حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
الوفاء قمة الأخلاق (1)
يأتي الوفاء في طليعة الأخلاق الإنسانية الفاضلة. فهو علامة نبل ومظهر للإنسانية الحقة، ففطرة الإنسان النقية تدفعه لشكر المعروف ومكافأة الإحسان بالإحسان، وأن يكون وفيًا لمن عاشره بخير.
والوفاء وفاءان: وفاء لموقف، ووفاء لعشرة. وقد أمر الدين الكريم بهذا الخلق العظيم بمختلف أشكاله وألوانه، وهذا ما تصرح به الآية الكريمة ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ 1فهي تستثير مشاعر الإنسان الوجدانية، حيث لو طرح هذا التساؤل على نفسه فإن فطرته النقية ستجيب بجلاء ووضوح بأن الإحسان يكافأ بالإحسان. وأن هذا الإحسان يُكافأ به المحسن بغض النظر عن دينه وتوجهه. ورد عن الإمام الصادق : «قول الله عز وجل﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ 1جرت في الكافر والمؤمن والبر والفاجر، من صُنع إليه معروف فعليه أن يكفأ به، وليس المكافأة أن تصنع كما صنع، حتى تربي ـ أي تزيد ـ فإن صنعت كما صنع كان له الفضل في الابتداء».
من هنا جاءت فضيلة الوفاء في أعلى سلم الفضائل الإنسانية وأكثرها انسجاما مع الفطرة السليمة التي خلق الله البشر عليها.
وتأتي هذه الفضيلة الأخلاقية ضمن سياقات مختلفة منها ما يدخل ضمن رد الجميل للآخرين إجمالًا، ومنها ما يستوجب تقديرًا لعشرة الأقربين.
الوفاء لموقف
إن كل من يسدي معروفًا مهما صغر فهو يستحق مقابلته بمعروف وإحسان أكبر. فقد تمر على الإنسان بعض الظروف الصعبة فيجد هناك من يسدي له معروفًا، فيرتاح منه ويقدم له شكره، ويحفظ هذا الصنيع له، وإذا ما سنحت له الفرصة لرد الجميل بادر لرده، هذا هو الوفاء لموقف. ولا يهم هنا أن ننظر لمن نرد الجميل والمعروف، ولا من أي دين وتوجه هو. هذا ما نستفيده من سيرة رسول الله فقد ورد أنه في يوم من الأيام التفت إلى حسان بن ثابت، وهو شاعر ويحفظ الشعر، وقال له : يا حسان أنشدني شيئًا من شعر الجاهلية، فأنشد له حسان قصيدة للأعشى وهي في هجاء علقمة بن علاثة، وقد اختارها حسان لقوتها ورصانتها أدبيًا، ولكن النبي لما عرف أنها في هجاء هذا الشخص، قال له : يا حسان لا تنشد مثل هذا بعد هذا اليوم، فتعجب حسان: يا رسول الله تنهاني عن رجل مشرك مقيم عند قيصر!، فقال : يا حسان أشكر الناس للناس أشكرهم لله، وأن قيصر سأل أبا سفيان بن حرب عني فنال مني، وسأل هذا فأحسن القول فيّ.
وعلى غرار ذلك ما صنعته السيدة زينب بنت علي مع النعمان بن بشير الذي عاد بسبايا آل البيت من الشام إلى المدينة المنورة، فحينما وصلت الأسرة الهاشمية إلى المدينة، بادرت السيدة زينب فورًا إلى جمع ما تبقى من حلي عند النساء والأيتام وقدمته للنعمان نظير حسن تعامله مع الهاشميات طيلة رحلتهم، وقد فعلت السيدة زينب ذلك مع علمها بأن هذا الرجل إنما كان يؤدي مهمة مكلفًا بها من قبل السلطة الأموية، إلا أنها تدرك أن إحسانه يجب ألا يضيع، ولهذا كافأته2.