حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
- التوبة - الحكام - الذنوب - الرشيد - الشيخ محمد تقي الفلسفي - الغرائز - الندم - النفس الأمارة - النفس اللوامة - الهادي العباسي - الهوى - الوجدان - بني العباس - هارون - هارون الرشيد - هوى النفس
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
الندم على الذنب و النفس اللوامة
- تعديل الميول ـ الفرار من تعذيب الضمير
- قوتان باطنيتان
- قيادة الغرائز
- طغيان الغرائز
- الوجدان و الغرائز
- عبادة الهوى
- الوجدان و تعديل الهوى
- التعامل على أساس الوجدان
- سعادة المجتمع
- جزاء مخالفة الوجدان
- جنون ضابط شاب
- الرشيد و غادر
- على مفترق الطرق
- الهدوء النفسي
- 1 ـ الإقرار بالذنب
- 2 ـ رجاء المغفرة
- الندم و طلب المغفرة
- الايمان و تدارك الخطأ
تعديل الميول ـ الفرار من تعذيب الضمير
قال الله تعالى : ﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ﴾ 1 .
إتضح لنا مما ذكرناه أن في الضمير الإنساني قوة تسمى بالوجدان الأخلاقي . و في الموارد التي يرتكب الإنسان جريمة يقع فريسة اللوم و التقريع من تلك القوة الباطنية . إن الوجدان الأخلاقي من القوة و القدرة بحيث أنه لا يترك المجرم و نفسه حتى في عالم النوم . يستعرض أمام عينه جرائمه بصورة الرؤيا ، و بذلك يلومه عليها ...
إن قوة الوجدان الأخلاقي و إدراك قبح الاجرام هو الذي يحور صورة الحلم و لا يسمح بأن يظهر المجرم على صورته الواقعية من جهة و يجعل المجرم من جهة أخرى يشاهد جرائمه في الرؤيا برعب و قلق و أن الانقياد لأوامر الوجدان الأخلاقي و إطاعة مقرراته وظيفة حتمية لكل إنسان ... فإن مخالفته تتضمن مصائب و مآسي لا تجبر . و سيدور بحثنا في هذه المحاضرة حول الاستفادة من الوجدان الأخلاقي ، و تنفيذ قوانينه و النتائج الوخيمة التي تترتب على مخالفته و الخروج عليه .
قوتان باطنيتان
هناك قوتان في طريق إرضاء الميول أو ضبطها و عدم الاستجابة لها في باطن كل إنسان : احداهما ايجابية ، و الأخرى سلبية . أما القوة الايجابية فهدفها جلب اللذائذ و إرضاء الغرائز فقط ، و تميل إلى إشباع جميع الميول الطبيعية بدون قيد و شرط و أن تحقق جميع الرغبات . هذه القوة لا تفهم الخير و الشر ، أو الصالح و الفاسد ، إنها تنادي باللذة فقط و ليس لها هدف غير ذلك . و لقد عبر القرآن الكريم عن هذه القوة الباطنية بـ ( النفس الأمارة ) ... حيث يقول عز من قائل : ﴿ ... إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ... ﴾ 2 .
و أما القوة السلبية في باطن الإنسان ، فهي تتمثل في القوة التي تمنع الإنسان في جلب اللذائذ عن ارتكاب الجرائم و الوقوع في الدنس ، و تلطف من حدة الميول ، و تلجم النفس الأمارة الشموس ، إنها تسمح بإرضاء الغرائز و الاستجابة للميول بالمقدار الذي لا يتصادم مع المقررات العقلية و العرفية و الشرعية ، أما ما عدا ذلك فانها لا تسمح به . و لقد عبر القرآن الكريم عن هذه القوة المعدلة للميول بـ ( النفس اللوامة ) ... حيث يقول تعالى : ﴿ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ﴾ 3 .
قيادة الغرائز
مما لا شك فيه أن الحياة البشرية مدينة إلى الميول و الغرائز التي أودعها الله تعالى في مزاج الإنسان ، ذلك أن الغرائز و الرغبات النفسانية هي القوة المحركة العظمى التي تدبر دولب الحياة الإنسانية ، و لا توجد أي قوة في الإنسان تبعثه على النشاط و الحيوية كالغرائز . و لكن النقطة الجديرة بالملاحظة و الانتباه أن هذه الغرائز إذا نفذت واستجيب لها بالصورة الصحيحة و بالشكل المعقول فانها تبعث على الخير و السعادة ، أما إذا لم يلتزم العقل قيادتها و كان إرواؤها على غير نظام أو ترتيب ، فلا شك في أنها تتضمن مئات المآسي و تؤدي بالإنسان إلى عاقبة سيئة .
عشرات الأرياف يمكن أن توجد على ضفاف نهر ، و مئات الأسر تستطيع أن تعيش فيها على أتم الرفاه و الراحة ... إن جميع المزارع و الحقول و المراعي و بصورة موجزة جميع مظاهر العمران هناك وجدت من ماء ذلك النهر . و إذا لم يكن ذلك النهر موجوداً ، لم يكن أثر للعمران ولم تكن توجد الأرياف ، و لكن قد يصادف أن ينحدر السيل من الجبال و يؤدي فيضان النهر إلى أن يتجاوز النهر مجراه ، و يهجم على المزارع و المساكن بصورة جنونية ، و يؤدي إلى خسائر عظيمة في الأرواح و الأموال و تنسف الأتعاب و الجهود التي بذلها الريفيون المساكين طيلة سنوات عديدة !!.
إنه لا يمكن الاستغناء عن النهر ، لأن النهر يعتبر الشريان الرئيسي لحياة هؤلاء الناس في الأرياف ، و إن مظاهر العمران ظهرت بفضل وجود النهر ـ و لأجل أن نستفيد من فوائد النهر ، و لا ترد علينا خسارة أو ضرر من جراء الفيضان ، علينا أن نبني سداً محكماً عليه ، و نمنع من طغيانه و من الواضح أن بناء السد يجعلنا ننتفع من فوائد النهر باستمرار ، و نكون في مأمن من أضراره و خسائره .
طغيان الغرائز
إن الغرائز و الميول البشرية تشبه النهر الذي تقوم عليه الحياة الفردية و الاجتماعية . فإن كانت الاستجابة لها بصورة معقولة و حسب مقاييس ثابتة فإنها تمنح الحياة نشاطاً و حيوية ، أما إذا أرضيت بالصورة الفوضوية العارمة و من دون نظام أو ترتيب فلا شك في أنها تؤدي إلى الشقاء و الانهيار . و بعبارة أخرى : فكما أن النهر كان مسخراً لصالح الناس تارة و كان الناس مسخرين لتأثير النهر تارة أخرى ، كذلك الغرائز فإنها قد تخضع لقيادة العقل ، و قد يخضع العقل لقيادة الغرائز . إن السعادة تتحقق متى خضعت الميول جميعها لسيطرة العقل ، و كانت منقادة لأوامره و مقرراته .
هذا الكلام مقبول لدى جميع الماديين و المتألهين في العالم ، فقد أقر العقلاء و العلماء جميعهم بأن الانقياد للغرائز و إرضاءها بلا قيد أو شرط يتنافى مع التمدن و السعادة البشرية .
« تقضي الحياة ، و خصوصاً الحياة الاجتماعية للإنسان ، أن تهدى الغرائز الأولى منذ البداية ، و توجه نحو الأهداف الاجتماعية ، و بصورة أوضح نقول : كما أنه يجب إقامة سد أمام مجرى الماء لإدارة محرك من المحركات المعتمدة على قوة الماء فإن التمدن يجب أن يخضع الغرائز لسيطرة دقيقة ، و ذلك ليبلغ بالإنسان إلى الرقي و التكامل » 4 .
إن أول نكتة يجب أن تسترعي انتباهنا في هذا المقام ، هي أن إرضاء جميع الميول النفسانية بصورة حرة و بلا قيد أو شرط أمر مستحيل . ذلك لأن تحقيق بعض الرغبات يتنافى مع إتيان الرغبات الأخرى ، و في الواقع يوجد تناقض واضح بين كثير من ميول الإنسان . لقد أوضح الإمام علي عليه السلام التناقض القائم بين بعض الميول و الرغبات بعبارة قصيرة و حكيمة ، إنه يقول :
« ما أعجب أمر الإنسان ، إن سنح له الرجاء أذله الطمع ، و إن هاج به الطمع أهلكه الحرص ، و إن ملكه اليأس قتله الأسف ، و إن سعد نسي التحفظ ، و إن ناله خوف حيره الحذر ، و إن اتسع له الأمن أسلمته الغيرة ، و إن جددت له النعمة أخذته الغزة ، و إن أصابته مصيبة فضحه الجزع ، و إن أفاد مالاً أطغاه الغنى ، و إن عضته فاقة شمله البلاء ، و إن جهده الجوع قعد به الضعف ، و إن أفرط في الشبع كظته البطنة ، فكل تقصير به مضر ، و كل إفراط به مفسد ، و كل خير معه شر ، و كل شيء له آفة » 5 .
فما أكثر الرغبات النفسية التي تدفع الإنسان إلى الإفراط في الاستجابة للغريزة الجنسية ، أو الطعام في حين أنه يتنافى مع الرغبة في الصحة ، و ما أكثر اللذائذ التي يتطلبها الإنسان من قبيل الخمرة و الحشيشة ، في حين أنها تتضمن عوارض مختلفة و نتائج وخيمة تهدد حياة الإنسان .
الوجدان و الغرائز
هناك نكتة أخرى يجب أن نتنبه لها ، و هي أن الحرية المطلقة للغرائز بلا قيد أو شرط تتنافى و الوجدان الأخلاقي للبشر . فإن الذي يريد إرضاء جميع الميول بكل حرية ، و يحاول الاستجابة لرغباته و تحقيقها ، لا بد أن يكون منقاداً لغرائزه ، معرضاً بوجهه عن النداء السماوي و المقررات القيمة الصادرة من الوجدان الأخلاقي الذي هو وديعة إلهية عند الإنسان ، مستهتراً بالكرامة و الشرف و النبل !!.
« لا بد للإنسان أن يختار من بين أمرين أحدهما : الأمر الأول أجنبي و أعمى و طاغية حيث لا يراقب إلا التنفيذ دون النظر إلى القصد و النية . أما الأمر الثاني فانه أليف و محبوب . صحيح أنه متعب و لا يرتضي بسرعة لكنه يعرف آمالكم الخفية و يطلع على كيفية شخصيتكم . إنه يجب التوفيق بين الغرائز و الوجدان الأخلاقي . و إيجاد هذا التوافق أمر ممكن ، ذلك أن الوجدان الأخلاقي الواقعي لا يريد كبت الغرائز مرة واحدة ، بل يحاول أن يخضعها للنظام و السيطرة ، و يوجهها نحو هدف أعلى و أليق . و هذا العمل أحسن و أهم للغريزة من إطلاق عنانها أيضاً ، كما يرى فرويد ، لأن هذه الحرية تتضمن فساداً و انهياراً في النهاية » 6 .
إن مخالفة أوامر الوجدان الأخلاقي قد نؤدي إلى بعض الأمراض النفسية و الجنون . و الاستجابة المعقولة للميول و الغرائز أساس الحياة و ركن السعادة الإنسانية ، و هذا الأمر ضروري و محبوب شرعاً و عقلاً ... لكن المذموم و القبيح من وجهة النظر الدينية و العلمية هو إطلاق العنان لجميع الميول و الرغبات .
لقد عبر القرآن عن هذه الحقيقة أحسن تعبير حيث يقول : ﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ﴾ 1 .
عبادة الهوى
إن الذي يقع في أسر عبادة هوى النفس ، و يكون عبداً مطيعاً لغرائزه و ميوله ... يصاب بأخطر الأمراض النفسية ، و يكون معرضاً للانهيار و الشقاء في كل لحظة ...
1 ـ يقول الإمام علي ( عليه السلام ) : « إن أخوف ما أخاف عليكم إثنان : إتباع الهوى و طول الأمل » 7 .
2 ـ ويقول الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « إحذروا أهواءكم كما تحذرون أعداءكم ، فليس شيء أعدى للرجال من إتباع أهوائهم ، و حصائد ألسنتهم » 8 .
3 ـ و عنه ( عليه السلام ) أيضاً : « لا تدع النفس و هواها ، فإن هواها رداها » 9 .
4 ـ و عن الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « أشجع الناس من غلب هواه » 10 .
5 ـ و عن الإمام الجواد ( عليه السلام ) : « من أطاع هواه ، أعطى عدوه مناه » 11 .
6 ـ يقول الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « إن أطعت هواك أصمك و أعماك » 12 .
7 ـ و يقول في مورد آخر : « فاز من غلب هواه ، و ملك دواعي نفسه » 13 .
8 ـ و ورد عنه أيضاً : « قاتل هواك بعقلك » 14 .
إن عبادة الأهواء و الانقياد التام للميول النفسانية لهو أقصى درجات الشقاء و الهلاك للإنسان ، فإذا وقع شخص في أسره فسرعان ما ينجرف إلى هوة الانهيار و السقوط .
« الإنسان مختار مطلق ، لكنه مع ذلك لا يستطيع أن ينتفع من حريته خارج المناطق المحددة له بلا مخاطرة أو مغامرة . إن الحرية تشبه الديناميت في أنها وسيلة مهمة و خطرة في نفس الوقت ، فلا بد من الإلمام بكيفية استعمالها ، لحسن الحظ فان الذي يستطيع أن يستعملها بصورة صحيحة هو الذي يكون ذا عقل و إرادة ».
« إن التضارب الموجود بين الحرية الإنسانية و القوانين الطبيعية الملزمة يوجب التدريب على تزكية النفس . و لأجل أن نحافظ على أنفسنا من أخطار الحوادث يجب علينا أن نقاوم كثيراً من الميول و الرغبات ».
« في كل مرة استطاع الإنسان أن ينتفع من كامل حريته يكون قد سحق القوانين الطبيعية ، و لا بد أن يلاقي جزاءه . إن الموفقية في الحياة تستلزم التضحية ، و بواسطة التخلي عن قسم من الحرية يستطيع الإنسان أن يعيش على طبق نظام الأشياء » 15 .
الوجدان و تعديل الهوى
يستطيع الراغبون في السعادة و الساعون من أجلها ، أن يستفيدوا من عوامل عديدة لتعديل ميولهم . من تلك العوامل . العقل ، و الوجدان ، و التعاليم الدينية . و حيث كنا نتحدث عن الوجدان الأخلاقي ، فيدور بحثنا هنا حول طرق الاستفادة منه في تعديل الغرائز و الرغبات النفسانية .
إن الوجدان الأخلاقي هو الدليل الظاهر و النافذ إلى الواقع المودع في باطن الإنسان . و هو قوة قاهرة ، يدلك ـ بالفطرة ـ جميع أوجه الخير و الشر ، و يهدي إلى الصراط المستقيم ، و يوصلهم إلى دار السعادة و السلام .
قال الإمام الصادق عليه السلام لرجل : « إنك قد جعلت طبيب نفسك ، و بين لك الداء و عرفت آية الصحة و دللت على الدواء . فانظر كيف قيامك على نفسك ؟ » 16 .
فبواسطة الوجدان الأخلاقي و الفطرة الإنسانية يهتدي الإنسان إلى معرفة أمراض نفسه و علاجها كالطبيب ، و يستطيع الوصول إلى سلامة روحه .
و في غريزتي الشهوة و الغضب القويتين ، و ميل الإنسان إلى المال والجاه تكمن نقطة انزلاق البشرية نحو الهاوية ، إن هوى النفس يدفع الإنسان بأشد ما يمكن من القوة لتنفيذ رغباته و متطلباته الغريزية ، و ألا يجتنب في سبيل الوصول إلى هدفه من كل نشاط هدام ، في حين أن الوصول إلى الهدف يتطلب في بعض الأحيان الإتيان ببعض الأعمال اللاإنسانية و ارتكاب الجرائم و الجنايات . إن من القوى التي تستطيع التعديل من الغرائز ، و تقدر على وقاية الإنسان من الانحراف و الانزلاق في الهاوية و حفظ أذيال الفرد من التلوث بالجرائم : قوة الوجدان الأخلاقي . فمن حافظ على هذه الوديعة الإلهية في باطنه و أبقى سراج السعادة مضيئاً ، يستطيع الانتفاع من هداية الوجدان و يقي نفسه من كثير من الخيانات و الجرائم .
لقد أعار الإسلام أهمية عظيمة إلى هذه القاعدة الأساسية ، و استفاد من الوجدان الأخلاقي في مجال الإصلاح الاجتماعي كثيراً .
التعامل على أساس الوجدان
لقد ورد عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه كان يقول : لقد أوصى الله تعالى موسى بن عمران بأربعة أشياء :
« ... و أما التي بينك و بين الناس ، فترضى للناس ما ترضى لنفسك و تكره لهم ما تكره لنفسك » 17 .
و هناك موقف آخر للنبي ( صلى الله عليه و آله ) و قد كان واضعاً رجله في رحل جواده قاصداً إحدى الغزوات ، فاستوقفه رجل و طلب منه أن يعلمه عملاً فقال ( صلى الله عليه و آله ) : « ما أحببت أن يأتيه الناس إليك ، فأته إليهم ، و ما كرهت أن يأتيه الناس إليك فلا تأته إليهم » 18 .
... و هكذا يتضح جلياً موقف الإسلام من التعالم مع الناس و أصول المعاشرة فيما بينهم ، و هذه وصية الإمام أمير المؤمنين عليه السلام إلى ولده الحسن : « و اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك و بين غيرك فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك ، و اكره له ما تكره لنفسك ، و لا تظلم كما لا تحب أن تظلم ، و أحسن كما تحب أن يحسن إليك ، و استقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك » 19 .
و قد ورد عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « أحبوا للناس ما تحبون لأنفسكم ، أما يستحي الرجل منكم أن يعرف جاره حقه و لا يعرف حق جاره » 20 . و عن الإمام الباقر عليه السلام في قول الله عز وجل : ﴿ ... وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً ... ﴾ 21 قال : « قولوا للناس أحسن ما تحبون أن يقال لكم » 22 .
سعادة المجتمع
لقد وجدنا في الأحاديث المتقدمة أن الفطرة الأخلاقية و الإدراك الباطني عند الناس قد اعتبرتا مقياساً للروابط الاجتماعية . فإن ما لا شك فيه أنه لو كانت الروابط الاجتماعية في بلد ما قائمة على أساس الوجدان الأخلاقي وكان كل عضو في المجتمع يراعي الحسنات و السيئات الفطرية بالنسبة إلى باقي الأعضاء ... لكان يغمر ذلك البلد بالسعادة و الهناء ولم يكن للغرائز و الميول النفسية أية سلطة أو تجاوز على الآخرين .
إن القادرين على إتباع نداء الوجدان هم الذين يملكون زمام غرائزهم و ميولهم . أما الأشخاص المستعبدون لشهواتهم و الذين ينقادون لأهوائهم فلا ينالون هذه المفخرة أبداً .
جزاء مخالفة الوجدان
إن من النتائج الوخيمة لمخالفة الوجدان ، الاضطرابات الروحية و الاختلالات النفسية . فإن من يمتنع عن سماع نداء الوجدان الأخلاقي و يقدم على الجرائم إرضاء لرغباته النفسية مخالفاً في ذلك فطرته الإنسانية لا بد و أن يلاقي جزاءه الشديد من قبل الوجدان ، بغض النظر عن العقاب الدنيوي والأخروي . وإن تعذيب الضمير وتقريع الوجدان من القوة في أعماق الروح الإنسانية بحيث تسلب المجرم راحته و تتركه في دوامة من الاختلالات و الأمراض الروحية أو الجنون .
« لقد أسند فرويد منظومته الفلسفية إلى الغرائز ، و من الواضح أنه أوضح بعضاً من نشاطاتها و لكنه أهمل البحث عن الوجدان أو الضمير و اعتبره منفذاً اجتماعياً فحسب . أما الواقع فيرشدنا إلى أن قضاء الخير و الشر عمل أساسي يغلب على الشخصية و يبلورها و ينسقها و يلائم بينها و بين الحياة الاجتماعية ... من الممكن أن يبتلي الوجدان بآفات معينة فيسبب حدوث بعض الأمراض الروحية الحقيقية . فمثلاً نجد فيسبب حدوث بعض الأمراض الروحية الحقيقية . فمثلاً نجد الأمر كذلك في الهستيريا المصحوبة بيقظة الضمير و التي تظهر على صورة الندم القاتل و اتهام النفس ، و الإحساس بالإجرام ، لقد أشرنا إلى بعض الآثار المباشرة و غير المباشرة للإحساس بالاجرام في سلسلة من التحقيقات . هذه الآثار عبارة عن التعذيب الأليم و التقريع الشديد » 23 .
بإمكان المجرم أن يهرب من وجه العدالة و حكم القانون في المحاكم القضائية العالمية بطرق مختلفة ، و ينجو من العقاب في النهاية . و باستطاعته إغفال بعض الحكام عن طريق التهديد أو التطميع ، أو عن طريق اليمين الكاذبة و شهود الزور ... أما حاكم محكمة الوجدان البصير الحاذق فلا يغفل .
قد يتخلص المجرم من العقاب بواسطة الفرار من قاعة المحكمة ، أو الفرار من أرض الوطن ، أما محكمة الوجدان فانها تخضع المجرم لسيطرتها دائماً ، فأينما يذهب تصحبه و تلاحقه ... ذلك أن محكمة الوجدان عبارة عن ضميره الباطن و لا ينفصل عنه ضميره أبداً .
في بعض الأحيان تكون مظاهر تعذيب الضمير ، و ملاحقة محكمة الوجدان للمجرم ، و الضغط الروحي الشديد الذي يلاقيه منها و اللوم القارع الذي يراه في أحكامها ... مؤلمة إلى درجة أنها تبعث كل من يشاهده عن القلق و الاضطراب . و على سبيل المثال نذكر قصة حياة الشاب الضابط الذي دمر ( هيروشيما ) بالقنبلة الذرية في الحرب العالمية الماضية .
جنون ضابط شاب
إن الوضع المؤلم لهذا الشاب الضابط الذي سبب الفناء و الدمار لعشرات الآلاف من الرجال و النساء ، و الشيوخ الشباب و الأطفال الرضع في لحظات قليلة أصدق شاهد على ما ذهبنا إليه قبل قليل . و إليك بعض الأخبار عن أيامه الأخيرة مقتطفة من الصحف الإيرانية نقلاً عن وكالات الأنباء العالمية .
« وكالة الأنباء الفرنسية . لقد أعلن اليوم اختفاء الضابط الأمريكي الطيار ( كلود إيترلي ) الذي دمر مدينتي هيروشيما و ناغازاكي عام 1945 بأول قنبلة ذرية ، منذ اليوم الثالث و العشرين من شهر تشرين الأول . لقد كان هذا الضابط الطيار مصاباً ببعض الاختلالات العصبية منذ مدة و كان خاضعاً للمعالجة في مستشفى ( فالوا ) . لقد وجد ( كلود ) نفسه بعد انتهاء الحرب أمام الضربات الروحية القاصمة و ذلك بعد اطلاعه على الخسائر التي تسبب فيها بقنبلته ، إنه كان يجد نفسه المسؤول الأول عن قتل أهالي مدينة ( هيروشيما ) . إن معالجة الأطباء كانت عقيمة له ، و أخيراً اضطر إلى أن يعيش في مستشفى الأمراض العقيلة » 24 .
« لقد نشرت الصحف الأمريكية الصادرة صباح اليوم في صفحاتها الأواى صورة و مشخصات ( كلود إيترلي ) و لقد طلب البوليس من الملايين من أبناء الشعب الأمريكي في التعاون معه للقبض على كلود إيترلي . و الآن يقضي عشرات الملايين من الأمريكان أوقاتهم في البحث عنه حيث أنه أصيب بالجنون تماماً . إن أكثر العوائل الأمريكية لا تهنأ بالنوم طوال الليل خوفاً من كلود إيترلي لأن أصحاب العيادات النفسية قد أعلنوا عن : أن كلود إيترلي لأن أصحاب العيادات النفسية قد أعلنوا عن : أن كلود إيترلي يرى نفسه السبب في مقتل عشرات الآلاف من أبناء الشعب الياباني و لذلك فهو يحاول أن يقوم بعمل خطير كعقاب لنفسه . أعظم وسام حربي : لقد فاز كلو إيترلي بعد تدميره لمدينتي هيروشيما و ناغازاكي بنيل أعظم وسام حربي في أمريكا . و إن كلود إيترلي الذي انتخب من بين آلاف الطيارين يوماً ما لمهارته في قيادة الطائرة ، و لأعصابه الفولاذية ، و الذي عهد إليه بإلقاء أول قنبلة ذرية ... قد أصيب الآن بالجنون ».
« إن عمر كلود إيترلي اليوم 40 عاماً . لقد قام في غضون السنوات الأخيرة بأعمال السرقة ومخالفة القانون عدة مرات ، لكنه كان يعفى في كل مرة ، نظراً لكونه في عداد أبطال القوة الجوية الأمريكية في يوم ما » 25 .
« لقد استعانت سلطات البوليس الأمريكي بأبناء الشعب في إجراء التحقيق مع كلود إيترلي ، ذلك أن أطباء الأمراض النفسية كانوا قد أعلنوا : أنه لما كان الطيار الأمريكي السابق مصاباً بمرض روحي شديد ، فمن الممكن أن يقوم بأعمال خطيرة تهدد الأمن العام ، إن الطيار الذي دمر عام 1945 مدينتين يابانيتين كان يردد هذه الجملة منذ مدة : أنا قاتل الـ 150 ألف من الناس ولا أغفر لنفسي خطيئتي الكبيرة هذه . لقد مات في التدمير الذري من المدن اليابانية 150 ألف شخص على الأقل وكلود إيترلي يرى نفسه مسؤولاً عن قتل هؤلاء جميعاً . لقد عثر أحد رجال البوليس على كلود إيترلي في مدينة دالاس من ولاية تكساس عندما كانت سيارته واقفة عند أحد فروع شوارع تلك المدينة ، وذلك لاشارة المرور الحمراء على الطريق ... » 26 .
لقد كان الضابط الأمريكي الشاب ذا أعصاب فولاذية عند القيام بإلقاء القنبلة الذرية . و كان سليماً من حيث المقدرة البدنية ، لقد فاز الضابط الشاب بنيل أعظم وسام حربي في أمريكا بعد التفجير الذري ، و إن من المحتم أنه لاقى النجاح في مهمته تشجيعاً و تقديراً فائقين من حكومة الولايات لمتحدة الأمريكية ... و لكن هذه العوامل كلها لم تستطع أن تنقذه من السقوط ، و أخيراً أصيب بالجنون ، إن إفناء 150 ألف شخص بين رجل و امرأة ، و طفل و شاب ... مخالفة صريحة للوجدان . إن الأعصاب الفولاذية ، و الطاقات الحيوية ، و أعظم وسام حربي ، و تشجيع واستحسان حكومة الولايات المتحدة و شعبها ... كلها لم تستطع الوقوف أمام قوة الوجدان ، فقد انتصر الأخير عليها جميعاً ، و أصيب الشاب المسكين بالجنون وظهر بصورة موجود مفترس و خطير .
لقد كان البركان الثائر في نفس الشاب من جراء ردود الفعل الناشئة من وجدانه قوياً إلى درجة أن جميع المتخصصين بالعلاجات الروحية عجزوا عن معالجته ، فلقد أخذ الضغط الشديد من قبل الضمير يقض عليه مضجعه يقظة و نوماً ، و ليس من البعيد أن يؤدي إلى موته .
الرشيد و غادر
و هناك نموذج آخر لمخالفة الوجدان يظهر في قصة هارون الرشيد مع جارية أخيه الهادي ، ننقلها هنا لما فيها من فائدة :
« ... يحكى أن هارون الرشيد حج ماشياً ، و إن سبب ذلك أن أخاه موسى الهادي كانت له جارية تسمى ( غادر ) و كانت أحظى الناس عنده ، و كانت من أحسن النساء وجهاً و غناء ، فغنت يوماً و هو مع جلسائه على الشراب ، إذ عرض له سهو و فكر و تغير لونه و قطع الشراب ، فقال الجلساء : ما شأنك يا أمير المؤمنين ؟.
قال : لقد وقع في قلبي أن جاريتي ( غادر ) يتزوجها أخي هارون بعدي .
فقالوا : يطيل الله بقاء أمير المؤمنين ، و كلنا فداؤه .
فقال : ما يزيل هذا ما في نفسي ...
و أمر بإحضار هارون و عرفه ما خطر بباله ، فاستعطفه و تكلم بما ينبغي أن يتكلم به في تطييب نفسه ، فلم يقنع بذلك و قال : لا بد أن تحلف لي !
قال : لأفعل ، و حلف له بكل يمين يحلف بها الناس من طلاق و عتاق و حج و صدقة و أشياء مؤكدة فسكن . ثم قام ، فدخل على الجارية فأحلفها بمثل ذلك ، ولم يلبث شهراً ثم مات .
فلما أفضت الخلافة إلى هارون ، أرسل إلى الجارية يخطبها ...
فقالت : يا سيدي كيف بإيمانك و إيماني ؟!!
فقال : أحلف بكل شيء حلفت به من الصدقة و العتق و غيرهما إلا تزوجتك ، فتزوجها و حج ماشياً ليمينه ، و شغف بها أكثر من أخيه حتى كانت تنام فيضجع رأسها في حجره و لا يتحرك حتى تتنبه ، فبينما هي ذات ليلة إذ انتبهت فزعة ...
فقال لها : ما لك ؟!
فقالت : رأيت أخاك في المنام الساعة و هو يقول :
أخلفــت وعـدك بعدمــا *** جـاورت سكـان المقابــر
و نسيتني ، و حنـثـت فــي *** و غـدوت فـي الحور الغرائر
فظللـت في أهـل البــلاد *** ايمانك الكذب الفواجـر الصبا
و نكحــت غـادرة أخـي ! *** صدق الذي سمـاك غــادر
لا يهنـك الإلـف الجديــد *** و لا تـدر عنـك الـدوائــر
و لحقت بي قبـل الصبــاح *** و صرت حيث غدوت صائـر
... والله يا أمير المؤمنين ، فكأنها مكتوبة في قلبي ، ما نسيت منها كلمة .
فقال الرشيد : هذه أضغاث أحلام .
فقالت : كلا والله ما أملك نفسي ... و ما زالت ترتعد حتى ماتت بعد ساعة » 27 .
هذه الجارية كانت قد أخلفت وعدها مع الهادي ، و بسبب مخالفتها لنداء الفطرة و الوجدان كانت تحس بالاضطراب و القلق دائماً . إن تعذيب الضمير لم يتركها لوحدها ، بل كان يوجه الضربات القاسية نحوها ليلاً و نهاراً ، في اليقظة و الحلم . إلى أن لقيت حتفها على أفظع شكل .
إن الإنسان معرض في كل مرحلة و منزلة إلى الخطر من ناحية ميوله و أهوائه . و إن الغفلة عن نداء الضمير ، و الانقياد التام للرغبات النفسية يمكن أن يؤدي في اللحظة الحاسمة إلى قلب حياة الإنسان رأساً على عقب و يبعث على الانهيار و السقوط الذي لا يمكن أن يعالج بأية قوة .
و بهذا الصدد يقول الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « كما من شهوة ساعة ، أورثت حزناً طويلاً » 28 .
على مفترق الطرق
قد يحتدم النزاع في باطن الإنسان بين الميول النفسانية و الوجدان الأخلاقي ، فان الشهوات و الغرائز تهيج الإنسان من جانب ، و تحثه على تحقيق رغباته اللا مشروعة . بينما يقف الوجدان ـ من الجانب الآخر ـ في أتم القوة و الفعالية مكافحاً و معلناً معارضته الصريحة لارتكاب الجريمة .
أما عباد الشهوة و الأفراد الحقراء الذين لا يهتمون بارتكاب الجرائم ، فإنهم يصممون بسرعة ، و يحققون رغباتهم اللا مشروعة مهملين نداء الوجدان .
و أما المؤمنون و العقلاء فإنهم يسعون للتخفيف من ضراوة الميول اللا مشروعة . و من دون أي تردد يختارون الطريق الصحيح منزهين أذيالهم من التلوث بالجريمة و الفساد ، ملبين نداء الوجدان .
و يقف على مفترق الطريقين طائفة تهتم بشؤونها الدينية و الوجدانية بمقدار ما ، و لكن رصيدها الإيماني ليس بالمقدار الكافي لمواجهة الميول اللا مشروعة . فهؤلاء يقفون مترددين تتملكهم الحيرة ، فلا يستطيعون أن يغضوا الطرف عن الميول المتطرفة و يتخلوا عن اللذائذ المنافية للدين و الوجدان شانهم في ذلك شأن المؤمنين ، كما لا يستطيعون أن يصمموا بصورة حتمية على ارتكاب الجريمة شأنهم في ذلك شأن المنحرفين .
هؤلاء يتذرعون ببعض المبررات ، و بعض الأدلة الواهية لإسكات ضمائرهم ، و هم يأملون أن يحققوا رغباتهم النفسانية من دون أي اضطراب داخلي أو قلق باطني ... و لكنهم غافلون عن يقظة الوجدان ، و أنه من الذكاء و الفطنة بحيث لا تنطلي عليه التلفيقات و لا تغيير مظهر الذنب بمظهر آخر ، و لا يكف عن واجبه المقدس ، و هو توجيه اللوم إلى المجرم .
« إذا كنا نقضي من هذه الظواهر بانطفاء جذوة الوجدان فقد وقعنا في خطأ كبير . إن الوجدان لا يزال حياً حتى في حالات الموت الروحي ، و يستمر في القيام بعمله بكل هدوء و يستطيع أن يكشف عن وجوده فجأة باشراقة خلابة و غير متوقعة . فهناك إلى جانب الوجدان الذي يقوم بإظهار ميوله و عقائده و أفكاره ، يوجد وجدان مستتر يحكي عن حالة روحية غير مرئية . إنه يمكن الاستعانة ببعض التعابير التي يستعملها المريض و التي تعد فاقدة للمعنى و جنونية في الظاهر ، كدليل على وجود هذا الثبات . هذه التعابير ترينا أن الوجدان يستطيع أن يبقى حياً تحت خرائب الذكاء و العقل » .
« إن الوجدان يؤثر حتى في حياة الأنسجة و في وضعية الأعمال الجسدية التي تملك شخصية حية بنفسها أيضاً » 29 .
و في قضية عمر بن سعد ، و قيامه بتلك المعركة الدامية على صعيد كربلاء أملا في الحصول على حكومة الري ، أجلى شاهد على ما ذهبنا إليه . فمن جهة نجد أن قتل الحسين بن علي ( عليه السلام ) و ثلة من أصحابه الأبرار و الأبرياء عمل مخالف للوجدان و الدين و العقل . و من جهة أخرى كان يرغب في الحصول على حكومة الري و في ذلك لذة الرياسة ، و الرغبة النفسية التي تلح عليها نفسه الأمارة . فعندما اقترح عبيد الله بن زياد حكومة الري عليه بشرط قتل الإمام الحسين ( عليه السلام ) اضطرب عمر لذلك و تحير في أمره . فلو كان فرداً مؤمناً و متديناً لكان يرد ذلك الاقتراح بسرعة ولم يكن يقوم بتلك الجريمة الشنيعة لقاء حكومة لا تدوم أياماً . و إذا كان إنساناً منحرفاً و بعيداً عن الدين بتمام معنى الكلمة لا يقيم وزناً للوجدان و الإيمان و العقل و الرأي العام ، فانه كان يوافق على الاقتراح بدون ترديد و لا يقول شيئاً أبداً . و لكن الذي يظهر من وضعه أنه كان يحس بالاضطراب و عدم الارتياح لعمله هذا في ضميره الباطن و لكن لم يكن إحساسه هذا بالدرجة التي تجعله يغض الطرف عن لذة الرئاسة و الجاه . فاستمهل عبيدالله ليأتيه بالجواب النهائي . و حين أقبل عليه المساء تنحى زاوية خلية ، و جسد أمام ناظريه معسكرين متعارضين يقف في أحدهما الله و الرسول ، و العقل و الشرف ، و الوجدان و الإنسانية ... أما في المعسكر الآخر ، فيقف حب الجاه و الرئاسة ، اللذة و الشهوة ، الحكومة و عبادة الذات , فبقي متحيراً بين ذينك المعسكرين فعندما كان ينظر إلى الله و الوجدان و العقل كان يقول : يجب ألا أرتكب هذه الجريمة الشنيعة ، أن لا أشترك في دم الحسين ( عليه السلام ) أما حين كان يلتفت نحو الشهوة و الرئاسة كان يقول : يجب ألا أترك الفرصة تفوتني ، فإن مقاماً مع هذه العظمة لا يتيسر دائماً ... و أخيراً تذرع ببعض المغالطات الباطلة لإقناع الوجدان الذي يوجد في باطن كل إنسان متدين و ملحد . و أخيراً حلل القضايا من الوجهة الدينية ، و كان أن قال :
يقولـون أن الله خالـق جنــة *** و تعـذيـب ، و غــل يديــن
فإن صدقـوا فيما يقولون ، إنني *** أتوب إلى الرحمـان من سنتيـن
و إن كذبوا فزنـا بدنيا عظيمـة *** و ملك عقيم دائــم الحجليــن
فأوجد هذه المسرحية الخيالية في ذهنه و جعلها ملجأ لجنايته ، و تبريراً لخيانته ، ظاناً أنه يستطيع إقناع وجدانه بهذا العمل ، و أنه يستطيع أن يخفيه خلف أستار المغالطات الموهومة ، و يحفظ نفسه من تعذيب الضمير إلى الأبد غافلاً عن أن الوجدان الأخلاقي الفطري ينظر بنور الواقع ، و أنه لا يسكت بالتبريرات الباطلة ، فالوجدان مشعل وضاء موجود في باطن الإنسان . بأمر من الله ، و لا يمكن إطفاؤه بهذه الكلمات . إن الوجدان الأخلاقي لا ينسى واجبه السماوي ، و لا يدع المجرم لوحده ، و لا يفسح المجال له ليتخلص من تعذيبه و لومه و تقريعه .
و لقد صمم إبن سعد على ألا يستمع لنداء الوجدان ، و يتجاهل وجوده تماماً ، و لكن تجاهل الحقيقة لا يقدر على إزالة الحقيقة .
« إن ما لا شك فيه أن هذه الحالات ناتجة عن أن الإنسان يمتنع عن سماع نداء الوجدان ، هذا الامتناع هو الذي يولد هذا التصور الخادع القائل بأنه لا يوجد وجدان . في حين أن الوجدان اليقظ قد لاذ بالوجدان المغفول » 30 .
و أخيراً فقد صمم على ارتكاب الجريمة ، و أقدم على أعظم الذنوب أملاً في الحصول على حكومة الري ... و لكن أسفرت النتيجة عن حرمانه من تلك الأمنية ، و هنا تناوشته الضربات القاضية من قبل الوجدان من جهة و حز في نفسه انهياره السياسي و فشله الاجتماعي من جهة أخرى ... فوقع في أسر الأمراض الروحية و الاضطراب النفسية و سلبت من راحته فأمر أن يمد فراشه طوال الليل و النهار ، فكان يستلقي في الفراش تارة ، و يتمشى في البيت أخرى و يتخطى في الأزقة بلا إرادة ثالثة ... و كانت عاقبته أن لاقى حتفه على يد أحد الضباط الثوار في ذلك الفراش ، و أنهى حياته المشؤومة بهذا الوضع المزري .
***
الهدوء النفسي
إن أسعد الناس هو الذي يملك نفسه و يسيطر على رغباته ، لا يحوم حول الذنب ، يستمع إلى النداء الواقعي للوجدان بإذن الذكاء ، يعيش حياة ملؤها الهدوء و الارتياح ، و يغادر الحياة بروح مطمئنة و نفس هادئة ... و لكن المؤسف أن هؤلاء الأفراد هم الأقلية في كل مجتمع و أمة ... فإن الأكثرية يقعون تحت أسر الأهواء و الميول النفسانية ، و نجد أن الغرائز و الشهوات تسيطر بقوتها القاهرة ، على أكثر طبقات المجتمع و تبعثهم على الإجرام و الدنس !.
لقد فتح الأنبياء عليهم السلام أبواب الاستغفار و التوبة و الكفارات على هؤلاء لإنقاذ المجرمين من الانهيار التام ، و لإرجاعهم مرة أخرى إلى طريق السعادة و الفضيلة و تخليصهم من تعذيب الضمير ... و لذلك نجد أن رسل السماء كانوا يبشرون الناس على مر العصور بالعفو و المغفرة و الرحمة من الله العظيم ، و لهذا الإرشاد السماوي العظيم أهمية كبيرة في أنظار علماء النفس المعاصرين ، حيث يعتبرونه من المسائل الأساسية في علاج الأمراض الروحية .
« إن تعذيب الضمير مؤلم جداً ، فقد يظهر بمظهر الندم الذي لا يمكن تهدئته إلا بتدارك الخطأ أو الدية ، و لهذا فان لغفران الذنوب دوراً كبيراً و أهمية عظيمة في الأديان السماوية » 31 .
إن على المجرمين إما أن يستمروا في انحرافهم و يتمادوا في طغيانهم يعمهون ، و يزجوا بأنفسهم و المجتمع في النتائج الخطيرة والوخيمة ، و النفسية لها و الاجتماعي ، أو يرجعوا عن الطريق المنحرف ويتوبوا إلى الله تعالى أملاً في العفو و المغفرة . و يكفوا عن الذنوب فيصبحوا أناساً طيبين طاهرين تماماً .
في الصورة الأولى نجد عوارض وأخطاراً تنتاب الفرد و تعم غيره من جراء الاستمرار في إجرامه نستعرض على سبيل المثال بعضاً منها :
1 ـ خطر اليأس
إن المجرم الذي يستلذ طعم الإجرام ، و يرى أن القيام به متأصل في نفسه و غير قابل للزوال ، و لا يملك أي أمل في تطهير نفسه ومغفرة الله له يستمر في ارتكاب الجرائم بجسارة و جرأة كبيرتين لا يتورع من القيام بأي عمل مخالف ، و بديهي أن إنساناً كهذا يصبح فرداً خطراً في المجتمع بدلاً من أن يكون عضواً نافعاً فيه ، ذلك لفقدانه الأمل في المغفرة ، و اليأس من العودة إلى الصواب ، و لجرأته في الذنوب . . . و هكذا يكون خطراً شديداً على مجتمعه .
2 ـ إتهام الأبرياء
إن المجرم يحاول ـ لتبرئة نفسه ، و بسبب الآلام الوجدانية التي يلاقيها ـ أن يتهم الأبرياء ، و ينسب جرائمه إليهم . . . و هذا العمل بنفسه يعدّ جريمة أكبر من ارتكاب الجريمة ذاتها ، إذ من الممكن أن يؤدي في بعض الحالات إلى نشوء الاختلالات الاجتماعية ، و المفاسد التي لا تدرأ ، أو أن يعرّض أرواح الناس , أموالهم إلى أخطار شديدة .
« إن الجرائم تضمن أخطاراً كبيرة لمجتمع ، و الإحساس بالإجرام يمكن أن يؤدي إلى ظهور بعض الأعراض النفسية التي منشؤها حب البراءة والتي تنتهي إلى تحطيم الكيان الاجتماعي ، و إذا دققنا في الموضوع وجدنا أن هذه الأعراض الناشة من حب البراءة ، تقود الإنسان إلى اتهام الآخرين، و أن الأبرياء الذين يرمون بالتهم الكاذبة يقفون بدورهم موقفاً دفاعياً ضد تلك الاتهامات و هكذا تولد موجة من التهم والمواقف الدفاعية التي لاحظنا بعض النماذج الحية منها . . . و أخيراً تنتهي هذه الحالات بهدم العنصر الأخلاقي و القيم المثلى في المجتمع الذي تحدث فيه » 32 .
3 ـ غفران الذنوب
عندما تكون نوعية الذنب مهمة جداً، و لا يملك المذنب أملاً في المغفرة و العفو الإلهي فإن الضغط الشديد الذي يلاقيه من الوجدان الأخلاقي يؤدي به إلى الجنون و يبعث به إلى ارتكاب الجرائم الخطيرة ، و يفقد مجتمع بأسره راحته و هدوءه من جراء جرائمه التي لا تعد و لا تحصر . أما في الصورة الثانية عندما يندم المذنب على ما ارتكبه بفضل إرشادات الأنبياء ، و يطمئن إلى المغفرة و العفو ، و يظهر ندمه و توبته بلسان لاعتذار إلى المقام الالهي ... حينذاك تحل عقدته الباطنية ، و يهدأ وجدانه ، و يتخلص من اللوم الباطني و يستمر في حياته بروح مطمئنة هادئة و بهذه الصورة يمكن الوقوف أمام سقوط عضو من أعضاء المجتمع .
« عندما تمد الأيدي إلى أحضان الوجدان ، و عندما يقر المجرم بذنبه ، و يستعد لإصلاح نفسه ... فان الأمل في الرحمة و المغفرة يطفئ الإحساس بالجريمة ، و يولد فيه الهدوء و السكينة حيث يستطيع بهما أن يخرج رأسه بفخار من كابوس الإجرام الفضيع ، و ينسى بذلك ماضيه » 33 .
* * *
على أن التوبة الحقيقية و المغفرة للذنوب و الفرار من الضغط الوجداني تستلزم بعض القواعد و الأسس المعنوية و النفسية ، و بدونها لا يمكن الحصول على الاطمئنان النفسي ، و الفرار من دنس الجريمة و هي :
1 ـ الإقرار بالذنب
على المذنب أن يقر و يعترف بذنبه تجاه المقام الإلهي بصراحة ، و يطلب منه العفو والمغفرة . إن الإقرار بالذنب يستطيع أن يزيل درن الذنب ، و يجلب رحمة الله الواسعة ، و يقنع الوجدان الأخلاقي الناظر بعين الواقع ، و يحل العقدة الباطنية ، و يخلص الإنسان من الضغط المتواصل للنفس اللوامة .
أما الذين يرتكبون الذنوب ، و لا يعترفون بإجرامهم بسبب الأنانية و الكبرياء لا يتوفقون للتوبة الحقيقية ، ويكونون مشمولين للعذاب الإلهي و مصابين بمضايقة الوجدان ، و اللوم و التقريع المستمرين منه .
« عن أبي جعفر عليه السلام : والله ما ينجو من الذنب إلا من أقر به » 34 و قد ورد عنه ـ أي الامام الباقر ( ع ) ـ أيضاً : « ما أراد الله تعالى من الناس إلا خصلتين : أن يقروا له بالنعم فيزيدهم ، و بالذنوب فيغفرها لهم » 35 .
يقول الامام أمير المؤمنين عليه السلام : « حسن الاعتراف يهدم الاقتراف » 36 .
* * *
2 ـ رجاء المغفرة
يجب على المذنب أن يكون مطمئناً إلى رحمة الله الواسعة وراجياً لعفوه ومغفرته ، لأنه لو لم تكن فيه هذه الحالة النفسية والاعتقاد الواقعي لا يستطيع أن يزيل و صمة الاجرام بالتوبة و الاعتذار ، و لا يتسنى له التخلص من تأنيب الضمير.
لقد وضع الاسلام الناس في مركز وسط بين الخوف و الرجاء فحث المستقيمين في سلوكهم على عدم الاعتداد و العجب بالنفس ، و ان لا يروا أنفسهم بأمن من عذاب الله لحظة واحدة ، وأوصى المذنبين أيضاً بأن لا ييأسوا ، بل يعمروا قلوبهم بالرحمة من الله دائماً.
يقول الامام الصادق ( عليه السلام ) بهذا الصدد : « إن من الكبائر عقوق الوالدين ، و اليأس من روح الله ، و الأمن لمكر الله » 37 .
إن ميدان الخوف والرجاء في الروايات الاسلامية واسع جداً ، فمهما كان المذنبون غارقين في المعاصي يجب عليهم أن لا ييأسوا من رحمة الله . يقول الامام أمير المؤمنين لولده ( عليه السلام ) مذكراً إياه برحمة الله التي لا تتناهى ومغفرته التي لا تقف عند حد ... « وارج الله رجاءً أنك لو أتيته بسيئات أهل الأرض غفرها لك » 38 .
فليس للمسلم المذنب أن ييأس من فيض رحمة الله ، مهما عظمت ذنوبه ... ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ 39 .
* * *
الندم و طلب المغفرة
إن على المذنب بعد الاقرار بالذنب ، و رجاء المغفرة ، أن يطلب العفو و الغفران في كمال الصدق مظهراً ندمه الواقعي على أفعاله السيئة ، و طبيعي أن يغفر الله الذنب مهما كان عظيماً في ظروف مثل تلك ، و هذا هو معنى التوبة الحقيقية . فإذا أظهر شخص الاستغفار بلسانه ولم يكن نادماً في قلبه على اعماله البذئية ، فانه لم يتب توبة حقيقية ولا تطهر نفسه.
يقول الامام الرضا ( عليه السلام ) بهذا الصدد : « من استغفر الله بلسانه ولم يندم بقلبه ، فقد استهزأ بنفسه » 40 .
إن المذنبين الذين يتوفقون للتوبة الحقيقية و يخلصون أنفسهم بذلك ـ و في ظل العنايات الالهية ـ من دنس الذنوب ، يحوزون على ضمائر هادئة و أرواح مطمئنة ، فلا يحسون بالحقارة والضعة في نفوسهم بعد ذلك و لا يسمعون تأنيباً من الضمير ، و يبلغ بهم التنزه عن الذنوب إلى درجة أنهم يصبحون كأن لم يقترفوا ذنباً أصلاً ، يقول الامام الصادق ( عليه السلام ) « التائب من الذنب كمن لا ذنب له » 41 .
***
الايمان و تدارك الخطأ
لا بد من التنبيه إلى هذه النقطة ، و هي أن الشرط الأول للتوبة الحقيقية و غفران الذنب هو الايمان بالله . إن الذي لا يملك رصيداً قوياً من الايمان أو أنه مادي و منكر لله أساساً ، لا يوفق لتطهير نفسه عن طريق التوبة و غفران الذنوب ، فهو يلاقي الجزاء الصارم من تأنيب الضمير وكابوس الوجدان حتى آخر عمره ، إن السبب في الاختلالات الروحية أو الجنون الذي يحصل للبعض من جراء تعذيب الضمير إنما هو فقدان عنصر الايمان عندهم ، و عدم إحساسهم بوجود ملجأ معنوي . و لذلك فهم لا يستطيعون حل العقدة النفسية المتفاقمة في نفوسهم عن طريق التوبة و الاستغفار . و لقد شاهدنا كثيراً من هؤلاء في عصرنا الحاضر ، كما أنهم كانوا موجودين في العصور السابقة أيضاً .
كيف يستطيع عمر بن سعد ( و هو الذي يظهر تزلزل العقيدة في كلماته ، و يبدو وتردده في الأصول الاسلامية المسلم بها ) أن يطهر نفسه عن طريق التوبة الحقيقية ؟!.
و على العكس من ذلك ، فإن الذين تتألق في نفوسهم جذوة من الايمان والاعتقاد بالله ، إذا ارتكبوا ذنوباً كبيرة فإن أدنى التفاتة نحو الله و الاستغفار منه كاف في تخليصهم من ورطة المعصية ، و إذا كان يأسهم من رحمة الله على أثر الغفلة أو الجهل فبمجرد أن يطلعهم على ذلك مرشد ديني عظيم نجدهم يرفعون أكف التضرع نحو الله تائبين نادمين ، و الله يتقبل توبتهم و يغفر لهم ذنوبهم .
إن في القصة الآتية أجلى شاهد على ذلك :
« كان علي بن الحسين عليه السلام في الطواف ، فنظر في ناحية المسجد إلى جماعة ، فقال : ما هذه الجماعة ؟ قالوا : هذا محمد بن شهاب الزهري ، اختلط عقله فليس يتكلم فأخرجه أهله لعله إذا رأى الناس أن يتكلم فلما قضى عليه السلام طوافه خرج حتى دنا منه ، فلما رآه محمد بن شهاب عرفه ، فقال له علي بن الحسين عليه السلام : ما لك ؟ قال : وليت ولاية فأصبت دماً فدخلني ما ترى . فقال له علي بن الحسين : لأنا عليك من يأسك من رحمة الله أشد خوفاً مني عليك مما أتيت . ثم قال له : أعطهم الدية . فقال : فعلت فأبوا . قال : إجعلها صرراً ، ثم انظر مواقيت الصلاة فألقها في دارهم » 42 .
فنجد أن الامام عليه السلام يحل مشكلة اليأس عند ذلك الوالي الذي قتل شخصاً بغير حق فأصيب بالجنون . بعلاج نفسي بسيط ... و لذا نجد أن الغربيين يهتمون بهذه العلاجات . و في ذلك يقول الأستاذ ( هنري باروك ) فيما مضى من حديث :
« إن تعذيب الضمير مؤلم جداً ، فقد يظهر بمظهر الندم الذي لا يمكن تهدئته إلا بتدارك الخطأ أو الدية . و لهذا فإن لغفران الذنوب دوراً كبيراً و أهمية عظمية في الأديان السماوية » 43 .
- 1. a. b. القران الكريم : سورة الفرقان ( 25 ) ، الآية : 43 ، الصفحة : 363 .
- 2. القران الكريم : سورة يوسف ( 12 ) ، الآية : 53 ، الصفحة : 242 .
- 3. القران الكريم : سورة القيامة ( 75 ) ، الآية : 1 و 2 ، الصفحة : 577 .
- 4. أنديشه هاى فرويد : 51 .
- 5. اداب النفس للعينائي : 2 / 111 ، نقلاً عن إرشاد المفيد : 142 .
- 6. جه ميدانيم ؟ بيماريهاي روحي و عصبي : 70 .
- 7. نهج البلاغة : 105 .
- 8. الكافي لثقة الإسلام الكليني : 2 / 335 .
- 9. الكافي : 2 / 336 .
- 10. سفينة البحار للقمي : 728 مادة هوى .
- 11. المصدر السابق : 728 .
- 12. غرر الحكم و درر الكلم للآمدي : 287 ، طبعة إيران .
- 13. المصدر نفسه : 227 ، طبعة النجف الأشرف .
- 14. المصدر نفسه : 234 ، طبعة النجف .
- 15. راه ورسم زندكى تأليف ألكسيس كارل : 39 .
- 16. الكافي للكليني : 2 / 454 .
- 17. المحجة البيضاء في إحياء الأحياء للفيض الكاشاني : 3 / 371 .
- 18. المحجة البيضاء : 3 / 371 .
- 19. تحف العقول : 74 .
- 20. وسائل الشيعة للحر العاملي : 3 / 202 .
- 21. القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 83 ، الصفحة : 12 .
- 22. أمالي الصدوق : 153 .
- 23. جه ميدانيم ؟ بيماريهاي روحي و عصبي : 92 .
- 24. جريدة إطلاعات الايرانية العدد 10377 .
- 25. جريدة اطلاعات الايرانية العدد 10382.
- 26. جريدة اطلاعات الايرانية العدد 10392 .
- 27. ثمرات الأوراق لابن الحموي : 2 / 106 . هامش المستطرف المطبعة الميمنية القاهرة 1314 هـ .
- 28. الكافي : 2 / 451 .
- 29. جه ميدانيم ؟ بيماريهاي روحي و عصبي : 63 .
- 30. جه ميدانيم ؟ بيماريهاي روحي و عصبي : 66 .
- 31. جه ميدانيم ؟ بيماريهاى روحى وعصب : 66 .
- 32. جه ميدانيم ؟ بيماريهاي روحي و عصبي : 66.
- 33. بيمهاريهاي روحي و عصبي : 67 .
- 34. الكافي 2 / 426 .
- 35. الكافي : 2 / 426 .
- 36. الارشاد للمفيد : 142.
- 37. الكافي للكليني : 2 / 277 .
- 38. مجموعة ورام : 1 / 50 .
- 39. القران الكريم : سورة الزمر ( 39 ) ، الآية : 53 ، الصفحة : 464 .
- 40. مجموعة ورام : 2 / 110 .
- 41. سفينة البحار للقمي / مادة غفر : 322 .
- 42. مجموعة ورام : 2 / 4 .
- 43. كتاب الطفل بين الوراثة و التربية للشيخ محمد تقي الفلسفي : المحاضرة الثالثة عشر .