الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

هل دافع الله عن الذين آمنوا؟

نص الشبهة: 

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

بعد التحية والسلام.. هناك إشكال يطرحه بعض الزنادقة على المسلمين ومفاده: «أن الواقع العملي والخارجي يكذب ما ورد في القرآن الكريم من أن الله يدافع عن الذين آمنوا حيث نجد ما يعترض ويتعرض له المؤمنون على مر التاريخ من قتل وتشريد وتدمير.. فأين هو دفاع الله المزعوم عن المؤمنين».

هذا هو خلاصة إشكالهم المتهكم. نرجو منكم دفع هذه الشبهة ولكم منا أفضل الدعاء.

الجواب: 

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
والحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
أولاً: إن الله سبحانه وتعالى يدافع عن الذين آمنوا بلا ريب، ولكن بشرط، وهو أن لا يقصر هؤلاء المؤمنون في واجباتهم، ويتكلوا على دفاع الله سبحانه عنهم.. (ولولا هذا الشرط لما كانت الأعمال خاضعةً لمبدأ الثواب والعقاب).
وقد قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ 1 ..
بل إن هذا الاشتراط قد ذكر في نفس مورد الآية التي قالت: إن الله يدافع عن الذين آمنوا، فقد قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ * أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ 2.
ثانياً: قد أوضحت هذه الآيات المباركات من هم الذين يدافع الله عنهم..
وهم الذين إن مكنهم الله في الأرض، أقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر..
فليس كل من ادعى الإيمان وانتسب إليه، ولو ـ ببطاقة الهوية ـ يدافع الله عنه.. هذا إذا غضضنا النظر عن شرط آخر ذكرته الآيات، وهو أن يكون من الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق، إلا أن يقولوا ربنا الله.
ثالثاً: إن هذه الآية إنما تتحدث عن صورة ما لو لم يكن لهؤلاء المؤمنين دور في حدوث المصائب لهم، وذلك بسبب سوء اختيارهم.. ومخالفتهم لأحكام الله سبحانه.
رابعاً: إنه ليس المقصود بدفاع الله سبحانه عن الذين آمنوا هو الدفاع عن الأفراد والأشخاص، بل المقصود هو الدفاع عن الكيان العام، وحفظ أصل الدعوة في ضمن حفظ المجموع، لا حفظ الجميع..
ومن الواضح: أن بقاء الثلة التي ترفض حكومة الظالمين والجبارين، بل ترفض كل حكومة على الناس غير منصوص عليها من الله ورسوله، وزيادة عددهم وقوتهم، ونفوذهم عبر الأزمان والأحقاب، رغم حرص كل أصحاب السلطان، وحرص جميع من خالفهم في الدين، وفي المذهب على إبادة خضرائهم، واستئصال كل عناصر الحياة فيهم..
نعم.. إن بقاء هؤلاء في قلب الحركة الدينية والسياسية، وازديادهم قوة وعدداً ونفوذاً، لهو من أعظم المعجزات، وهو خير شاهد على صدق هذه الآيات المباركات.. لاسيما مع ملاحظة أنهم كانوا وما زالوا يفقدون كل عناصر القوة المادية ، أو السياسية أو الاقتصادية أو غيرها..
والحمد لله على نعمه، ونعوذ بالله من نقمه، وهو ولينا وهو الهادي إلى سواء السبيل 3.

  • 1. القران الكريم: سورة محمد (47)، الآية: 7، الصفحة: 507.
  • 2. القران الكريم: سورة الحج (22)، الآيات: 38 - 41، الصفحة: 336.
  • 3. مختصر مفيد.. (أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة)، السيد جعفر مرتضى العاملي، «المجموعة الخامسة»، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1424 ـ 2003، السؤال (251).