الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

هل يستدلّ من بعض الروايات على أنّ الجهاد و القتال يجب أن يكون بإشراف الإمام المعصوم؟

أخبار اختصاص الجهاد بزمن الحضور

وهو ما قد يستدلّ به على أنّ الجهاد والقتال لابدّ أن يكون بإشراف الإمام المعصوم، فمن قبيل:

۱ ـ ما رواه الكليني عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن عليّ بن النعمان عن سويد القلا عن بشير عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: قلت له: إنّي رأيت في المنام أ نّي قلت لك: إنّ القتال مع غير الإمام المفترض طاعته حرام مثلالميتة والدم ولحم الخنزير؟ فقلت لي: نعم هو كذلك. فقال أبو عبداللّه (عليه السلام):هو كذلك هو كذلك 1.

وبشير الدهّان روى عنه صفوان الذي شهد الشيخ الطوسي (رحمه الله) بأنّه لا يروي إلاّ عن ثقة، ورواية صفوان عنه واردة في الخصال على ما ذكره الشيخ عرفانيان في كتاب مشايخ الثقات.

أمّا الشاهد على كون المقصود من بشير في المقام هو بشير الدهّان فهو ورود نفس الحديث بسند مرسل عن عليّ بن النعمان عن سويد القلا عن بشير الدهّان عن أبي عبداللّه (عليه السلام) على أنّه شوهد نقل سويد القلا عن بشير الدهّان في غير هذا الموضع أيضاً.

۲ ـ رواية عبدالرحمن الأصمّ عن جدّه عن أبي جعفر (عليه السلام): «... ولا جهاد إلاّ مع الإمام»2، والسند ضعيف بعبد الرحمن الأصمّ وجدّه.

۳ ـ رواية الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) في كتابه إلى المأمون، قال: «والجهاد واجب مع الإمام العادل»3، وهي ضعيفة السند.

٤ ـ رواية الأعمش عن جعفر بن محمد (عليه السلام) في حديث شرائع الدين، قال: والجهاد واجب مع إمام عادل 4. والرواية ضعيفة سنداً.

٥ ـ رواية تحف العقول عن الرضا (عليه السلام) في كتابه إلى المأمون قال: والجهاد واجب مع إمام عادل 5. وهي ضعيفة سنداً.

والاعتراض على دلالة هذه الروايات باستثناء الحديث الأوّل باختصاصها بالحرب الابتدائية ـ بمعنى الهجوم على الكفّار في بلادهم ـ في غير محلّه، فلئن كان هناك اصطلاح متأخّر لكلمة الجهاد في ذلك لا ينبغي تحميل ذلك على النصوص التي سبقت هذا الاصطلاح. نعم يمكن القول بانصراف هذه الروايات عن الدفاع بمعنى صدّ الهجوم.

وكذلك الاعتراض على دلالة ما عدا الحديث الأوّل بعدم إيماننا بمفهوم الوصف واللقب أيضاً غير صحيح؛ لأنّ الظاهر أنّ هذه الروايات بصدد بيان شرط مشروعية الجهاد.

وكذلك الاعتراض على ما عدا الحديث الأوّل بأنّ عدم الوجوب لا يدلّ على عدم الجواز مردود بأننا لا نحتمل فقهياً جواز الجهاد للأُمة بشكل عامّ بالمعنى الخاصّ من الجواز المقابل للأحكام الأربعة الأُخرى، بل الجهاد إن كان مشروعاً فهو واجب على الأُمة، وإن لم يكن مشروعاً فهو حرام.

والاعتراض الأساس على دلالة هذه الروايات هو أن كون كلمة ( الإمام ) مصطلحاً خاصاً لدى الشيعة فيمن هو السبب المتّصل بين الأرض والسماء، والذي لا يناقش فيما يأمر به؛ لأنّه لا يأمر إلاّ بالحقّ، بخلاف الوليّ غير المعصوم الذي يناقش ويخطّأ وإن فرض وجوب طاعته حتى مع العلم بالخطأ.. إنّما هو اصطلاح متأخّر لا ينبغي حمل النصوص عليه خاصة، وإن المجتمع الذي صدرت فيه هذه النصوص كانت أكثريّته من أهل السنّة الذين لا يؤمنون بوجود إمامة بهذا المعنى حتّى في خلفائهم، وتوصيف الإمام بالعادل في غير الحديث الأوّل يدعم أيضاً ما قلناه من أنّه ليس المقصود هو الإمام المعصوم، ويؤيّد أيضاً ذلك أنّ هذه الروايات بصدد الردع عن القتال مع خلفاء الجور ما عدا الحديث الأوّل الذي يحتمل فيه ذلك، ويحتمل فيه كونه بصدد الردع عن القتال مع الخارجين منآل محمد (صلى الله عليه وآله).

ولو فرض إجمال هذه النصوص في عصرها كفانا ذلك.

هذا، ويمكن أن يقال: إنّ هذا الإشكال الذي شرحناه وهو عدم وجود نكتة لحمل كلمة ( الإمام ) على الإمام المعصوم يختصّ أيضاً بما عدا الرواية الأُولى، وذلك لأنّ التوصيف بالمفترض طاعته الوارد في الرواية الأُولى قد يقال: إنّه قرينة على إرادة الإمام المعصوم الذي هو المفترض طاعته على الإطلاق، أمّا غير الإمام المعصوم فلو ثبتت له الولاية وجبت إطاعته في أحكامه الولائية ولم تجب إطاعته في آرائه الفقهية لغير مقلّديه.

فلو صحّ هذا الاستظهار فهذا يعني أن الرواية الأُولى تمّت سنداً ودلالةً وإن كان ما عداها غير تام سنداً ولا دلالةً.

ولكنّ الذي يحسم لنا مادّة الإشكال حتى بعد فرض تماميّة السند والدلالة أمران:

الأوّل: ما يمكن القول به من أنّ إسقاط الحكومات الاستعمارية المعادية للإسلام دفاع عن بيضة الإسلام ودار الإسلام الذي لا شكّ في وجوبه، ودلّت عليه بعض الروايات من قبيل رواية يونس التامّة سنداً، قال: «سأل أبا الحسن (عليه السلام)رجل وأنا حاضر... إلى أن قال: قال: يقاتل عن بيضة الإسلام. قال: يجاهد؟ قال: لا إلاّ أن يخاف على دار المسلمين، أرأيتك لو أنّ الروم دخلوا على المسلمين لم ينبغ لهم ( لم يسع لهم خ ل ) أن يمنعوهم، قال: يرابط ولا يقاتل، وإن خاف على بيضة الإسلام والمسلمين قاتل، فيكون قتاله لنفسه ليس للسلطان؛ لأنّ في دروس الإسلام دروس ذكر محمد (صلى الله عليه وآله)»6.

وهذا الوجه كاف لدفع الإشكال في الخروج على الطاغوت بخصوص ما هو محلّ الابتلاء فعلا في بلادنا الإسلامية.

والثاني: أنّه لو حمل الإمام في هذه الروايات على الإمام المعصوم، ثمّ تمّ لنا نصّ على مبدأ ولاية الفقيه، وأنّ ما للإمام فهو للفقيه كان هذا حاكماً على هذه الروايات بملاك النظر 7.

 

  • 1. وسائل الشيعة ۱۱: ۳۲، الباب ۱۲ من أبواب جهاد العدو، الحديث الأول.
  • 2. وسائل الشيعة ۸: ۸۳، الباب ٤۲ من أبواب وجوب الحج، الحديث ۱۷.
  • 3. المصدر السابق: ۱۱، الباب ۱ من أبواب جهاد العدو، الحديث ۲٤.
  • 4. المصدر السابق: ۳٥، الباب ۱۲ من أبواب جهاد العدو، الحديث ۹.
  • 5. المصدر السابق، الحديث ۱٠.
  • 6. وسائل الشيعة ۱۱: ۲٠، الباب ٦ من أبواب جهاد العدو، الحديث ۲.
  • 7. المصدر: كتاب ولاية اللأمر في عصر الغيبة، لسماحة السيد كاظم الحائري.