حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
نفوذ حكم الوليّ على سائر الفقهاء
هل ينفذ حكم الوليّ على سائر الفقهاء، أو لا؟
لا إشكال في أن مخالفة سائر الفقهاء حينما تؤدّي إلى شقّ العصا وتشتّت أُمور المسلمين تكون محرّمة، ولكن هذا المقياس ليس مقياساً شاملا في نفوذ حكم الولي على سائر الفقهاء؛ إذ قد يفترض أنّ مخالفة فقيه آخر لا تؤدّي إلى مفسدة من هذا القبيل كما لو خالف الوليّ في عمله الشخصي من دون الإعلان عن ذلك، أو من دون تأثير لذلك على المجتمع مثلا فهل هناك ما يثبت به بشكل عام نفوذ حكم الوليّ على سائر الفقهاء أو لا؟
الإشكال الذي يتبادر للذهن في نفوذ حكم الوليّ على سائر الفقهاء هو دعوى أنّ الولاية نسبتها إلى كلّ الفقهاء الكفوئين الجامعين للشرائط على حدّ سواء، فما معنى نفوذ حكم أحدهم على الآخرين الذين هم في عرضه؟!
وتحقيق الحال في ذلك: هو أننا لو آمنّا بالانتخاب، ولم نؤمن بدليل مستقل عن أدلة الانتخاب يدلّ على ولاية الفقيه فلا موضوع لهذا الإشكال، ولو آمنّا بدليل مستقل عن أدلة الانتخاب يدلّ على ولاية الفقيه كالتوقيع الشريف فعندئذلو آمنّا أيضاً بالانتخاب بدليل مطلق من قبيل أدلّة البيعة فالمشكلة محلولة أيضاً،فإنّ غاية الأمر هي أن نفترض أنّ دليل ولاية الفقيه جعل الفقهاء أولياء على المجتمع، وهذا الدليل قاصر عن جعل بعض الفقهاء وليّاً على بعض، ولكندليل الانتخاب مطلق يجعل الفقيه المنتخب ولياً على كلّ المجتمع بما فيهمالفقهاء الآخرون.
أمّا لو آمنا بدليل يدلّ على ولاية الفقيه كالتوقيع ولم نؤمن بدليل يدلّ على الانتخاب، أو آمنّا أيضاً بدليل يدلّ على الانتخاب ولكن هذا الدليل لم يكن له إطلاق ـ كالدليل العقلي الذي كان يقول بعد تسليم ولاية الفقهاء: إنه لدى تعدّد الفقهاء لابدّ من الانتخاب حسماً لمشكلة تعدّد الأولياء ـ فعندئذ قد يتركّز الإشكال في المقام؛ لأنّ دليل الانتخاب غير موجود أو لا إطلاق له، ودليل ولاية الفقيه يجعل الولاية للفقهاء على المجتمع فحسب، ولا ينظر إلى نسبة الفقهاء بعضهم إلى بعض، فكيف ينفذ حكم الوليّ الفقيه على سائر الفقهاء الذين تكون نسبتهم مع الوليّ الفقيه إلى دليل ولاية الفقيه على حد سواء؟!
والحلّ: أنّ دليل ولاية الفقيه لم يكن مفاده جعل الفقيه وليّاً على الأفراد بما هم أفراد فحسب كي يقال: ليس أمراً عرفياً فرضُ ولاية شخصين كلٍّ منهما على الآخر، فيختص مفاد الدليل بالولاية على غير الفقهاء ولا ينظر الدليل إلى نسبة الفقهاء بعضهم مع بعض ـ بل إنّ الأفراد غير القاصرين ليسوا مشمولين أصلا بما هم أفراد لولاية الفقيه عليهم، فإنّ المفهوم عرفاً من جعل الولاية في غير المعصومين وغير ولاية المالك على المملوك ـ هو الولاية لسدّ قصور المولّى عليه ـ بل إنّ دليل ولاية الفقيه جعل الفقيه وليّاً على المجتمع بما هو مجتمع، والمجتمع بما هو مجتمع له قصور كبير، ويكون بحاجة إلى ملء هذا القصور بولاية الوليّ حتى ولو فرض المجتمع مؤتلفاً من أذكى وأبرع ما يتصوّر من بني الإنسان، فالمجتمع لا يستطيع أن يدير شؤونه الاجتماعية من دون افتراض رأس يلي أُموره، والمجتمع كمجتمع لا يستطيع أن يشخّص طريق الصلاح الذي يختلف في تشخيصه أفراد المجتمع، وما إلى ذلك مما لا يمكن أن يقوم به إلاّ رأس ينصب أو ينتخب، فدليل ولاية الفقيه المنصرف إلى الولاية في موارد القصور قد جعل الفقيه وليّاً على المجتمع وإذا أمر بأمر نفذ أمره على المولّى عليه وهو المجتمع، والفقيه الآخر جزءٌ من هذا المجتمع فينفذ عليه أمر الوليّ الفقيه لا بوصفه فرداً مولّى عليه كي يقال: إنه مماثل للفقيه الوليّ، ولا تقبل عرفاً ولاية أحدهما على الآخر، بل بوصفه جزءاً من المجتمع، والمولّى عليه هو المجتمع وهو ليس مماثلا للوليّ الفقيه، وليست نسبة دليل الولاية إلى الفقيه وإلى المجتمع على حدّ سواء 1.
- 1. المصدر: كتاب ولاية اللأمر في عصر الغيبة، لسماحة السيد كاظم الحائري.