مجموع الأصوات: 83
نشر قبل 8 سنوات
القراءات: 10192

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الاخلاق في الاسلام

أيها الأخوة الأعزاء . . والأبناء النجباء . .
سلام الله عليكم ، وعلى الصّلة المقدسة التي وحدّتكم ، وجمعت شتاتكم ، وشدّتكم ، وشدّت إليكم كل قلب في هذا الكون ينبض بالإيمان ، و كل نفس تشرق بالهدى ، وكل فكر يؤمن بالحق . .
وسلام على الغاية المباركة التي من أجلها تجتمعون ، وفي سبيلها تعملون ، ومن الله ـ سبحانه ـ أسأل أن يشدّ أزركم ، ويبارك سعيكم ، ويوفّقكم لنصرته ، ويأخذ بأيديكم لإعلاء كلمته . .

أيها الأحباء . .
سأتحدث إليكم في هذه الليلة حديثاً عابراً عن الأخلاق في الإسلام .
. .عن مناهج الصفات الرفيعة التي يجب أن يتحلى بها المسلم ، والأخرى الوضيعة التي يجب أن ينتّزه عنها .
. . عن أبرز مقوّمات الشخصية الإسلامية التي منها تتألف ، وعليها تعتمد ، وبها تسمو الى الغاية ، وتحقّق الفوز في كل مجال .
. . عن الغاية الجليلة التي عناها الرسول ( صلى الله عليه و آله ) لما قال : ( بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) .
. . عن المنفسح العظيم الذي أشار إليه حفيده و خليفته الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) حين قال : ( إن الله ارتضى لكم الإسلام ديناً فأحسنوا صحبته بالسخاء و حسن الخلق ) .
. . عن المزايا التي يكتمل بها إسلام المسلم ، وتتجسّد بها عقيدته و يثمر إيمانه ، و يعود لبنة صالحة لأن يتقوّم بها بناء المجتمع الكامل . . المجتمع المسلم .
. . عن الكنوز الثمينة التي فتحها أئمة الحقّ و أدلّة الهدى لأتباعهم من المؤمنين ، ليصوغوا منها نفوسهم ، و يبنوا شخصياتهم ، ويقوّموا أطباعهم وضمائرهم ، فيكون كل فرد منهم مثالاً صادقاً للإيمان الصادق ، و نموذجاً صحيحاً للإسلام الصحيح . .
. . عن السمات المشرقة التي تكمل وتشرق بها إنسانية الإنسان . بلى ، و إن سوء الخلق قد يهوي به الى أحط من طباع الحيوان ، وأقل من قيمة النعم السائمة .
سأتحدث إليكم عن مناهج الأخلاق في الإسلام حديثاً عابراً مختصراً ، فإنّ موضوع الأخلاق في الإسلام لا يستوعبه متحدث في موقف واحد ، مهما رفده الفكر ، ومهما واتاه البيان . . و من الله ـ سبحانه ـ اسأل لي و لكم قلوباً واعية للاقتباس ونفوساً طيّعة للتطبيق ، وألسنة ناطقة للدعوة . .الجمال سمة عامة في المخلوقات .
أيها الأحبة :
لقد أنشأ الله ـ سبحانه ـ هذا الكون الفسيح الأرجاء ، العظيم الآفاق والأنحاء ، وأنشأ كل ما فيه من سماء وارض و شمس و قمر و نجم وكوكب وفلك وملك ، و حي وجامد . . وكل ما فيه من شيء ، عرفه الانسان أو جهله ، عَقِله أو عجز عن إدراكه ، وصَلَه العلم أو وفق دونه . .
. .لقد أنشأ الله هذا الكون ، وأنشأ كل ما فيه من أشياء وأحياء على أتّم صورة وأوفرها زينة ، وأوفاها نضارة وبهاء ، وأتمها بهجة وجمالاً . .
فالجمال النضير موزّع على كل شيء . . وكل شيء من موجودات هذا الملكوت له قسطه من هذه الهبة الشاملة ، وكل شيء من محتويات هذا الكون مظهر لجمال الله الأعلى ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ﴾ 1.

﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ * وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ 2.
جمال شامل ، و بهاء و حسن نضير ، وفي بعض الأمثال : ( ليس في الامكان أبدع مما كان ) .
و هذا الجمال المقسّم غير الاتقان في الصنع ، والعمق في الحكمة التي يحار فيها العقل ، ويدهش لها اللّب .
و الجمال في الخلق أحد الروائع التي تحدو بالإنسان أن ينظر ، وتحثّ العقل على التفكير والتبصّر .
و للجمال أخذته القوية ، وتأثيراته المباشرة في هذا السبيل ، وما يكون للإنسان العاقل أن يكتفي بالمتعة في النظر الى مباهج الكون ومفاتنه ثم لا يسترشد به إلى جمال المكوّن المبدع .
وقد أعطى الله الإنسان من هذه الهبة حصّته الوافرة ، فأفرغه في أجمل صورة :
﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ 3.
ولقد كان يكفيه في هذه الهبة وحدها ما يحتّم عليه شكر المنعم ، و أداء حق الواهب ، و لكن ﴿ ... الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ 4.
و للإنسان خَلق و خُلُق ، و سمات و صفات ، وقد أكمل الله خَلقه بالجمال ، و أراد له أن يتمّ أخلاقه بالكمال ، ليبلغ الغاية الكريمة ، و يرتفع في الكرامة الى أرفع مستوى .

الأخلاق

و الأخلاق ـ أيها الأحبة ـ صفات مختلفة ، أصيلة و مكتسبة . ترسخ في نفس الإنسان ، و تمرّن عليها إرادته ، ويتوجّه على موجبها عمله ، و لا تكون الصفة خلقاً حتى ترسخ في النفس وتعتادها الإرادة ويتجّه معها السلوك .
والخلق ـ مهما تأصّل في النفس ، ومهما ضرب في الطباع أو الغرائز أو الوراثة إلى جذر عميق فإنه لا يستعصي على التعديل والتحرير ، فيملك صاحب الخلق الوضيع أن يجاهد نفسه ، ويمرّن طباعه ، ويعدّل من خلقه حتى يتسامى به الى درجة رفيعة . .
. . و يستطيع صاحب الخلق السامي أن يهمل نفسه ، ويرغم ضميره ، وينساق مع طباعه وغرائزه ، ثم يعتاد ذلك حتى يهوي بخلقه إلى أحطّ درك .
ومن أجل ذلك احتاج تقويم الخلق ، وتهذيب الطباع إلى مصابرة و مثابرة ، ويقظة دائمة . .
ومن أجل ذلك سميّ جهاد النفس بالجهاد الأكبر في لسان الحديث الشريف 5 .
فمكارم الأخلاق ـ أيها الأحبة ـ صفات كريمة يلتزم بها الإنسان . . يقوّم عليها نفسه ، و يروّض عليها طباعه و يجري عليها عادته ، و يمرّن عليها إرادته ، حتى تصبح ملكات ثابتة يتبّعها في سيرته ، ويجري عليها في جهره وسريرته .

الاستقامة

والخلق على قسمين : منحرف ومستقيم ، فما مالت به النفس إلى جانب الإفراط أو إلى جانب التفريط فهو رذيلة و انحراف ، و ما استقامت به على الحد الصحيح المعتدل دون ميل ، ودون تعدّ فهو فضيلة واستقامة .
فالأخلاق الرفيعة هي الأوساط من بين الصفات و ( خير الأمور أوساطها ) كما يقول الرسول الكريم ( صلى الله عليه و آله ) .
أما رذائل الأخلاق فهي الصفات النفسية التي يتنكّب الإنسان فيها الحد الأوسط . . ويكتسبها ويذم على اكتسابها إذا فرّط في الميزان أو أفرط .
فالخلق الكريم هو فضيلة بين رذيلتين ، واستقامة بين انحرافين .
فالكرم فضيلة بين البخل و التبذير ، و الصدق فضيلة بين الكذب والمبالغة ، والشجاعة فضيلة بين الجبن والتهوّر ، والعفة فضيلة بين الشهوة الطائشة والكبت ، و الحكمة فضيلة بين المكر والخمود . . وفي القرآن الكريم قال ( تعالى ) :
﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ﴾ 6.
وفي آية كريمة أخرى :
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا ﴾ 7.
و الاستقامة هي سبيل الفطرة السويّة الذي تتبعه في تقويم هذا المخلوق ، و في تقويم أي شيء يوجد في هذا الكون ، فالشجرة ـ مثلاً ـ تنشأ بطبيعتها معتدلة مستقيمة ، و لا تنحرف و لا تعوجّ إلا لعارض قويّ يرغمها على الميل والاعوجاج . والحيوان يلتزم السبيل الذي توجّهه له الفطرة حتى يبلغ الغاية التي حدّدتها له الحكمة الإلهيّة و لا ينحرف عنه إلا لطارئ غير عادي يطرأ له فيُرغمه على الانحراف .
و الإنسان ـ في صورته الطبيعية ـ يجري على هذا القانون ، فإنه يتّجه مستقيماً إلى الغاية التي حدّدتها له الحكمة الخالقة ، و لا يحيد عن ذلك السبيل الا لطارئ يقسره على الالتواء . .
وكذلك الإنسان في عقيدته و في أخلاقه و في سلوكه ، فإنه يجري مستقيماً مع الفطرة السويّة ، و لا يلتوي و لا ينحرف إلا أن تعترضه أهواء و مؤثرات تمنعه عن الاستقامة و تجبره على الانحراف .
و مكارم الأخلاق وفضائلها هي التي سايرت الفطرة السليمة ، و واكبتها فلم تحِد عنها ، ولم تنحرف نحو إفراط ولا تفريط . .
هي الأوساط المعتدلة من الصفات والانعكاسات الثانية التي تنطبع في نفس الإنسان وهو يطبّق أوامر الشريعة المطهّرة ونواهيها على عمله أتمّ التطبيق ، ويأخذ نفسه وإرادته بها أتمّ الأخذ ، وهذا هو المعنى الذي تدلّ عليه قولة الرسول ( صلى الله عليه و آله ) السابقة الذكر : ( بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) .
فالإسلام هو الديّن الذي يتمّم مناهج الفطرة ، و يكمل ـ في مجالات الدين ـ ما بدأ الله بتوجيهه في التكوين .
ومن أجل ذلك كان الإسلام دعوة الله إلى السمو على الاطلاق ، وكانت محاسن الأخلاق ـ على وجه العموم ـ هي الصفات التي أمرت بها الشريعة ، وحثّت على التمسك بها ، ومساوئ الأخلاق ومقابحها هي الصفات التي نهت عنها الشريعة وحذّرت منها . والمؤمن الحقّ الذي اتّبع هدى الله و اقتفى مراشد دينه ، فتمسك بالخلق الرفيع ، وطبع نفسه عليه ، واتّبعه في سيرته وسريرته مع أوليائه وأعدائه ، واجتنب الخلق الدنيء الوضيع ، وحذر منه أشد الحذر ، فلم ينحرف ولم يشذّ في سجية ، و لا في قول ولا في عمل ، وكان دائم المراقبة لله الذي يعلم السرّ والجهر ويعلم ما يكسبون .
هذه هي مقاييس الخلق الكريم ، وهذه هي طريقة بنائه . .
إن يجري الإنسان مع الفطرة السوية في صفاته ، فلا يميل عنها و لا ينحرف و لا يشذ ولا يلتوي . .
ان يجري في إرادته مع أحكام الشريعة إلى أبلغ حدّ . . يُحقّ ما أحقّت ، ويُبطل ما أبطلت .
هذه هي مقاييس الخلق الكريم ، وهذه هي طريقة بنائه ، وهذه هي مقاييس الخير والشر في نظر الإسلام .

تربية الضمير

اما الركيزة المهمة للتربية الخلقية فهي تربية الضمير . و إيقاظه اليقظة الكاملة .
و الضمير هو هذا الشعور الفطري الذي أودعه الله ( تعالى ) في طبيعة كل إنسان تحثّه على فعل الخير ، وترتاح له و تسرّ معه ـ أتم السرور ـ إذا هو فعله ، و تحذره من عمل الشر ، وتؤنّبه عليه ـ أشد التأنيب إذا هو عمله .
إن الضمير قوة فطريّة عظيمة الأثر كبيرة الوقع أودعها الله في نفس ابن آدم وفرضها عليه ، و هي باب النفس الى كل عمل صالح ، ورقيبه الذاتي عن أي عمل طالح . وطالما تسببت هذه القوة الفطرية إلى صلاح الإنسان بعد فساده ، والى توبته الى الله ( تعالى ) من عظيم الذنوب ، و طالما استنقذته من أسار الجريمة بعد طول رقاده .
و قد مدّ الله ـ سبحانه ـ رقابة الضمير إلى أفعال غيره من بني الإنسان ، فهو يُسرّ بكل فعل حسن يفعله الغير ، و يلتذ لكل باب يراه من أبواب الخير ، وهو يستاء من فعل القبيح من أي عامل ، ويشمئز لمرأى أي سوء من الاسواء ، وأي رذيلة من الرذائل . .
مدّ الله رقابة الضمير الى أفعال الآخرين من بني الإنسان ، ففتح باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وجعله أحد الدعائم لصلاح الأفراد وصلاح المجتمع ، و حذّر المسلمين من التقصير فيه و أوعد بالعقاب عليه .
و تربية الضمير هي في ظل تعاليم الإسلام ، وتزويده منها بالمقاييس الصحيحة التي يميّز بها الخير من الشر ، والصحيح من الفاسد و إيقاظه اليقظة الكاملة ، فيكون دقيق النظرة ، شديد الرقابة ، لا يخادع ولا يستغفل ولا يتغاضى ولا يتغافل .
و قد زود الله ـ سبحانه ـ هذا الضمير بأحكام الشريعة ، ليتعرف منها مقاييس العمل ، ويستبين بها موارد الصحة من الزلل .
هذا الرقيب اليقظ الذي أقامه الله من نفس الإنسان على نفسه ، يأمره وينهاه ، ويثبّته ويعاقبه وإن أمن المطّلع من الناس الآخرين . هذا الرقيب الداخلي هو الدعاية الأولى لإصلاح النفس ، وتهذيب أخلاقها وتقويم طباعها .
ولعل القران الكريم قد أشار إلى هذه القوة الفطرية الوازعة للإنسان : قوة الضمير . . لعله أشار إليها بقوله :
﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا 8.

رقابة الله ( تعالى )

ولكن هذا الرقيب النفسي قد يقوى ، و قد يضعف ، بل و قد يموت لدى بعض الناس .
وسبب ضعفه هذا هو العكوف على المعصية ، وقلّة تعهّده بالتزكية والتطهير ، فإنّ المرء إذا أكبّ على المخالفة سكت ضميره ، وخَفَتَ صوته عن الحثّ والتهذيب .
و السبيل إلى إحيائه بعد موته هو شعور المؤمن برقابة الله عليه وإحاطته به ، و علمه بمطويّات صدره وما يخفيه ، فرقابة الضمير تستمدّ من رقابة الله العظيم ، المطّلع على كل سريرة ، الحسيب على كل عمل المجازي على كل ظاهرة وخافية .
﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾ 9.
﴿ وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ 10.
﴿ قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ 11.
إنّها رقابة عظيمة شديدة يستوي فيها السرّ و العلن ، والقول و العمل ، والحركة ، والسكون .
وإنه لعلمٌ محيط ، يستوي فيه الصغير والكبير ، وما في السماوات وما في الأرض .
و انها لقدرة شاملة يستوي فيها الموت والحياة ، و الابتداء والاعادة .
وانه لحساب دقيق ، تجد كل نفس فيه ما عملت من خير ، وتلقى فيه ما عملت من سوء .
فإذا استشعر الإنسان رقابة ربّه عليه ، وإذا استيقن أنه مجزيّ على عمله . . إن خيراً فخيرٌ ، وإن شراً فشرٌ ، كان يقظ الضمير ، دائم الحراسة لنفسه ، شديد الانتباه لاعمالها ، شديد الحرص على إصلاحها ، وتهذيب أخلاقها .

من آداب الإسلام

أيها الأحبة . .
إن الإسلام يؤدب أبناءه بآدابه الفردية والاجتماعية ، ليلبسهم أبراد الكمال ، و يقيهم أخطار التدهور . .
والمؤمن إذا تأدب بآداب الإسلام وأخلاقه لا تتزلزل له قدم ، لا يتضعضع له ركن ، و لا تخفّ له وزنه ، ولا تنبو له كلمة .
انه بروح الإسلام وعطائه يكون شديد النظرة ، سديد الخطوة ، حميد القول والفعل . .
يقول الإسلام في تأديب المسلم عن خلة الكبر :
﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ 12.
﴿ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا ﴾ 13.
ما هذه الضّعة التي يسميّها الناس كبراً ، و ما هذه الدالّة في المتكبّر التي يدّعونها خيلاء ، حتى يكاد يخرج من جسمه ، و حتى يبدو أكبر من حجمه .
أفيريد أن يشعر الأرض بوجوده فهو يركّز عليها قدمه ، أم يريد أن يسامي الجبال قامةً فهو يرفع إليها صدره؟ . وهيهات ، إن الأرض لا تشعر به أكثر مما تشعر بالبعوضة الحقيرة ، وإن الجبال لا تحسّ به أزيد مما تحسّ بالهباءة الصغيرة ، وإنه لا يتكبّر الا من ضعة يجدها في نفسه ، فهو يعوّض عن الحقيقة بالخيال ، وعن الواقع بالوهم .
و يقول الإسلام في تأديب المسلم في مجلسه :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا ... 14.
ويقول في تأديب المسلم في رفع صوته :
﴿ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾ 15.
ليست المنزلة و المكانة برفع الصوت في المجلس ، ولو كان الأمر كذلك لكان الحيوان أكبر منزلة من الإنسان .
ويقول في الجري مع الظنون و الخواطر ، و الأقوال التي تفكّك المجتمع ، و تضعف العلاقات بين أبنائه :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا ... 16.
ويقول في الحفاظ على المجتمع والإبقاء على سلامته و سلامه :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ 17.
إن المجتمع المسلم أرفع و أسمى من أن تدور فيه سخرية قوم من قوم ، او نساء من نساء ، أو يقع فيه لمزٌ او نبز ، و علم الخير و الشر ، والصلاح والفساد عند الله الذي يعلم السر والجهر ، فليتطهّر المجتمع من هذه الأوضار فلا طهر بعد الايمان ﴿ ... وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ 17.
﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا * وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا 18. . . . . . . . ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا * أُولَٰئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا 19.
هذه بعض مناهج الله ـ سبحانه ـ في تأديب المسلم وصوغ نفسه ، وطبعها على الخلال الحميدة ، وتنقيتها من خلال السوء ورذائل الخُلق . .
. . هذه هي مناهجُ الأخلاق الحميدة في الإسلام ، وهذه هي عقْباها في القرآن ، وهذه هي طريقة بنائها ، يسيرة واضحة . . فهل نحن عاملون بها .
و صدق الله العلي العظيم 20 .