مجموع الأصوات: 7
نشر قبل سنة واحدة
القراءات: 1782

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

عقيدة السنة في المهدي المنتظر (عجل الله فرجه)

 

يتصور البعض أن عقيدة المهدي المنتظر عقيدة خاصة بالشيعة ، بينما هي عند السنة أصيلة كأصالتها عند الشيعة ، لا فرق بين الجميع في ثبوت البشارة عن النبي ( صلى الله عليه و آله ) بالمهدي المنتظر ( عجَّل الله فرجه ) و لا في مهمته العالمية ، و لا في شخصيته المقدسة المتميزة ، و لا في علامات ظهوره و معالم ثورته .
و قد يكون الفرق الوحيد بشأنها أننا نحن الشيعة نعتقد بأنه هو الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري ( عجَّل الله فرجه ) المولود سنة 255 هـ ، و أن الله تعالى مد في عمره كما مد في عمر الخضر ( عليه السَّلام ) فهو حيٌّ غائب حتى يأذن الله له بالظهور ، بينما يرى غالبية علماء السنة أنه لم يثبت أنه مولود و غائب ، بل سوف يولد و يحقق ما بشر به النبي ( صلى الله عليه و آله ) .
و تظهر أصالة عقيدة المهدي عند السنة في كثرة أحاديثها في مصادرهم و أصولهم الحديثية و العقائدية ، و في فتاوى و آراء علمائهم ، و في التاريخ العلمي و السياسي لهذه العقيدة في أوساطهم عبر الأجيال .
و على هذا الأساس ، فإن الحركات المهدية في أوساط المسلمين السنة ، مثل حركة المهدي السوداني في القرن الماضي ، و حركة الحرم المكي الشريف في مطلع هذا القرن ، و الحركات المتضمنة لأفكار مهدية بشكل بارز كحركة الجهاد و الهجرة في مصر ، و أمثالها من الحركات ، لم تنشأ من فراغ و لا من تأثر بأفكار الشيعة عن المهدي ، كما يتصور بعضهم ! فرواة أحاديث المهدي المنتظر من الصحابة و التابعين السنة لا يقل عددهم عن الرواة من الشيعة ، و كذلك من دونها منهم في الأصول و الموسوعات الحديثية ، و من ألف فيها مؤلفاً خاصاً ، و لعل أقدم مؤلف سني وصل إلينا في عقيدة المهدي هو كتاب ( الفتن و الملاحم ) للحفاظ نعيم بن حماد المروزي المتوفى سنة 227 هـ ، و هو من شيوخ البخاري و غيره من مصنفي الصحاح ، و توجد منه نسخة في مكتبة دائرة المعارف العثمانية في حيدر آباد الهند رقم 3187 - 83 ، و نسخة في المكتبة الظاهرية بدمشق رقم 62 - أدب ، و نسخة في مكتبة المتحف البريطاني تقع في نحو مئتي صفحة مزدوجة ، و قد تم نسخها سنة 706 هـ ، و يوجد على بعض صفحاتها عبارة ( و قف حسين أفندي ) مما يشير إلى أنها أخذت من موقوفات تركيا ، و قد سجلت في المكتبة البريطانية سنة 1924م ، و هي التي نقلنا عنها في هذا الكتاب .
أما بقية المصادر الحديثية و العقائدية السنية التي تعرضت لعقيدة المهدي المنتظر أو عقدت لها فصلاً فتزيد على الخمسين مصدر ، بما فيها كتب الصحاح .
و أما المؤلفات و الرسائل و البحوث الخاصة بالموضوع فهي تقارب عدد المصادر .
كما أنَّ أقدم مؤلف شيعي وصل إلينا في عقيدة المهدي أيضاً كتاب ( الغيبة ) أو كتاب ( القائم ) للفضل بن شاذان الأزدي النيشابوري المعاصر لنعيم بن حماد ، و الذي ألف كتابه قبل ولادة الإمام المهدي ( عجَّل الله فرجه ) و غيبته !
و قد كانت نسخه متداولة بين علمائنا إلى أن فقدت في هذا القرن مع الأسف ، و لكن بقي منه ما رواه العلماء في مؤلفاتهم ، خاصة ما نقله العلامة المجلسي ( رحمه الله ) في موسوعته ( بحار الأنوار ) .
و على مر العصور كانت عقيدة المهدي المنتظر ( عجَّل الله فرجه ) من العقائد الثابتة المتسالم عليها عند علماء السنة و جمهورهم ، فإن ظهر رأي شاد ينكرها أو يشكك فيها ، تصدى له العلماء و المحققون و ردوه و أنكروا عليه أن يشكك في واحدة من عقائد الإسلام ثبتت بالأحاديث المتواترة عن النبي ( صلى الله عليه و آله ) .
و أمامنا نموذجان ممن شكك في عقيدة المهدي فرد عليهما علماء السنة :
الأول : ابن خلدون ، من علماء القرن الثامن ، صاحب التاريخ المعروف .
قال في مقدمة تاريخه ص : 311 طبعة دار احياء التراث العربي : ، " إعلم أن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر الأعصار أنه لا بُدَّ في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين و يظهر العدل ، و يتبعه المسلمون و يستولي على الممالك الإسلامية ، و يسمى بالمهدي ، و يكون خروج الدجال و ما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على أثره ، و أن عيسى ينزل من بعده فيقتل الدجال ، أو ينزل معه فيساعده على قتله و يأتم بالمهدي في صلاته " ، ثم استعرض ابن خلدون ثمانية و عشرين حديثاً وردت في المهدي و ناقش في بعض رجال أسانيدها ، و ختم مناقشاته بقوله ص : 322 : " فهذه جملة الأحاديث التي خرجها الأئمة في شأن المهدي و خروجه في آخر الزمان ، و هي كما رأيت لم يخلص منها من النقد إلا القليل و الأقل منه " .
ثم استعرض بعض آراء المتصوفة في المهدي المنتظر ، و ختم مناقشته لها بقوله ص : 327 : " و الحق الذي ينبغي أن يتقرب لديك أنه لا تتم دعوة من الدين و الملك إلا بوجود شوكة عصبية تظهره و تدافع عنه من يدفعه حتى يظهر أمر الله فيه ، و قد قررنا ذلك من قبل بالبراهين القطعية التي أريناك هناك ، و عصبية الفاطميين بل و قريش أجمع قد تلاشت من جميع الآفاق ، و وجد أمم آخرون قد استعلت عصبيتهم على عصبية قريش إلا ما بقي بالحجاز في مكة و ينبع بالمدينة من الطالبيين من بني حسن و بني حسين و بني جعفر ، و هم منتشرون في تلك البلاد و غالبون عليها ، و هم عصائب متفرقون في مواطنهم و إماراتهم و آرائهم يبلغون آلافاً من الكثرة ، فإن صح ظهور هذا المهدي فلا وجه لظهوره و دعوته إلا بأن يكون منهم و يؤلف الله بين قلوبهم في أتباعه حتى تتم له شوكة و عصبية وافية بإظهار كلمته و حمل الناس عليها ، و أما على غير هذا الوجه مثل أن يدعو فاطمي منهم إلى مثل هذا الأمر في أفق من الآفاق من غير عصبية و لا شوكة إلا مجرد نسبه في أهل البيت فلا يتم ذلك و لا يمكن " .
و مع أن ابن خلدون لم يجزم بنفي عقيدة المهدي المنتظر و لكنه استبعدها و ناقش في عدد من أحاديثها ، فقد اعتبر العلماء ذلك منه شذوذاً و تكذيباً لعقيدة إسلامية استفاضت أحاديثها و تواترت ، و انتقدوه بأنه مؤرخ و ليس من أهل الإختصاص في الحديث حتى يحق له الجرح و التعديل و الإجتهاد .
و أوسع ما رأيت في الرد عليه كتاب ( الوهم المكنون من كلام ابن خلدون ) للعالم المحدث أحمد بن الصديق المغربي في أكثر من مئة و خمسين صفحة ، قدم له مقدمة وافية ذكر فيها جملة من آراء أئمة الحديث في صحة أحاديث المهدي المنتظر و تواترها ، ثم فند مناقشات ابن خلدون واحدة واحدة لأسانيد الأحاديث الثمان و العشرين التي ذكرها ، ثم أكمل أحاديث المهدي ( عجَّل الله فرجه ) إلى مئة حديث .
و النموذج الثاني : كتاب ( لا مهدي ينتظر بعد الرسول خير البشر ) الذي نشره مؤلفه الشيخ عبد الله محمود رئيس المحاكم الشرعية في قطر ، على أثر حركة المسجد الحرام و ادعاء قائدها محمد عبد الله القرشي أنه المهدي المنتظر ، فتصدى لعبد الله محمود عدد من علماء الحجاز و ردوا عليه ، و منهم العالم المحدث الشيخ عبد المحسن العباد المدرس بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة ، الذي رد عليه في بحث واف في أكثر من خمسين صفحة باسم : ( الرد على من كذب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي ) و نشره في العدد 45 من مجلة الجامعة الإسلامية محرم 1400 هـ ، و أشار في مقدمته إلى بحثه الذي كان نشره في نفس المجلة ، قال :
" و على أثر وقوع هذا الحادث المؤلم لقلب كل مسلم ( ... ) حصلت بعض التساؤلات عن خروج المهدي في آخر الزمان و هل صح فيه شيء من الأحاديث عن رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) ، فأوضح بعض العلماء في الإذاعة و الصحف صحة كثيرة من الأحاديث الواردة في ذلك عن رسول الله ص ، و منهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رئيس إدارة البحوث العلمية و الدعوة و الإرشاد ، فقد تحدث في الإذاعة و كتب في بعض الصحف مبيناً ثبوت ذلك بالأحاديث المستفيضة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و مستنكراً ما قام به هؤلاء المبطلون من الإعتداء على بيت الله الحرام .
و منهم فضيلة الشيخ عبد العزيز بن صالح إمام و خطيب المسجد النبوي الشريف ، فقد ندد في إحدى خطب الجمعة باعتداء هذه الفئة الآثمة الظالمة و بين أنهم و من زعموه المهدي في وادٍ و المهدي الذي جاء ذكره في الأحاديث في وادٍ آخر .
و حصل في مقابل ذلك أن أصدر فضيلة الشيخ عبد الله بن زيد المحمود رئيس الحاكم الشرعية في دولة قطر رسالة سماها ( لا مهدي ينتظر بعد الرسول خير البشر ) نحا فيها منحى بعض الكتاب في القرن الرابع عشر ممن ليست لهم خبرة بحديث رسول الله ص و معرفة صحيحه و سقيمه ، و فيهم من تعويله على الشبهات العقلية ، و كذب بكل ما ورد في المهدي ، و قال كما قالوا : إنها أحاديث خرافة ، و إنها و إنها ، الخ ، و قد رأيت كتابة هذه السطور مبيناً أخطاءه و أوهامه في هذه الرسالة ، و موضحاً بأن القول بخروج المهدي في آخر الزمان هو الذي تدل عليه الأحاديث الصحيحة و هو ما عليه العلماء من أهل السنة و الأثر في القديم و الحديث ، إلا من شذ .
و من المناسب أن أشير هنا إلى أنني سبق أن كتبت بحثاً بعنوان ( عقيدة أهل السنة و الأثر في المهدي المنتظر ) و قد نشر هذا البحث في العدد الثالث من السنة الأولى من مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الصادر في شهر ذي القعدة 1388 هـ ، يشتمل هذا البحث على عشرة أمور :
الأول : في ذكر أسماء الصحابة الذين رووا أحاديث المهدي عن رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) .
الثاني : في ذكر أسماء الأئمة الذي خرجوا الأحاديث و الآثار الواردة في المهدي في كتبهم .
الثالث : في ذكر العلماء الذين أفردوا مسألة المهدي بالتأليف .
الرابع : في ذكر العلماء الذي حكموا بتواتر أحاديث المهدي ، و حكاية كلامهم في ذلك .
الخامس : في ذكر بعض ما ورد في الصحيحين من الأحاديث التي لها تعلق بشأن المهدي .
السادس : في ذكر بعض الأحاديث الواردة في شأن المهدي في غير الصحيحين مع الكلام على أسانيد بعضها .
السابع : في ذكر بعض العلماء الذين احتجوا بأحاديث المهدي و اعتقدوا موجبها ، و حكاية كلامهم في ذلك .
الثامن : في ذكر من وقفت عليه ممن حكي عنه إنكار الأحاديث في المهدي أو التردد فيها ، مع مناقشة كلامه باختصار .
التاسع : في ذكر بعض ما يظن تعارضه مع الأحاديث الواردة في المهدي ، و الجواب على ذلك .
العاشر : كلمة ختامية في بيان أن التصديق بخروج المهدي في آخر الزمان من الإيمان بالغيب ، و أن لا علاقة لعقيدة أهل السنة في المهدي بعقيدة الشيعة ) ، انتهى .
أقول : إن بحث ابن الصديق المغربي في الرد على ابن خلدون ، و بحثي الشيخ العباد المذكورين من أغنى البحوث الحديثية العقائدية عند السنة في عقيدة المهدي المنتظر ( عجَّل الله فرجه ) ، و قد كنت أرغب في نقل مقتطفات منها لولا أن الأنفع نقل آراء علماء آخرين من كتاب ( الإمام المهدي عند أهل السنة ) الذي أصدرته أخيراً مكتبة الإمام أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) بأصفهان و جمعت فيه فصولاً من كتب الحديث و رسائل مفردةً و بحوثاً حول المهدي المنتظر ( عجَّل الله فرجه ) لأكثر من خمسين من أئمة السنة و علمائهم .

ابن القيم الجوزية

قال في كتابه ( المنار المنيف في الصحيح و الضعيف ) بعد أن ذكر عدداً من أحاديث المهدي المنتظر : ( و هذه الأحاديث أربعة أقسام : صحاح ، و حسان ، و غرائب ، و موضوعة ، و قد اختلف الناس في المهدي على أربعة أقوال :
أحدها ، أنه المسيح بن مريم ، و هو المهدي على الحقيقة ، و احتج أصحاب هذا بحديث محمد بن خالد الجندي المتقدم ( يقصد حديث لا مهدي إلا عيسى ) و قد بينا حاله و أنه لا يصح ، و لو صح لم يكن فيه حجة ، لأن عيسى أعظم مهدي بين يدي رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) و بين الساعة .
القول الثاني ، أنه المهدي الذي ولي من بني العباس و قد انتهى زمانه ، و احتج أصحاب هذا القول بما رواه أحمد في مسنده : ( إذا رأيتم الرايات السود قد أقبلت من خراسان فأتوها و لو حَبْوَا على الثلج ، فإن فيها خليفة الله المهدي ) .
و في سنن ابن ماجة عن عبد الله بن مسعود قال : ( بينما نحن عند رسول الله ص إذ أقبل فتية من بني هاشم ، فلما رآهم النبي ص اغرورقت عيناه و تغير لونه ، فقلت : ما نزال نرى في وجهك شيئا نكرهه ! قال : إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ، و إن أهل بيتي سيلقون بلاءً و تشريداً و تطريداً ، حتى يأتي قوم من أهل المشرق و معهم رايات سود ، يسألون الحق فلا يعطونه ، فيقاتلون فينصرون ، فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه ، حتى يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي ، فيملؤها قسطاً كما ملئت جوراً ، فمن أدرك ذلك فليأتهم و لو حبواً على الثلج ) .
و هذا و الذي قبله لو صح ، لم يكن فيه دليل على أن المهدي الذي تولى من بني العباس هو المهدي الذي يخرج في آخر الزمان ، بل هو مهدي من جملة المهديين .
و عمر بن عبد العزيز كان مهدياً ، بل هو أولى باسم المهدي منه .
فالمهدي في جانب الخير و الرشد كالدجال في جانب الشر و الضلال ، و كما أن بين يدي الدجال الأكبر صاحب الخوارق دجالين كذابين ، فكذلك بين يدي المهدي الأكبر مهديون راشدون .
القول الثالث ، أنه رجل من أهل بيت النبي ص من ولد الحسن بن علي ، يخرج في آخر الزمان و قد امتلأت الأرض جوراً و ظلماً فيملؤها قسطاً و عدلاً و أكثر الأحاديث على هذا تدل ، ، الخ ) ، 1.

ابن حجر الهيثمي

قال في كتابه الصواعق المحرقة : الآية الثانية عشرة قوله تعالى : و إنه لعلَمٌ للساعة ، قال مقاتل بن سليمان و من تبعه من المفسرين إن هذه الآية نزلت في المهدي ، و ستأتي الأحاديث المصرحة بأنه من أهل البيت النبوي ، و حينئذ ففي الآية دلالة على البركة في نسل فاطمة و علي رضي الله عنهما ، و أن الله ليخرج منهما كثيراً طيباً ، و أن يجعل نسلهما مفاتيح الحكمة و معادن الرحمة ، و سر ذلك أن النبي ص أعاذها و ذريتها من الشيطان الرجيم ، و دعا لعلي بمثل ذلك ، و شرح ذلك كله يعلم بسياق الأحاديث الدالة عليه ) ، 2.

ابن كثير

قال في النهاية : ( فصل في ذكر المهدي الذي يكون في آخر الزمان ) :
و هو أحد الخلفاء الراشدين و الأئمة المهديين ، فقد نطقت به الأحاديث المروية عن رسول الله ص و أنه يكون في آخر الدهر .
و قال تعقيباً على حديث ( تخرج من خراسان رايات سود فلا يردها شيء حتى تنصب بإيلياء ) : و هذه الرايات ليست هي التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني فاستلب بها دولة بني أمية في سنة سنتين و ثلاثين و مئة ، بل رايات سود أخرى تأتي صحبة المهدي ، و هو محمد بن عبد الله العلوي الفاطمي الحسني رضي الله عنه ، يصلحه الله في ليلة واحدة ، أي يتوب عليه و يوفقه و يلهمه و يرشده ، بعد أن لم يكن كذاك ، و يؤيده ناس من أهل المشرق ينصرونه ، و يقيمون سلطانه و يشيدون أركانه ، و تكون راياتهم سوداً أيضاً ، و هو زي عليه الوقار لأن راية رسول الله ص كانت سوداء يقال لها العقاب ) 3.

جلال الدين السيوطي

قال في كتابه ( الحاوي للفتاوي ) : أخرج ابن جرير في تفسيره ، عن السدي في قوله تعالى : ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا ... 4 ، قال هم الروم ، كانوا ظاهروا بخت نصر في خراب بيت المقدس ، و في قوله تعالى : ﴿ ... أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ... 4 ، قال : فليس في الأرض رومي يدخله اليوم إلا و هو خائف أن تضرب عنقه ، أو قد أخيف بأداء الجزية فهو يؤديها ، و في قوله : ﴿ ... لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ... 4 ، قال : أما خزيهم في الدنيا فإنه إذا قام المهدي و فتحت القسطنطينية قتلهم ، فذلك الخزي ) 5 .
و قال في التعليق على حديث ( لا مهدي إلا عيسى بن مريم ) : قال القرطبي في التذكرة : إسناده ضعيف ، و الأحاديث عن النبي ص في التنصيص على خروج المهدي من عترته و أنه من عترته و أنه من ولد فاطمة ، ثابتة أصح من هذا الحديث ، فالحكم بها دونه ، قال أبو الحسن محمد بن الحسين بن إبراهيم بن عاصم السجزي : قد تواترت الأخبار و استفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى ص بمجئ المهدي ، و أنه من أهل بيته ، و أنه سيملك سبع سنين ، و أنه يملأ الأرض عدلاً ، و أنه يخرج معه عيسى فيساعده على قتل الدجال بباب لد بأرض فلسطين ، و أنه يؤم هذه الأمة و عيسى يصلي خلفه ، في طول من قصته و أمره ) ، 6.

ابن ابي الحديد المعتزلي

قال في شرح قول أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) : ( و بنا يختم لا بكم ) : إشارة إلى المهدي الذي يظهر في آخر الزمان ، و أكثر المحدثين على أنه من ولد فاطمة ، و أصحابنا المعتزلة لا ينكرونه ، و قد صرحوا بذكره في كتبهم و اعترف به شيوخهم ، إلا أنه عندنا لم يخلق بعد و سيخلق ، و إلى هذا المذهب يذهب أصحاب الحديث أيضاً ) ، 7.
و قال في شرح قوله ( عليه السَّلام ) : ( لتعطفن الدنيا علينا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها ، و تلا عقيب ذلك : ﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ﴾ 8 .
قال : و الإمامية تزعم أن ذلك وعد منه بالإمام الغائب يملك الأرض في آخر الزمان ، و أصحابنا يقولون إنه وعد بإمام يملك الأرض و يستولي على الممالك و لا يلزم من ذلك أنه لا بد أن يكون موجوداً ، و تقول الزيدية : إنه لا بد من أن يملك الأرض فاطمي يتلوه جماعة من الفاطميين على مذهب زيد ، و إن لم يكن أحد منهم الآن موجوداً ) ، 9.
و قال في شرح قوله ( عليه السَّلام ) : ( بأبي ابن خيرة الإماء ) ( أما الإمامية فيزعمون أنه إمامهم الثاني عشر و أنه ابن أمة اسمها نرجس ، و أما أصحابنا فيزعمون أنه فاطمي يولد في مستقبل الزمان لأم ولد و ليس بموجود الآن ، و أنه يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ، و ينتقم من الظالمين و ينكل بهم أشد النكال ) 10 انتهى .
أقول : و لقد وقع فيها ابن أبي الحديد و مثله كل من يثبت هذا النص لأمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) بأن المهدي ( عجَّل الله فرجه ) ابن خيرة الإماء ! !
فإذا لم يكن هو ابن الإمام العسكري ( عليه السَّلام ) و كان سيولد في عصرنا مثلاً ، فأين الإماء ، و كيف يكون ابن أم ولد و ابن خيرة الإماء ؟
و قال ابن أبي الحديد في شرح قوله ( عليه السَّلام ) ( في سترة من الناس ) : هذا الكلام يدل على استتار هذا الإنسان المشار إليه ، و ليس ذلك بنافع للإمامية في مذهبهم ، و إن ظنوا أنه تصريح بقولهم ، و ذلك لأنه من الجائز أن يكون هذا الإمام يخلقه الله تعالى في آخر الزمان ، و يكون مستتراً مدة و له دعاة يدعون إليه و يقررون أمره ، ثم يظهر بعد ذلك الإستتار و يملك الممالك و يقهر الدول و يمهد الأرض ) ، 11.

المناوي صاحب فيض القدير

قال في شرح حديث : المهدي رجل من ولدي وجهه كالكوكب الدري : قال في المطامح : حكي أنه يكون في هذه الأمة خليفة لا يفضل عليه أبو بكر ) ، انتهى ، و أخبار المهدي كثيرة شهيرة أفردها غير واحد في التأليف ، قال السمهودي : و يتحصل مما ثبت في الأخبار عنه أنه من ولد فاطمة ، و في أبي داود أنه من ولد الحسن ، ، ثم قال : تنبيه : أخبار المهدي لا يعارضها خبر لا مهدي إلا عيسى بن مريم ، لأن المراد به كما قال القرطبي لا مهدي كاملاً معصوماً إلا عيسى ، قال ابن الجوزي ، قال ابن أحمد الرازي : حديث باطل انتهى ، و فيه محمد بن إبراهيم الصوري ، قال : قال في الميزان عن ابن الجلاب ، روى عن رواد خبراً باطلاً منكراً في ذكر المهدي ، ثم ساق هذا الخبر و قال ، هذا باطل ) ، 12.

خير الدين الآلوسي

قال في غالية المواعظ : فمنها - أي علامات الساعة - خروج المهدي رضي الله تعالى عنه على القول الأصح عند أكثر العلماء ، و لا عبرة بمن أنكر مجيئه من الفضلاء ، و في مجيء المهدي أحاديث عديدة ، و استعرض قسماً منها و قال : ( و هذا الذي ذكرناه في أمر المهدي هو الصحيح من أقوال أهل السنة و الجماعة ) 13.

الشيخ محمد الخضر حسين شيخ الازهر

قال في مقال نشرته مجلة التمدن الإسلامي بعنوان ( نظرة في أحاديث المهدي ) : و يلحق بالأحكام العملية في صحة الاحتجاج بخبر الآحاد أشياء يخبر بها الشارع ليعلمها الناس من غير أن يتوقف صحة إيمانهم على معرفتها و من هذا القبيل حديث المهدي ، فإذا ورد حديث صحيح عن النبي ص بأنه سيقع في آخر الزمان كذا ، حصل به العلم ، و وجب الوقوف عليه من غير حاجة إلى أن يكثر رواة هذه الحديث حتى يبلغ حد التواتر .
و لم يرد في الجامع الصحيح للإمام البخاري حديث في شأن المهدي ، و إنما ورد في صحيح مسلم حديث لم يصرح فيه باسمه ، و حمله بعضهم على أن المراد منه المهدي ، أو المشار فيها إلى بعض صفاته ، أما بقية كتب الحديث فرواها الإمام أحمد بن حنبل ، و أبو داود ، و الترمذي ، و ابن ماجة ، و الطبراني ، و أبو نعيم ، و ابن أبي شيبة ، و أبو يعلى ، و الدار قطني ، و البيهقي ، و نعيم بن حماد ، و غيرهم ، و جمعت هذه الأحاديث في رسائل مستقلة ، مثل ( العرف الوردي في حقيقة المهدي ) للملا علي القاري ، و ( التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر و الدجال و المسيح ) للشوكاني ، و قد صرح الشوكاني في رسالته المشار إليها آنفا بأن هذه الأحاديث بلغت مبلغ التواتر ، قال : ( و الأحاديث التي أمكن الوقوف عليها ، منها خمسون فيها الصحيح و الحسن و الضعيف المنجبر ، و هي متواترة بلا شك ، بل يصدق وصف التواتر على ما دونها ، على جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول ) .
يقول بعض المنكرين لأحاديث المهدي جملة : إن هذه الأحاديث من وضع الشيعة لا محالة ، و يرد بأن هذه الأحاديث مروية بأسانيدها ، و قد تقصينا رجال سندها فوجدناهم ممن عرفوا بالعدالة و الضبط ، و لم يتهمهم أحد من رجال التعديل و الجرح بتشيع ، مع شهرة نقدهم للرجال ، و قد اتخذ مسألة المهدي كثير من القائمين لإنشاء دول وسيلة إلى الوصول إلى غاياتهم ، فادعوا المهدوية ليتهافت الناس على الإلتفاف حولهم ، فالدولة الفاطمية قامت على هذه الدعوة ، إذ زعم مؤسسها عبيد الله أنه المهدي .
و دولة الموحدين جرت على هذه الدعوة ، فإن مؤسسها محمد بن تومرت أقام أمره على هذه الدعوة .
و ظهر في أيام الدولة المرينية بفاس رجل يدعى التوزدي و اجتمع حوله رؤساء صنهاجة ، و قتل المصامتة .
و قام رجل اسمه العباس سنة 690 هـ ، في نواحي الريف من المغرب و زعم أنه المهدي ، و اتبعته جماعة ، و آل أمره إلى أنه قتل و انقطعت دعوته .
و بعد ثورة عرابي بمصر ظهر رجل في السودان يسمى محمد أحمد ، ادعى أنه المهدي و اتبعه قبيلة بقارة من جهينة على أنه المهدي سنة 1300 هـ ، و هو الذي خلفه بعد موته التعايشي أحد زعماء البقارة .
و إذا أساء الناس فهم حديث نبوي ، أو لم يحسنوا تطبيقه على وجهه الصحيح حتى وقعت جراء ذلك مفاسد ، فلا ينبغي أن يكون ذلك داعياً للشك في صحة الحديث أو المبادرة إلى إنكاره ، فإن النبوة حقيقة واقعة بلا شبهة ، و قد ادعاها أناس كذباً و افتراء و أضلوا بدعواهم كثيراً من الناس ، مثل ما يفعله طائفة القاديانية اليوم .
و الألوهية ثابتة بأوضح من الشمس في كبد السماء ، و قد ادعاها قوم لزعمائهم على معنى أنه جل شأنه يحل فيهم ، مثلها يفعل طائفة البهائية في هذا العهد ، فليس من الصواب إنكار الحق من أجل ما ألصق به من باطل ) ، 14.

الشيخ ناصر الالباني

قال في مقال في مجلة التمدن الإسلامي ، في مقالة بعنوان ( حول المهدي ) : و أما مسألة المهدي فليعلم أن في خروجه أحاديث كثيرة صحيحة ، قسم كبير منها له أسانيد صحيحة ، و أنا مورد هنا أمثلة منها ، ثم معقب ذلك بدفع شبهة الذين طعنوا فيها ( ثم ذكر أمثلة منها و من آراء العلماء بتواترها ، ثم قال : هذا ثم إن السيد رشيد ( رضا ) أو غيره لم يتتبعوا ما ورد في المهدي من الأحاديث حديثاً حديثاً ، و لا توسعوا في طلب ما لكل حديث منها من الأسانيد ، و لو فعلوا لوجدوا منها ما تقوم به الحجة ، حتى في الأمور الغيبية التي يزعم البعض أنها لا تثبت إلا بحديث متواتر .
و مما يدلك على أن السيد رشيد ادعى أن أسانيد لا تخلو عن شيعي ، مع أن الأمر ليس كذلك على إطلاقه ، فالأحاديث الأربعة التي ذكرتها ليس فيها رجل معروف بالتشيع ، على أنه لو صحت هذه الدعوى لم يقدح ذلك في صحة الأحاديث ، لأن العبرة في الصحة إنما هو الصدق و الضبط ، و أما الخلاف المذهبي فلا يشترط في ذلك ، كما هو مقرر في مصطلح علم الحديث ، و لهذا روى الشيخان في صحيحيهما لكثير من الشيعة و غيرهم من الفرق المخالفة ، و احتجا بأحاديث هذا النوع .
و قد أعلها السيد بعلة أخرى و هي التعارض ، و هذه علة مدفوعة لأن التعارض شرطه التساوي في قوة الثبوت ، و أما نصب التعارض بين قوي و ضعيف فمما لا يسوغه عاقل منصف ، و التعارض المزعوم من هذا القبيل .
و خلاصة القول أن عقيدة خروج المهدي عقيدة ثابتة متواترة عنه ص يجب الإيمان بها لأنها من أمور الغيب ، و الإيمان بها من صفات المتقين كما قال تعالى : ﴿ ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ 15 و أن إنكارها لا يصدر إلا عن جاهل أو مكابر ، أسأل الله أن يتوفانا على الإيمان بها ، و بكل ما صح في الكتاب و السنة ) ، 16.

العدوي المصري

قال في مشارق الأنوار : و جاء في بعض الروايات أنه ينادي عند ظهوره فوق رأسه ملك : هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه ، فيقبل عليه الناس و يُشربون حبه ، و أنه يملك الأرض شرقها و غربها ، و أن الذين يبايعونه أولاً بين الركن و المقام بعدد أهل بدر ، ثم تأتيه أبدال الشام و نجباء مصر و عصائب أهل الشرق و أشباههم ، و يبعث الله جيشاً من خراسان برايات سود نصرةً له ، ثم يتوجه إلى الشام ، و في رواية إلى الكوفة ، و الجمع ممكن ، و أن الله تعالى يؤيده بثلاثة آلاف من الملائكة ، و أن أهل الكهف من أعوانه .
قال الأستاذ السيوطي : و حينئذ فسر تأخيرهم إلى هذه المدة إكرامهم بشرفهم بدخولهم في هذه الأمة ، و إعانتهم للخليفة الحق ، و أن على مقدمة جيشه جبريل ، و ميكائيل على ساقته ) ، 17.

سعد الدين التفتازاني

قال في شرح المقاصد : خاتمة ، مما يلحق بباب الإمامة خروج المهدي و نزول عيسى و هما من أشراط الساعة ، و عنه رضي الله عنه ، أي أبي سعيد الخدري ، قال : ذكر رسول الله ص بلاء يصيب هذه الأمة حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم ، فيبعث الله رجلاً من عترتي فيملأ الأرض قسطاً و عدلاً كما ملئت ظلماً و جوراً ، فذهب العلماء إلى أنه إمام عادل من ولد فاطمة رضي الله عنها يخلقه الله حين يشاء و يبعثه لنصرة دينه ، و زعمت الشيعة الإمامية أنه محمد بن الحسن العسكري اختفى عن الناس خوفاً من الأعداء و لا استحالة في طول عمره كنوح و لقمان و الخضر ( عليهم السَّلام ) ، و أنكر ذلك سائر الفرق لأنه ادعاء أمر يستبعد جداً ، إذ لم يعهد في هذه الأمة مثل هذه الأعمار من غير دليل و لا أمارة ) ، 18.

القرماني الدمشقي

قال في أخبار الدول و آثار الأول : و اتفق العلماء على أن المهدي هو القائم في آخر الوقت ، و قد تعاضدت الأخبار على ظهوره ، و تظاهرت الروايات على إشراق نوره ، و ستسفر ظلمة الليالي و الأيام بسفوره ، و تنجلي برؤيته الظلم ، انجلاء الصبح عن ديجوره ، و يسير عدله في الآفاق فيكون أضوء من البدر المنير في مسيره ) ، 19.

محي الدين بن عربي

قال في الفتوحات المكية : إعلم أيدنا الله أن لله خليفة يخرج و قد امتلأت الأرض جوراً و ظلماً فيملؤها قسطاً و عدلاً ، و لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد طول الله ذلك اليوم حتى يلي ذلك الخليفة من عترة رسول الله ص من ولد فاطمة يواطي اسمه اسم رسول الله ص ، "يشهد الملحمة العظمى مأدبة الله بمرج عكا ، يبيد الظلم و أهله ، يقيم الدين فينفخ الروح في الإسلام ، يعز الإسلام به بعد ذلة ، و يحيا بعد موته ، يضع الجزية ، و يدعو إلى الله بالسيف ، فمن أبى قتل ، و من نازعه خذل ، يظهر من الدين ما هو عليه في نفسه ما لو كان رسول الله ص لحكم به ، يرفع المذاهب من الأرض فلا يبقى إلا الدين الخالص ، أعداؤه مقلدة الفقهاء أهل الإجتهاد لما يرونه من الحكم بخلاف ما حكمت به أئمتهم ، فيدخلون كرها تحت حكمه خوفاً من سيفه و سطوته ، و رغبة فيما لديه .
يفرح به عامة المسلمين أكثر من خواصهم ، و يبايعه العارفون من أهل الحقائق عن شهود و كشف بتعريف إلهي .
له رجال إلهيون يقيمون دولته و ينصرونه ، هم الوزراء ، يحملون أثقال المملكة ، و يعينونه على ما قلده الله .
فشهداؤه خير الشهداء ، و أمناؤه أفضل الأمناء ، و أن الله يستوزر له طائفة خبأهم له في مكنون غيبه ، أطلعهم كشفاً و شهوداً على الحقائق ، و ما هو أمر الله عليه في عباده ، فبمشاورتهم يفصل ما يفصل ، و هم العارفون الذين عرفوا ما ثم .
و أما هو نفسه فصاحب سيف حق و سياسة مدنية ، يعرف من الله قدر ما تحتاج إليه مرتبته و منزله ، لأنه خليفة مسدد ، يفهم منطق الحيوان ، يسري عدله في الإنس و الجان ، من أسرار علم وزرائه الذين استوزرهم الله له لقوله : ﴿ ... وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ 20 ، و هم على أقدام رجال من الصحابة ، صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، و هم من الأعاجم ما فيهم عربي ، لكن لا يتكلمون إلا بالعربية ، لهم حافظ ليس من جنسهم ما عصى الله قط ، هو أخص الوزراء و أفضل الأمناء ) ، 21.

الشريف البرزنجي

قال في كتابه الإشاعة في أشراط الساعة : و اعلم أن الأحاديث الواردة فيه على اختلاف رواياتها لا تكاد تنحصر ، فقد قال محمد بن الحسن الدستوري في كتابه مناقب الشافعي : قد تواترت الأخبار عن رسول الله ص بذكر المهدي و أنه من أهل بيته ص انتهى ، ، ، جاء عن ابن سيرين أن المهدي خير من أبي بكر و عمر ، قيل يا أبا بكر خير من أبي بكر و عمر ! ؟ قال : قد كان يفضل على بعض الأنبياء .
و عنه : لا يفضل عليه أبو بكر و عمر ، قال السيوطي في العرف الوردي : هذا إسناد صحيح ، و هو أخف من اللفظ الأول ، قال : و الأوجه عندي تأويل اللفظين على ما دل عليه حديث بل أجر خمسين منكم ، لشدة الفتن في زمان المهدي .
قلت : التحقيق أن جهات التفاضل مختلفة ، و لا يجوز لنا التفضيل في فرد من الأفراد على الإطلاق إلا إذا فضله النبي ص كذلك ، فإنه قد يوجد في المفضول مزية من جهات أخر ليست في الفاضل .
و تقدم من الشيخ في الفتوحات أنه معصوم في حكمه مقتف أثر النبي ص لا يخطئ أبداً ، و لا شك أن هذا لم يكن في الشيخين ، و أن الأمور التسعة التي مرت لم تجتمع كلها في إمام من أئمة الدين قبله ، فمن هذه الجهات يجوز تفضيله عليهما ، و إن كان لهما فضل الصحبة ، و المشاهدة و الوحي و السابقة ، و غير ذلك ، و الله أعلم .
قال الشيخ علي القاري في المشرب الوردي في مذهب المهدي : و مما يدل على أفضليته أن النبي ص سماه خليفة الله ، و أبو بكر لا يقال له إلا خليفة رسول الله ) 22، 23.