الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

العصمة ذاتية ام اكتسابية ؟

نص الشبهة: 

هل عصمة النبي صلى الله عليه وآله الأئمة المعصومين وسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها وعليهم أجمعين ذاتية ، أم اكتسابية ، أم اختيارية ، بينوا لنا ذلك ؟ .

الجواب: 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . .

حديث حول العصمة

إن الحديث عن العصمة طويل ، ومتشعب ، وهي ـ بلا شـك ـ عصمة اختيارية ، أساسها العقل الكامل ، والتوازن في الشخصية ، وقضاء الفطرة ، والعلم بالله وبآياته ، والمعرفة التامة بشرائعه وأحكامه ، ومع ذلك كله اللطف ، والرعاية الإلهية ، والتسديد الرباني . . على قاعدة : ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ﴾ 1.

فمن يرى أن أي تمرد على الله تعالى هو بمثابة شرب السم القاتل ، أو بمثابة الانغماس في مادة سريعة الاشتعال ، ثم إطلاق شعلة النار فيها . لا يمكن أن يقدم على أمر كهذا أبداً . . إذا كان يملك عقلاً راجحاً ، وفطرة سليمة ، وسوف يجد كل من يحبه ، ويرأف به ، ويعطف عليه ، على استعداد لأن يعينه في الابتعاد عن هذا الخطر . . فكيف إذا طلب منهم ذلك ، وألحّ عليهم به ؟!
وليس ثمة أرحم وأعطف وأرأف من الله تعالى بعباده . . ولا بد أن يساعدهم ، ويسددهم ، ويفتح لهم أبواب الهداية والرحمة حين يسعون للابتعاد عن الأخطار والتخلص من المهالك . . ويطلبون منه أن يكون لهم الهادي والمعين ، والمرشد ، والمسدد .
وإذا كان أهل البيت والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، منذ أن أفاض عليهم الوجود ، قد عرفوا أن لهم خالقاً ، وإلهاً ، ورباً ، ومدبراً ، فخضعوا له ، وسعوا إلى نيل رضاه ، وتدرجوا في مراتب القرب منه ، وحصلوا على الهدايات التي طلبوها منه ، وزادهم ذلك صلابة ومناعة وقوة في دينهم ، ثم زادهم قرباً منه ، وبعداً عن المهالك والمزالق ، وحصانة منها . .
وإذا كان ذلك لا يختص في نشأة بعينها ، ولا في سن بعينه ، بل هم يرون الحقائق منذ صغرهم ، وحتى قبل ذلك أيضاً . . ويتعاملون معها ، وفق مقتضيات الفطرة السليمة ، وأحكام العقل ، ومعايير الأخلاق .
وإذا كنا نرى أن بعض الناس يظهر عليه التميز في سن مبكرة كأولئك الذين يحفظون القرآن ، ويتصرفون فيه بدرجات عالية ، وهم في سن الطفولة ، وبعمر السنتين ، والثلاث سنوات . . فما بالك بصفوة الخلق ، وخيرة الله ، فهل يمكن أن يكونوا أقل شأناً ، وأضعف إدراكاً ، وأدنى من أولئك تميزاً ، وتفرداً ؟! أم أن المتوقع أن يكونوا في درجات لا يدانيها ولا يصل إليها أحد بل لا تمر في وهم ولا في خيال أحد من البشر ، ممن هم أقل معرفة وأضعف في ملكاتهم ، وفي إدراكاتهم ، وفي خصائصهم . . ولم تشملهم الألطاف والعنايات الإلهية ، بالمقدار الذي نال الأنبياء ، والأئمة الأصفياء . .
وأما لماذا لم تكن العصمة إجبارية ، فذلك بحث قد أشرنا إليه في العديد من الموارد ، وقلنا : إن ذلك معناه إزالتهم عن مراتب الفضل إلى حد أن يصبح أشقى الأشقياء أفضل من أفضل الأنبياء بمجرد أن يفعل حسنة واحدة في حياته . .
كما أن ذلك يجعل العدل الإلهي في قفص الاتهام ، ويثير أكثر من شبهة ، ويطرح العديد من التساؤلات حول حقيقة هذا العدل ، وصحة التدبير الإلهي . .

عصمة الزهراء عليها السلام

وأما بالنسبة لكون السيدة الزهراء عليها السلام واجبة العصمة ، بمعنى أن العقل يحكم بضرورة وبداهة كونها معصومة ، حتى ولو لم ينقل إلينا ذلك في آية ولا رواية . . فنقول :
إن الأمر كذلك أيضاً : إذ إن للزهراء عليها السلام مهمات عظيمة جداً في حفظ أساس الإسلام ، وخصوصاً الإمامة ، فبها ظهر عدوان المعتدين على مقام الإمامة ، وعرفت الأمة أنهم مبطلون فيما يدعونه ، مخالفون لله ولرسوله فيما يسعون إليه ويطلبونه ، وذلك بما جرى عليها من ضرب ، وإسقاط جنين . .
ثم إنها كانت هي السبب في تمكين الأمة من معرفة أن أولئك القوم يفقدون أهم الشرائط للتصدي لأي أمر ديني مهما كان بسيطاً ، وذلك في قضية اغتصابهم لفدك . .
وقد أوضحنا ذلك في كتاب : « مختصر مفيد » وفي كتاب : « الغدير والمعارضون » ، وغير ذلك . .
وواضح أن حفظ الإمامة من كيد الخائنين وشبهات المبطلين ، حفظ للدين ، في أخطر قضية واجهته بعد رسول الله صلى الله عليه وآله . .
وعصمة الزهراء عليها السلام هي المرتكز الأهم في هذا الأمر الخطير ، فالعقل يحكم بضرورة توفر هذا العنصر ـ العصمة ـ إذ إن الإخلال به يوجب ضياع جهود الأنبياء والأولياء والأصفياء . . وهذا معنى كونها عليها السلام واجبة العصمة . . والحمد لله والصلاة والسلام على محمد وآله 2 .

  • 1. القران الكريم: سورة محمد (47)، الآية: 17، الصفحة: 508.
  • 2. مختصر مفيد . . ( أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة ) ، السيد جعفر مرتضى العاملي ، « المجموعة التاسعة » ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الأولى ، 1424 هـ ـ 2004 م ، السؤال (510) .