مجموع الأصوات: 9
نشر قبل شهر واحد
القراءات: 754

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الهجرة والدخول إلى البلدان غير الإسلامية

مقدمة

يولد المسلم وينشأ ويترعرع في بلده الإسلامي فيتشرب عن وعي ودون وعي أحكام الاسلام وقيمه وتعاليمه، حتى إذا شبّ، شبّ متأدبا بآداب دينه، سالكا طرقه، مهتديا بهديه.
ولو قدر لمسلم أن يولد وينشأ ويترعرع في بلاد غير إسلامية لبدا أثر البيئة واضحاً في أفكاره وآرائه وسلوكه وآدابه وقيمه، إلاّ من عصم ربك. ويبدو أثر البيئة غير الإسلامية أكثر وضوحاً في سلوك وآداب وقيم الجيل الثاني.. جيل الأبناء.

موقف الإسلام من التعرب بعد الهجرة

للإسلام موقف من التعرب بعد الهجرة جسّدته روايات عدة، فعدته من الكبائر، وعدته بعضها من الثمان التي هي أكبر الكبائر. يقول أبو بصير: سمعت أبا عبدالله (ع) يقول: «الكبائر سبعة: منها قتل النفس متعمداً والشرك بالله العظيم، وقذف المحصنة، وأكل الربا بعد البينة، والفرار من الزحف، والتعرب بعد الهجرة، وعقوق الوالدين، وأكل ما اليتيم ظلماً، قال: والتعرب والشرك واحد».
وروى ابن محبوب قال: «كتب معي بعض أصحابنا الى الحسن (ع) يسأله عن الكبائر كم هي؟ وما هي؟ فكتب: الكبائر: من اجتنب ما وعد الله عليه النار كفر عنه سيئاته إذا كان مؤمناً، والسبع الموجبات: قتل النفس الحرام، وعقوق الوالدين، وأكل الربا والتعرب بعد الهجرة، وقدف المحصنات، وأكل مال اليتيم، والفرار من الزحف».
ونقل محمد بن مسلم عن أبي عبدالله (ع) قوله «الكبائر سبع: قتل المؤمن متعمدا، وقذف المحصنة، والفرار من الزحف، والتعرب بعد الهجرة، وأكل مال اليتيم ظلماً، وأكل الربا بعد البينة، وكل ما أوجب الله عليه النار».
وقال عبيد بن زرارة: «سألت أبا عبدالله (ع) عن الكبائر فقال: هن في كتاب علي (ع) سبع:
الكفر بالله، وقتل النفس، عقوق الوالدين، وأكل الربا بعد البينة، وأكل مال اليتيم ظلماً، والفرار من الزحف، والتعرب بعد الهجرة، قال: فقلت: فهذا أكبر المعاصي؟ قال: نعم».
وعلّل الإمام الرضا (ع) حرمة التعرب بعد الهجرة بقوله « لأنه لا يؤمن أن يقع منه [المهاجر] ترك العلم والدخول مع أهل الجهل والتمادي في ذلك».

موقف الإسلام من الدخول إلى البلدان غير الإسلامية لغرض التبليغ

لا يحرم الدخول الى البلاد غير الإسلامية دائماً، فقد صورت لنا بعض الروايات ثواب الداخل اليها بما يتمناه كل مسلم، يقول حماد السندي «قلت لأبي عبدالله جعفر بن محمد (ع): إني أدخل الى بلاد الشرك، وأن من عندنا ليقولون إن متّ ثمّ [هناك] حشرت معهم، قال لي: يا حماد إذا كنت ثمّ تذكر أمرنا وتدعو إليه، قال: قلت: نعم، قال: فإذا كنت في هذه المدن مدن الإسلام تذكر أمرنا وتدعو إليه؟ قلت: لا. فقال (ع) لي: إنك إن متّ ثمّ [هناك] تحشر أمة وحدك ويسعى نورك بين يديك».

متى يجوز سفر المؤمن إلى البلدان غير الإسلامية؟ ومتى يحرم؟
يستحسن سفر المؤمن الى البلدان غير الإسلامية لغرض نشر الدين وأحكامه، والتبليغ بها إذا أمن على دينه ودين أبنائه الصغار من النقصان، قال النبي محمد (ص) للإمام علي (ع) «لئن يهدي الله بك عبداً من عباده خير لك مما طلعت عليه الشمس من مشارقها الى مغاربها»، وعن النبي (ص) أيصاً أن رجلاً قال له أوصني فقال: «أوصيك أن لا تشرك بالله شيئاً... وادع الناس الى الاسلام، واعلم أن لك بكل من أجابك عتق رقبة من ولد يعقوب». يجوز سفر المؤمن الى البلدان غير الإسلامية، إذا جزم أو اطمأن بأن سفره اليها لا يؤثر سلباً على دينه، ودين من ينتمي إليه. يجوز للمسلم كذلك أن يقيم في البلدان غير الإسلامية إذا لم تشكّل عائقاً عن قيامه بالتزاماته الشرعية بالنسبة الى نفسه وعائلته حاضراً ومستقبلاً. يحرم السفر الى البلدان غير الإسلامية أينما كانت في شرق الأرض وغربها، إذا استوجب ذلك السفر نقصاناً في دين المسلم، سواء أكان الغرض من ذلك السفر السياحة أم التجارة أم الدراسة أم الإقامة المؤقتة أم السكنى الدائمة أم غير ذلك من الأسباب.

حكم الزوجة والأولاد البالغين

إذا تأكدت الزوجة وجزمت بأن سفرها مع زوجها يسلتزم نقصاناً في دينها حرم عليها السفر معه. إذا تأكد الأولاد البالغون بنين أو بنات بأن سفرهم مع أبيهم أو أمهم أو أصدقائهم مثلا يستلزم نقصاناً في دينهم حرم عليهم السفر معهم. يقصد الفقهاء بـ (نقص الدين): إما فعل الحرام باقتراف الذنوب الصغائر أو الكبائر كشرب الخمر أو الزنا أو أكل الميتة أو شرب النجس أو غيرها من المحرمات الأخرى. وإما ترك الواجب كترك الصلاة أو الصوم أو الحج أو غيرها من الواجبات الأخرى.

حكم المهاجرالمضطر

إذا حكمت الضرورة على المسلم أن يهاجر الى البلاد غير الإسلامية مع علمه بأن تلك الهجرة تستوجب نقصانا في دينه، كما لو سافر لإنقاذ نفسه من الموت المحتّم أو غير ذلك من الأمور المهمة، جاز له السفر حينئذ بالقدر الذي يرفع الضرورة دون ما يزيد عليها.

متى تجب على المهاجرالعودة للبلدان الإسلامية

يجب على المهاجر المسلم المتوطن في البلاد غير الإسلامية، العودة الى البلدان الإسلامية إذا علم أن بقاءه بها يؤدي الى نقصان دينه أو دين أولاده الصغار.
ويتحقق ذلك النقصان بترك الواجبات، أو فعل المحرمات، شرط أن لا تؤدي تلك العودة الى الموت ولا توقعه في حرج ولا ضرورة توجب رفع التكليف، كتلك الضرورة التي تدعوه الى أكل الميتة خوفا على نفسه من الموت مثلا.

بعض الإستفتاءات الملحقة بهذا الفصل

إذا حرم على المسلم السفر عُدّ سفره سفر معصية، فيجب عليه حينئذ الإتمام في الصلاة الرباعية، والصوم في شهر رمضان، ولا يحق له أن يقصر في صلاته ولا أن يفطر في صيامه ما دام عاصياً. لا يجوز للابن مخالفة والديه إذا منعاه من السفر، وكان سفره يلحق أذى بهما، أو كان نهيهما من جهة الشفقة عليه، من دون وجود مصلحة شرعية في السفر أهم من حرمة إيذائهما.

ما معنى التعرب بعد الهجرة؟

سؤال: ما معنى التعرب بعد الهجرة الذي هو من الذنوب الكبيرة؟
جواب: قيل إنه ينطبق في هذا الزمان على الإقامة في البلاد التي ينقص بها الدين. والمقصود هو أن ينتقل المكلف من بلد يتمكن فيه من تعلم ما يلزمه من المعارف الدينية والأحكام الشرعية ويستطيع فيه على أداء ما وجب عليه في الشريعة المقدسة وترك ما حرم عليه فيها، الى بلد لا يستطيع فيه على ذلك كلاً أو بعضاً.

هل يعدّ ترك الأجواء الإسلامية والعيش بعيداً عنها نقصاناً في الدين؟
سؤال: يشعر الساكن في أوروبا وأمريكا وأضرابهما بغربته عن أجوائه الدينية التي نشأ عليها وتربى فيها، فلا صوت القرآن يسمع، ولا صوت الأذان يعلو، ولا الزيارة للمشاهد المقدسة واجوائها الروحية موجودة.
فهل يعدُّ تركه لأجوائه الإسلامية في بلده وما يصاحبها من أعمال خيرية، ثم معيشته هنا بعيداً عنها، نقصاناً في الدين؟
جواب: ليس ذلك نقصاناً يحرم بسببه السكن في تلك البلدان، نعم الابتعاد عن الأجواء الدينية ربما يؤدي بمرور الزمن الى ضعف الجانب الإيماني في الشخص الى الحدّ الذي يستصغر معه ترك بعض الواجبات، أو ارتكاب بعض المحرمات.
فإذا كان المكلف يخاف أن ينقص دينه بالحدّ المذكور جرّاء الإقامة في تلك البلدان، لم يجز له الإقامة فيها.

هل يعدّ من نقصان الدين وقوع المكلف في الحرام الذي لم يكن راغباً فيه؟
سؤال: ربما يقع الساكن في أوروبا وأمريكا وأضرابهما بمحرمات لا يقع بها لو بقي في بلده الإسلامي، فمظاهر الحياة العادية بما فيها من إثارة، تجرّ المكلف الى الحرام عادة، حتى لو لم يكن راغباً بذلك. فهل يعد هذا نقصاناً في الدين يوجب حرمة السكن تبعاً؟
جواب: نعم، إلا إذا كانت من الصغائر التي تقع أحياناً ومن غير إصرار.

هل أن المكلف في البلدان الإسلامية ملزم بمراقبة نفسه مراقبة إضافية؟
سؤال: عُرّف التعرب بعد الهجرة بأنه (الإنتقال للبلاد التي تنقص فيها معارف المكلف الدينية ويزداد جهله بدينه). فهل معنى هذا أن المكلف في مثل هذه البلدان ملزم شرعاً بمراقبة نفسه مراقبة إضافية حتى لا يزداد جهله بدينه بمرور الزمن؟
جواب: إنما تلزم المراقبة الاضافية فيما إذا كان تركها يؤدي الى نقصان الدين بالحدّ المتقدم.

لو ازداد الوقوع في الحرام ، فهل يجب على المكلف العودة لوطنه الإسلامي؟
سؤال: لو ازدادت حالات الوقوع في الحرام عما كانت عليه سابقاً من مبلغ إسلامي حريص على دينه، وذلك لخصوصيات البيئة والمجتمع، كانتشار حالات التبرج وأمثالها. فهل يحرم عليه البقاء في بلدان كهذه فيتحتم عليه ترك التبليغ والعودة لوطنه؟
جواب: إذا كان يبتلى ببعض الصغائر اتفاقاً، لم يحرم عليه البقاء فيها، إذا كان واثقاً من عدم انجراره الى ما هو أعظم من ذلك.

لو خاف المكلف على نقصان دينه فما العمل؟
سؤال: لو خاف المهاجر من نقصان دين أولاده، فهل يحرم عليه البقاء في بلدان كهذه؟
جواب : نعم كما هو الحال بالنسبة الى نفسه.

هل يجب الحرص على تعلم اللغة العربية في الدول الكافرة؟
سؤال: هل يجب على المكلف في أوروبا وأمريكا وأضرابهما الحرص على لغة أولاده العربية، باعتبار أن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم والتشريع، كما أن الجهل بها سيؤدي مستقبلاً الى الجهل بمصادر التشريع الأساسية المدونة بها، فتقل معارفه الدينية وينقص دينه تبعاً لذلك؟
جواب: إنما يجب أن يعلمهم منها بمقدار ما يحتاجونه اليه في أداء فرائضهم الدينية، مما يشترط أن يكون باللغة العربية، كقرأءة الفاتحة، والسورة، والأذكار في الصلوات الواجبة، ولا يجب الزائد على ذلك، إذا أمكنهم تعلم ما يحتاجون اليه من المعارف الدينية والتكاليف الشرعية باللغة الأجنبية، نعم يستحب تعليمهم القرآن المجيد، بل ينبغي تعليمهم اللغة العربية بصورة متقنة، ليتمكنوا من التزوّد من المنابع الأساسية للمعارف الإسلامية بلغتها الأصلية، وفي مقدمتها، لغة القرآن العزيز والسنة النبوية الشريفة، وكلمات أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم.

هل تجب الهجرة من بلدان الكفر إلى بلد إسلامي معيشته صعبة؟
سؤال: لو تهيأ لمكلف ما، بلد إسلامي يستطيع السكنى به مع بعض الصعوبات الإقتصادية قياساً بوضعه الحالي هنا. فهل يجب عليه السفر لذلك البلد الإسلامي وترك السكنى بالدول الغربية؟
جواب: لا يجب، إلا إذا كان لا يأمن على نفسه من نقصان دينه ـ بالحدّ المتقدم بيانه ـ جرّاء البقاء في المهجر.

هل يجب التبليغ و الدعوة على من يستطيع ذلك؟
سؤال: لو استطاع المكلف أن يدعو غير المسلمين للإسلام، أو أن يزيد في تثبيت دين المسلمين في البلدان غير الإسلامية من دون خوف من النقصان في دينه، فهل يجب عليه التبليغ؟
جواب: نعم يجب كفايةً عليه، وعلى سائر من يستطيع ذلك.

هل يجوز البقاء في دول غير إسلامية على ما فيها من منكرات؟

سؤال: هل يجوز البقاء في دول غير إسلامية على ما فيها من منكرات تعرض للانسان في الشارع أو المدرسة أو التلفزيون أو ما شاكل مع امكانه الانتقال الى دول اسلامية ولكن الانتقال يسبب له مشاكل في الاقامة وخسارة مادية وضيقاً في الأمور الدنيوية ونقصاً في الرفاهية، وإذا كان لا يجوز له البقاء فهل يجوّزه له كونه مهتماً بأمور التبليغ بين المسلمين هنا مذكّراً لهم ببعض واجباتهم ومنبهاً الى ما يجب عليهم تركه من محرمات.
جواب: لا تحرم الاقامة في تلك البلاد إذا لم تكن عائقاً عن قيامه بالتزاماته الشرعية بالنسبة الى نفسه وعائلته فعلاً ومستقبلاً والا فلا تجوز وإن كان قائماً ببعض الأمور التبليغية والله العالم.

هل يجوز التلاعب بجواز السفر لضمان الدخول إلى بلد ما؟
سؤال: هل يحق للمكلف شراء جواز سفر غيره، أو تغيير صورة الجواز ليضمن دخوله لبلد ما، ثم يقول الحقيقة بعد ذلك للمسؤولين في ذلك البلد؟
جواب: لا نرخّص في ذلك 1.

  • 1. المصدر: الفقه للمغتربين لسماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني دامت بركاته.