الحسن و الحسين إبنا رسول الله

قال الشعبي : كنت بواسط 1 ، و كان يوم أضحى ، فحضرت صلاة العيد مع الحجاج ، فخطب خطبةً بليغة ، فلما انصرف جاءني رسوله فأتيته ، فوجدته جالساً مستوفزاً ، قال : يا شعبي هذا يوم أضحى ، و قد أردت أن أضحِّي برجل من أهل العراق ، و أحببت أن تسمع قوله ، فتعلم أني قد أصبت الرأي فيما أفعل به .
فقلت : أيها الأمير ، لو ترى أن تستن بسنة رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) ، و تضحي بما أمر أن يضحي به ، و تفعل فعله ، و تدع ما أردت أن تفعله به في هذا اليوم العظيم إلى غيره .
فقال : يا شعبي ، إنك إذا سمعت ما يقول صوبت رأيي فيه ، لكذبه على الله و على رسوله ، و إدخاله الشبهة في الإسلام .
قلت : أفيرى الأمير أن يعفيني من ذلك ؟
قال : لا بدّ منه .
ثم أمر بنطع فبسط ، و بالسيّاف فأُحضر .

و قال : أحضروا الشيخ ، فأتوه به ، فإذا هو يحيى بن يعمر 2 ، فأغممت غماً شديداً ، فقلت في نفسي : و أي شيء يقوله يحيى مما يوجب قتله ؟
فقال له الحجاج : أنت تزعم أنك زعيم أهل العراق ؟
قال يحيى : أنا فقيه من فقهاء أهل العراق .
قال : فمن أي فقهك زعمت أن الحسن و الحسين ( عليهما السَّلام ) من ذرية رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) .
قال : ما أنا زاعم ذلك ، بل قائل بحق .
قال : و بأي حق قلت ؟
قال : بكتاب الله عز و جل .
فنظر إليَّ الحجاج ، و قال : اسمع ما يقول ، فإن هذا مما لم أكن سمعته عنه ، أتعرف أنت في كتاب الله عز و جل أن الحسن و الحسين من ذرية محمّد رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) ؟
فجعلت أفكر في ذلك ، فلم أجد في القرآن شيئاً يدل على ذلك .
و فكر الحجاج ملياً ثم قال ليحيى : لعلك تريد قول الله عز وجل : { فَمَنْ حَاجَّكَ فيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلمِ فَقُلْ تَعَالَوا نَدعُ أَبْناءَنا وَ أَبْنَاءَ كم وَ نِساءَنا و نِساءَ كُم وأنفُسَنا وأنفُسَكم ثُمَّ نَبتَهِل فَنَجعَل لَعنةَ اللهِ عَلَى الكاذبينَ } 3 و أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خرج للمباهلة و معه علي و فاطمة و الحسن و الحسين ( عليهم السَّلام ) .
قال الشعبي : فكأنما أهدى لقلبي سروراً ، و قلت في نفسي : قد خلص يحيى ، و كان الحجاج حافظاً للقرآن .
فقال له يحيى : والله ، إنها لحجة في ذلك بليغة ، و لكن ليس منها أحتج لما قلت .
فاصفرَّ وجه الحجاج ، و أطرق ملياً ثم رفع رأسه إلى يحيى و قال : إن جئت من كتاب الله بغيرها في ذلك ، فلك عشرة آلاف درهم ، و إن لم تأت بها فأنا في حلٍ من دمك .
قال : نعم .
قال الشعبي : فغمَّني قوله ، فقلت : أما كان في الذي نزع به الحجاج ما يحتج به يحيى و يرضيه بأنه قد عرفه و سبقه إليه ، و يتخلص منه حتى رد عليه و أفحمه ، فإن جاءه بعد هذا بشيء لم آمن أن يدخل عليه فيه من القول ما يبطل حجته لئلا يدعي أنه قد علم ما جهله هو .
فقال يحيى للحجاج : قول الله عزّ وجلّ { وَ مِن ذُرِّيتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ } 4 من عنى بذلك ؟
قال الحجاج : إبراهيم ( عليه السَّلام ) .
قال : فداود و سليمان من ذريته ؟
قال : نعم .
قال يحيى : و من نص الله عليه بعد هذا أنه من ذريته ؟
فقرأ يحيى : { وَ أَيّوبَ وَ يوسُفَ وَ موسى وَ هارونَ وَ كذلِكَ نَجْزي المُحسنينَ } 5 .
قال يحيى : و من ؟
قال : { وَزَكَريا وَ يَحيى وَ عِيسى } 6 .
قال يحيى : و من أين كان عيسى من ذرية إبراهيم ( عليه السَّلام ) ، و لا أب له ؟
قال : مِن قِبَل أُمّه مريم ( عليهما السلام ) .
قال يحيى : فمن أقرب : مريم من إبراهيم ( عليه السَّلام ) ، أم فاطمة ( عليها السلام ) من محمّد ( صلى الله عليه و آله ) ؟
قال الشعبي : فكأنّما ألقمه حجراً .
فقال : أطلقوه قبَّحَه الله ، و ادفعوا إليه عشرة آلاف درهم لا بارك الله فيها .
ثمّ أقبل عليَّ فقال : قد كان رأيك صواباً و لكنّا أبيناه ، و دعا بجزور فنحره و قام فدعا بالطعام فأكل و أكلنا معه ، و ما تكلّم بكلمة حتى افترقنا و لم يزل ممّا احتجّ به يحيى بن يعمر واجماً 7 .

لمزيد من المعلومات يمكنكم مراجعة الروابط التالية:

  • 1. واسط : مدينة بناها الحجاج في العراق عام 83 / 84 هجري ، و سميت واسطاً لتوسطها بين البصرة و الكوفة و الأهواز و بغداد ، فإن بينها و بين كل واحدة من هذه المدن مقداراً واحداً و هو خمسون فرسخاً . التنبيه و الأشراف : 311 ، وفيات الأعيان لابن خلكان : 2/ 50 .
  • 2. هو أبو سليمان يحيى بن يعمر العامري البصري ، ولد في البصرة ، و هو أحد قرّائها و فقهائها ، كان عالماً بالقرآن الكريم و الفقه و الحديث و النحو و لغات العرب ، و كان من أوعية العلم وحملة الحجة ، أخذ النحو عن أبي الأسود الدوئلي ، و حدَّث عن أبي ذر الغفاري ، و عمّار بن ياسر ، و ابن عبّاس و غيرهم ، كما حدث عنه جماعة أيضاً ، و كان من الشيعة الأولى القائلين بتفضيل أهل البيت – صلوات الله و سلامه عليهم - ، و قيل هو أول من نقّط القرآن قبل أن توجد تشكيل الكتابة بمدة طويلة ، و كان ينطق بالعربية المحضة و اللغة الفصحى طبيعة فيه غير متكلّف ، طلبه الحجّاج من والي خراسان قتيبة مسلم فجيء به إليه ، لأّنه يقول أن الحسن و الحسين ( عليهما السلام ) ذريّة رسول الله ، و قد أذهل الحجّاج بصراحته و جرأته في إقامة الحق و إزهاق الباطل حتى نصره الله عليه ، كما نفاه الحجاج في سنة 94 هجرية لأنّه قال له : هل ألحَنْ ؟ فقال : تلحن لحناً خفياً . فقال : أجلتك ثلاثاً ، فإن وجدتك بعدُ بأرض العراق قتلتك ؟
    فخرج ، و أخباره و نوادره كثيرة ، توفي – رحمة الله عليه – سنة 129 هجرية .
  • 3. سورة آل عمران ( 3) ، : الآية 61 .
  • 4. سورة الأنعام ( 6 ) ، : الآية 84 .
  • 5. سورة الأنعام ( 6 ) ، : الآية 84.
  • 6. سورة الأنعام ( 6 ) ، : الآية 85 .
  • 7. كنز الفوائد للكراجكي : 1 / 357 – 360 ، بحار الأنوار للمجلسي : 10 / 147 – 149 ، حديث 1 ، و25 /243- 246 ، حديث 26 ، وفيات الأعيان لابن خلكان : 6 / 174 ، العقد الفريد للأندلسي : 2 / 48 – 49 ، و5 / 281 ، بتفاوت . نقلاً عن مناظرات في العقائد و الأحكام ، الجزءُ الأول ، تأليف و تحقيق : الشيخ عبد الله الحسن ، 255 – 259 .