مجموع الأصوات: 52
نشر قبل 7 سنوات
القراءات: 8425

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الاسلام ومنهج اللاعنف

يربي الإسلام أتباعه على اتباع منهج التسامح والرحمة، والتحلي بالأخلاقيات والآداب الحسنة، واحترام حقوق الآخر المعنوية والمادية. وقد كان لهذا المنهج أثره الكبير في إقناع الكثير من الكفار والمشركين في اعتناق دين الإسلام ؛ ومن ثم تحول هؤلاء إلى مدافعين عن قيم الإسلام ومبادئه باعتباره الدين الحق والخاتم.
والقارئ المتأمل لآيات القرآن الكريم يجد الكثير من الآيات الشريفة التي تدعو للتسامح والصفح واللين والعفو والسلم واحترام حقوق الآخر حتى وإن كان كافراً.
فمن آيات العفو قوله تعالى: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ 1 ومن آيات السلم قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ 2 ومن آيات الصفح قوله تعالى: ﴿ فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ 3 ومن الآيات التي تدعو لاحترام عقائد الآخرين حتى ولو كانت فاسدة غير صحيحة قوله تعالى: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ... 4 إذ أن الأمور الاعتقادية تحتاج إلى قناعة قلبية، ولا أثر للإكراه أو الضغط على القلب، علما بأن احترام عقائد المخالف في الدين لايعني القبول بعقيدته، وإنما المقصود حفظ حقوق أهل الذمة في بلاد المسلمين التي تكفل الإسلام بحفظها لهم.
وفي آية أخرى يدعو القرآن الكريم المؤمنين إلى عدم سب الكافرين حتى لايتجرؤوا على سب الله عز وجل، يقول تعالى: ﴿ وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ... 5.
هذه الآيات الشريفة كلها تدعو إلى العفو والصفح والتسامح والجنوح إلى السلم والسلام، وبالمفهوم ـ حسب مصطلح المناطقة ـ فإنها تدعو إلى اللاعنف سواء تجاه الذات أو الآخر المخالف ولو كان من خارج الدائرة الإسلامية.
لقد انتشر الإسلام بمنهج الأخلاق الراقية، وبمفردات التسامح والتراحم والمحبة واحترام الحقوق المعنوية والمادية حتى للمخالفين من الديانات الأخرى.
وفي سيرة النبي الأكرم  نجد الرحمة والرأفة واللين في التعامل حتى مع أعدائه. بل أنه  يرفض حتى الدعاء على المشركين، فقد ورد أنه قيل يا رسول الله: ادع على المشركين. فقال: (إني لم أبعث لعاناً، وإنما بعثت رحمة).
والمتعمق في سيرة النبي يجد أنه لم يتوسل ولا مرة واحدة بوسيلة غير مشروعة، إذ أن صلاح الأهداف لا يبرر فساد الوسائل. إذ أن الغاية لاتبرر الوسيلة.
بل نجد في سيرة النبي  حتى في الغزوات التي خاضها ضد الكفار والمشركين كان يوصي أصحابه بضرورة الالتزام بأخلاقيات الحرب، وعدم جواز استخدام الوسائل والأساليب غير الأخلاقية من قبيل: التمثيل بالقتلى، وقتل الشيوخ والأطفال والنساء، بل ينهى حتى عن قطع الشجر إلا في حال الضرورة القصوى.
إن منهج الإسلام يقوم على نبذ العنف ضد الأنا وضد الآخر المخالف، ويدعو للحوار والجدال بالتي هي أحسن، والالتزام بأخلاقيات الإسلام في كل الأوقات والظروف.
وما تلجأ إليه اليوم بعض الحركات والتيارات السياسية من اتباع منهج العنف من أجل تحقيق أهدافها يتعارض بصورة قطعية مع مبادئ الإسلام وقيمه وأخلاقياته.
إذ ليس من الإسلام في شيء ممارسة أية أعمال إرهابية في بلاد المسلمين أو حتى في بلاد غير المسلمين، ولا يجوز القيام بأية أعمال يرفضها الشرع المقدس ضد الكفار أو غيرهم من قبيل: الاختطاف والاحتجاز والقتل والتمثيل بالقتلى تحت أية ذرائع أو حجج، فإن كل ذلك ـ بالإضافة لحرمته في الإسلام ـ يشوه صورة الإسلام في نظر الآخر، كما أنه يمس أمن المجتمع، ويؤثر على البنية الاقتصادية لبلاد المسلمين... وغير ذلك كثير.
إن على كل من يقوم بمثل هذه الأعمال الإرهابية أن يستفيد من تجارب الحركات الأخرى في البلاد الإسلامية وغيرها ممن اتخذت أساليب عنيفة وإرهابية، إذ أنها إما فشلت في الوصول لأهدافها أو وصلت لطريق مسدود. كما أن الثمن الذي دفعته تلك التيارات كان باهضاً للغاية، ومع ذلك لم تحقق أهدافها كما هو واضح لكل مراقب للأحداث التي وقعت وتقع في غير بلد من بلاد المسلمين.
وهنا نختم القول بضرورة التركيز على تفنيد البنية الفكرية التي يرتكز عليها دعاة العنف، إذ أن هؤلاء يستندون في أعمالهم الإجرامية إلى الفهم الخاطئ والتفسير الانتقائي لنصوص الإسلام، ولذلك لا بد من مضاعفة العمل الفكري المؤصل عقديا وفقهيا من أجل توضيح ونشر منهج الإسلام الأصيل القائم على التسامح والرحمة واحترام حقوق الآخرين. وضرورة غرس هذه المفردات الإسلامية في نفوس وعقول الأجيال المعاصرة 6.