حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
من العولمة الاقتصادية إلى العولمة الثقافية
بعد أن تقلص وتراجع الجدل حول هل أن العولمة حقيقة أم خرافة؟ تحول الجدل إلى اتجاه آخر تحددت هويته في انقسام الحديث عن العولمة بين صورتها الاقتصادية وصورتها الثقافية. بين من يقبل بالعولمة الاقتصادية ويرفض العولمة الثقافية، وبين من يحاول توظيف العولمة الاقتصادية إلى عولمة ثقافية إلى جانب أبعاد أخرى.
ومن حيث الأصل والموضوع يتفق الدارسون والباحثون تقريباً، المدافعون والمعارضون، على ارتباط العولمة بالمجال الاقتصادي، فهو المجال الذي شكل الأرضيات الفعلية لانبعاث فكرة العولمة، وحدد لها صورتها وهويتها. كما أنه المجال الذي يستند عليه في استنباط وجمع أقوى الأدلة والبراهين لإثبات أن العولمة هي حقيقة فعلية.
وهذا ما يفسر كون الكتابات الأولى حول العولمة تنتمي إلى المجال الاقتصادي، وتتحدث عن العولمة الاقتصادية، وما يفسر أيضاً كون أن معظم الكتابات حول العولمة كانت وما تزال تنتمي إلى هذا المجال الاقتصادي.
ويشير إلى هذا الأمر ويؤكده أنطوني جيدنز في كتابه (الطريق الثالث)، بقوله (تفهم العولمة في الغالب وفقا للبعد الاقتصادي، كما يوحي بذلك الجذر الذي اشتقت منه، حيث تتضمن صورا من الروابط الاقتصادية التي تشمل العالم بأسره... ومن ثم فإن العولمة الاقتصادية تمثل حقيقة واقعة فعلاً، وهي ليست مجرد استمرار لاتجاهات تاريخية من الزمن الماضي، أو إعادة لهذه الاتجاهات، ففي الوقت الذي ما يزال فيه جل النشاط التجاري يتم على المستوى الإقليمي، يوجد اقتصاد عالمي تماماً على مستوى الأسواق المالية)
ويعتبر أنطوني جيدنز من الذين حاولوا نقد حصر العولمة في المجال الاقتصادي، ويرى أن خطأ المدافعين عن العولمة والمشككين على حد سواء، أن هؤلاء نظروا إلى العولمة من الجانب الاقتصادي المحض، وحسب قوله فإن فكرة العولمة تتعرض لسوء الفهم إذا ما طبقت فقط على الروابط ذات الطابع العالمي، أو التعامل معها على أنها فكرة اقتصادية محضة.
ومن الكتابات المهمة التي نقلت الحديث والجدل من العولمة الاقتصادية إلى العولمة الثقافية، كتاب أستاذ علم الاجتماع المتقاعد في جامعة باريس الثامنة، جيرار ليكلرك الذي حمل عنوان (العولمة الثقافية.. الحضارات على المحك) الصادر بالفرنسية عام 2000م، فعن هذه العولمة الثقافية في نظره، يقول ليكلرك (إننا ننتقل دون أن ندرك من عالم سيطرت فيه العزلة الثقافية إلى عالم آخر يسوده التبادل الثقافي، من عالم يتميز بالاستقلالية الثقافية لجماعات معزولة تقليدية إلى عالم آخر، هو عالم يسوده تعميم العلاقات المتبادلة والتواصل. علينا إذاً أن نحرك حقل المراقبة والتحليل لكل التطورات الاقتصادية وصولاً إلى العالمية الثقافية. إن العولمة الاقتصادية هي توسع السوق العالمية، تصميم وتقوية الروابط بين الشعوب والأمم والمجموعات البشرية. تمثل العولمة الثقافية بشكل ما الحالة النهائية للعولمة الاقتصادية، إنها البعد السياسي، الثقافي، الديني والإيديولوجي لظاهرة تم التطرق إليها غالب الأحيان من زاوية الاقتصاد والجغرافية السياسية)
ومنذ أن انفتح الحديث عن العولمة الثقافية تضاعف الجدل حول العولمة، وازدادت منها المخاوف، وأخذ الجدل والنقاش يتسع ويتجدد حول مستقبل الهويات الثقافية، وما يمكن أن تتعرض إليه هذه الهويات، من طمس أو اقتلاع، ومن تغريب أو اختراق، ومن انبعاث أو انفجار1.
- 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الأربعاء / 10 مايو 2006م، العدد 14501.