الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

رهان ابي بكر

نص الشبهة: 

ويذكرون هنا قضية ملخصها: أن المشركين كانوا يحبون غلبة الفرس، لأنهم أصحاب أوثان، وكان المسلمون يحبون غلبة الروم، لأنهم أصحاب كتاب؛ فأخبر النبي «صلى الله عليه وآله» وهو في مكة بأن الروم سيغلبون الفرس، فقامر أبو بكر المشركين: إن ظهر الروم فله كذا، وإن ظهر الفرس فلهم كذا إلى خمس سنين. (وذلك قبل أن يحرم القمار)؛ فأمره رسول الله «صلى الله عليه وآله» بزيادة المدة معهم، فزادها . فلما ظهرت الروم قمر أبو بكر، وحصل على ما أراد من المشركين ، وعند كثيرين: أنهم ظهروا عليهم في الحديبية، لا في بدر (راجع : الدر المنثور ج5 ص150 و 151 عن أحمد، والترمذي، وحسنه النسائي، وابـن المنـذر، وابـن أبي حاتم، والطبراني في الكبير، والحاكم وصححه، وابـن مردويه، والبيهقي في الدلائل، والضياء في المختارة، وتاريخ الخميس ج1 ص298، والبداية والنهاية ج3 ص108، وحياة الصحابة ج3 ص69 عن بعض من تقدم وعن ابن جرير، وتفسير ابن كثير ج3 ص422، وغير ذلك.).

الجواب: 

مناقشة رواية الرهان

ونحن لا نصدق هذه الرواية:
أولاً: لتناقض صورها. ونكتفي بذكر التناقضات التي أشار إليها العلامة الطباطبائي مع بعض الزيادات، قال أيده الله:
أقول: وفي هذا المعنى روايات أخر مختلفة المضامين في الجملة، ففي بعضها: أن المقامرة كانت بين أبي بكر وأبي بن خلف، (وفي بعض المصادر 1: أمية بن خلف).
وفي بعضها: أنها كانت بين المسلمين والمشركين، كان أبو بكر من قبل المسلمين، وأبي من قبل المشركين.
وفي بعضها: أنها كانت بين الطائفتين. وفي بعضها: بين أبي بكر والمشركين كما في هذه الرواية.
وفي بعضها أن الأجل المضروب: ثلاث سنوات.
وفي بعضها: خمس.
وفي بعضها: ست.
وفي أخرى: سبع.
ثم الأجل المضروب أولاً انقضى بمكة، وهو سبع سنين؛ فمادهم أبو بكر سنتين بأمر النبي «صلى الله عليه وآله»؛ فغلبت الروم. وفي بعضها خلافه.
ثم في بعضها: أن الأجل الثاني انقضى بمكة.
وفي بعضها: أنه انقضى بعد الهجرة. وكانت غلبة الروم يوم بدر.
وفي بعضها: يوم الحديبية.
وفي بعضها: أن أبا بكر لما قمرهم بغلبة الروم أخذ منهم الخطر، وهو مائة قلوص، وجاء به إلى النبي «صلى الله عليه وآله»، فقال: إنه سحت، تصدق به 2. إنتهى ما أورده العلامة الطباطبائي.
ومن التناقضات: أن الخطر في بعضها: أربعة قلائص.
وفي بعضها: خمس.
وفي بعضها: عشر.
وفي أخرى: مئة.
إلى غير ذلك من وجوه الاختلاف التي تظهر بالمراجعة والمقارنة.
وثانياً: قال العلامة الطباطبائي أيضاً:
«والذي تتفق فيه الروايات: أنه قامرهم؛ فقمرهم. وكان القمار بإشارة النبي «صلى الله عليه وآله». ووجه ذلك (أي في نفس الرواية كما في بعض نصوصها) بأنه : كان قبل تحريم القمار؛ فإنه قد حرم مع الخمر في سورة المائدة، وقد نزلت في آخر عهد النبي «صلى الله عليه وآله».
وقد تحقق بما قدمناه في تفسير آية الخمر والميسر: أن الخمر كانت محرمة في أول البعثة، وكان من المعروف عن الدين أنه يحرم الخمر والزنى. على أن الخمر والميسر من الإثم بنص آية: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ ... 3.
والإثم محرم بنص آية: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ ... 4.
والأعراف من العتائق النازلة بمكة؛ فمن الممتنع: أن يشير النبي «صلى الله عليه وآله» بالمقامرة.
وعلى تقدير تأخر الحرمة إلى آخر عهد النبي «صلى الله عليه وآله»، يشكل قوله لأبي بكر، لما أتى بالخطر إليه: إنه سحت، ثم قوله: تصدق به؛ فلا سبيل إلى تصحيح شيء من ذلك بالموازين الفقهية. وقد تكلفوا في توجيه ذلك بما يزيد الأمر إشكالاً.
ثم إن ما في الرواية: أن الفرس كانوا عبدة أوثان، لا يوافق ما كان عليه القوم؛ فإنهم وإن كانوا مشركين، لكنهم كانوا لا يتخذون أوثاناً» 5.
هذا كله عدا عن أن قول النبي «صلى الله عليه وآله» لأبي بكر: إنه سحت، يدل على أن القمار كان محرماً، ولولا ذلك لم يكن المأخوذ به سحتاً. مع أن المدَّعى هو أن التحريم كان بعد بدر والحديبية معاً، لأن التحريم قد جاء في سورة المائدة النازلة بعد ذلك حسب زعمهم.

تتميم وتعقيب

ونقول: إن كلام سيدنا العلامة هنا صحيح، إلا أنه يمكن الإجابة على الفقرة الأخيرة من كلامه، فيقال: إن عبارة الرواية، هكذا: «كان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم؛ لأنهم أصحاب أوثان. وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على الفرس؛ لأنهم أصحاب كتاب».
فمن غير البعيد: أن يكون قوله: «لأنهم أصحاب أوثان» راجع للمشركين، أي أن سبب محبة المشركين لغلبة الفرس، هو كون المشركين أصحاب أوثان لا كتاب لهم؛ فأشبهوا الفرس في عدم الكتاب لهم، فهم يميلون إليهم. وعلة محبة المسلمين لغلبة الروم هو كون المسلمين أصحاب كتاب، أي والروم كذلك 6.

  • 1. راجع: البداية والنهاية ج3 ص108.
  • 2. تفسير الميزان ج16 ص163، وللوقوف على المزيد من التناقضات، راجع: الدر المنثور ج5 ص150 ـ 153 عن مصادر أخرى غير ما قدمناه في هامش الصفحة السابقة، مثل ما نقله عن: ابن جرير، وأبي يعلى، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وابن عساكر، والترمذي وصححه، والدارقطني في الأفراد، والطبراني، وأبي نعيم في الدلائل، والبيهقي في شعب الإيمان، وابن الحكم في فتوح مصر، وحياة الصحابة ج3 ص69.
  • 3. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 219، الصفحة: 34.
  • 4. القران الكريم: سورة الأعراف (7)، الآية: 33، الصفحة: 154.
  • 5. تفسير الميزان ج16 ص163 و 164 .
  • 6. الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الخامسة، 2005 م. ـ 1425 هـ.ق، الجزء السادس.