تعدّ فريضة الحج من الفرائض الكبرى في الإسلام، وهي أحد الأركان الخمسة التي بني عليها هذا الدين، فقد جاء في الرواية التي تعدّدت طرقها عند السنة والشيعة: «بني الإسلام على خمس: الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم، والولاية...».
الحج من أكثر العبادات في الإسلام الذي يتجلى فيه بوضوح كبير مفهوم الأمة، وتحديدا مفهوم الأمة الواحدة والأمة الجامعة، والحج كذلك هو الفريضة العبادية السنوية التي تذكر المسلمين كافة بمفهوم الأمة، والأمة الواحدة والجامعة.
لقد قبلك الله ضيفا عنده من بين ملايين البشر، وقبل أن يقبلك أعطاك صحة تتمكن بها من أداء المناسك الواجبة عليك، ومدك بالمال اللازم كي تبدأ مشوار الحج إليه، وأجزل لك عطاياه إذ رفع عنك كل العوائق المانعة من الوصول إلى هدفك وأداء واجبك، فلماذا الحزن؟ ولماذا الخوف؟ ولماذا القلق؟ يا ضيف الله افرح ولا تحزن.
للحج أثر فعال في تربية النفس، وذلك لما يتضمنه من التزامات وأفعال تؤدي بمجموعها إلى تربية الذات تربية سليمة ودقيقة وفعالة، فالحج تجرد عن المادة وما يتعلق بها، وارتفاع نحو مدارج الكمال الروحي، والسمو النفسي.
في أيام الحج ليس من شيء أجمل من التفكر والاختلاء بالنفس، ليتمكن الإنسان من كشف خفايا نفسه، ومعرفة مواطن ضعفه، وتشخيص الوهن الذي يطرأ عليه في مسيرة السمو الروحي والأخلاقي التي يود الارتقاء إليها.
حينما يستضيف الله سبحانه وتعالى عبداً من عبيده ويوفقه لرحلة الحج الإيمانية الإلهية، فإنه يكون قد قدّر له فواضل وآلاء ورحمات ونفحات. فإذا كان العبد هذا عاقلاً عارفاً ذكيّاً استفاد منها، أما إذا فاته شيء من هذه الآلاء الرحمانية، فلا له أن يعرف أن لذلك سبباً في نفسه ، كما لابد له أن يبحث عنه ليعالجه معالجة قطعياً. ولكي يستجيب العبد المؤمن لنداء الرحمن استجابة تامة، وينهل من المائدة الإلهية التي دعي إليها، عليه أن يكشف السر الذي من أجله قد استضافه الله رب العالمين.
لقد يولد ابن آدم، ويولد معه الموت، وهو يترعرع محاطاً بالنيران، لا لأن الله عز وجل قد خلقه من أجل إدخاله نار جهنم؛ فالله قد خلق عباده لينعموا في رحماته الواسعة، إلاّ أن سوء انتخابهم وذنوبهم وخطاياهم هي التي تدفع بالنيران لتحيط بكل فرد منهم، وهذه النيران سوف تتأخر بعملية إحراقها للناس إلى بعد هذه الحياة الدنيا، وهم بحاجة ماسة إلى ما يقيهم ويحصنهم من النار، ولذلك سميت خشية الله بالتقوى.
رَوَى الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) عَنْ آبَائِهِ ( عليهم السلام ) قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) : " الْحَجَّةُ ثَوَابُهَا الْجَنَّةُ وَ الْعُمْرَةُ كَفَّارَةٌ لِكُلِّ ذَنْبٍ " 1 .
الحج عبادة مُتميِّزة و شَعيرةٌ مقدسة ذات أهمية كبرى ، و هو من أهم الفرائض الدينية التي فرضها الله عَزَّ و جَلَّ على المسلمين ضمن شروط خاصة . و نحن المسلمون لا نشكَّ في أن الله عَزَّ و جَلَّ لم يُشَرِّع الحجَّ إلا لحِكمةٍ و مصلحةٍ ، و ذلك لأنه جَلَّ جَلالُه حكيمٌ عالِمٌ بمصالح العباد ، و الحكيم لا يصدُر منه إلا ما يكون فيه مصلحةٌ و فائدةٌ . و نحن أيضاً نؤمن بأن الحج تشريعٌ إلهيٌ لا يخلو تشريعه ـ كغيره من العبادات و التشريعات الإلهية ـ من المصالح و الحِكَم و الأهداف و الفوائد الجمة .