مجموع الأصوات: 27
نشر قبل 4 أشهر
القراءات: 998

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

لا تحصل السعادة إلا بإصلاح جميع الصفات والقوى دائما

لا تحصل السعادة إلا بإصلاح جميع الصفات والقوى دائما، فلا تحصل بإصلاحها بعضا دون بعض، ووقتا دون وقت، كما أن الصحة الجسمية، وتدبير المنزل، وسياسة المدن لا تحصل إلا بإصلاح جميع الأعضاء والأشخاص والطوائف في جميع الأوقات، فالسعيد المطلق من أصلح جميع صفاته وأفعاله على وجه الثبوت والدوام بحيث لا يغيره تغير الأحوال والأزمان، فلا يزول صبره بحدوث المصائب والفتن، ولا شكره بورود النوائب والمحن، ولا يقينه بكثرة الشبهات، ولا رضاه بأعظم النكبات، ولا إحسانه بالإساءة، ولا صداقة بالعداوة. وبالجملة لا يحصل التفاوت في حاله، ولو ورد عليه ما ورد على أيوب النبي عليه السلام أو على برناس الحكيم، لشهامة ذاته، ورسوخ أخلاقه وصفاته، وعدم مبالاته بعوارض الطبيعة، وابتهاجه بنورانيته وملكاته الشريفة. بل السعيد الواقعي لتجرده وتعاليه عن الجسمانيات خارج عن تصرف الطبائع الفلكية، متعال عن تأثير الكواكب والأجرام الأثيرية فلا يتأثر عن سعدها ونحسها، ولا ينفعل عن قمرها وشمسها. أهل التسبيح والتقديس لا يبالون التثليث والتسديس، وربما بلغ تجردهم وقوة نفوسهم مرتبة تحصل لهم ملكة الاقتدار على التصرف في مواد الكائنات، ولو في الأفلاك وما فيها، كما حصل لفحل الأنبياء وسيد الأوصياء صلوات الله عليهما وآلهما من شق القمر ورد الشمس.
وقد ظهر مما ذكر أن من من يجزع بورود المصائب الدنيوية، ويضطرب من الكدورات الطبيعية، ويدخل نفسه في معرض شماتة الأعداء وترحم الأحباء، خارج عن زمرة السعداء، لضعف غريزته وغلبة الجبن على طبيعته، وعدم نبله بعد إلى الابتهاجات التي تدفع عن النفس أمثال ذلك.
ومثله لو تكلف الصبر والرضا وتشبه ظاهرا بالسعداء لكان في الباطن متألما مضطربا، وهذا ليس سعادة لأن السعادة الواقعية إنما هو صيرورة الأخلاق الفاضلة ملكات راسخة بحيث لا تغيرها المغيرات ظاهرا وباطنا.
بلغنا الله وجميع الطالبين إلى هذا المقام الشريف.

غاية السعادة التشبيه بالمبدأ

صرح الحكماء بأن غاية المراتب للسعادة أن يتشبه الإنسان في صفاته بالمبدأ: بأن يصدر عنه الجميل لكونه جميلا، لا لغرض آخر من جلب منفعة، أو دفع مضرة، وإنما يتحقق ذلك إذا صارت حقيقته المعبر عنها بالعقل الإلهي والنفس الناطقة خيرا محضا، بأن يتطهر عن جميع الخبائث الجسمانية، والأقذار الحيوانية، ولا يحوم حوله شئ من العوارض الطبيعية، والخواطر النفسانية، ويمتلئ من الأنوار الإلهية، والمعارف الحقيقية، ويتيقن بالحقائق الحقة الواقعية، ويصير عقلا محضا بحيث يصير جميع معقولاته كالقضايا الأولية، بل يصير ظهورها أشد، وانكشافها أتم، وحينئذ يكون له أسوة حسنة بالله سبحانه، في صدور الأفعال وتصير إلهية أي شبيهة بأفعال الله سبحانه في أنه لصرافة حسنة يقتضي الحسن، ولمحوضة جماله يصدر عنه الجميل من دون داع خارجي، فتكون ذاته غاية فعله، وفعله غرضه بعينه، وكلما يصدر عنه بالذات وبالقصد الأول فإنما يصدر لأجل ذاته، وذات الفعل وإن ترشحت منه الفوائد الكثيرة على الغير بالقصد الثاني وبالعرض.
قالوا وإذا بلغ الإنسان هذه المرتبة فقد فاز بالبهجة الإلهية، واللذة الحقيقية الذاتية، فيشمئز طبعه من اللذات الحسية الحيوانية، لأن من أدرك اللذة الحقيقية علم أنها لذة ذاتية، والحسية ليست لذة بالحقيقة لتصرمها ودثورها وكونها دفع وألم.
وأنت خبير بأن هذا التصريح محل تأمل لمخالفته ظواهر الشرع فتأمل1.

 

  • 1. المصدر: كتاب جامع السعادات، العلامة محمدمهدي النراقي رحمه الله.