حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
فقه الاحتكار في الشريعة الإسلامية
تمهيد
تتصل قضية الاحتكار بشكل عام بأزمة السلطة العامة الشاملة للسلطة السياسية والاقتصادية، ولا تشكّل ظاهرةً جديدة في حياة الإنسان، لكنّ العصر الراهن شهد تطوّرات لهذه الظاهرة جعلها تتعدّى الاقتصادي إلى السياسي، ليكون تداول الأموال والبضائع متمركزاً في جهات معينة لأغراض سياسية واقتصادية معاً، حتى أنّه إذا أريد إسقاط حكومات ورفع أخرى بديلاً عنها استخدم الاحتكار بمعناه الواسع لتحقيق هذه الأغراض.
وهذا هو التطوّر اللافت في قضيّة الاحتكار اليوم، حيث لم يعد شأناً خاصاً بمالك سلعةٍ ما في قريةٍ أو مصر ما، وإنما صارت الدول الكبرى والشركات المتعدّدة الجنسية تستخدمه بطرق ذكية جداً وتحت ستر قانونية لتصفية حسابات سياسية معينة، وأحياناً لغايات غير سياسية، وهذا ما يسمّيه بعضهم بالاحتكار العالمي أو الدولي 1.
وفي مواجهة ظاهرة الاحتكار سنّت القوانين في الدولة المختلفة، لاسيما في الولايات المتحدة الأمريكية في القرن العشرين حيث اشتهرت بهذا الأمر.
وقد اهتمّت الشريعة الإسلامية بقضايا المال اهتماماً كبيراً، وكانت تهدف من ذلك إلى ضبط الميول البشرية في مسألة السلطة على مستوياتها كافة، ومن هنا كانت الأحكام المتصلة بعدم كنز الثروات وتشريع الفرائض المالية كالزكاة والخمس وغيرهما، إلى جانب الحيلولة دون تمركز المال، ﴿ ... كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ... ﴾ 2، حذراً من ظهور طبقية مجحفة قد تضرّ بالاستقرار الاجتماعي والسياسي العام.
في هذا السياق، تأتي مسألة الاحتكار التي ساهم الفقه الإسلامي في معالجتها ودراستها بمذاهبه المختلفة، في مواقف كانت تهدف لحماية المستهلك وتنظيم التوزيع العادل والصحيح، والحدّ من التضخّم المتعمّد والمقصود، وسوف نحاول في هذه الوريقات المتواضعة معالجة هذا الموضوع بما يوفقنا الله تعالى إليه، انطلاقاً من المعايير الفقهية الثابتة في الاجتهاد الإسلامي.
1 ـ الاحتكار في اللغة
2 ـ الاحتكار في الاصطلاح الفقهي
3 ـ صفة الاحتكار أو حكمه التكليفي
4 ـ عناصر الاحتكار أو مقوّماته وشروطه
5 ـ مجال الاحتكار أو موارده
6 ـ الاحتكار بين الفقه الإسلامي وتصوّرات النظام الرأسمالي
7 ـ مواجهة الاحتكار، سلطة الردع و الإجبار
نتيجة البحث
الاحتكار ـ بمعناه في الفقه الإسلامي ـ حرام إذا ألحق الضرر (وليس عدم النفع فقط) بالمجتمع أو الدولة الإسلامية، ضرراً لا يقف عند الحدود الفردية لزيدٍ أو عمرو وإنما يعيّنه خبراء الاقتصاد بما يملكون من رؤية متشابكة لمجمل عناصر الاقتصاد ومكوّناته.
ولا يشترط في تحريم هذا الاحتكار قصد زيادة الثمن بل يحرم في كل غرض لا يعود لمؤونة نفسه وعياله مما يكون ادّخاراً. ولابد من عدم توفر السلعة في السوق حتى يصدق الاحتكار المحرم. كما أن الاحتكار متقوّم بالحبس للسلع فلو عرضها بأسعار مرتفعة لم يكن احتكاراً ولو حرم فمن جهةٍ أخرى.
ولا يوجد في الاحتكار أيّ تحديد زماني خاصّ، بل الأمر يتبع طبيعة السوق والمصالح العامّة، كما لا يشترط فيه أن يكون حصول المحتكر على البضائع عبر الشراء السابق بل يتم في أيّ شكل من أشكال تملّك البضائع، ولو فرض أخذ الشراء السابق قيداً فليس له زمان خاص أو مكان كذلك.
كما يشمل التحريم الاحتكار المضرّ والاحتكار المفضي إلى التضييق على الناس، بمعنى سلب حقها العام في توافر السلع الضرورية والحاجية.
ولا يشترط في تحريمه كون المحتكر عليه مسلماً بل يكفي كونه محترم النفس والمال، كما لا يلزم أن يكون المحتكر شخصاً واحداً بل يستوعب الفرد والشركات والجماعات.
أما مجال الاحتكار وموارده فهي كل أمر من طعامٍ أو غيره يكون في احتكاره ضرراً على الناس أو سلباً لحقها في الحاجيات الضرورية.
ويجوز للحاكم إجبار المحتكر على البيع ونحوه وعرض السلعة، لكن لا يحقّ له التسعير له ـ بصرف النظر عن نظرية التسعير العامّة ـ ولو أجحف كان بإمكانه مطالبته بالتخفيض حتى يزول الإلحاق والإضرار. ولا عقوبة خاصّة للاحتكار إلا إذا ثبت التعزيز في كل حرام شرعي يُرتكب.
هذا، والاحتكار بمفهومه الفقهي يغاير مفهومه الاقتصادي الحديث، فلا ينبغي الخلط بين الاثنين. والله العالم 3.