حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
الكراهية الدينية.. وأنماطها
الكراهية الدينية هي من أشد أنماط الكراهية حساسية وخطورة، وهذا بصورة عامة هو من طبيعة كل أمر له علاقة بالدين أثراً وتراثاً، تفسيراً وتأويلاً، وذلك لأن الدين له علاقة ممتدة في التاريخ، فهو أقدم شيء بدء فيه وبقي مستمراً معه، وتأثر به التراث الإنساني في جميع أزمنته وعصوره القديمة والحديثة، وعلى تعدد واختلاف هويته وطبيعته، واتصل به الإنسان وتفاعل معه بطريقة تكاد تمس جميع جوانب حياته، وفي أدق تفاصيلها الجزئية واليومية، ومازال يحتفظ بتأثيره، التأثير الذي ليس من المرجح قطعاً أن ينقطع أو يتوقف.
والمقصود بالكراهية الدينية، ذلك النمط من الكراهية الذي يتصل بالمجال الديني ويتحدد به، إما من جهة الباعث والمنطلق، أو من جهة المعنى والتفسير، أو من جهة الرؤية والموقف. هذه ثلاث جهات قد تتصل أو تنفصل، وباتصالها أو انفصالها فإنها تساهم في هذه الحالة بتوليد كراهية، يصطلح عليها من حيث الوصف والطبيعة والمجال بالكراهية الدينية.
وفي الغالب تنشأ الكراهية الدينية متأثرة بالاختلافات التي لها علاقة بالدين، وذلك حين تتحول الاختلافات إلى كراهية، أو دافع نحو الكراهية، على مستوى النظر أو التعامل مع الآخر الديني، أو مع الآخر غير الديني بسبب له علاقة بالدين.
وفي هذا الشأن يمكن الحديث عن ثلاثة أنماط من الكراهية الدينية، هي:
النمط الأول: الكراهية الدينية التي تنشأ بسبب الاختلاف بين الأديان، ومنها الأديان السماوية الثلاث الكبرى اليهودية والمسيحية والإسلام التي شهدت فيما بينها اختلافات نقلها لنا التاريخ، وما زالت موجودة إلى اليوم. والشعور بهذا النمط من الكراهية قائم وموجود بين أصحاب هذه الديانات جميعاً، وهذا يعني أن الكراهية الدينية ظهرت في إطار هذه الديانات الثلاث، وبين معتنقيها والمنتسبين إليها، وقد تضرر الجميع من هذه الكراهية، واشتكى ويشتكي منها، ويكفي معرفة ما بين أتباع اليهودية وأتباع المسيحية من كراهية متوارثة من التاريخ القديم، ترجع إلى الاتهام الذي وجهه المسيحيون إلى اليهود بصلب وقتل السيد المسيح حسب الرواية المسيحية.
النمط الثاني: الكراهية الدينية التي تنشأ بسبب الاختلاف بين المذاهب الدينية في إطار الدين الواحد، وهذا النمط من الكراهية ظهر في جميع الديانات السماوية، التي حصل في جميعها انقسامات وتعدديات مذهبية، تولد منها ما نسميه بالكراهية الدينية، وقد مرت على بعض هذه المذاهب في فترات تاريخية سابقة نزاعات وحروب دامية وقاسية، كالذي حدث في داخل المسيحية بين الكاثوليك والبروتستانت في ألمانيا خلال النصف الأول من القرن السابع عشر الميلادي، وكانت من أشد الحروب الدينية التي حصلت في أوروبا، وعرفت هناك بحرب الثلاثين عاماً حيث دامت ما بين عام 1618م إلى عام 1648م، وعدت سبباً في انطلاقة حركة التنوير في ألمانيا.
والشعور بهذا النمط من الكراهية موجود بصور مختلفة، وفي أزمنة مختلفة، وعند شرائح وفئات مختلفة، بين أصحاب هذه المذاهب، وعلى مستوى الديانات السماوية الثلاث، بما في ذلك أصحاب المذاهب في إطار الدين الإسلامي.
النمط الثالث: الكراهية الدينية التي تنشأ بسبب الاختلاف بين الجماعات والفئات في إطار المذهب الديني الواحد، باعتبار أن التنوع والاختلاف سنة طبيعية وتاريخية في الاجتماع الإنساني جارية حتى في إطار اجتماعيات المذهب الديني الواحد. وهذا النمط من الكراهية يتحدد في صورتين، في صورة ما يحدث بين بعض الجماعات التي تشترك من جهة الإطار العام في المرجعية الدينية، وتختلف في نظم العمل ومناهج السلوك.
وفي صورة ما يحدث بين بعض الفئات الدينية وغير الدينية بسبب اختلافات فكرية أو اجتماعية لها علاقة بالدين أو بالمجال الاجتماعي الديني، على طريقة ما يحدث بين بعض الإسلاميين وبعض العلمانيين1.
- 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الخميس / 10 يناير 2008م، العدد 15111.