الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

هل النبي يحتاج الى رأي احد ؟!

نص الشبهة: 

ويقولون : إن النبي «صلى الله عليه وآله» قد شاور أصحابه في أكثر من مرة ومناسبة ، حتى نزل في مناسبة حرب أحد قوله تعالى : ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ * إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ... .
وعن ابن عباس بسند حسن : لما نزلت : ﴿ ... وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ... ، قال رسول الله «صلى الله عليه وآله» : أما إن الله ورسوله لغنيان عنها ، ولكن جعلها الله رحمة لأمتي ؛ فمن استشار منهم لم يعدم رشداً ، ومن تركها لم يعدم غياً (الدر المنثور ج2 ص80 عن ابن عدي ، والبيهقي في شعب الايمان .).
والسؤال هنا هو : إنه إذا كان الله ورسوله غنيين عنها ، فلماذا يأمر الله تعالى نبيه بأن يشاور أصحابه في الأمر ؟! .
وسؤال آخر ، وهو : هل يمكن بضم الآية التي في سورة الشورى : ﴿ ... وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ... ، وبضم سائر الروايات التي تحث على الاستشارة ـ هل يمكن ـ أن نفهم من ذلك : ضرورة اتخاذ الشورى كمبدأ في الحكم والسياسة ، وفي الإدارة ، وفي سائر الموارد والمواقف ، حسبما تريد بعض الفئات أن تتبناه ، وتوحي به على أنه أصل إسلامي أصيل ومطرد ؟! .

الجواب: 

الجواب عن السؤال الأول

أما الجواب عن السؤال الأول : فنحسب أن ما تقدم في الجزء السابق من هذا الكتاب في فصل سرايا وغزوات قبل بدر ، وكذا ما تقدم من الكلام حول الشورى في بدر 1 كاف فيه ، ونزيد هنا تأييداً لما ذكرناه هناك ما يلي :
1 ـ قد يقال : إن بعض الروايات تفيد : أن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يكن يستشير أصحابه إلا في أمر الحرب .
فقد روي بسند رجاله ثقات ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : كتب أبو بكر إلى عمرو بن العاص : إن رسول الله شاور في الحرب ، فعليك به 2 .
وإن كنا نرى : أن هذا لا يفيد نفي استشارته «صلى الله عليه وآله» في غير الحرب .
2 ـ إن قوله تعالى في سورة آل عمران : ﴿ ... وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ... 3خاص بالمشاورة في الحرب ، لأن اللام في الآية ليست للجنس بحيث تشمل كل أمر ، بل هي للعهد ، أي شاورهم في هذا الأمر الذي يجري الحديث عنه ، وهو أمر الحرب ، كما هو واضح من الآيات السابقة واللاحقة ؛ فالتعدي إلى غير الحرب يحتاج إلى دليل .
3 ـ إن الآية تنص على أن استشارة النبي «صلى الله عليه وآله» لأصحابه لا تعني أن يأخذ برأيهم حتى ولو اجتمعوا عليه ؛ لأنها تنص على أن اتخاذ القرار النهائي يرجع إلى النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه ، حيث قال تعالى : ﴿ ... وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ... 3.
4 ـ لقد ذكر العلامة السيد عبد المحسن فضل الله «رحمه الله» : أن الأمر في الآية ليس للوجوب ؛ وإلا لكانت بقية الأوامر في الآية كذلك ، ويلزم منه وجوب العفو عن كبائرهم حتى الشرك . وإذا كان الضمير في الآية يرجع إلى الفارين فهو يعني : أن الشورى تكون لأهل الكبائر من أمته ، مع أن الله قد نهى رسوله عن إطاعة الآثم ، والكفور ، ومن أغفل الله قلبه 4 .
فالحق : أن الأمر وارد عقيب توهم الحظر عن مشاورة هؤلاء ، ليبيح مشاورتهم ، ومعاملتهم معاملة طبيعية 5 .
5 ـ إن رواية ابن عباس المتقدمة تفيد : أن استشارته «صلى الله عليه وآله» أصحابه لا قيمة لها على صعيد اتخاذ القرار ؛ لأن الله ورسوله غنيان عنها ، لأنهما يعرفان صواب الآراء من خطئها ، فلا تزيدهما الاستشارة علماً ، ولا ترفع جهلاً ، وإنما هي أمر تعليمي أخلاقي للأمة ؛ بملاحظة فوائد المشورة لهم ؛ لأنها تهدف إلى الإمعان في استخراج صواب الرأي بمراجعة العقول المختلفة . فعن علي أمير المؤمنين «عليه السلام» : من استبد برأيه هلك ، ومن شاور الرجال شاركها في عقولها 6 .
وعنه أيضاً : الاستشارة عين الهداية ، وقد خاطر من استغنى برأيه 7 .
وعن أنس عن النبي «صلى الله عليه وآله» : ما خاب من استخار ، وما ندم من استشار 8 .
إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه .
وإذا كانت الاستشارة أمراً تعليمياً أخلاقياً ، فلا محذور على الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» فيها .

من أهداف استشارته صلى الله عليه و آله لأصحابه

يقول الشهيد السعيد ، الشيخ مرتضى مطهري ، قدس الله نفسه الزكية : إن النبي «صلى الله عليه وآله» وهو في مقام النبوة ، وفي حين كان أصحابه يتفانون في سبيله ، حتى ليقولون له : إنه لو أمرهم بأن يلقوا أنفسهم في البحر لفعلوا ، فإنه لا يريد أن ينفرد في اتخاذ القرار ، لأن أقل مضار ذلك هو أن لا يشعر أتباعه بأن لهم شخصيتهم وفكرهم المتميز ، فهو حين يتجاهلهم كأنه يقول لهم : إنهم لا يملكون الفكر والفهم والشعور الكافي ، وإنما هم مجرد آلة تنفيذ لا أكثر ولا أقل ، وهو فقط يملك حرية إصدار القرار ، والتفكير فيه دونهم .
وطبيعي أن ينعكس ذلك على الأجيال بعده «صلى الله عليه وآله» ، فكل حاكم يأتي سوف يستبد بالقرار ، وسيقهر الناس على الانصياع لإرادته ، مهما كانت ، وذلك بحجة أن له في رسول الله «صلى الله عليه وآله» أسوة حسنة . مع أنه ليس من لوازم الحكم ، الاستبداد بالرأي ، فقد استشار النبي «صلى الله عليه وآله» ـ وهو معصوم ـ أصحابه في بدر وأحد 9 انتهى .
ونزيد نحن هنا : أن ظروف وأجواء آية : ﴿ ... وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ... 3تشعر بأنه قد كان ثمة حاجة لتأليف الناس حينئذٍ ، وجلب محبتهم وثقتهم ، وإظهار العطف والليونة معهم ، وأن لا يفرض الرأي عليهم فرضاً ، رحمة لهم ، وحفاظاً على وحدتهم واجتماعهم ، ولمّ شعثهم ، وجمع كلمتهم ، وكبح جماحهم ؟!
فالآية تقول : ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ... 3.
فكأنه كان قد بدر من أصحابه أمر سيء يستدعي العفو عنهم واللين معهم ، وإرجاع الاعتبار إليهم ، ليطمئنوا إلى أن ما بدر منهم لم يؤثر على مكانتهم عنده ، فلا داعي لنفورهم منه .
يضاف إلى ذلك : أنه حين يكون الأمر مرتبطاً بالحرب ، فإن الأمر يحتاج إلى قناعة تامة بها ، واستعداد لتحمل نتائجها ، وإقـدام عليها بمحض الإدارة والإختبار من دون ممارسة أي إكراه أو إجبار في ذلك . .
هذا كله ، عدا عما قدمناه حين الكلام على بدر ، وعلى السرايا التي سبقتها ، في الجزء السابق من هذا الكتاب ، فليراجع .

الجواب عن السؤال الثاني

نشير إلى ما يلي :
1 ـ ما قدمناه : من أن قوله تعالى : ﴿ ... وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ... 10ليس إلا أمراً تعليمياً أخلاقياً ، وليس إلزامياً يوجب التخلف عنه العقاب ، وإنما يمكن أن يوجب وقوع الإنسان في بعض الأخطاء ، فيكون عليه أن يتحمل آثارها ، ويعاني من نتائجها .
2 ـ إن الضمير في ﴿ ... وَأَمْرُهُمْ ... 10يرجع إلى المؤمنين ، والمراد به الأمر الذي يرتبط بهم ؛ فالشورى إنما هي في الأمور التي ترجع إلى المؤمنين وشؤونهم الخاصة بهم ، وليس للشرع فيها إلزام أو مدخلية ، كما في أمور معاشهم ونحوها ، مما يفترض في الإنسان أن يقوم به . أما إذا كان ثمة الزام شرعي ف‍ـ ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ... 11﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ... 12. فمورد الحكم ، والسياسة ، والإدارة ، وغير ذلك ، لا يمكن أن يكون شورائياً إلا إذا ثبت أن الشارع ليس له فيه حكم ، ونظر خاص .
وقد قال العلامة الطباطبائي «رحمه الله» : «والروايات في المشاورة كثيرة جداً ، وموردها ما يجوز للمستشير فعله وتركه بحسب المرجحات .
وأما الأحكام الإلهية الثابتة ، فلا مورد للاستشارة فيها ، كما لا رخصة فيها لأحد ، وإلا كان اختلاف الحوادث الجارية ناسخاً لكلام الله تعالى» 13 .
3 ـ قوله تعالى : ﴿ ... وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ... 3ظاهر في كون ذلك في ظرف كونه حاكماً ووالياً عليهم ؛ فإن عليه أن يستشيرهم في هذا الظرف . وهذا لا يعني أبداً أن يكون نفس الحكم شورائياً وانتخابياً ، بأي وجه .
هذا كله ، عدا عن احتمال أن يكون هذا الأمر وارداً في مقام توهم الحظر ، فلا يدل على أكثر من إباحة المشاورة ، ولا يدل على الإلزام بها . وهو احتمال قوي كما أوضحناه في ما سبق .
4 ـ إن القرار النهائي يتخذه المستشير نفسه ، ولربما وافق رأي الأكثر ، ولربما خالفهم .
ويدل على ذلك قوله تعالى : ﴿ ... فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ... 3.
وليس في الآية إلزام برأي الأكثرية ، بل ولا برأي الكل لو حصل إجماعهم على رأي واحد .
5 ـ إن هذه الشورى التي دل عليها قوله تعالى : ﴿ ... وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ... 10ليست لكل أحد ، وإنما هي خاصة بأولئك المؤمنين الذين لهم تلك الصفات المذكورة في الآيات قبل وبعد هذه العبارة ، وليس ثمة ما يدل على تعميمها لغيرهم ، بل ربما يقال بعدم التعميم قطعاً ، فقد قال تعالى : ﴿ فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ * وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ 14.
فهؤلاء الذين صرحت الآيات بإيمانهم وبحيازتهم لهذه الصفات ، هم أهل الشورى دون أحد سواهم 15 ، وليس لغيرهم الحق في أن يشاركهم فيها ، لأن ذلك الغير ، لا يؤمن على نفسه ، فكيف يؤمن على مصالح العباد ، ودمائهم ، وأموالهم ، وأعراضهم ؟! .
واللافت : أننا لا نجد لعلي «عليه السلام» أي حضور في مواقع الاعتراض أو الاقتراح على رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، لأنه كان دائماً في موقع التسليم لرسول الله ، والرضا بما يرضاه صلوات الله وسلامه عليهما 16 .

  • 1. راجع غزوة بدر .
  • 2. مجمع الزوائد ج5 ص319 عن الطبراني ، وحياة الصحابة ج2 ص48 عن كنز العمال ج2 ص163 عن البزار والعقيلي وسنده حسن ، والدر المنثور ج2 ص90 عن الطبراني بسند جيد عن ابن عمرو .
  • 3. a. b. c. d. e. f. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 159، الصفحة: 71.
  • 4. راجع : سورة الكهف آية 29 ، والأحزاب آية 56 ، والدهر آية 34 ، وأقول : وتنافي أيضاً الآية التي في سورة الشورى التي خصت الشورى بالمؤمنين الذين لهم صفات معينة .
  • 5. راجع : الإسلام وأسس التشريع ص111 ـ 113 للعلامة السيد عبد المحسن فضل الله .
  • 6. نهج البلاغة ج3 ص192 الحكمة رقم 161 .
  • 7. نهج البلاغة ج3 ص201 الحكمة رقم 211 .
  • 8. الدر المنثور ج2 ص90 عن الطبراني في الأوسط ، وأمالي الطوسي ص84 .
  • 9. جريدة (جمهوري إسلامي) الفارسية عدد 30 ربيع الأول 1400 ه‍ .
  • 10. a. b. c. القران الكريم: سورة الشورى (42)، الآية: 38، الصفحة: 487.
  • 11. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 36، الصفحة: 423.
  • 12. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 132، الصفحة: 66.
  • 13. تفسير الميزان ج4 ص70 .
  • 14. القران الكريم: سورة الشورى (42)، الآيات: 36 - 39، الصفحة: 487.
  • 15. واحتمال : أن يكون المعنى : ما عند الله خير وأبقى لجماعات مختلفة وهم :
    أ ـ الذين آمنوا .
    ب ـ الذين يجتنبون كبائر الإثم الخ . .
    هذا الاحتمال خلاف الظاهر هنا ، فإن المراد أن الذين يجمعون هذه الصفات هم الذين يكون ما عند الله خير وأبقى لهم . وإلا فلو كان أحد ينتصر على من بغى عليه ولكنه غير مؤمن مثلاً ، فلا شك في أن ما عند الله ليس خيراً وأبقى له . وكذا لو كان أمرهم شورى بينهم وهم غير مؤمنين .
  • 16. الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه و آله) ، العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الخامسة ، 2005م . ـ 1425هـ . ق ، الجزء السابع .