الحوزات جمع حَوْزَة ، و الحوزة في اللغة هي الناحية و الحدود و ما في ملكية الشخص ، و إصطلح إطلاق الحوزة على حلقة الدرس و مجلس الاستاذ الذي يُلقي دروسه على طلبة العلم ، و هذه التسمية اطلقت على حلقة الدرس و طلبة الاستاذ لانحيازهم إلى الجهة التي يجلس فيها الاستاذ ، و هذه الحلقات ربما كانت متشكلة من الاستاذ و طالب واحد أو أكثر ، و لربما كانت بعض هذه الحلقات مكتظة بالمئات من طلاب العلم بل من كبار العلماء و الفقهاء كل ذلك حسب المرتبة العلمية للاستاذ و حسب الظروف الاجتماعية و المعيشية و السياسية و حسب البلدان .

تاريخ نشأت الحوزات العلمية في الإسلام :

لقد أنشأت الحوزات العلمية منذ اليوم الأول من تاريخ الإسلام و تولت مهمة تعليم طلبة العلم و نشر العلم بشكل طوعي قربة إلى الله تعالى من دون أن يكون لها ضوابط خاصة .

و نظراً لأهمية العلم و التعلُّم و التعليم و كثرة الاحاديث الواردة في وجوب التعلُّم و التعليم و مكانة العلم و منزلة العالم و المتعلم فإن المؤمنين و المؤمنات بذلوا جداً جهيداً في تحصيل العلم و خاصة العلم الديني ، الأمر الذي تسبب في أن تلعب الحوزات العلمية فيما بعد دوراً أساسياً في صيانة التراث الإسلامي من النسيان و الضمور و الاندراس و التحريف .

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله : " طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَلَا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ بُغَاةَ الْعِلْم‏ " 1.

بداية التعليم و التعلم بشكل ممنهج في الإسلام :

ذكرت المصادر الإسلامية أن رسول الله صلى الله عليه و آله هو الذي وضع اللبنة الأولى للمؤسسة التعليمية ، و إليك ما جاء في مقدمة التحقيق للموسوعة الحديثية ( وسائل الشيعة ) للشيخ الحر العاملي قدس سره :

" بعث رسول الله صلى الله عليه وآله ، و من يحسن الكتابة في أرض الجزيرة قليلون جدا ، حتى لقد كان الكُتَّاب في مكة المكرمة يعدون على الأصابع . و لذا فقد كانت مدة البعثة في مكة متخصصة - في الأعم الأغلب - لبناء الشخصية الإسلامية و تربية المسلمين القلائل الذين من الله عليهم بدينه .

و كانت هذه القلة القليلة من المسلمين المتعلمين تتحمل عبء كتابة الوحي على القراطيس و العسب و الأحجار الخفاف و الأدم (الجلود) .

و لما هاجر الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله إلى المدينة حث المسلمين على تعلم الكتابة ، و كتابة القرآن و حفظه ، فكان رجال من صحابته مختصين بكتابة الوحي .

و لما وقعت غزوة بدر و أسر المسلمون عددا من المشركين كان فيهم من يعرف الكتابة ، فجعل رسول الله صلى الله عليه و آله فكاك أسرهم لقاء تعليمهم عشرة من صبيان المسلمين القراءة و الكتابة .

فكان رسول الله صلى الله عليه و آله أول ناشر للكتابة في الإسلام في مدينته المنورة و بين أصحابه المسلمين 2 .

التعليم أولاً :

قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علي عليه السلام : بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله إِلَى الْيَمَنِ وَ قَالَ لِي : " يَا عَلِيُّ لَا تُقَاتِلَنَّ أَحَداً حَتَّى تَدْعُوَهُ ، وَ ايْمُ اللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ عَلَى يَدَيْكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَ غَرَبَتْ ، وَ لَكَ وَلَاؤُهُ 3  يَا عَلِي‏ " 4.

تطور الحوزات العلمية و إنتشارها :

لقد تطورت الحوزات العلمية الشيعية شيئاً فشيئاً حتى أصبحت على مرِّ العصور مراكز علمية تعليمية تُعنى بتدريس العلوم الإسلامية وفق المذهب الشيعي الإثني عشري ، فهي اليوم مؤسسات علمية متطورة و منتشرة بشكل واسع مهمتها تعليم طلبة العلوم الدينية و تدريب العلماء و تأهيلهم على مستويات رفيعة ليصبحوا مبلغين و أئمة و فقهاء و مراجع دينين متمييزين يحملون شهادات عليا ذات اختصاصات مختلفة بالغة الأهمية .

و من الواضح أن الحوزات العلمية الشيعية تلعب اليوم دورًا محوريًا في الحفاظ على التراث العقائدي و الفقهي الشيعي و تطويره .

• 1. الكافي : 1 / 30 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني ، المُلَقَّب بثقة الإسلام ، المتوفى سنة : 329 هجرية ، طبعة دار الكتب الإسلامية ، سنة : 1365 هجرية / شمسية ، طهران / إيران .
• 2. أنظر الصفحة الخامسة من مقدمة التحقيق لكتاب تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة ( طبعة مؤسسة آل البيت ) .
• 3. أي أنت ترثه بولاء الإمامة .
• 4. الكافي : 5 / 28 .