه السلام).
وقيل: فضل الله علي (عليه السلام)، ورحمته فاطمة (عليها السلام)2. وأخرجه في البرهان عن مناقب ابن شهرآشوب 3.

قوله تعالى:
﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ 4

في مرآة العقول يرفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام): قال أبو عبد الله (عليه السلام) في قول الله تعالى: ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ ... 4 فاطمة (عليها السلام) ﴿ ... فِيهَا مِصْبَاحٌ ... 4 الحسن ﴿ ... الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ... 4  الحسين ﴿ ... الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ... 4 فاطمة كوكب دري بين نساء أهل الدنيا ﴿ ... يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ ... 4 إبراهيم ﴿ ... زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ ... 4 لا يهودية ولا نصرانية ﴿ ... يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ ... 4 يكاد العلم يتفجر بها ﴿ ... وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَىٰ نُورٍ ... 4 إمام منها بعد إمام ﴿ ... يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ... 4 يهدي الله للأئمة من يشاء ﴿ ... وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ... 4...
الحديث 5.
وفي البرهان أخرجه عن تفسير القمي مثله 6.

بيان:
يأتي النور هنا: العلم، أو الهداية، أو المعرفة، أو الحق، وكلها تدخل تحت عنوان جامع وهو الإمامة ﴿ ... وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ ... 7  وهي هداية الخلق للحق ﴿ ... يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ... 4 وهو العلم الذي تنكشف به المعارف الإلهية ﴿ ... مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا ... 8.
فالله تعالى هو مصدر النور، إذ هو نور السماوات والأرض، والرواية ناظرة إلى وسائط هذا النور الموصلة إلى الخلق، فالمشكاة - وهي المكان أو الكوة التي يوضع فيها المصباح - كمثل فاطمة (عليها السلام) إذ هي محل الإمامة وموضع هذه الوسائط النورانية، والحسن هو المصباح الذي يوضع في هذه المشكاة، والزجاجة هو الحسين الذي يلي الحسن في إمامته، إلا أن هذه الزجاجة توقد بنورها كالكوكب الدري الكبير الذي هو فاطمة (عليها السلام).
وهنا نكتة دقيقة، إذ الرواية شبهت الزجاجة كأنها كوكب دري، أي شبهت الحسين كأنه فاطمة (عليها السلام)، فتلك إشارة إلى وحدة الدور الذي قامت به فاطمة (عليها السلام) حفاظا على الإمامة، أو تثبيتا لكلمة التوحيد والرسالة في صراعها من أجل إظهار الحقائق التي نسفتها الظروف السياسية بعيد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، والحسين (عليه السلام) في نهضته أثبت حقيقة الإمامة ودورها في تثبيت كلمة التوحيد والرسالة، اللتان كادتا أن تمحيا ببيعة يزيد وما جرى من انتهاكات لحرمة الدين لولا وقفته صلوات الله وسلامه عليه.

فكل هذه الوسائط النورانية توقد من شجرة مباركة وهو إبراهيم (عليه السلام)، الذي هو مصدر لتلك الإمامة المباركة ﴿ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ... 9  وقد أشرنا إلى أن الكلمة الباقية هي الإمامة، وهذه الشجرة المباركة لا شرقية ولا غربية بل هي مظهر التوحيد لله الواحد الأحد ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ 10.
وهذه الشجرة المباركة تتفجر بالعلم والهداية والمعرفة ﴿ ... وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ... 4 إذ هذا النور وهو العلم والمعرفة لم يكن اكتسابيا بل هو لدنيا غيبيا يقذفه الله في قلوبهم صلوات الله عليهم، وهي إشارة إلى نوع علومهم اللدنية، فلم تكن مكتسبة من أحد، بل مصدرها المدد الإلهي الذي يفيض عليهم كل حين، والله تعالى يهدي لطريق الحق وهي الإمامة التي هي ذلك النور المضئ لمن يشاء من عباده.
وهذا هو المورد الثاني للتمثيل بالشجرة، إذ قد سبق التمثيل بالشجرة في سورة إبراهيم بقوله تعالى: ﴿ ... ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ ... 11 وقلنا: إن الكلمة هي الإمامة فضرب الله تعالى مثل الإمامة كالشجرة الطيبة، وفي الآية إشارة لطيفة في تمثيل الإمامة بالشجرة التي توقد ذلك المصباح الذي هو في مشكاة في زجاجة كأنها كوكب دري، وهذا النور غير منقطع بل هو دائم لا ينفد ﴿ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ﴾ 12 (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا) .

على أن سياق الآيات يساعد عليه، إذ تتلو هذه الآية قوله تعالى: ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ... 13  وسيأتي الكلام في الآية لاحقا بأنها بيوتهم (عليهم السلام)، إذ بعد ذلك يأتي مثل الذين خالفوا إمامتهم بقوله تعالى: ﴿ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ... 14  وكأن الآيات في مقام المقابلة بين هدايتهم وضلالة مخالفيهم وبأدنى تدبر ستظهر حقائق أخرى.

قوله تعالى:
﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ﴾ 13

أخرج الحاكم عن أبي برزة قال: قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) "﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ... 13 ".
قال: هي بيوت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
قيل: يا رسول الله أبيت علي وفاطمة منها؟
قال: من أفضلها 15. وأخرج السيوطي عن ابن مردويه عن أنس بن مالك وبريدة مثله، وكان السائل أبو بكر قال: فقام إليه أبو بكر فقال: يا رسول الله، هذا البيت منها بيت علي وفاطمة؟ قال: نعم من أفضلها 16.

بيان:بالرجوع إلى الآية السابقة يتضح المراد، إذ هذه الآية في سياق واحد مع الآية السابقة لوحدة الموضوع 17.