مجموع الأصوات: 35
نشر قبل 3 سنوات
القراءات: 3978

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

لماذا الرجوع إلى التاريخ؟

ليس ثمة شئ في ديننا، إلا وله علاقة بالتاريخ، وما نملكه اليوم من عقائد وأحكام وثقافات إسلامية، كلها جاءتنا عن طريق الرواية، فحري بنا، أن يكون التاريخ عندنا، هو أحد المصادر العلمية المهمة.

بعضهم بلغ من الحكمة شأوا بعيدا، فيقول: (لا داعي للبحث عن هذه القضايا القديمة في التاريخ، لأنها باعثة على الفتنة).

لقد تحول البحث عن الحقيقة، فتنة في قاموس هذا الصنف من الناس، وكأنهم يرون البقاء على التمزق الباطني، حيث تتشوش الحقيقة، وتغيب، أفضل من الافصاح عن الحق الذي من أجله أنزل الوحي، وتحركت قافلة الرسل والأنبياء، وكأن مهمة الدين هو أن يأتي بالغموض، وكأن الله عز وجل أراد أن يبلبل الحقائق، ويقمعها بحكمة: (لا تبحث في التاريخ) مثلما بلبل لغة الإنسان في أسطورة بابل.

إنني أدركت منذ البداية أيضا أن الحقيقة أغلى، وأنفس، من الرجال دون استثناء، وأنه لا بد لي أن أوطن نفسي وأهيئها للطوارئ في معترك التنقيب عن الحقائق الضائعة، والفضائح الغابرة.

كنت واضعا نصب عيني، احتمال الفراق، مع مجموعة شخصيات كانوا يجرون مني مجرى الدم، وكنت واعيا منذ البداية، ومدركا لأهداف الرسالة الإسلامية، التي جاءت لتعلم الناس قيم السماء، لا قيم الأرض.

فماذا تكون قيمة أبي هريرة مثلا في ميزان الدين، حتى نعطل البحث بسبب التقديس عن الحقيقة التأريخية. وفي سبيل التغطية على فضائحها، نلجأ لتزوير الحقائق كلها، وهل (أبو هريرة) أصل من أصول العقيدة، حتى يحرم علي محاسبته تأريخيا، والاعتراف بأفعاله القباح! أوليس من الإفك أن نسكت من فضائحه، فتختلط بحقائق الدين، ليكون الإسلام ضحية كل تلك المفاسد.

إن أبا هريرة مثلا ليس شخصية قديمة نستغني عن كشف حقيقتها، لأنه حاضر فينا، وهو (كمبيوتر) معاوية الخاص بالرواية، مع أنه آخر من أسلم، ولم يعش مع الرسول صلى الله عليه وآله طويلا. فمن هو هذا الذي وضع نفسه أو وضعوه هم، راوية لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله في زمن الإمام علي (ع) وإن أمة تميل إلى أبي هريرة وتقوي مروياته، وتترك الإمام علي (ع) وتضعف أحاديثه، هي في حق التاريخ وحق الإنسانية، أقبح أمة يمكن الانتساب إليها! أليس هذا هو واقعنا، إننا لم نعد نجد الإمام علي (ع) إلا في الكتابات المسيحية1 والاستشراقية، وقل أن تجد من الأمة من أنصف هذا العملاق المجهول. وعندنا كتب النسائي وهو أحد شيوخ الحديث المشهورين لدى السنة كتابا أسماه (خصائص الإمام علي) تلقى بذلك عقابا شديدا وأخضع للسياط، واتهمه بعد ذلك (ابن تيمية) بالتشيع، وصنفه هو وابن عبد البر في الذين تشيعوا بالحديث!!؟.

إن التعامل مع التاريخ، هو تعامل مع مشروع ماضوي منتظم في نظرية قائمة. والنظرية هذه ومع امتداد الزمن اكتسبت أنيابا حادة، تمارس بها تهويلا على الباحث. وبهذه الأنياب، بقي التأريخ لغزا إلى أن كسب قدسيته المطلقة.

والنظرية التأريخية المتوفرة في كتاباتنا، تحتاج إلى عقلية مسؤولة وجبارة.
مسؤولة حتى لا تزيغ في منعرجات الأحداث وتقف بعيدا عن الحقيقة! وجبارة، لأنها تحتاج إلى آليات الحفر والتفكير التأريخي ولكي نكسر أنياب النظرية التأريخية القائمة، نحتاج إلى معاول هدم علمية.

لقد تحول التاريخ الإسلامي في اللاشعور الفكري إلى (قطعة) معصومة من التاريخ. علما أن هذه النظرة مستحيلة في منطق التاريخ، ومنطق الدين نفسه.

والسياسة التي استطاعت أن توظف الثقافة القشرية للدين في سبيل التغطية الايديولوجية للأحداث التاريخية. ظلت مكشوفة تاريخيا بحكم أن المؤرخين لها، لم يملكوا قدرة مطلقة على تجيير حقائق التاريخ كلها لصالح السياسات المتواترة في تاريخ السلطة الإسلامية.

وكان لهذا التاريخ (المؤدلج) بمفاهيم التيار الأموي، قدرة على التحكم في مسار الفكر والثقافة الإسلامية أيضا. وتوظيف الأرقام الكبرى والأسماء المرموقة في الدين الإسلامي، كان تكتيكا أمويا، لستر التوجه (الهدام) للبلاط الأموي.

والذي يرى فيه بعض المؤرخين، إنه حكم وفق المنطق الأموي البحت. هذا التيار كان لا يجد بدا من أن يتصرف في الجهاز الديني لأغراض خاصة، وذلك انسجاما مع الواقع الإسلامي يومها، الذي كان الدين أحد مكوناته الاجتماعية والحضارية.

هذه بعض الخفايا التي يوصلنا إليها (التاريخ) وبدونها لا نستطيع معرفة سوى ما يقدم إلينا على طبق الايديولوجيا. إن طرح سؤال، من قبيل: لماذا نبحث في التاريخ؟، هو عين التخلف الفكري، لأنه لم يعد يوجد من يشك في أهمية التاريخ!، ومن القرآن تعلمت الأمة، قيمة النظر في التاريخ، وللتاريخ سننه وقوانينه التي تجري على كل البشر2.

يقول تعالى:﴿ كَذَٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا ﴾ 3. وإذا كان القرآن الكريم، مصدرا لتعريف الناس، بماضي الأمم، فمن يا ترى يعرفنا بتاريخ أمتنا نحن. أليس هو القرآن والتاريخ، المحررين من كل قمع إيديولوجي، وكل استبداد سياسي؟!4.

 

  • 1. أقصد ما كتبه نصري سلهب (في خطى علي 40) وجورج جورداق (الإمام علي صوت العدالة الإنسانية).
  • 2. يقول السيد محمد تقي المدرسي: إن فهم التاريخ ضرورة لفهم الشريعة (التاريخ الإسلامي - دروس وعبر ص 13 - دار الجيل - بيروت).
  • 3. القران الكريم: سورة طه (20)، الآية: 99، الصفحة: 319.
  • 4. لقد شيعني الحسين (ع)، للاستاذ السيد ادريس الحسيني المغربي حفظه الله.