الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الجانب العقائدي لثورة الإمام الحسين

 

إذا أردنا دراسة هذا الجانب فلم نعرف أنّ ثورة في التاريخ عُرفت بعقائديتها بهذا اللون من الاعتقاد والتفاني من أجله كثورة الحسين (عليه السّلام).

والإنسان لا يمكن له أن يعرف المستوى العقائدي لثورة من الثورات إلاّ أن يدرس النصوص والوثائق لقادة هذه الثورات وأنصارها.

وثورة الإمام الحسين (عليه السّلام) بلغت في عقائديتها الذروة العليا في الوعي والعمق لدى قائدها وأتباعه وأنصاره ؛ فهي لم تختلف وعياً في جميع أدوراها منذ أن اُعلنت حتّى آخر نفس من حياة رجالها ، على مختلف المستويات الثقافية والإدراكية لرجالها. فهذا الشيخ الكبير يحمل نفس الوعي للثورة الحسينيّة الذي يحمله الكهل والفتى ، وحتى الذي لم يبلغ الحلم يحمل نفس الروح لدى رجالها وأبطالها. فلو تصفّحنا الوثائق الأولى لقائد هذه الثورة الحسين (عليه السّلام) ، لرأيناها تحمل نفس روح الوثائق التي قالها الحسين (عليه السّلام) في آخر حياته ، فهي :

أ ـ الثورة على حكم يزيد بن معاوية.

ب ـ إقامة الشريعة الإسلاميّة وتطبيقها مقام المخالفات التي أشاعها الحاكم آنذاك.

فثورة الإمام الحسين (عليه السّلام) هدفت في قيامها هذين الخطّين. تغيير الجهاز الحاكم ، وتطبيق الشريعة الإسلاميّة.

أ ـ اما الثورة على تغيير الجهاز الحاكم

فالإمام الحسين (عليه السّلام) لم يقصد من ثورته على الحكم تغيير يزيد بالذات لأنّه ، هو يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي ، فتكون ثورته ثورة قبلية كما يصوّرها البعض ، ويعتقد بأنّ الخصومة بين الهاشميين والاُمويِّين كانت مستمرة منذ قرون قبل الإسلام وبعده ؛ ولهذا خرج الحسين (عليه السّلام) على يزيد.

بل الإمام الحسين (عليه السّلام) علّل ثورته على حكم يزيد في بعض خطبه وبياناته.

ويتّضح ذلك جليّاً ممّا جاء في الوثيقة التي خطبها الحسين (عليه السّلام) أمام أوّل كتيبة للجيش الأموي : «أيّها الناس ، إنّي سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال : مَنْ رأى سلطاناً جائراً ، مستحلاً لحرام الله ، ناكثاً لعهده ، مخالفاً لسنة رسوله ، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ، فلم يغيّر ما عليه بفعل ولا قول ، كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله» 1 .

حيث علّل (عليه السّلام) خروجه على سلطان يزيد لأنّه سلطان جائر ، يحكم الناس بالإثم والعدوان ، وذلك مخالف للشريعة الإسلاميّة ، ولسنّة النبي محمّد (صلّى الله عليه وآله) ؛ فلهذا خرج عليه.

صحيح أنّ هناك بعض الوثائق تصرّح باسم يزيد ، كما في وثيقة رقم ـ ١ ـ الوثيقة التي قالها لمّا طلب منه والي يزيد على المدينة مبايعة يزيد فأجابه (عليه السّلام) : «أيّها الأمير ، إنّا أهل بيت النبوّة إلى قوله : ويزيد رجل فاسق ، شارب للخمر ، قاتل النفس المحترمة ، معلن للفسق ، ومثلي لا يبايع مثله» 2 .

فهكذا نجد الإمام (عليه السّلام) يعلّل ثورته على يزيد لأنّه رجل فاسق ، شارب للخمر ، قاتل النفس المحترمة ، معلن للفسق. وهذه الصفات لا تتّفق مع شروط الخلافة ؛ فلهذا أعلن الحسين (عليه السّلام) ثورته على حكمه ، فثورته ليست ثورة قبلية ولا عنصرية ، كما يتوهّم البعض.

ب ـ تطبيق الشريعة الإسلاميّة

وهذا هو من أهم أهداف الحسين (عليه السّلام) من ثورته على الحكم ، حيث عرض نفسه وأهل بيته وأصحابه للقتل والسلب والنهب من أجل هذا الهدف المقدّس.

فالحسين لم تكن غايته الرئيسية من خروجه تَسلُّم زمام الحكم فحسب ، بل إنّما هو يعتبر الاستيلاء على الحكم وسيلة لتطبيق أحكام الشريعة لا غاية بذاتها. ولا أيضاً بدافع العامل الاقتصادي كما يذهب إليه البعض من أنّها نتيجة لظروف اقتصادية معينة دفعت بالحسين إلى ثورته. وليس أيضاً بصحيح ما يقوله البعض من أنّها نتيجة مرحلة زمنية اقتضتها التطوّرات التاريخية آنذاك ، بل الدافع الرئيس الوحيد للإمام الحسين (عليه السّلام) هو تطبيق الشريعة الإسلاميّة والمحافظة عليها وإن أدّى ذلك إلى سفك دمه.

ويسند قولنا هذا ما جاء في بعض نصوص خطبه ورسائله مثل :

١ ـ «ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان ، وتركوا طاعة الرحمان ، وأظهروا الفساد ، وعطّلوا الحدود ، واستأثروا بالفيء ، وأحلّوا حرام الله ، وحرموا حلاله» 3 .

٢ ـ «وقد بعثت إليكم بهذا الكتاب ، وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه ؛ فإنّ السنّة قد اُميتت ، والبدعة قد اُحييت» 4 .
٣ ـ «ألا ترون إلى الحقّ لا يُعمل به ، وإلى الباطل لا يُتناهى عنه؟» 5 .

٤ ـ «وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ، ولا مفسداً ولا ظالماً ، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي (صلّى الله عليه وآله) ؛ اُريد أن آمر بالمعروف ، وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدّي وأبي» 6 .

فإنّ هذه المقتطفات من خطب ورسائل الإمام الحسين (عليه السّلام) لهي نصوص صريحة واضحة ، لا شبهة ولا غموض فيها لبيان غرضه وهدفه (عليه السّلام).

فإنّها جميعاً تدل على أنّ الحكم القائم آنذاك كان يعمل بكل قواه على تقويض الشريعة الإسلاميّة من جذورها بإشاعة المنكر والباطل ، ومخالفة الكتاب والسنة ، «فإنّ السنّة قد اُميتت ، والبدعة قد اُحييت».

والحسين (عليه السّلام) لم يخرج لغيّر مقاومة المنكر والباطل ، وإحياء السنّة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولم يطلب الحكم والمنصب قط لأنّه من أهل بيت النبوة الذين لم يأتوا للملك إلاّ أن يقوّموا المعوّج ، ويدعوا إلى الحق ، ويدفعوا الباطل. فهذا جدّه رسول الله محمّد (صلّى الله عليه وآله) في بداية دعوته ، عَرضت عليه رجالات قريش الملك والسيادة والمال على أن يترك دعوته وقول الحقّ ، فأبى (صلّى الله عليه وآله) وقال لعمّه أبي طالب (رض) : «يا عمّاه ، لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر حتّى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته» 7 .

وهذا أبوه علي بن أبي طالب (عليه السّلام) القائل : «اللّهمّ إنّك تعلم أنّه لم يكن الذي كان منّا منافسة في سلطان ، ولا التماس شيء من فضول الحطام ، ولكن لنردّ المعالم من دينك ، ونظهر الإصلاح في بلادك ، فيأمن المظلومون من عبادك ، وتُقام المعطلة من حدودك» 8 .

وقد عرضت عليه الخلافة في قضية الشورى بشروط فأبى (عليه السّلام) لئلاّ يخالف الشروط التي لا يرتضيها. في حين أنّ الخلافة الإسلاميّة في وقتها كانت الدنيا بأسرها ، وخصوصاً بعد أن انهارت دولة الروم والفرس. فعلي (عليه السّلام) أبى أن يقبلها مع أهمّيتها في مقابل أن لا يخالف شرطاً ، فرفض الدنيا بأسرها في رفضه إياها إزاء عدم مخالفة شرط واحد.

وهذا أيضاً سفير الحسين (عليه السّلام) مسلم بن عقيل ، بعثه (عليه السّلام) إلى الكوفة لأخذ البيعة من أهلها ، وجاء عبيد الله بن زياد ودخل الكوفة ، فذهب مسلم إلى دار هاني بن عروة ، وكان في داره شريك بن الأعور مريضاً ، فأراد ابن زياد عيادة شريك في دار هاني ، فاتفق شريك مع مسلم أن يقتل عبيد الله عندما يأتي لعيادته ، والإشارة بينهما رفع شريك عمامته. ثمّ جاء ابن زياد ودخل على شريك ومسلم مختبئ في الخزانة ، فأخذ شريك يرفع عمامته مراراً فلم يخرج مسلم ، وقال : اسقنيها ولو كان فيها حتفي. فقال ابن زياد : إنّه يخلط في علّته. ثمّ خرج من دار هاني ، فخرج مسلم ، وقال له شريك : ما منعك منه؟! فقال مسلم : تذكّرت حديث علي (عليه السّلام) ، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : «إنّ الإيمان قيد الفتك ، فلا يفتك مؤمن» 9 . فلو كان مسلم يريد الإمارة والملك لخرج وفتك بابن زياد وأراح الأمّة من شرّه ، ولكنّه يخشى على إيمانه وعقيدته لأنّ الإيمان قيد الفتك ، والمؤمن لا يفتك.

وهكذا لو أردنا أن نستعرض أهل البيت (عليهم السلام) ، لرأيناهم لا ينشدون ملكاً ولا سلطاناً بالذات ، وإنّما غايتهم من الحكم هي تطبيق أحكام الشريعة الإسلاميّة وتركيز دعائمها ؛ فلهذا نرى الإمام الحسين (عليه السّلام) يقول : «وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي (صلّى الله عليه وآله) ؛ اُريد أن آمر بالمعروف ، وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدّي وأبي» 6.

فهذه هي سيرة جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وسيرة أبيه علي بن أبي طالب (عليه السّلام). 10 .

 


لمزيد من المعلومات يمكنكم مراجعة الروابط التالية:
من هو المنتصر، الحسين بن علي، أم يزيد بن معاوية؟
لماذا حارب الحسين يزيداً و لم يحارب معاوية؟
ما معنى الاسلام محمدي الوجود حسيني البقاء، و من هو القائل؟
السجل الجامع لشهر محرم و يوم عاشوراء

  • 1. انظر الوثيقة رقم ٤٤ من هذا الكتاب.
  • 2. انظر الوثيقة رقم ١ من هذا الكتاب.
  • 3. انظر الوثيقة رقم ٤٤ من هذا الكتاب.
  • 4. انظر الوثيقة رقم ١١ من هذا الكتاب.
  • 5. انظر الوثيقة رقم ٦٣ من هذا الكتاب.
  • 6. a. b. انظر الوثيقة رقم ١٧ من هذا الكتاب.
  • 7. انظر تاريخ الكامل لابن الأثير ص ٤٣ ج ٢.
  • 8. نهج البلاغة ـ ج ٢ ص ١٩محمد عبده.
  • 9. (١) مقتل الحسين ـ عبد الرزاق المقرّم ص ٢٤٦ ، الكامل ـ ابن الأثير ج ٣ ص ٢٧٠.
  • 10. المصدر : الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، لسماحة العلامة السيد عبد الكريم الحسيني القزويني ( حفظه الله ) ، الطبعة السادسة : 1424 هجرية ـ 2004 ميلادية ، الناشر: دار الغدير .