الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

اجراءات الاسلام لتامين الامن الاجتماعي

من أهم القضايا المحورية التي اهتمت بها الشرائع السماوية والقوانين الوضعية هي (قضية الأمن الاجتماعي) التي تعني أن يعيش المجتمع سليماً من كل الآفات والمفاسد التي تقض حياة المجتمعات وتعيث فيها خراباً وفساداً على المستويات كافة.

ولطالما كانت هذه القضية الشغل الشاغل ولا زالت حتى اليوم تبحث عن كل الوسائل والأساليب التي تؤمن للمجتمع الإنساني عامة حياة سعيدة وآمنة وبعيدة عن كل ما ينغص الحياة الإنسانية من كل جوانبها المادية والمعنوية.

والإسلام قد أولى هذه القضية اهتماماً بالغاً عبر تشريعاته وأحكامه المتعلقة بسلامة وأمن المجتمع، وإذا أردنا أن نعدد هذه التشريعات يظهر معنا ما يلي:

  • أولاً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وهذا التشريع العظيم له مكانته العالية في منظومة الأحكام الاسلامية، وقد ورد عن الإمام علي (ع) قوله (من أمر بالمعروف شدّ ظهر المؤمن، ومن نهى عن المنكر أرغم أنف المنافق)1لأن هذه الوظيفة عندما يمارسها كل المسلمين الملتزمين في المجتمع، فإنهم يشجعون على فعل ما هو المطلوب منهم، والابتعاد عن كل ما هو منهي عنه، وبذلك تشتد اللحمة بين أفراد المجتمع الاسلامي ليكونوا كالقلب الواحد والجسد واليد الواحدة على كل من يريد الحاق الأذى والضرر بالمجتمع الاسلامي، ولذا ورد في القرآن الكريم قوله تعالى﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ... 2، وهذا التشريع الأساس ليس ظرفياً، بل هو تشريع دائم حتى لو صلح المجتمع، لأن الاستغناء عنه يسمح للمنافقين والأعداء  بأن يتسللوا بأفكارهم الضالة والمنحرفة لإفساد المجتمع، أما مع الاستمرار الدائم بالقيام بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذا يعني أن المجتمع هو تحت المراقبة والحراسة المشددة لحماية كل الأفراد وخصوصاً ضعاف النفوس الذين اذا لم نحمهم من أصحاب النيات السيئة والحقودة والعدوة، فإنهم سينجرون وراء أولئك المفسدين في الأرض، فضلاً عن أن هذا التشريع إذا بقي فاعلاً ومراقباً للمجتمع فهو بإمكانه أن يشكل رأياً عاماً في المجتمع ينبذ كل ما هو فاسد ومنحرف من حياة المجتمع الاسلامي، فيصبح بالتالي كل فرد من أفراد المجتمع الاسلامي، خفيراً ورقيباً يمارس هذه الوظيفة لأن منافعها سترجع إليه ومفاسدها ستبتعد عنه، ولذا ورد في القرآن الكريم﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ... 3، وكذلك نرى أن الله عز وجل يأمر الأمة الإسلامية بالعمل بهذا التشريع بقوله تعالى﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ 4.

ومن هنا يتفرع عن هذا التشريع المهم قيام الجمعيات الأهلية والمؤسسات الخيرية واللجان الصحية وغيرها لتقديم الخدمات لأفراد المجتمع الاسلامي، لأن كل هذه الجهات تندرج تحت عنوان فعل الخير وبالتالي تحت عنوان (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).

  • إقامة الحدود الشرعية: وهذه الوسيلة من أهم وسائل الردع للمخالفين، لأن العقاب عندما ينزل بهم ويكون هو القصاص على ما اقترفته أيديهم وجوارحهم من جرائم بحق الفرد أو المجتمع، فهذا كفيل للمنع والردع للآخرين عن ارتكاب ما يوجب القصاص، وقد قال تعالى﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ 5، ولهذا منع الإسلام أتباعه من أخذ القصاص بأنفسهم لأن هذا الأسلوب يؤدي إلى الهرج والمرج والإخلال بأمن وهو المجتمع خصوصاً إذا تم تجاوز من وجب عليه القصاص وأُخذ بالثأر من غيرهالبريء الذي لا ذنب له ولا عقاب عليه، ولذا نجد أن الشرع الإسلامي قد عهد بهذه الوظيفة المهمة جداً إلى ولي الأمر، وهو الذي يعيِّن من يليق بهذه الوظيفة والتي نعبر عنها في منظومتنا الإسلامية باسم (القضاء) الذي يفصل في الخصومات بين الناس وإقامة الحدود الشرعية عند ثبوتها بأدلتها الشرعية الموجودة في كتب الفقه.

ولذا نجد أن الإسلام يعمل بكل تشريعاته على منع المفاسد والجرائم من حياة المجتمع الاسلامي، ولكن يبقى أن هناك بعض الأشخاص لا تنفع معهم وسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيتمادون في غيهم وظلمهم واعتداءاتهم على أمن المجتمع كالقتل والسرقة وبعض الجرائم الأخلاقية المنبوذة من المجتمع الاسلامي، أو كالعصابات التي تمارس السلب والنهب وتعتدي على أمن الفرد المسلم والمجتمع الاسلامي، فهؤلاء يعتبرهم الله أنهم محاربون له ولرسوله ولدينه، ولذا أوجب لهم عقاباً شديداً وفق الجرائم التي ارتكبوها، وقد قال الله عنهم في كتابه ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ 6، وقد ورد في الحديث عن المعصومين (ع) (حدٌّ يقام في الأرض أزكى فيها من مطر أربعين ليلة...)7، لأن الحدود إنما سميت بذلك لأنها تحد من انتشار الظلم والفساد والجريمة في المجتمع الاسلامي فضلاً عن نيل المجرم جزاءه في الدنيا على ما اقترفت يداه بحق المجتمع، ويبقى عذاب الآخرة من خصائص الله عز وجل يوم القيامة.

  • الأسرة: ونعني بها المجتمع الصغير المؤلف من الأب والأم والأولاد، وهي القاعدة الأساس والأولى في بناء المجتمع السليم، فكلما كانت العائلة المسلمة ملتزمة بدينها وبأحكامه وإرشاداته في تربية نفسيهما في تربية أولادهما، فإنهما بذلك يكونان قد أعطيا المجتمع أفراداً صالحين وأقوياء في دينهم وقادرين على الاندماج في المجتمع بيسر وسهولة، وأما لو كان الأبوان غير مؤمنين وغير صالحين، فإنهما سيدفعان إلى المجتمع أبناء فاسدين وبالتالي فسادهم سيؤدي إلى وقوع خلل منهم في المجتمع يقتضي علاجه وإزالة آثاره، ولذا يقول العلماء (إن الإنسان يتعلم اللغة والعادات والأعراف والتقاليد الاجتماعية من بيت أسرته، بالإضافة إلى ترسخ القيم السلوكية والسعي نحو تحقيق الذات)، وهذا ما يجعل  من دور الأسرة ممثلة بالأبوين دوراً ريادياً وأساسياً عندما يوجهان الأولاد نحو الارتباط بالله عقائدياً وسلوكياً من خلال العبادات، واجتماعياً من خلال تعويدهم على الأخلاق الحسنة والعادات والتقاليد الايجابية.

وتشكيل الأسرة عندنا كمسلمين يبدأ من اختيار الزوجة المناسبة ذات التربية الصالحة والنشأة الحسنة، وصولاً إلى مرحلة انجاب الأطفال وتربيتهم واعدادهم، ولذا ورد في الحديث (إياكم وخضراء الدمن) قيل وما خضراء الدمن يا رسول الله: قال (ص) المرأة الحسناء في منبت السوء)8.

  • دور المؤسسات التعليمية والتربوية: وهذا العامل لا يمكننا تجاهله خصوصاً في العصور الأخيرة بعد التبدل والتغيير الذي طرأ على أساليب التعليم والتربية، فمن هنا يجب أن تكون المناهج الدراسية قائمة على الأسس والمبادئ الإنسانية السليمة وعلى الفطرة الالهية المودعة في عمق الوجدان الإنساني والإسلامي خاصة.

فدور المؤسسات التعليمية اليوم قد صار جزءًا لا يتجزأ من بناء شخصية الفرد في المجتمع الاسلامي وغيره، ولذا لا بد لنا من السعي لايجاد المؤسسات التعليمية التي تستطيع بمناهجها التربوية أن تتوافق مع الإسلام ، وأن تكون قريبة وحاكمة لدور الأسرة في التربية والتنشئة حتى لا يكون هناك نوع من الاهتزاز والانفصام في شخصية الفرد المسلم إذا كان المنهج التعليمي لا يتوافق مع الفطرة الالهية والقيم الإنسانية والتربية الأسرية، فيأخذ من المدرسة شيئاً ومن الأسرة شيئاً آخر مما قد يؤدي إلى وجود خلل بنيوي في شخصية الفرد التي ستنعكس على حياته ودوره المستقبلي في المجتمع.

من هنا نعتبر أن وجود المؤسسات التعليمية التي يكون من ضمن مناهجها التربوية مجال للتحصين العقائدي والفكري والأخلاقي والثقافي هي خير معين وخير نصير لمن يتلقون التعليم خصوصاً في المراحل التأسيسية التي تبدأ من السن المبكرة من عمر الإنسان.

ومن الأدلة المهمة على دور المناهج التعليمية في بناء شخصية الفرد المسلم هو ما حدث في الجمهورية الإسلامية في إيران بعد الانتصار، فقد عملت جاهدة من خلال لجنة علياً كانت وظيفتها تقييم المناهج وتعديلها بما يتناسب مع النظرة الاسلامية للتربية والتعليم.

إن ما ذكرناه هو بعض العناوين الأساسية التي عمل عليها الإسلام لضمان أمن المتجمع المسلم، وإن كانت العناوين هي أكثر من هذه ، لكننا اكتفينا بذكر بعضها مما يلقي الضوء على الطريقة الإسلامية في بناء المجتمع الاسلامي وحفظه من الفساد والانحراف.

والله ولي التوفيق9