حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
تفسير آية : سأل سائل بعذاب واقع
العذاب الذي طلبته قريش
قال الله تعالى : ﴿ ... سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ ﴾ 1.
تبدو هاتان الآيتان سؤالاً عن عذاب موعود سيقع حتماً ، لا أكثر ، ويمكن لأحد أن يقول إنه عذاب الآخرة الموعود ، فليس بالضرورة أن يكون عذاباً في الدنيا . لكن الآيات والأحاديث تدلك على أن هذا العذاب في الدنيا ، وقد وقع منه مفردات ، وبقيت مفردات !
وفي آيات العذاب الدنيوي تجد طلباً عجيباً من مشركي قريش ، لم تطلبه أي أمة من نبيها عبر التاريخ ! قال الله تعالى : ﴿ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَٰذَا إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ 2.
لقد حطَّمَ القرشيون الرقم القياسي في العناد اليهودي البدوي ! فلم يقولوا : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا إليه ، بل قالوا ما لم يقله أحد قبلهم ولا بعدهم : ﴿ ... اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ 3! ومعناه أنا لا نريد نبوة ابن بني هاشم ، حقاً كانت أو باطلاً ، فإن كانت حقاً من عندك ، فأهلكنا فذلك خير لنا ! وصدق الله تعالى حيث أخبر أن أكثرهم لن يؤمنوا ، فقال : ﴿ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ * لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ 4.
وقد وعد الله هؤلاء الأكثر وإن أظهروا الإيمان بعذاب الدخان فقال : ﴿ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ * أَنَّىٰ لَهُمُ الذِّكْرَىٰ وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ * ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ * إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ * يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَىٰ إِنَّا مُنْتَقِمُونَ ﴾ 5.
أما مصادر السلطة فقد زعمت أن العذاب بهذا الدخان تحقق عندما دعا النبي صلى الله عليه و آله على قريش فأصابهم القحط والجوع فكان أحدهم يرى أمامه كالدخان من الجوع ! قال بخاري : 2 / 15 : ( إن النبي ( ص ) لما رأى من الناس إدباراً قال : اللهم سبعاً كسبع يوسف فأخذتهم سنة حصت كل شئ حتى أكلوا الجلود والميتة والجيف ، وينظر أحدهم إلى السماء فيرى الدخان من الجوع ، فأتاه أبو سفيان فقال : يا محمد إنك تأمر بطاعة الله وبصلة الرحم ، وإن قومك قد هلكوا فادع الله لهم ، قال الله تعالى : ﴿ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ ﴾ 6إلى قوله ﴿ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَىٰ ... ﴾ 7، فالبطشة يوم بدر ، وقد مضت الدخان والبطشة واللزام وآية الروم ) 8 .
وفي صحيح مسلم : 8 / 130 : ( عن مسروق قال : كنا عند عبد الله جلوساً وهو مضطجع بيننا ، فأتاه رجل فقال : يا أبا عبد الرحمن إن قاصاً عند أبواب كندة يقص ويزعم أن آية الدخان تجئ فتأخذ بأنفاس الكفار ويأخذ المؤمنين منه كهيئة الزكام! فقال عبد الله وجلس وهو غضبان : يا أيها الناس إتقوا الله ، من علم منكم شيئاً فليقل بما يعلم ، ومن لم يعلم فليقل الله أعلم . . ) . ثم أورد حديث بخاري وقال : ( فالبطشة يوم بدر وقد مضت آية الدخان والبطشة واللزام وآية الروم ) .انتهى .
أقول : ترى علماء السلطة يصرون على إبعاد العذاب الدنيوي والأخروي عن هذه الأمة وخاصة عن قريش حتى عن فراعنتها وأئمة الكفر منها كأبي جهل 9 ! وقصدهم بالبطشة قوله تعالى : ﴿ ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ * إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ * يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَىٰ إِنَّا مُنْتَقِمُونَ ﴾ 10، وباللزام آخر سورة الفرقان : ﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا ﴾ 11. فهم يفسرون البطشة الكبرى واللزام والعذاب ببدر! ويقولون إن أنواع العذاب الموعود قد مضت !
بل تراهم افتروا على النبي صلى الله عليه و آله بأنه دعا على قومه فوبخه الله تعالى ! فاقرأ مالا تصدقه عيناك في تفسير قوله تعالى : ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ... ﴾ 12، وكيف صوروا النبي صلى الله عليه و آله ضيق الصدر مبغضاً لقريش عدوانياً عليها ! فينزل الوحي مدافعاً عن هذه القبائل المقدسة !
قال في الميزان : 18 / 137 : ( واختلف في المراد بهذا العذاب المذكور في الآية ، فقيل : المراد به المجاعة التي ابتلى بها أهل مكة . . وقيل إن الدخان المذكور في الآية من أشراط الساعة وهو لم يأت بعد . . . والقولان كما ترى ) 13 .
أقول : التأمل في آيات العذاب يوجب القول بوجود عذاب دنيوي أيضاً وعد الله به بعض الناس ، منه ما تحقق ومنه ما يكون على يد المهدي عليه السلام ومنه ما يكون قبله ، أو بعده في الرجعة ، أو قرب القيامة .
ومن أدلته الواضحة قوله تعالى : ﴿ ... وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ 14. فهو ينص على عذاب موعود مؤخر الى ( الأمة المعدودة ) الذين يبعثهم الله لعذاب الظالمين ، وقد ورد أنهم أصحاب الإمام المهدي عليه السلام . وكذا قوله تعالى لنبيه عيسى عليه السلام : ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ... ﴾ 15. . . ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ﴾ 16. ولا يتسع المجال لبحث الموضوع ، وغرضنا منه العذاب الموعود في قوله تعالى : ﴿ ... سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ﴾ 17، وقد وردت أحاديث في أنه يتعلق بقريش ، وأنه وقع بعضه يوم بدر ، وبعضه على أثر يوم الغدير . وبعضه يكون عند ظهور الإمام المهدي عليه السلام كما قال الإمام الصادق عليه السلام : ( تأويلها فيما يأتي ، عذابٌ يقع في الثوية يعني ناراً حتى تنتهي إلى الكناسة ) 18 .
أحجار من السماء للمعترضين باسم قريش !
تحركت قافلة النبوة من غدير خمٍ نحو المدينة ، وسكن قلب النبي صلى الله عليه و آله واطمأن لأنه بلغ رسالة ربه ، لكن قلوب قريش كانت تغلي من الغيظ ، ثم رأت نفسها أفاقت بعد سكرة ، فأخذت بالنشاط !
هنا استعمل الله تعالى أسلوباً آخر لعصمة نبيه صلى الله عليه و آله من قريش ، هو كشف مؤامرتها لقتله بعد الجحفة في عقبة هرشى ، وكانت نسخة عن مؤامرتها في عقبة تبوك .
كما استعمل الله أسلوب العذاب السماوي الذي لا تفهم قريش غيره تماماً كاليهود مع أنبيائهم عليهم السلام ! وقد روت مصادر السنة والشيعة عدة أسماء لأشخاص اعترضوا على إعلان النبي صلى الله عليه و آله ولاية علي عليه السلام في غدير خم وهم : جابر بن النضر بن الحارث بن كلدة العبدري ، والحارث بن النعمان الفهري ، وعمرو بن عتبة المخزومي ، والنضر بن الحارث الفهري ، والحارث بن عمرو الفهري ، والنعمان بن الحارث اليهودي ، والنعمان بن المنذر الفهري ، وعمرو بن الحارث الفهري ، ورجل من بني تيم ، ورجل أعرابي . . ورجل أعرابي من أهل نجد من ولد جعفر بن كلاب بن ربيعة . وكلهم قرشيون إلا الربيعي واليهودي ! وليس فيهم أنصاري لأنهم لم يعترض منهم أحد على ما أعطى الله تعالى لعترة نبيه صلى الله عليه و آله ، وإن خذلوهم بعد وفاته !
وخلاصة الحادثة : أن أحد القرشيين الكبار ، أو أكثر من شخص ، اعترض على النبي صلى الله عليه و آله واتهمه بأن إعلانه علياً عليه السلام ولياً على الأمة ، كان عملاً من عنده وليس بأمر ربه عز وجل ! ولم يقتنع القرشي بتأكيد النبي صلى الله عليه و آله له أنه ما فعل ذلك إلا بأمر ربه عز وجل ! وخرج من عند النبي صلى الله عليه و آله غاضباً مغاضباً ، وهو يدعو الله بدعاء قريش أن يمطر الله عليه حجارة من السماء إن كان هذا الأمر حقاً من عنده ، فرماه الله بحجرٍ من السماء فأهلكه ! أو أنزل عليه ناراً من السماء فأحرقته ! وهذه الحادثة تعني أن الله استعمل التخويف مع قريش أيضاً ، ليعصم رسوله صلى الله عليه و آله من تكاليف حركة الردة التي قد تُقْدِم عليها ، ويتعزز عند زعمائها الإتجاه القائل بفشل المواجهة الحسية مع النبي صلى الله عليه و آله ، وضرورة الصبر حتى يتوفاه الله تعالى !
وأقدم من روى هذا الحديث أبو عبيد الهروي في كتابه : غريب القرآن ، قال ابن شهراشوب في مناقب آل أبي طالب : 2 / 240 : أبو عبيد ، والثعلبي ، والنقاش ، وسفيان بن عينيه ، والرازي ، والقزويني ، والنيسابوري ، والطبرسي ، والطوسي في تفاسيرهم ، أنه لما بَلَّغَ رسول الله ( ص ) بغدير خم ما بَلَّغ وشاع ذلك في البلاد ، أتى الحارث بن النعمان الفهري وفي رواية أبي عبيد : جابر بن النضر بن الحارث بن كلدة العبدري فقال : يا محمد ! أمرتنا عن الله بشهادة أن لاإله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وبالصلاة والصوم والحج والزكاة فقبلنا منك ، ثم لم ترض بذلك حتى رفعت بضبع ابن عمك ففضلته علينا وقلت : من كنت مولاه فعلي مولاه ! فهذا شئ منك أم من الله ؟! فقال رسول الله صلى الله عليه و آله : والذي لاإله إلا هو إن هذا من الله . فولى جابر يريد راحلته وهو يقول : اللهم إن كان ما يقول محمد حقاً ﴿ ... فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ 3! فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره وقتله ، وأنزل الله تعالى : ﴿ ... سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ﴾ 17. الآية ) . انتهى . وقد أحصى علماؤنا ، كصاحب العبقات ، وصاحب الغدير وصاحب إحقاق الحق ، وصاحب نفحات الأزهار ، وغيرهم عدداً من أئمة السنيين الذين أوردوا هذا الحديث في مصنفاتهم ، فزادت على الثلاثين . . نذكر منهم اثني عشر :
- الحافظ أبو عبيد الهروي ، في تفسيره ( غريب القرآن ) .
- أبو بكر النقاش الموصلي البغدادي ، في تفسيره .
- أبو إسحاق الثعلبي ، في تفسيره ( الكشف والبيان ) .
- الحاكم أبو القاسم الحسكاني في كتاب ( أداء حق الموالاة ) .
- أبو بكر يحيى القرطبي ، في تفسيره .
- أبو المظفر سبط ابن الجوزي الحنفي في تذكرته .
- شيخ الإسلام الحمويني ، روى في فرائد السمطين في الباب الثالث عشر بسنده الى الثعلبي عن سفيان بن عيينه سئل عن قوله عز وجل : سأل سائل بعذاب واقع ، فيمن نزلت فقال . . .
- أبو السعود العمادي ، في تفسيره : 8 / 292 ، وقال : قيل هو الحرث بن النعمان الفهري ، وذلك أنه لما بلغه قول رسول الله عليه السلام في علي رضي الله عنه : من كنت مولاه فعلي مولاه ، قال . . .
- شمس الدين الشربيني القاهري الشافعي ، قال : في تفسيره السراج المنير : 4 / 364 : اختلف في هذا الداعي فقال ابن عباس : هو النضر بن الحرث ، وقيل : هو الحرث بن النعمان . . .
- الشيخ برهان الدين علي الحلبي الشافعي ، رواه في السيرة الحلبية : 3 / 302 ، قال : لما شاع قوله ( ص ) : من كنت مولاه فعلي مولاه في ساير الأمصار وطار في جميع الأقطار ، بلغ الحرث بن النعمان الفهري . . .
- شمس الدين الحفني الشافعي ، في شرح الجامع الصغير : 2 / 387 .
- أبو عبد الله الزرقاني المالكي ، في شرح المواهب اللدنية / 13 .
طرق وأسانيد حديث حجر الغدير
طرق المصادر السنية : الطريق الأول : حديث أبي عبيد الهروي : في كتابه : غريب القرآن ، وسنده عند أهل الجرح والتعديل سند مقبول .
الثاني : حديث الثعلبي عن سفيان بن عيينة : وله أسانيد كثيرة ، وأكثر الذين ذكرهم صاحب الغدير رحمه الله أسانيدهم عن الثعلبي أو من كتابه ، كما عدد السيد المرعشي رحمه الله جملة منهم في إحقاق الحق : 6 / 358 ، ونص الحديث : ( عن سفيان بن عيينة رحمه الله سئل عن قوله تعالى : ﴿ ... سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ﴾ 17، فيمن نزلت ؟ فقال للسائل : لقد سألتني عن مسألة لم يسألني عنها أحد قبلك ، حدثني أبي عن جعفر بن محمد عن آبائه رضي الله عنهم أن رسول الله ( ص ) لما كان بغدير خم نادى الناس فاجتمعوا فأخذ بيد علي رضي الله عنه وقال من كنت مولاه فعلي مولاه فشاع ذلك فطار في البلاد ، وبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري ، فأتى رسول الله ( ص ) على ناقة له فأناخ راحلته ونزل عنها ، وقال : يا محمد أمرتنا عن الله عز وجل أن نشهد أن لاإله إلا الله وأنك رسول الله فقبلنا منك ، وأمرتنا أن نصلي خمساً فقبلنا منك ، وأمرتنا بالزكاة فقبلنا منك ، وأمرتنا أن نصوم رمضان وأمرتنا بالحج فقبلنا ، ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك تفضله علينا فقلت : من كنت مولاه فعلي مولاه . . . الخ . وشواهد التنزيل : 2 / 381 ، بسندين إلى ابن عيينة ، برقم ( 1030 و 1031 ) .
الثالث والرابع والخامس للقاضي الحسكاني في شواهد التنزيل : 2 / 382 ، رقم1032 ، عن جابر الجعفي . و : 2 / 383 رقم 1033 ، عن حذيفة , و : 2 / 385 رقم 1034 ، عن أبي هريرة .
طرق وأسانيد مصادرنا إلى سفيان بن عيينة
1 . سند فرات بن إبراهيم الكوفي إلى سفيان بن عيينة / 505 ، برقم ( 3 ) .
2 . سند محمد بن العباس إلى سفيان في تأويل الآيات : 2 / 722 .
3 . سند الشريف المرتضى إلى سفيان في مدينة المعاجز : 1 / 407 .
4 . سند منتجب الدين الرازي إلى سفيان في الأربعين حديثاً / 82 .
5 . سند الطبرسي إلى سفيان بن عيينة ، كما في تفسير الميزان : 6 / 58 .
طرق وأسانيد مصادرنا من غير طريق سفيان بن عيينة
1 . أسانيد الكليني : 1 / 422 ، و : 8 / 57 ، عن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام .
2 . أسانيد فرات الكوفي / 503 ،عن أبي هريرة وابن عباس وسعد بن وقاص .
3 . سندا محمد بن العباس في تأويل الآيات : 2 / 722 ، عن أبي بصير . . .
4 . سند جامع الأخبار ، كما في بحار الأنوار : 33 / 165 .
5 . سند مدينة المعاجز للبحراني : 2 / 267 ، عن السيد حيدر بن علي الآملي .
6 . رواية المناقب لابن شهرآشوب ، عن عدد من المصادر ، وقد تقدمت .
7 . رواية علي بن إبراهيم في تفسيره : 2 / 385 ، بسنده عن أبي الحسن عليه السلام .
وهناك أسانيد أخرى ، يصعب استقصاؤها فراجع : شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي ، وكنز الحقائق للكراجكي ، والفضائل لشاذان بن جبرئيل ، وتفسير القمي والمناقب لابن شهرآشوب ، وغاية المرام للبحراني ، وغيرها .
والنتيجة الأولى التي يصل المتأمل أن أصل الحديث مستوفٍ لشروط الصحة ، فمهما كان الباحث بطئ التصديق ، وأجاز لنفسه اتهام الشيعة بأنهم وضعوها في مصادرهم ، فلا يمكنه أن يفسر وجودها في مصادر السنة ورواية عدد من أئمتهم لها ، وتبني بعضهم لها .
نعم قد يعترض متعصبٌ بأن هؤلاء الأئمة السنيين رووه عن أئمة أهل البيت عليهم السلام . وجوابه أولاً ، أن طرق الحديث فيها عن حذيفة ، وأبي هريرة ، وابن وقاص وغيره . وأن مقام أهل البيت عليهم السلام عند السنة لايقل عن مقام كبار أئمتهم ، خاصة الإمامين الباقر والصادق‘اللذين يروي عنهما عدد من كبار أئمتهم كأبي عبيد والسفيانين والزهري ومالك وأحمد ، وغيرهم .
والنتيجة الثانية أن الحادثة التي روتها هذه الأحاديث لايمكن أن تكون واحدة بل متعددة ، بسبب تعدد الإسماء ، والتصحيف يصح في بعضها لا في جميعها ، وبسبب نوع العقوبة ، والأمكنة ، والأزمنة ، والقرائن المذكورة في روايات الحديث . فرواية أبي عبيد والثعلبي وغيرها تقول إن الإعتراض والحادثة وقع في المدينة أو قربها ، وإن العذاب كان بحجرٍ من سجيل ، ورواية أبي هريرة وغيرها تقول كان في نفس غدير خم بعد خطبة النبي صلى الله عليه و آله ، وإن العقوبة كانت بنارٍ نزلت من السماء ، وبعضها يقول إنها كانت بصاعقة .
نموذج من تفسير علماء الخلافة لآية : ﴿ ... سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ﴾ 17
قال الشوكاني في فتح القدير : 5 / 352 : ( وهذا السائل هو النضر بن الحارث حين قال : ﴿ ... اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ 3. وهو ممن قتل يوم بدر صبراً . وقيل : هو أبو جهل . وقيل : هو الحارث بن النعمان الفهري . والأول أولى لما سيأتي ) .انتهى . وقصده بما يأتي ما ذكره / 356 ، من رواياتهم التي تثبت أن السورة مكية وأن صاحب العذاب الواقع هو النضر ، وليس ابنه جابراً ، ولا الحارث الفهري قال : ( وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد والنسائي وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : سأل سائل ، قال : هو النضر بن الحارث قال : ﴿ ... اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ ... ﴾ 3) . انتهى . ومع أن الشوكاني ذكر القولين لكنه ذكر رواية أحدهما دون الآخر ، وهذا تحيز ! بل ينبغي أن يذكر رواية القولين وسبب ترجيحه لأحدهما كما فعل الشربيني القاهري في تفسير المعروف فقال كما نقل عنه صاحب عبقات الأنوار : 7 / 398 : ( اختلف في هذا الداعي فقال ابن عباس : هو النضر بن الحارث . وقيل هو الحارث بن النعمان ، وذلك أنه لما بلغه قول النبي صلى الله عليه و آله من كنت مولاه فعلي مولاه ركب ناقته فجاء حتى أناخ راحلته في الأبطح ثم قال : يا محمد أمرتنا عن الله أن نشهد أن لاإله إلا الله وأنك رسول الله فقبلناه منك . . .إلخ . ) . انتهى . وقال القرطبي في تفسيره : 18 / 278 : ( وهو النضر بن الحارث حيث قال : ﴿ ... اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ 3، فنزل سؤاله وقتل يوم بدر صبراً هو وعقبة بن أبي معيط ، لم يقتل صبراً غيرهما ، قاله ابن عباس ومجاهد . وقيل : إن السائل هنا هو الحارث بن النعمان الفهري ، وذلك أنه لما بلغه قول النبي ( ص ) في علي رضي الله عنه : من كنت مولاه فعلي مولاه ، ركب ناقته فجاء حتى أناخ راحلته بالأبطح . . بنحو رواية أبي عبيد . ثم قال : وقيل : إن السائل هنا أبو جهل وهو القائل لذلك ، قاله الربيع . وقيل إنه قول جماعةٍ من كفار قريش . وقيل : هو نوح عليه السلام سأل العذاب على الكافرين . وقيل : هو رسول الله ( ص ) أي دعا بالعقاب ، وطلب أن يوقعه الله بالكفار وهو واقع بهم لا محالة ، وامتد الكلام إلى قوله تعالى : ﴿ فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا ﴾ 19، أي لا تستعجل فإنه قريب ) . انتهى .
أقول : رجح المفسرون السنيون كما رأيت تفسير الآية بنزول العذاب على النضر بن الحارث العبدري بقتله في بدر ، لكن اعترافهم برواية العذاب عقوبة للمعترض على ولاية علي عليه السلام في الغدير ، يدل على وجود إعلان نبوي رسمي بحق علي عليه السلام ووجود اعتراضٍ قرشي عليه !
أما الفخر الرازي فاختار في تفسيره : 30 / 122 ، أن العذاب المذكور في مطلع السورة هو العذاب الأخروي ، وأن الدنيوي مخصوص بالنضر بن الحارث ، قال : ( لأن العذاب نازل للكافرين في الآخرة لا يدفعه عنهم أحد ، وقد وقع بالنضر لأنه قتل يوم بدر ) ، ثم وصف هذا الرأي بأنه سديد . . وهو بذلك يتابع المفسرين السنيين الذين قالوا بانتهاء العذاب الدنيوي الموعود ، مع أن السورة لا تشير إلى انتهاء أي نوع منه .
ويرد على تفسيرهم عدة إشكالات : أولها : أن القول الذي رجحوه قول صحابي أو تابعي وهما ابن عباس ومجاهد ، وليس حديثاً نبوياً ، بينما تفسيرها بعذاب المعترض على ولاية علي عليه السلام حديث نبوي صحيح السند .
وثانيها : أن سؤال النضر بالعذاب الواقع كان قبل بدر ، وعذابه في بدر ، لكن آية مطر الحجارة نزلت في الأنفال بعد بدر وبعد قتل النضر ، فكيف يكون جواب قوله في سورة مكية ، وقوله في سورة مدنية بعد هلاكه ؟!
وثالثها : أن العذاب بحجر من السماء أكثر تناسباً وانطباقاً على قوله تعالى : ﴿ ... اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ 3، من قولهم أن العذاب كان بالقتل .
و رابعها : أنه لا تعارض بين التفسيرين ، فيكون العذاب وقع على النضر بن الحارث في بدر ، ثم وقع على ولده جابر بن النضر ، كما في رواية أبي عبيد ، ثم وقع ويقع على آخرين من مستحقيه ! بل هو المتعين الذي يقتضيه إطلاق النص ، فقد تحدوا النبي صلى الله عليه و آله وتساءلوا عن العذاب الموعود وطلبوه ، فأجابهم الله تعالى بأنه واقعٌ بالكفار لا محالة في الدنيا وفي الآخرة ، وقد وقع على قريش في بدر والخندق ، كما عذبهم بالجوع والقحط ، وفتح مكة . ومنه عذاب المعترضين منهم على النبي صلى الله عليه و آله لإعلانه ولاية عترته عليهم السلام ! بل يبقى العذاب الواقع مفتوحاً الى آخر الدنيا !
محاولات النواصب رد تفسير آية العذاب !
لم أعثر على أحد من النواصب المبغضين لأهل بيت النبي صلى الله عليه و آله ، رد هذا الحديث وكذبه قبل ابن تيمية ، فقد هاجمه بعنف وتخبط في رده ! وتبعه على ذلك محمد رشيد رضا في تفسير المنار ، وهو ناصبي مقلد لابن تيمية وتلميذه ابن القيم في كثير من أفكارهما ، وقد أدخلها في تفسيره ، واستفاد لنشرها من إسم أستاذه الشيخ محمد عبده رحمه الله فخلط أفكاره بأفكار أستاذه ! ويلمس القارئ الفرق بين الجزءين الأولين من تفسير المنار اللذين كتبهما في حياة الشيخ محمد عبده وما سجله من دروسه ، ففيهما من عقلانية الشيخ محمد عبده رحمه الله واعتقاده بولاية أهل البيت عليهم السلام ، وبين الأجزاء التي كتبها رشيد رضا بعد وفاة أستاذه أو أعاد طباعتها ووضع فيها أفكاره الناصبة لأهل البيت عليهم السلام . وقد نقل رشيد رضا في المنار : 6 / 464 ، الحديث من تفسير الثعلبي ، ثم قال : ( وهذه الرواية موضوعة ، وسورة المعارج هذه مكية ، وما حكاه الله من قول بعض كفار قريش : ﴿ ... اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ ... ﴾ 3. كان تذكيراً بقول قالوه قبل الهجرة ، وهذا التذكير في سورة الأنفال وقد نزلت بعد غزوة بدر قبل نزول المائدة ببضع سنين ، وظاهر الرواية أن الحارث بن النعمان هذا كان مسلماً فارتد ، ولم يعرف في الصحابة ، والأبطح بمكة والنبي صلى الله عليه و آله لم يرجع من غدير خم إلى مكة ، بل نزل فيه منصرفه من حجة الوداع إلى المدينة ) .انتهى . ولم يزد رشيد رضا على ما ذكره ابن تيمية ! وعمدة إشكالهما :
1 ـ أن مكان الأبطح في مكة والنبي صلى الله عليه و آله لم يرجع بعد الغدير إلى مكة . وجوابه : أن الأبطح كل مسيل ماء فيه حصى 20 ، وأبطح المدينة مشهور ، لكن ابن تيمية لا يعرفه أو تعمد الكذب ! وقد رده صاحب الغدير رحمه الله : 1 / 239 ، بما رواه بخاري : 1 / 181 ( أن رسول الله ( ص ) أناخ بالبطحاء بذي الحليفة فصلى بها ) . وذو الحليفة بالمدينة لا في مكة .
2 ـ وإشكاله الثاني أن سورة المعارج مكية نزلت قبل المائدة ، والحديث يقول إن آيتها نزلت وسط آيات سورة المائدة !
وجوابه : أن سورة المعارج مختلف فيها ، ويبدو أن فيها آيات مدنية ولو سلمنا أنها كلها مكية فتكون آية ( سأل سائل ) نزلت مرة ثانية ، لأنه جاء تأويلها عندما طلب المعترض نزول العذاب عليه ونزل . وتوجد آيات عديدة نزلت أكثر من مرة وكان نزولها الثاني لتحقق تأويلها أو لتأكيدها ، وقد نصت رواية بحار : 37 / 167 ، على أن جبرئيل هبط بعد هلاك المعترض على النبي صلى الله عليه و آله وهو يقول : ( إقرأ يا محمد : ﴿ ... سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ ﴾ 1) . وهذا نص في أن جبرئيل عليه السلام نزل بتطبيق الآية أو تأويلها ، بل يظهر من أحاديثنا أن ما حل بالعبدري والفهري ما هو إلا جزءٌ صغيرٌ من ( العذاب الواقع ) الموعود ، وأن أكثره سينزل في المستقبل تمهيداً لظهور المهدي عليه السلام أو نصرةً له . .وقد روى المحدثون والمفسرون أن آية : ﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ﴾ 21، نزلت في سورة الضحى عندما أبطأ جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه و آله ( الطبراني الكبير : 2 / 173 ) ، ونزلت عندما عيَّر المشركون المسلمين بالفقر 22 ، ونزلت عندما عُرض على رسول الله صلى الله عليه و آله ماهو مفتوح على أمته من بعده 23 ، ونزلت عندما رأى النبي صلى الله عليه و آله على فاطمة عليها السلام كساء من وبر الإبل وهي تطحن فبكى وقال : يا فاطمة إصبري على مرارة الدنيا لنعيم الآخرة غداً ، فنزلت : ﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ﴾ 2124 . فلا الأبطح عرفوه ، ولا تكرار النزول فهموه ، وتشبثوا بالباطل لينكروا ولاية علي عليه السلام التي صدع بها رسول الله صلى الله عليه و آله .
هذا ، وقد رد علماؤنا كلام الناصبي ابن تيمية في منهاجه : 4 / 13 ، بنقد علمي مفصل كما ترى في الغدير : 1 / 239 ، وعبقات الأنوار : مجلد 7 و 8 .
بنو عبد الدار "أبطال" العذاب الواقع
اختلفت الروايات في إسم الشخص الذي نزل عليه حجر السجيل ، ولكن ذلك لا يضر في صحة الحديث ، خاصة أن المرجح تعدد الحادثة في غدير خم وفي المدينة ، وطبيعي أن يخفي القرشيون إسم الذي اتهم النبي صلى الله عليه و آله فنزل عليه العذاب ، لأن إسمه صار سوأةً على أقاربه وعشيرته ! وأقوى الروايات في إسمه : جابر بن النضر بن الحارث بن كلدة العبدري ، بدليل أن الحافظ أبا عبيد الهروي المتوفى سنة 223 ، ضبطه في كتابه بهذا الإسم ، والعلماء يحترمون خبرة أبي عبيد بالحديث ، وجابر بن النضر شخصيةٌ قرشية معروفة ، فوالده زعيم بني عبد الدار حامل لواء قريش الذي قتل يوم بدر ، فهو بنظره صاحب ثأر مع النبي صلى الله عليه و آله وعلي عليه السلام الذي قتل أباه !
كما أنه في الكفر كأبيه الذي كان من أشد فراعنة قريش على النبي صلى الله عليه و آله ! وقد ردد جابر كلمة أبيه : ﴿ ... اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ 3!
قال ابن هشام في سيرته : 1 / 195 : ( وكان النضر بن الحارث من شياطين قريش ، وممن كان يؤذي رسول الله ( ص ) وينصب له العدواة ، وكان قدم الحيرة وتعلم بها أحاديث ملوك الفرس وأحاديث رستم واسفنديار ، فكان إذا جلس رسول الله ( ص ) مجلساً فذكر فيه بالله ، وحذر قومه ما أصاب من قبلهم من الأمم من نقمة الله ، خلفه في مجلسه إذا قام ، ثم قال : أنا والله يا معشر قريش أحسن حديثاً منه ، فهلم إلي فأنا أحدثكم أحسن من حديثه ثم يحدثهم عن ملوك فارس ورستم واسبنديار ، ثم يقول : بماذا محمد أحسن حديثاً مني ؟! قال ابن هشام : وهو الذي قال فيما بلغني : سأنزل مثل ما أنزل الله . قال ابن إسحاق : وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول فيما بلغني : نزل فيه ثمان آيات من القرآن ، قول الله عز وجل : إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين . وكل ما ذكر فيه الأساطير من القرآن ) . وقال السيوطي في الدر المنثور : 3 / 181 : ( وأخرج ابن جرير عن عطاء قال : نزلت في النضر : ﴿ وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ 3. ﴿ وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ ﴾ 25. ﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ... ﴾ 26. و ﴿ ... سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ﴾ 17! قال عطاء : لقد نزل فيه بضع عشرة آية من كتاب الله ) 27 .
وأرسلته قريش الى اليهود ليعينوهم على النبي صلى الله عليه و آله ( بعثوه وبعثوا معه عقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة وقالوا لهما : سلاهم عن محمد وصفا لهم صفته وأخبراهم بقوله فإنهم أهل الكتاب الأول وعندهم علم ليس عندنا من علم الأنبياء . . . فقالت لهما أحبار يهود : سلوه عن ثلاث نأمركم بهن فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل ، وإن لم يفعل فالرجل متقول فَرَوْا فيه رأيكم . سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان أمرهم فإنه قد كان لهم حديث عجيب ؟ وسلوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبأه ؟ وسلوه عن الروح ما هي ) 28 .
وهوكاتب الصحيفة الملعونة الأولى ضد بني هاشم 29 .
وختاماً ، نلاحظ أن كثيراً من الرواة خلطوا بين جابر بن النضر الذي نزل عليه العذاب بحجر من السماء ، وبين أبيه النضر الذي قتل قبله بعشر سنين في بدر ! وذلك لتشابه شخصيتهما وعدائهما لله ولرسوله ، ولا يبعد أن يكون الرواة أرادو إخفاء الإبن المقتول لاعتراضه على ولاية علي عليه السلام ، وفأدغموه في أبيه ، وجعلوا أخبارهما واحدة ! 30
- 1. a. b. القران الكريم: سورة المعارج (70)، من بداية السورة إلى الآية 2، الصفحة: 568.
- 2. القران الكريم: سورة الأنفال (8)، الآيات: 31 - 34، الصفحة: 180.
- 3. a. b. c. d. e. f. g. h. i. القران الكريم: سورة الأنفال (8)، الآية: 32، الصفحة: 180.
- 4. القران الكريم: سورة يس (36)، الآية: 6 و 7، الصفحة: 440.
- 5. القران الكريم: سورة الدخان (44)، الآيات: 10 - 16، الصفحة: 496.
- 6. القران الكريم: سورة الدخان (44)، الآية: 10، الصفحة: 496.
- 7. القران الكريم: سورة الدخان (44)، الآية: 16، الصفحة: 496.
- 8. و : 2 / 19 ، و : 5 / 217 ، و : 6 / 41 .
- 9. بخاري : 5 / 199 .
- 10. القران الكريم: سورة الدخان (44)، الآيات: 14 - 16، الصفحة: 496.
- 11. القران الكريم: سورة الفرقان (25)، الآية: 77، الصفحة: 366.
- 12. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 128، الصفحة: 66.
- 13. ونحوه مجمع البيان : 9 / 105 .
- 14. القران الكريم: سورة هود (11)، الآية: 7 و 8، الصفحة: 222.
- 15. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 55، الصفحة: 57.
- 16. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 56، الصفحة: 57.
- 17. a. b. c. d. e. القران الكريم: سورة المعارج (70)، من بداية السورة إلى الآية 1، الصفحة: 568.
- 18. غيبة النعماني / 272 .
- 19. القران الكريم: سورة المعارج (70)، الآية: 5، الصفحة: 568.
- 20. العين : 3 / 173 .
- 21. a. b. القران الكريم: سورة الضحى (93)، الآية: 5، الصفحة: 596.
- 22. لباب النقول / 213 .
- 23. الطبراني الكبير : 10 / 277 .
- 24. كنز العمال : 12 / 422 .
- 25. القران الكريم: سورة ص (38)، الآية: 16، الصفحة: 453.
- 26. القران الكريم: سورة الأنعام (6)، الآية: 94، الصفحة: 139.
- 27. ونحوه في : 5 / 297 ، عن عبد بن حميد .
- 28. ابن هشام : 1 / 195 .
- 29. ابن هشام : 1 / 234 .
- 30. تفسير آيات الغدير الثلاث ، الشيخ علي الكوراني العاملي ، مركز المصطفى للدراسات الإسلامية برعاية المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني ، الناشر : دار الهدى ـ قم ، الطبعة الأولى ، سنة 1427 ، ص 88 ـ 110 .