حين توقف الباحثون المسلمون أمام فكرة حقوق الإنسان، وجدوا أن هذه الفكرة تشير في ظاهرها ومنطوقها إلى جانب الحقوق، ولا تلتفت إلى جانب الواجبات، واعتبروا أن هذا الأمر يمثل نقصاً وفراغاً وضعفاً في بنية هذه الفكرة ومضمونها ومكوناتها.
اعتبر القرآن الكريم الوحدة بين ابناء الأمة الإسلامية والإنسانية، تجليا سياسيا واجتماعياً لعقيدة التوحيد، والتشتت والتناحر الداخلي مظهرا شيطانيا في الاجتماع الإنساني.
لقد انتهت مأساة كربلاء لتبدأ مسيرة كربلاء. مأساة كربلاء انتهت بسفك أزكى الدماء، وسبي أطهر النساء، وفاجعة لم يسبق لها مثيل عبر التاريخ، وابتدأ من بعد ذلك اليوم مسيرة جديدة، لان هذه المأساة تحولت مع الزمن الى مسيرة، وهذا المسيرة تحولت الى حقائق راسخة توغلت في عمق الانسان حتى اصبحت جزءاً منه وكأنها من سنن الكون.
لا بد من دراسة تجربة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في بناء المجتمع الإسلامي الأول دراسة دقيقة ومتأنية حتى نستفيد منها كيف نبني مجتمعاتنا على أساس هذا الدين العظيم المليء بالمعاني السامية التي تحقق إنسانية الإنسان بكل أبعادها المادية والمعنوية والروحية، لعل ذلك يكون الخطوة السليمة لإنقاذ البشرية وإخراجها من الظلمات إلى النور.
إن جميع الظالمين ينظرون إلى هذه المسيرة الحسينية المليونية بصفتها تهديدا حقيقيا لوجودهم. فهي مظهر متجدد لوحدة المستضعفين من عشاق العدل والقسط ولقدرتهم على مواجهة جميع عوامل الإحباط واليأس.
إن جغرافيا زوار الإمام الحسين الشهيد عليه السلام، هي جغرافيا المقاومة والانتصار، جغرافيا الشهداء والتضحيات والمواجهة المستمرة ضد الظالمين من الصهاينة والأمريكان إلى الإرهابيين التكفيريين والمستبدين المعتدين على حرية الإنسان وكرامته.
ذكرنا أن التبليغ أولوية الحوزات العلمية. لقد كان الأمر كذلك في العصور كافّة ولكن هذه الأهميّة مضاعفة خاصّة في عصرنا، لأن حدثاً وقع في عصرنا لم يحدث منذ أكثر من ألف عام منذ صدر الإسلام، وهو حاكميّة الإسلام. إن تأسيس النظام السياسي لإدارة البلاد بمحتوى إسلامي ليس له سابقة. عندما يحدث مثل هذا الأمر يزداد العداء للإسلام بطبيعة الحال وأنتم تعلمون ذلك وتشاهدونه وترونه.
من خصائص المجتمع الذي يريده الإسلام أنه: مجتمع البناء والسعي والتقدم، فاذا شاهدت مجتمعاً تقهقر الى الوراء، وتخلَّف عن ركب الحضارة، فاعرف أنه ابتعد عن روح الإسلام وجوهره واكتفى بالاسم والعنوان فقط. فليس عبثاً أنك تجد عشرات الآيات في القرآن الكريم تُقرن (الإيمان) بـ(العمل)، وليس مطلق العمل، بل (العمل الصالح)..
الإصلاح هو هدف رئيس من أهداف الأنبياء والأئمة(عليهم السلام) فالمجتمعات البشرية بحاجة دائمة للإصلاح ، وتوجيه الناس نحو عبادة الله عز وجل، ومحاربة الفساد والإفســاد ، وإشاعـة القيم والمثل العليا،وتكريس مكارم الأخلاق ، وبناء جيل صالح ، ومجتمع راشد. إن الأنبياء والأئمة(عليهم السلام) كانوا يسعون دوماً إلى إصلاح العقيدة،وإصلاح الأخلاق ، وإصلاح المجتمع ، وإصلاح الفكر والثقافة ، وإصلاح السلوك والعادات الفاسدة.
ان الذين يجاهدون في سبيل الله، يعرفون الطرق المؤدية الى الله سبحانه وتعالى، وهذا هو هدف الانبياء (ع)، وفي كربلاء نجد نماذج من هذه الاستقامة، ومن هذا النوع الجهاد، وأبعاد استقامة الامام الحسين (ع) في يوم عاشوراء من خلال قراءة دعاء عرفة والتدبر فيه، وخصوصاً في كلمته التي يقول فيها: «فان لم تكن غضبت عليّ فلا أبالي سبحانك غيرك ان عافيتك أوسع لي».
لا بد في نظرنا المعرفي وبيان الوجه العقائدي والتربوي لزيارة الإمام الحسين الخروج من الإطار التقليدي والنظر لها كوجه فقهي مستحب، إذ هذه الزيارات الشريفة تحمل بين طياتها الكثير من المعاني والمضامين العالية والتعريف بالإمام المعصوم وبيان جزء مهم من سيرته الشريفة، وهي برنامج روحي وأخلاقي تدريبي يستقي من خلاله الزائر مجموعة من المفاهيم والقيم التي تتحول إلى سلوكيات وتصرفات، يسير فيها على نهج الإمام الحسين .
لا شك إننا - كمؤمنين ورساليين - لا يصح أنْ نقف موقف اللامبالاة وعدم الاكتراث، بل إنَّ المسؤولية الشرعية تفرض علينا التصدي لمعالجة الوضع، ومكافحة الفساد، والسعي للتغيير الى الأفضل. إنَّ السعي للاصلاح والتغيير الجذري في المجتمع هو أحد السمات الرئيسية للمؤمنين.
من أهداف رسالات السماء ومصلحي البشر اثارة دفائن العقول، وشحذ وتحريك الارادة والعاطفة، واستخراجها من باطن الانسان الى واقعه، وهذا ما فعلته ملحمة كربلاء تماماً، فقد كانت هي الطليعة والقدوة لجهد الانسان في تفجير مخزونه الارادي والعقلي والعاطفي.
إن عرض الإسلام بشكله المسلكي الاجتماعي مع امتلاكه للأصول المنسجمة والمتناغمة ذات الأبعاد الشاملة للحياة الإنسانية يعتبر اليوم من أولى الضروريات للفكر الديني. لقد كانت الأبحاث والتحقيقات الإسلامية قبل اليوم في الغالب فاقدة لهاتين الخاصتين الفائقتين في الأهمية مما كان يجعل الباحثين والمحققين في عملية مقارنة الإسلام بالمدارس والمسالك الاجتماعية العصرية كما ينبغي، غير قادرين على الوصول إلى نتيجة مثمرة وحكم قاطع.
حينما نجلس في مأتم أو في محفل من محافل ذكر الامام الحسين (ع) وثورته الخالدة .. التي هي خلاصة لثورات الانبياء عليهم الصلاة والسلام وامتداد لرسالات الله. فإننا نفعل ذلك لتصفية أنفسنا وتزكية ذواتنا. ان هذه الدموع التي تجري على مصاب الشهيد السبط تغسل قلب الانسان، وتقلع الصفات السيئة من نفسيته...
لواقعة كربلاء العظيمة وجهان أساسان يشكلان صورتها الواحدة. الوجه الأول: هو الرسالة التي تحملها، وهي تعزيز القيم، وتثبيت المبادئ التي نادى بها الحسين وأصحابه، والتزموا بها، واستشهدوا من أجل الدفاع عنها. الوجه الآخر: هو المأساة الدامية، والمصيبة المفجعة، التي نالت أهل بيت الرسالة في كربلاء.
القرآن لا ينهانا عن التعايش السلمي والعلاقات المتوازنة مع الذين كفروا ومع الذين أوتو الكتاب، بل التحذير هو عن (الطاعة). والطاعة تعني الخضوع للطرف الآخر ولخططه ولأهدافه التي لا تجد في حسابها موضعاً لمصالحنا ومصائرنا وسعادتنا.
ان الكلمات القرآنية التي هي محور التشريع الاسلامي ومنار البصيرة الرسالية ومصنع الايمان الصافي يجب أن تفسر وفق السياق القرآني ذاته وما نستنبطه منه، ومن أبرز الكلمات التي تعتبر مفتاحاً لفهم القرآن ومدخلًا لطريق فهم الحياة هي الكلمات التي تؤكد عليها آيات القرآن الحكيم وتجعلها محوراً لسائر الافكار والتشريعات.
حقيقة النهضة الحسينية أضحت الوجه الباطني للإسلام، وكما أن النبوة تجسدت في الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله فإن الولاية التي هي باطنها تجسدت في سيد الشهداء عليه السلام ولقد أعطى هذا الحديث النبوي الشريف تصويراً فريداً لهذه الحقيقة بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "حسين مني وأنا من حسين".