حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
الجيل الجديد وهاجس التجديد الديني
من الممكن القول أن تطور علاقة الفكر الإسلامي المعاصر بفكرة التجديد، له علاقة بتبلور وظهور جيل جديد من المثقفين والمفكرين الإسلاميين، وهو الجيل الذي ركز نفسه كسباً وعطاء في المجالات الفكرية والثقافية، وبدأ عطاؤه الفكري والثقافي بالتبلور والنضج والظهور مع حقبة تسعينات القرن العشرين، وأخذ في التواصل والتراكم مع بداية القرن الحادي والعشرين، ومازال يشق طريقه، ويحافظ على حضوره.
ويعد ظهور وانبعاث هذا الجيل، من أبرز ملامح التغير والتطور في مسارات ومسلكيات الفكر الإسلامي المعاصر، فقد استطاع هذا الجيل أن يظهر نشاطاً وحيوية، وينهض ببعض الأعمال والمشروعات الفكرية والثقافية التي عرف نفسه من خلالها، وكشف عن مواهبه وقدراته عن طريقها، وعبر فيها عن أفكاره وتصوراته، وعن طموحاته وتطلعاته.
وقد بات هذا الجيل يعبر اليوم، عن نسق ثقافي له بنيته وملامحه ومكوناته، التي يتميز وينفرد بها، ويكشف عن هذا النسق مجموع الأعمال والكتابات الفكرية والثقافية، التي أنجزها من ينتمون إلى هذا الجيل، والتي لفتت الانتباه إليها وإليه.
هذا النسق الثقافي على أهميته وقيمته، لا يقدم في الدراسات والكتابات التي تعنى بمجالات الفكر الإسلامي، وعند الباحثين والمؤرخين في هذه المجالات، بوصفه نسقاً ثقافياً معبراً عن قدر من التماسك والانتظام، بحيث يعرف ويدرس على هذا الأساس، ومازلنا نفتقد إلى الكتابات والدراسات التي تحاول التعرف على هذا النسق الثقافي واكتشافه، وتناوله بالدراسة والتحليل لمعرفة طبيعته وملامحه ومكوناته.
ولعل من أبرز الملامح الفكرية التي ميزت هذا الجيل، ميله الواضح لنزعة التجديد في الفكر الإسلامي، النزعة التي بقي وما زال مسكوناً بها، وذلك لقربه وتناغمه مع الاتجاهات الحديثة والمعاصرة في الفكر الإسلامي، التي تبرز حيوية الإسلام وقدرته على مواكبة العصر، والاستجابة لحاجات ومقتضيات المجتمع المعاصر، وتأكيد المنحى والمسلك الحضاري، وتبنى نهج التواصل والانفتاح والتنوير، والتخلي عن التشبث بالماضي، والانغلاق على التراث، والانقطاع عن المعارف الإنسانية الحديثة.
هذه الملامح والأبعاد والمكونات هي التي حاول مثقفو هذا الجيل ومفكروه أن يتلمسوها ويدعوا لها في سياق حديثهم عن تجديد الفكر الإسلامي.
وتكمن أهمية وفاعلية ما أنجزه الجيل الجديد من المثقفين والمفكرين الإسلاميين في مجال تجديد الفكر الإسلامي، في كونه جاء متصلاً ومتواتراً، بالشكل الذي حقق تراكماً مهماً على المستوى الكمي، حيث توالت وتواصلت الكتابات والمؤلفات منذ تسعينات القرن الماضي، ومازالت متوالية الصدور ولم تنقطع، ويبدو أنها لن تنقطع أو تتوقف.
وعند النظر في هذه الكتابات، يمكن القول أنها عبرت عن طور مبكر من أطوار النمو والتطور الفكري عند هؤلاء، وبالتأكيد فإن ما أنجزه هؤلاء في هذا الطور، لا يمثل أنضج وألمع ما يمكن أن يقدموه مستقبلاً.
وبالتالي فإن هذه الكتابات والمؤلفات لا تعبر، ولا ينبغي أن تعبر بالضرورة عن القراءة النهائية أو المكتملة حول هذا الموضوع. بمعنى أن لا يكتفي هؤلاء بالقراءة التي قدموها بوصفها قراءة نهائية ومكتملة، لأن الحاجة إلى تجديد هذه القراءة، ومراجعتها وإعادة النظر فيها، ستظل تظهر وتتأكد باستمرار مع تراكم المعرفة والخبرة، وأننا سنظل بحاجة دائمة ومستمرة إلى تجدد هذه القراءة وتطورها وتراكمها، فالتجديد هو من دواعي التجديد.
وإذا اعتبرنا أن ما قدمه من ينتمون إلى هذا الجيل في هذا الوقت، لا يعد الأكثر نضجاً وتميزاً في مجال تجديد الفكر الإسلامي، باعتبار أن الحديث حول هذا الموضوع بالذات، بحاجة إلى مستويات عالية من تراكم المعرفة والخبرة، إلا أنه كشف من جهة أخرى، على ما يمكن أن يقدمه هؤلاء مستقبلاً، بإمكانه أن يكون الأكثر نضجاً وتميزاً، إذا حافظ هذا الجيل على مساره الفكري الجاد والمتفوق1.
- 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ، العدد 15146.