نشر قبل 21 سنة
مجموع الأصوات: 70
القراءات: 16545

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

كيف يَثبت للإنسان وجود نظام شامل في العالم ، حتى يستدل به على وجود الخالق ؟

يُعتبر برهان النَظم من أقوى و أشهر البراهين التي يستدل بها الإلهيوّن على وجود خالق عالم قادر لهذا الكون ، و هذا البرهان يتكون أساساً من ركنين لا يقبلان النقاش ، أحدهما حسِّيٌ ، و الآخر عقلي .
أما الأول : فهو أننا نرى بأعيننا عالماً منّظماً في غاية التنظيم ، و كُوناً مرتباً في منتهى الترتيب ، و هذا مما لا يمكن لأحد أن ينكره أو يُشَّكِكَ فيه إلاّ إذا كان مكابراً أو جهولا ، لأنه مما أثبته الحس و أيّده العلم ، قديماً و حديثاً .
و أما الثاني : فهو أننا نقطع بأن كل شئ منظم و مرتب تنظيماً متقناً و ترتيباً محكماً ، إنما هو بفعلِ فاعلٍ حيٍ قادرٍ ، و عالمٍ هادفٍ ، لأن التنظيم فعلٌ ، و الفعلٌ محتاج إلى الفاعل ، و لأن الترتيب ملازم للهدفيّة ، التي هي _ بدورها _ تتطلب العلمَ و الحكمة ، و الإحاطة بآثار الأشياء ، و نتائج الأفعال .
و هذا الركن كسابقه من الأمور المسلمة ، و الحقائق القطعية التي لا يرتاب فيه إلاّ عارفٌ متجاهل ، لأنه مما أثبتته العقول ، و اعتبره العقلاء من الأصول التي تبنى عليه الحياة .
فهذا العالَم الحاضر الذي فيه كلُ شئ بوزنٍ و مقدار ، و نقطة شروع و انتهاء ، بحيث يمكن أن يُتَحسَّبَ فيه لظاهرةٍ مثل الخسوف و الكسوف ، و أنه متى يقع و في أي زمن يتحقق بعد عشرات من السنين أو أكثر بماذا يفسِّر ، إذا قلنا بأنه غير ناشئ و صادر من مدبر حكيم و خالق عليم ؟
ترى هل يمكن للماديين إنكار واقع العالم الراهن و الكون المحسوس ؟
أم هل يمكن للماديين إنكار النظم و الهدفية في هذا العالم الثابت وجودهُ بالعيان ؟
إن الحديث إنما هو عن هذا الموجود المنظم ، و هذا الكون المرتب الذي يزداد العِلمُ بتقدمه ، و اكتشافه للمزيد من سننه ، و قوانينه ، يقيناً بخضوعه لسمة النظم و الهدفية ، و ليس في الأمر إحالة إلى غائب ، أو إشارة إلى شئ مفترض .
و بتعبير آخر إن الكلام إنما هو في هذا الكون المتصف باتساق أجزائه ، و انتظام أعضائه ، و ترابط مفرداته ، و انسجام متفرقاته ، بالقطع و اليقين .
فَلْيجيبنا الماديُ في هذا النطاق الذي ليس له أن يخالفنا فيه ، لو كان عالماً مُنصِفاً ، و فاهماً متحرياً للحقيقة , و ليفسّر لنا هذا الأمر الراهن الذي لا يمكنه أن يتجاهله أو ينكره ، لو كان واعياً مدركاً .
فبرهان النظمٌ قائمٌ على دراسة و ملاحظة الأمر الراهن الواقع الذي لا يقبل الجدل إلاّ أن نكذّب الأبصار ، و نخطّئ العقول .
و ليس الاستدلال فيه بحاجة إلى الإحاطة بكل شئ وراء هذا الموجود ، حتى يمكن لأحد أن يصادر أو يكابر .
و الشيء الموجود كافٍ لتوفير الركن الأول في الاستدلال لأنه تام في عناصره و مقوماته .