الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

اليهود والمسجد في القرآن

قال تعالى: ﴿ وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا * إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا * عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا * إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا * وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا 1.

مفاد الآيات إجمالاً

هذه الآيات الكريمة تتضمن

أ ـ أحداثاً أربعة هامة، هي التالية:

إن بني إسرائيل سوف يفسدون في الأرض، ويعلون علواً كبيراً، بعد أن كتب الله عليهم الجلاء، وضرب عليهم الذل والمسكنة، وباؤوا بغضب من الله.
إن عباداً لله أولي بأس شديد سوف يحاربون الإسرائيليين، بعد فسادهم وعلوهم، ويطأون بلادهم، ويجوسون خلال ديارهم جزاء على بغيهم وفسادهم، ويدخلون المسجد أيضاً.
إن بني إسرائيل سوف تكثر بعد ذلك أموالهم، وأولادهم، وذلك يحتاج إلى مدة طويلة نسبياً، ولسوف يجهزون جيشاً أعظم من جيش أولئك العباد، وتكون الكرة لهم عليهم.
ثم إنهم بعد أن يعودوا إلى الإفساد من جديد؛ في مهلة زمنية لا بأس بمقدارها يعود أولئك العباد إلى حربهم، ليسوؤوا وجوههم، وليدخلوا المسجد، والظاهر أن المراد به المسجد الحرام، وليتبروا ما علوا تتبيراً.
ولم تبين الآية من هم هؤلاء الذين يصيبهم هذا التتبير، فإن الظاهر هو أنهم قوم آخرون غير بني إسرائيل.
ب ـ إن حصول المرتين الأولى والثانية، يعني الإفساد الأول من بني إسرائيل ثم إرسال الله تعالى عباداً له عليهم، أمر حتمي، لقوله تعالى: ﴿ ... وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا 2. وأما المرتان الأخيرتان فهما تتوقفان على اعتبار بني إسرائيل بما حصل، ثم اختيارهم أحد الأمرين.
فلأجل إبراز عنصر الاختيار هذا والتشكيك بصدوره منهم، عبر بـ (إن): ﴿ إِنْ أَحْسَنْتُمْ ... 3لأنها تستعمل في مقام الترديد والشك في صدور الإحسان منهم.
ضرب القاعدة، وإعطاء الضابطة
ثم إنه بالنسبة للإفساد الثاني قد اختار التعبير بـ (إذا) كما استعمل نفس هذه الكلمة بالنسبة لإفسادهم الأول، وذلك لإفادة أن اختيارهم لطريق الشر أمر حتمي، ولا شك فيه لما يعلمه الله فيهم من خصائص، وطموحات.
ولكن جواب الشرط قد جاء بصيغة المضارع لإفادة حصول سَوْءِ الوجوه لهم والتتبير لعلو قوم آخرين بصورة تدريجية، ليكون ذلك أدعى في الإذلال، وأدل على المساءة، ولكن هذا المضارع إنما هو بملاحظة زمان تحقق الشرط في المستقبل.
ويلاحظ هنا: كثرة المؤكدات على صدور ذلك منهم؛ فلاحظ قوله تعالى: ﴿ وَقَضَيْنَا ... 4المشير إلى حتمية ذلك لكن لا على سبيل الجبر، وإنما على سبيل الإخبار بما هو حتمي الوقوع بحسب ما يعلمه الله من أحوالهم، ثم عبر بكلمة: ﴿ ... فِي الْكِتَابِ ... 4المفيدة إلى نوع التأكيد أيضاً.
ثم أتى بلام الابتداء في أكثر من مورد، فقال: ﴿ ... لَتُفْسِدُنَّ ... 4﴿ ... وَلَتَعْلُنَّ ... 4.
ثم أتى بنون التوكيد، مشفوعة بإذا التي تستعمل في مقام الجزم بتحقق الشرط.
وعقّب على ذلك باعتباره وعداً قد جاء بصيغة التحقق والوقوع، حيث قال: ﴿ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ ... 2ولم يقل: وقت أو موعد وهو يقتضي الحصول والتحقق أيضاً، ثم ألحقه بكلمة: ﴿ ... بَعَثْنَا ... 2، ولم يقل: (سنبعث)، ليشير إلى أنه أمر حاصل لا محالة، فهو يخبر عن وقوعه.
ثم عاد فكرر كونه وعداً ولكن بصيغة تؤكد وقوعه وحصوله حيث قال: ﴿ ... وَكَانَ وَعْدًا ... 2ثم وصفه بقوله: ﴿ ... مَفْعُولًا 2.
ونلاحظ أيضاً أنه لم يزل يعبر بـ: (أَمْدَدْنَا، بَعَثْنَا، جَعَلْنَا، رَدَدْنَا) بصيغة الخبر عن أمر حاصل، وإظهاراً للثقة بحصوله أيضاً، فلاحظ الآيات.
ج ـ إن المستفاد من هذه الآيات هو: أن من سوف تجري لهم مع بني إسرائيل هذه الأحداث هم جماعة واحدة، يجوسون خلال ديار بني إسرائيل أولاً، ثم ترد الكرة لبني إسرائيل عليهم، ثم يعودون هم إلى ضرب بني إسرائيل ضربة تسوء لها وجوههم، ويتبروا فيها ما علوا.
وذلك لأن الضمائر في: (جاسوا، وعليهم، وليسوؤوا، وليدخلوا، ودخلوه وليتبروا) ـ كل هذه الضمائر ترجع إلى جماعة واحدة، عبر عنها بقوله تعالى: ﴿ ... عِبَادًا لَنَا ... 2، وليس غيره في الآيات يصلح مرجعاً لهذه الضمائر ـ أصلاً.
د ـ يستفاد من هذه الآيات: أن هؤلاء العباد سوف يدخلون المسجد مرتين.
والظاهر: أن المراد به هو المسجد الحرام، أما المسجد الأقصى الذي حصل الإسراء إليه، والذي بارك الله حوله، فهو في السماء، وأن دخولهم هذا سوف يكون على نحو واحد في المرتين معاً، أي بالقوة والقهر، والغلبة ﴿ ... كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ ... 3.
ه‍ ـ إنه تعالى بعد أن ذكر الأحداث الأربعة عاد فقال: ﴿ ... وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا ... 5وهو لبيان قاعدة كلية، وسنة إلهية في مواجهة طغيان بني إسرائيل وفسادهم، وهو لا يدل على أن ذلك سوف يقع منهم، بعد تلك الأحداث الأربعة، بل إن ما سوف يقع جزماً هو ما ذكر، والظاهر: أن دولتهم تبقى، ولا يصيبهم في المرة الثانية سوى سوء الوجوه..
أما ما سواه فلا دليل على حدوثه، بل إن تعبيره بـ (إن) الشرطية، الموضوعة للاستعمال في غير موارد الجزم لربما يشير إلى عدم الوقوع.
والظاهر هو أن القضاء عليهم إنما يكون على يد الإمام الحجة (صلوات الله وسلامه عليه).
و ـ إن المقصود بـ: ﴿ ... عِبَادًا لَنَا ... 2قوم مؤمنون، وذلك لاقتضاء ظاهر قوله: ﴿ ... بَعَثْنَا ... 2، وقوله:﴿ ... عِبَادًا لَنَا ... 26 لأن البعث للبشر على غيرهم، وكلمة: ﴿ ... عِبَادًا لَنَا ... 2، لم يستعملا في القرآن ـ إلا ما شذ ـ إلا في مقام المدح والثناء، ولا سيما مثل قوله تعالى:﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ... 7، وغير ذلك.
ولا أقل من أنه قصد به ما سوى الكافرين

ولربما يشير إلى ذلك أيضاً: أنه تعالى بعد أن ذكر انتصار عباده على بني إسرائيل وما سوف يحيق ببني إسرائيل من سوء، وأنه جعل جهنم للكافرين حصيراً، عاد فأجمل كل ذلك على شكل قاعدة كلية، فبين: أن سنة الله هي أن يبشر عباده المؤمنين الذين يقفون المواقف الصالحة، ويدافعون عن دينه ـ كهؤلاء العباد الذين أرسلهم على بني إسرائيل ـ بأن لهم أجراً عظيماً، وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة، ويفسدون في الأرض، ويعلون علواً كبيراً، كما هو حال بني إسرائيل قد أُعدّ لهم عذاباً أليماً، فقال:
﴿ إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا * وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا 8.

ثم دخل في موضوع آخر

ويرى العلامة المحقق البحاثة السيد الطباطبائي (رحمه الله): أنه لا دليل في الكلام ـ أي في قوله تعالى: ﴿ ... وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا 2ـ يدل على كون المبعوثين (مؤمنين)؛ إذ لا ضير في عد مجيئهم إلى بني إسرائيل، مع ما كان فيه من القتل الذريع، والأسر، والسبي، والنهب، والتخريب، بعثاً إلهياً؛ لأنه كان على سبيل المجازاة على إفسادهم في الأرض، وعلوهم، وبغيهم بغير الحق؛ فما ظلمهم الله ببعث أعدائهم، وتأييدهم عليهم، ولكن كانوا هم الظالمين لأنفسهم 6.
ونقول:
إننا لا نستطيع ـ بدورنا ـ أن نقبل

أن الله تعالى يؤيد الظالمين والمجرمين بأي وجه، نعم، هو يخلي بينهم وبينهم، ويوقف تأييداته لهم، وهذا غير تأييده لأولئك، وبعثهم على هؤلاء.
إلا أن يدعى أن المراد هو التسليط عليهم، وذلك بالتخلية فيما بينهم، ووقف التأييدات للفئة المؤمنة بسبب ما فعلته.
لكن يرد عليه: أن نسبة البعث والإمداد، ورد الكرة ـ والحالة هذه إلى الله سبحانه ـ تصبح غير ظاهرة، ولا مقبولة.
كما أننا قد أشرنا فيما سبق إلى وجود بعض القرائن المشيرة إلى إيمان المبعوثين.
فالأظهر هنا: هو أن أولئك العباد سوف يدفعهم أمر الله تعالى والتكليف الشرعي إلى القيام بذلك العمل؛ فيصح أن يقال: إن الله هو المحرك والباعث لهم.
هذا ما يستفاد من الآيات بشكل عام.
بقي الكلام في تطبيقها الخارجي؛ فهل حصل وتحقق مفادها كله في السابق؟ أو أنه لسوف يحصل ذلك كله في الآتي!. أو أن بعض ذلك قد حصل؟. والبعض الآخر متوقع الحصول؟!.

أقوال الرواة والمفسرين

لقد راجعنا عدداً من كتب الحديث والتفسير، فوجدنا الروايات والأنظار مختلفة ومتباينة في ذلك..
ونحن نذكر موجزاً عن تلك الروايات والآراء بتلخيص منا، وذلك على النحو التالي:
عن ابن مسعود: إن الفساد الأول هو قتل زكريا، فبعث الله عليهم ملك النبط، ثم عادوا هم فغزوا النبط، فأصابوا منهم.
عن عطية العوفي: بعث الله عليهم أولاً جالوت، ثم قتله طالوت على يد داود، ثم قتلوا يحيى؛ فبعث عليهم بخت نصّر، وكذا عن ابن عباس.
عن علي: الفساد الأول قتل زكريا، والثاني قتل يحيى، مع عدم بيان من بعث عليهم في المرتين.
عن حذيفة: المرة الأولى بخت نصّر، ثم ردهم كورش، ثم عادوا في المعاصي، فسلط عليهم ابطنا نحوس، ثم عادوا في المعاصي، فسلط عليهم ثالثاً إسبيانوس.
عن ابن زيد: الأولى قتل زكريا ويحيى، فسلط عليهم سابور ذا الأكتاف الفارسي، من قبل زكريا، وبخت نصّر من قبل يحيى.
عن مجاهد: إن ملك فارس بعث جنداً إليهم ليتجسسوا أخبارهم ويسمعوا حديثهم، ثم رجعت فارس، ولم يكثر قتال، ونصرت عليهم بنو إسرائيل، ثم بعث عليهم ملك فارس ببابل جيشاً، أمّر عليه بخت نصّر؛ فدمروهم 9.

رأي العلامة الطباطبائي رحمه الله

قال العلامة البحاثة المحقق الطباطبائي (رحمه الله): (.. والذي يظهر من تاريخ اليهود: أن المبعوث أولاً لتخريب بيت المقدس هو بخت نصّر، وبقي خراباً سبعين سنة، والمبعوث ثانياً هو قيصر الروم إسبيانوس، سيّر إليهم وزيره طوطوز، فخرب البيت، وأذل القوم قبل الميلاد بقرن تقريباً.
وليس من البعيد: أن تكون الحادثتان هما المرادتان في الآيات؛ فإن الحوادث الأخرى لم تفن جمعهم، ولم تذهب بملكهم واستقلالهم بالمرة، لكن نازلة بخت نصّر ذهبت بجمعهم وسؤددهم إلى زمن كورش، ثم اجتمع شملهم بعد برهة، ثم غلب عليهم الروم، وأذهبت بقوتهم، وشوكتهم، فلم يزالوا على ذلك إلى زمن ظهور الإسلام).
قال هذا (رحمه الله) بعد أن ذكر: أنه كالمسلّم: أن إحدى هاتين النكايتين كانت على يد بخت نصّر 10.
ولكنه عاد فأورد على نفسه بأن في الآيات إشعاراً بأن المبعوث إلى بني إسرائيل هم قوم بأعيانهم في كلا المرتين.
وأجاب عن ذلك: بأنه مجرد إشعار؛ من دون تصريح.
ونقول:
إن الضمائر حسبما تقدم ليس لها مرجع في الكلام سوى قوله: ﴿ ... عِبَادًا لَنَا ... 2. وهذا يدل دلالة واضحة على وحدة القوم المرسلين على بني إسرائيل وليس مجرد إشعار.
ومرادنا بالوحدة هو أن يكون لهم رابطة تجمعهم ككونهم فُرساً، أو مسلمين مثلاً، ويرد على كلامه (رحمه الله)، وعلى جميع الروايات المتقدمة، عن الدر المنثور وغيره ما يلي:
إننا لم نجد لبني إسرائيل كرة على بخت نصّر، ولا على سابور ولا غيرهما، بل إن كورش قد أرجعهم إلى بلادهم بعد حوالي مئة سنة من أسر بخت نصّر لهم، مع أن الآية تكاد تكون صريحة بأن لبني إسرائيل كرة على أولئك العباد المبعوثين.
إن النبط لم يدخلوا المسجد الأقصى ـ حسب تفسيرهم ـ مرتين وكذلك بخت نصّر، وقيصر، وغيرهم ممن ذكر جميعاً، وقد أشارت الآية إلى أن المبعوثين سوف يدخلون المسجد مرتين.
إن جميع أولئك ما كانوا من المؤمنين، بل كانوا من الطغاة والمتجبرين.
إن بخت نصّر كان قبل الميلاد بست مئة سنة تقريباً 11 وكان يحيى معاصراً للمسيح (عليه السلام) 12 فكيف ينتقم له بخت نصّر؟ كما أن سابور متأخر عن بخت نصّر، لا مقدم عليه كما في الرواية.
هذا كله عدا عن الإشكال في أسانيد تلكم الروايات 13.
إن إفسادهم في منطقة محدودة لا يعني كون ذلك هو المقصود من الآية التي تتحدث عن إفساد كبير، وعلو لهم في الأرض، ولا شك أنهم كانوا على مدى التاريخ أضعف من أن يكون لهم علو في الأرض كلها، بل وحتى على سابور، أو بخت نصّر أو غيرهما، فضلاً عن أن يكون لهم علو فرعون، أو نظير استكبار قوم عاد.

رأي آخر في الآيات

ويحتمل البعض: أن الفساد الأول كان في منطقة الحجاز، فبعث الله النبي (صلى الله عليه وآله) عليهم، وضربهم الضربة القاصمة، وكان دخول عمر إلى المسجد الأقصى، الذي يمثل دخول المسلمين، هو المعني في الآيات، وتبقى المرة الثانية ستأتي. كما ويحتمل أن تكون هي ضربة بخت نصّر لهم هي الأولى، والثانية هي ضربة عمر لهم.
ولكن ذلك لا يمكن قبوله؛ لأن عمر حينما دخل المسجد الأقصى لم يكن في بيت المقدس أحد من اليهود، وإنما كان تحت سيطرة النصارى، الذين استولوا عليه قبل ذلك بعقود من الزمن، وكانوا يجعلون الأقذار والأوساخ على (الصخرة)، التي هي قبلة اليهود، بل كانت المرأة ترسل بخرقة حيضها من بلاد الروم إلى بيت المقدس لتلقى على الصخرة، مبالغة في امتهانها، وإذلالاً لليهود واحتقاراً لهم 14.
كما أنه لا معنى لإرادة بخت نصّر؛ ليكون هو بطل المرة الأولى، وذلك لما أشرنا إليه في النقاط الست الآنفة الذكر.

رأي آخر

وثمة رأي أخر يقول: إن الفساد الأول هو إنكارهم نبوة نبينا (صلى الله عليه وآله)، مع أنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، واتفقوا مع المشركين ضده.
وإرسال عباد الله على هؤلاء المفسدين هو ما جرى في صدر الإسلام، فأرسل الله النبي (صلى الله عليه وآله) والمسلمين عليهم؛ فضربوهم في خيبر وقريظة؛ وقينقاع، وغير ذلك، وجاسوا خلال ديارهم، ثم دخل المسلمون المسجد الأقصى في زمن عمر.
والفساد الثاني هو ما جرى ويجري منهم في فلسطين ولبنان، والمنطقة بشكل عام، في هذا القرن الرابع عشر، ولسوف يأتي المهدي (عجل الله فرجه الشريف) لينتقم منهم، ويدخل المسلمون المسجد، كما دخلوه أول مرة في عهد عمر.
وقد قرر بعض الأعلام هذا، وطبق الآيات عليه، على النحو التالي:
إنه ليس في الآيات ما يدل على أن الغلبة على اليهود، وغلبة اليهود على أولئك العباد تكون في مكان واحد محدد، وقوله تعالى: ﴿ ... كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ ... 3يشعر، بل يدل على أن قوله: ﴿ ... فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ... 2، هو غير دخولهم المسجد، أي إنهما أمران متغايران، كما يدل على أن الجوس خلال الديار متقدم على دخولهم المسجد، وذلك لمكان اللام في قوله: ﴿ ... وَلِيَدْخُلُوا ... 3التي هي لام العاقبة وقد تحقق ذلك في زمن عمر، كما أن عدم ذكر دخول العباد بيت المقدس حينما بعثهم أولاً يدل على أن دخول المسجد لمّا يتحقق لهم عند ذلك.
وتدل الآية على أن دخول المسجد في الثانية يكون أشد على اليهود لقوله تعالى: ﴿ ... وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا 3، ففسادهم الثاني يكون في غلبتهم على البلاد المقدسة، وقتلهم المسلمين، وهذا ما يحصل في هذا العصر. وجزاؤهم سيكون عاجلاً على يد أهل قم إن شاء الله تعالى، أو المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه)، أو بإمارته مع كون الجيش من أهل قم، والله العالم.
ونقول:
هذا رأي لا يمكن المساعدة عليه، لأن ما ذكر في تطبيق الآيات عليه مخالف لظاهرها.
فأولاً: إنه حين دخل عمر بيت المقدس لم يكن هناك مسجد أصلاً، فضلاً عن أنه يسمى بالأقصى.
ثانياً: إن الظاهر: هو أن دخول المسجد سيكون عنوة وقهراً ورغماً عن بني إسرائيل، وحينما دخل المسلمون بيت المقدس في عهد عمر لم يكن في بيت المقدس أحد من اليهود، وإنما كان النصارى هم المسيطرين.
فلم يحارب المسلمون اليهود ليدخلوا المسجد بالرغم عنهم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن عمر قد دخل بيت المقدس صلحاً وليس عنوة، وظاهر الآية: هو أن الدخول سيكون عنوة، معه سوء الوجوه، وفيه القهر والغلبة على اليهود أنفسهم، ﴿ ... لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا 3.
فإذا كان الدخول في إحدى المرتين عنوة فسيكون في الثانية كذلك، وقد دلت كلمة: ﴿ ... بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا ... 2على أن الدخول الأول سيكون عنوة إن كان المقصود هو الدخول في هذه المرة.
ثالثاً: ما ذكر من أن اللام في ﴿ ... وَلِيَدْخُلُوا ... 3تدل على أن الدخول سيتأخر عن الجوس خلال الديار، وأن التفريق بين الجوس خلال الديار، ودخول المسجد، يدل على ذلك أيضاً، وكذا عدم ذكر الدخول للمسجد في المرة الأولى.
إن هذا الذي ذكر، لا يدل على ذلك؛ لأن ظاهر الآيات: أنه قد اكتفى في المرة الأولى عن ذكر دخول المسجد، بذكر الجوس خلال الديار، لأنه مستبطن له ويكون في ضمنه، ثم أوضحه بقوله: ﴿ ... كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ ... 3وقوله: ﴿ ... وَلِيَدْخُلُوا ... 3 معطوف على ﴿ ... لِيَسُوءُوا ... 3بالواو، التي لا تدل على الترتيب الزماني.
بل لعل ذكر دخول المسجد بين التتبير لما علوا، وبين سوء الوجوه للإشارة إلى أن دخول المسجد سيكون في وسط المعركة في المرة الثانية، وكذلك سيكون في المرة الأولى لقوله تعالى: ﴿ ... كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ ... 3.
وإلا، فلو صح ما ذكره صاحب هذا الرأي، لوجب أن يكون الدخول الثاني للمسجد صلحاً، لا عنوة، كما كان دخول عمر بن الخطاب في السابق، وحينئذٍ فلا يبقى معنى لذكر دخول المسجد فيما بين قوله: ﴿ ... لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ ... 3، وبين قوله: ﴿ ... وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا 3.
ثالثاً: إنه لم يكن لليهود في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) فساد في الأرض، وعلو كبير فيها، وإنما كانوا في محيط ضيق جداً محصورين في نواحي المدينة، وكانوا مقهورين من قبل الأوس والخزرج، ويمالئون مشركي مكة، وسائر القبائل في المنطقة، فلا يصح أن يقال: إن لهم ﴿ ... عُلُوًّا كَبِيرًا 4.
فضلاً عن إضافة قوله: ﴿ ... فِي الْأَرْضِ ... 4سواء قلنا: إن المراد: الأرض المقدسة، يعني فلسطين، أو قلنا: بأن المراد الأرض مطلقاً أي معظمها، أو السيطرة على مراكز القوة والنفوذ فيها.
نقول هذا كله: مماشاة للمستدل فيما زعمه من أن المراد بالمسجد هو خصوص ما يسمى بالمسجد الأقصى، والموجود في بيت المقدس فعلاً.

وثمة رأي آخر أيضاً

وهو أن الحروب التي جرت بين العرب وإسرائيل تمثل المراحل الثلاث الأولى، وبقيت المرحلة الأخيرة، التي أشارت إليها الآية بالقول: ﴿ ... فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ ... 3وهي سوف تأتي إن شاء الله تعالى 15.
وهذا أيضاً رأي لا يمكن المساعدة عليه؛ لأن العرب الذين حاربوا إسرائيل لم يجوسوا خلال ديار بني إسرائيل في حروبهم تلك، ولا دخلوا المسجد عنوة، بل إنهم ليسوا من عباد الله المؤمنين؛ لأنهم قد تخلوا عن دينهم، وجروا خلف شهواتهم، واستبدت بهم انحرافاتهم بشكل واضح لكل أحد.

ماذا تقول الروايات؟!

لقد وردت بعض الروايات ـ التي ليس لها أسانيد معتبرة ـ تفيد:
أن الفساد الأول هو قتل علي، وطعن الحسن (عليهما السلام)، والعلو الكبير هو قتل الحسين، ووعد أولاهما نصر دمه (عليه السلام)، والمبعوثون أولاً هم قوم قبل خروج القائم، وكان وعداً مفعولاً: خروج القائم (عليه السلام).
وثم رددنا لكم الكرة عليهم: خروج الحسين في سبعين من أصحابه 16.

وفي تفسير القمي

الفساد الأول: فلان وفلان، ونقضهم العهد، والعلو الكبير: ما ادَّعوه من الخلافة.
ووعد أولاهما: الجمل.
وجاسوا خلال الديار: طلبوكم، وقتلوكم.
ورددنا لكم الكرة: بنو أمية.
ووعد الآخرة: القائم (عليه السلام).
وكما دخلوه أول مرة: رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وواضح: أن مفاد هذه الروايات ليس هو محط نظر الآيات صراحة، وإنما هي ـ إن صحت ـ من باب الإشارة إلى أن ما يجري لبني إسرائيل، يجري مثله لهذه الأمة أيضاً؛ إذ من الواضح: أن ما ذكرناه في مفاد الآيات لا ينسجم مع ما جاء في هذه الروايات، كما يظهر بالملاحظة، والمقارنة.

الرأي الأمثل

وإذ قد عرفنا معنى الآيات إجمالاً، وعرفنا أن مفادها لم يحصل ولم يقع لبني إسرائيل بعد، لا في تاريخهم القديم، ولا الحديث، فإننا نعلم: أن مفادها سيقع في المستقبل، ومفادها هو:
أن يفسد بنو إسرائيل في الأرض (ولتلاحظ كلمة في الأرض)، فإنه لا يصدق ذلك على بلد أو قرية صغيرة في نواحي الحجاز مثلاً، بل لا بد أن يكون فسادهم وعلوهم في الأرض المقدسة، أو في الأرض بصورة عامة، أو على الأقل في مراكز هامة، بحيث يرون أنفسهم لا غالب لهم، ولا شيء يقف في وجههم. ثم يعلون علواً كبيراً (ولتلاحظ هذه الجملة بدقة أيضاً).
أن يبعث الله عليهم عباداً له أتقياء مؤمنين، فيجوسون خلال ديارهم، ويدخلون المسجد، (والتعبير بالجوس لربما يشير إلى عدم المكث طويلاً فيها)؛ لأن الجوس هو الوطء مع الاستقصاء، وربما يكون هو الوطء الخفيف، وهو وطء خلال الديار أو فيما بينها من دون ثبات وتحكم فيها نفسها أو لعله إشارة إلى الدخول السري للمجاهدين.
ثم يمد الله بني إسرائيل بأموال وبنين، ويصير جيشهم أعظم، ويرد لهم الكرة على السابقين.
ثم يعود أولئك المؤمنون فيقومون بعمل تكون له ثلاث نتائج.
الأولى: سوء وجوه الإسرائيلين.
والثانية: دخولهم المسجد الحرام من جديد، كما دخلوه أول مرة.
والثالثة: أنهم يتبرون ما علاه قوم آخرون لم تحددهم الآية، ولم تذكر هويتهم، لكنهم معروفون بالاستكبار.
كل ذلك سوف يحصل في المستقبل، حسبما تفيده الآيات الكريمة، مع العلم بأنه لم يحصل من ذلك شيء في الماضي.

ويبقى أن نشير إلى المؤيدات التالية:

القميون يقاتلون الإسرائيليين

ويؤيد ما تقدم: ما رواه المجلسي عن كتاب تاريخ قم، تأليف: الحسن بن محمد بن الحسن القمي:
(روى بعض أصحابنا قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) جالساً؛ إذ قرأ هذه الآية: حتى 17 ﴿ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا ﴾ 2فقلنا: جعلنا فداك، من هؤلاء؟
فقال ـ ثلاث مرات ـ: هم والله أهل قم) 18.
ولقد قال هذا (عليه السلام) قبل أن تخلق إسرائيل بأكثر من اثني عشر قرناً، وفي حين لم يكن لليهود أية قوة في منطقة بيت المقدس.
وقوله (عليه السلام) هذا يعني: أن أهل قم باعتبارهم مسلمين، أو قادة للمسلمين هم الذين سوف يقودون الحرب ضد بني إسرائيل في المرة الأولى، وهم المعنيون بقوله: ﴿ ... عِبَادًا لَنَا ... 2وباقي الحديث يفهم من الآيات الكريمة؛ حيث تعود لإسرائيل الكرة عليهم بجيش أعظم، ثم يعود المسلمون بقيادة أهل قم أو بقيادة غيرهم (المهدي مثلاً) ليسوؤوا وجوه الإسرائيليين وليدخلوا المسجد الحرام كما دخلوه أول مرة، وليتبروا علوَّ قوم معروفين بالاستكبار.

الغرب وإسرائيل

وثمة رواية ضعيفة أيضاً تقول: (وتشب نار بالحطب الجزل من غربي الأرض، رافعة ذيلها، تدعو يا ويلها لرحلة ومثلها؛ فإذا استدار الفلك، قلتم مات أو هلك بأي واد سلك، فيومئذٍ تأويل هذه الآية:
﴿ ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا ﴾ 1920.
فهذه الرواية تشير إلى أن علو الإسرائيليين وكرتهم على ﴿ ... عِبَادًا لَنَا ... 2لسوف تكون بمعونة غربية، تمدهم بالمال والجيوش حتى يصبحوا أكثر نفيراً وجنداً.
ولسوف تكون حرباً ضروساً وقاسية، كما يفهم من لحن الرواية المشار إليها، لو صحت.

الحروب الطويلة والصعبة

وهذه دولة الإسلام قد ظهرت، وهي بقيادة أهل قم، ولكنها تواجه الحروب المدمرة، والمؤامرات الصعبة من قبل قوى الاستكبار العالمي.
وقد جاء في الرواية المروية عن: علي بن عيسى، عن أيوب بن يحيى الجندل، عن أبي الحسن الأول (عليه السلام)، أنه قال:
(رجل من أهل قم، يدعو الناس إلى الحق، يجتمع معه قوم كزبر الحديد، لا تزلّهم الرياح العواصف، ولا يملون من الحرب، ولا يجبنون، وعلى الله يتوكلون، والعاقبة للمتقين) 21.
ولربما يمكن أن نستفيد من قوله: (لا تزلهم الرياح العواصف): أن دولة الإسلام هذه سوف تواجه مشكلات صعبة، لا يثبت أمامها الرجال العاديون.
ومن قوله: (لا يملون من الحرب): أنهم سوف يواجهون حروباً طويلة، يمل منها الإنسان العادي.
ولكنهم سوف يصمدون، وفي النهاية سوف ينتصرون إن شاء الله، وذلك لقوله: ﴿ ... وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ 22.

الفلسطينيون والأرض

والإسلام حين حث على الجهاد، فإنه ربط بأمرين، كل منهما له حضور في قضية اغتصاب فلسطين، وهما:
الأول: القتال في سبيل الله سبحانه، المتمثل بقتال من تجرأ على المقدسات، واستولى على بيت المقدس، أولى القبلتين.. والذي يقدسه المسلمون عامة، وفيه محاريب الأنبياء، وباب حطة وما إلى ذلك..
الثاني: القتال في سبيل المستضعفين، فإن نفس الإستضعاف مرفوض بمنطق القرآن والإسلام، بغض النظر عن الخسائر المادية، وغيرها..
وقد أوجب الله على الناس القتال ضد من يستضعف الناس، ويقهرهم حتى لو لم يأخذ منهم أرضاً أو مالاً، أو ما إلى ذلك.
وقد قال تعالى مشيراً إلى هذين الأمرين: ﴿ وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ ... 23.
وقد أصبح التعدي على المقدسات، والإستضعاف للناس أكثر حضوراً وظهوراً فيما يجري على أرض فلسطين.
ولا بد من إبراز هذا وذاك في كل هذا النضال والجهاد ضد الغاصب المستكبر، ولا يصح تجاهل الجانب الإنساني في هذه القضية، لأن أية قضية إذا أفرغت من محتواها الإنساني؛ فإنها تفقد زخمها وقوتها، ورافدها العاطفي، وقد يصل الأمر بهذا الإنسان العادي إلى حد القول: بأنه لماذا يقاتل ويضحي؟ ما دام أن الأرض يمكن أن تباع وتشترى، ويقايض عليها، والإنسان وحده هو الأعلى والأغلى؛ فلماذا إذن تزهق النفوس والأرواح في سبيلها، ما دام يمكن الاستعاضة عنها بثمنها، ثم الاحتفاظ بهذا الإنسان ومواهبه وطاقاته لما هو أهم، ونفعه أعم؟.
وحتى بالنسبة للمقدسات في بيت المقدس أيضاً، فقد تجد من يقول: ليكن لأنصاف الحلول فيه مجـال، ولن يمانع الإسرائيليون من وصول المسلمين إلى مقدساتهم في كل حين، وممارسة عباداتهم فيه بحرية، إذا كانوا هم الحكام.
نعم، يمكن أن يخطر كل هذا في ذهن الإنسان العادي.
ولربما يؤثر هذا الخاطر على تعامله مع أقدس قضية، فيما إذا فصل الجانب الإنساني والعاطفي والإسلامي عن الأرض، فيضعف الدافع لتحريرها.
وهناك الكارثة الحقيقية والخيانة والجريمة الكبرى، إذاً، فلا بد أن تبقى المآسي والمظالم التي تعرض ويتعرض لها الشعب الفلسطيني ماثلة للعيان أمام المقاتل المسلم والمؤمن بعدالة قضيته، ليندفع إلى التضحية والفداء في سبيل قضيته المقدسة، بروح رضية، ونفس أبية، وليمتزج من ثم الوعي بالعاطفة، وكلاهما بالإيمان.
مع التأكيد على أنه ليس للمسؤولين والسياسيين أن يربطوا مصيرهم ومصير أمتهم بأولئك المنحرفين، ولا أن يثقوا بهم، لأن أولئك المنحرفين سوف يدفعونهم في النهاية ثمناً لمصالحهم، ويساومون عليهم وبهم 24.

  • 1. القران الكريم: سورة الإسراء (17)، الآيات: 4 - 10، الصفحة: 282.
  • 2. a. b. c. d. e. f. g. h. i. j. k. l. m. n. o. p. q. القران الكريم: سورة الإسراء (17)، الآية: 5، الصفحة: 282.
  • 3. a. b. c. d. e. f. g. h. i. j. k. l. m. n. القران الكريم: سورة الإسراء (17)، الآية: 7، الصفحة: 282.
  • 4. a. b. c. d. e. f. القران الكريم: سورة الإسراء (17)، الآية: 4، الصفحة: 282.
  • 5. القران الكريم: سورة الإسراء (17)، الآية: 8، الصفحة: 283.
  • 6. a. b. تفسير الميزان ج13 ص39.
  • 7. القران الكريم: سورة الإسراء (17)، الآية: 65، الصفحة: 288.
  • 8. القران الكريم: سورة الإسراء (17)، الآية: 9 و 10، الصفحة: 283.
  • 9. راجع هذه الروايات في الدر المنثور للسيوطي ج4 ص163 ـ 165 عن ابن جرير، وابن عساكر، وابن أبي حاتم، متفرقاً، وراجع: تفسير الطبري، وتفسير ابن كثير، وفتح القدير، وغير ذلك من التفاسير، في تفسير الآيات في سورة الإسراء.
  • 10. تفسير الميزان ج13 ص44و45.
  • 11. تفسير الميزان ج13 ص44 وفي تاريخ الخميس ج1 ص173: من وقت تخريب بخت نصر بيت المقدس إلى مولد يحيى أربع مئة وإحدى وستون سنة.
  • 12. راجع: قصص الأنبياء للنجار ص369.
  • 13. هذه النقاط أشار إليها الأخ العلامة الشيخ إبراهيم الأنصاري حفظه الله تعالى في مقاله، في مجلة الهادي.
  • 14. تقدم ذلك في تمهيد الكتاب.
  • 15. هذا رأي الشيخ إبراهيم الأنصاري في مجلة الهادي.
  • 16. راجع: البحار ج51 ص56 وتفسير البرهان، وتفسير نور الثقلين.
  • 17. الموجود في القرآن: (فإذا) فلعل كلمة (حتى) من كلام الراوي.
  • 18. البحار ج60 ص216.
  • 19. القران الكريم: سورة الإسراء (17)، الآية: 6، الصفحة: 282.
  • 20. البحار ج52 ص272 و273. وراجع ج51 ص57.
  • 21. البحار ج60 ص216.
    ويلاحظ وجود بعض الاختلاف بين هذا النص وبين ما في الترجمة الفارسية لكتاب تاريخ قم، فلعل المترجم قد تصرف في العبارة، ولعل نسخة المجلسي تختلف عن النسخة المتداولة لكتاب تاريخ قم، فليلاحظ ذلك.
  • 22. القران الكريم: سورة الأعراف (7)، الآية: 128، الصفحة: 165.
  • 23. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 75، الصفحة: 90.
  • 24. الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الخامسة، 2005 م. ـ 1425 هـ. ق، الجزء الثالث.