حقول مرتبطة:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
اهداف الاسلام
إن من الواضح : أن أهداف الإسلام القصوى ليست هي مجرد تحقيق العدل ، ولو بمفهومه الأوسع ، إذ لو كان كذلك لم يبق معنى للأوامر الداعية إلى الجهاد والتضحية بالنفوس في سبيل الله والمستضعفين ، إذ لماذا يتخلى هذا الشخص عن نفسه وعن حياته في حين يبقى الآخرون يتمتعون بالحياة ، وبمباهجها ولذائذها ؟!
كما أنه لو كان العدل هو الهدف فلا يبقى معنى لمحبوبية الإيثار على النفس ومطلوبيته له تعالى ، ثم مدح من يفعل ذلك من الناس كما في قوله تعالى : ﴿ ... وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ... ﴾ 1.
كما أنه لا معنى لنهي الإنسان عن الحقد والحسد ، وغير ذلك مما لا يمكن تتبعه واستقصاؤه ، فإن ذلك كله وسواه ليدل على أن الهدف ليس هو مجرد تحقيق العدل ، وإنما هو فوق وأهم وأقدس من ذلك .
إنه تجسيد إنسانية الإنسان ، وإظهار كنوزها ، والارتفاع بهذا الإنسان إلى مستوى الجدارة الحقيقية لأن يمثل النموذج الذي يريده الله للإنسان الكامل ، وليس العدل وسواه من كمالات وفضائل إلا واحداً من تلك المراحل والوسائل الموصلة إلى ذلك الهدف المقدس والأسمى ، الذي يستبطن في داخله : كل العدل ، وكل الكمالات وكل الفضائل ، وأخيراً كل السعادة ، والفوز والنجاح .
هذا هو هدف الإسلام ، وهذا ما يسعى إليه ، ويعمل من أجل الوصول والحصول عليه ، وليس أدل على ذلك من الآية الكريمة التي تحدد مهمة النبي الرسول ، بأنه يُعلِّم الناس الحكمة ، ويطهرهم ، ويزكيهم ، بالإضافة إلى تبليغ رسالة الله لهم ، قال تعالى :
﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ 2.
وليلاحظ : أيضاً قوله تعالى : ﴿ ... مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ 3.
ومن يراجع الآيات القرآنية يجد الكثير الكثير مما يدل على ذلك دلالة واضحة ، حتى إن ذلك لا يحتاج إلى أي بيان أو توضيح ، ولا إلى المزيد من الدلالات والشواهد .
الحاجة إلى الوزير والوصي
وبعد أن عرفنا حقيقة هدف الإسلام ، فإننا نعرف :
أن مهمته شاقة وعسيرة جداً لأنها تصطدم أولاً وبالذات بالإنسان الفرد ، حيث لا بد له من السيطرة على غرائزه وشهواته وطموحاته ، ليوجهها ويستفيد منها في مجال بناء الشخصية الإنسانية المثالية والفضلى ، كما أنها تهدف إلى التغيير الجذري في البنية الاجتماعية والسياسية وغيرها للمجتمع ، ليقتلع كل جذور الشر ، ويستأصل كل عوامل الانحراف ؛ ليغرس عوضاً عنها كل معاني الخير والصلاح ، والبركة والفلاح .
نعم ، إنها مهمة شاقة وعسيرة جداً ، ولا أشق ولا أعسر منها ، وهي تحتاج لإنجازها ثم إلى استمرارها إلى جهد هائل ومستمر ، ما دام أن الإنسان يحمل في داخله عوامل التغيير والتحول ، التي منحه الله إياها لتكون عوامل لبقائه وسعادته ولراحته ، وأعطاه أيضاً وسائل ضبطها والهيمنة عليها وتوجيهها ، ولكن تلك الوسائل كثيراً ما تضعف عن السيطرة على تلك العوامل .
ولسوف يبقى هذا الخطر قائماً ، ما دام ذلك الصراع قائماً .
وإذا كان الصراع مستمراً باستمرار وجود الإنسان على مدى الزمان ، وكان خطر الشذوذ والانحراف مستمراً أيضاً :
فإن الأنبياء (عليهم السلام) سيكونون بحاجة إلى مواصلة القيام بمهمة التربية والتزكية ، وغرس الفضائل الإنسانية والأخلاقية في نفوس الناس ، بالإضافة إلى الاستمرار في تلاوة الآيات القاهرة للعقل ؛ والمرضية للوجدان ، وبالإضافة إلى تعليم الشريعة والأحكام ، ثم الإشراف على تطبيقها ، والرقابة المستمرة على ذلك .
ومن هنا تبرز الحاجة إلى الوزير والوصي ، والنصير والأخ والولي ، والخليفة للنبي (صلى الله عليه وآله) ، فجاء تنصيب علي (عليه السلام) من قبل الرسول الأكرم (صلوات الله عليه وآله) هو الحركة السليمة والطبيعية في خط الجهاد والدعوة إلى الله سبحانه ، وما يوم الدار ، وما جرى من تنصيب علي (عليه السلام) فيه خليفة ووزيراً ووصياً للرسول إلا واحداً من تلك المناسبات الكثيرة التي جرى فيها التأكيد على هذا الأمر ، وترسيخه بصورة قوية وحاسمة 4 .
- 1. القران الكريم: سورة الحشر (59)، الآية: 9، الصفحة: 546.
- 2. القران الكريم: سورة الجمعة (62)، الآية: 2، الصفحة: 553.
- 3. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 6، الصفحة: 108.
- 4. الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) ، العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الخامسة ، 2005 م . ـ 1425 هـ . ق ، الجزء الثالث .