الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

شعارات الإمام الحسين (ع) و مسألة الحرية

لكل ثورة من الثورات، أو نهضة من النهضات، شعارات محددة ومميزة، وعادة ما تعكس هذه الشعارات الخلفية الفكرية والسياسية والاجتماعية لمنهج ونهج الثورة وأصحابها .
وكل متأمل في شعارات الإمام الحسين في يوم عاشوراء، وكذلك شعارات أهل بيته وأصحابه يكتشف بوضوح أنها كانت تعبر عن قيم الحرية والإصلاح في مواجهة الاستبداد والفساد، فالإمام الحسين لم يكن هدفه من ثورته ونهضته المباركة الاستيلاء على الحكم، وإنما كان الهدف الحفاظ على الدين من التحريف والتزييف، بل إن الدين كله كان في خطر عظيم، ويتمثل ذلك بسعي وعاظ السلاطين إلى اختلاق الكثير من الأحاديث الموضوعة، وتحوير المفاهيم، وتشويه تعاليم الدين وأحكامه .
وكذلك مقاومة الاستبداد والدكتاتورية والقهر والظلم الذي كان يمارسه الحكم الأموي ضد الأمة الإسلامية، وأيضاً كان الإمام الحسين يهدف من ثورته إلى الوقوف بوجه الفساد بمختلف أبعاده الدينية والفكرية والثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، والقيام بدور المصلح، وإصلاح ما فسد من أمور المسلمين .
وإذا كان لنا أن نطلق على شعارات الإمام الحسين عنواناً، فهو بحق عنوان (الحرية) فالإمام الحسين مافتئ يتغنى بالحرية ويتمسك بها، وإن كان ثمن ذلك هو التضحية بالنفس والنفيس، وتقديم القرابين من أهل بيته وأصحابه الأخيار من أجل أن ترتفع راية الحرية خفاقة في حياة الأمة، وتنتكس راية الاستبداد والقهر والاستعباد.

شعارات الإمام الحسين

كانت شعارات الإمام الحسين في يوم عاشوراء مدوية وقوية ومعبره عن معاني الحرية والكرامة والعزة والشرف، ورفض الاستعباد والاستبداد والذل والخنوع.
فماذا قال الإمام الحسين في يوم عاشوراء ؟ لقد رفع الإمام الحسين مجموعة من الشعارات المعيرة عن نهجه وفكره و مواقفه الشجاعة في يوم البطولة والفداء، يوم عاشوراء المصبوغ بالدماء !
ومن ضمن ما كان يردده الإمام الحسين في يوم عاشوراء هذا البيت المعبر عن الحرية والاستعداد للتضحية :
الموت خير من ركوب العار والعار أولى من دخول النار 1.

فالإمام الحسين كان يفضل الموت على الحياة في ذل وقهر وظلم، وهذه قمة التضحية، أن يكون الإنسان مستعداً للتضحية والاستشهاد من أجل رفع راية الحرية، و دحر الاستبداد .
شعار آخر يرفعه الإمام الحسين رافضاً من خلاله حياة الذل مهما كان الثمن، يقول : ( ألا وإن الدعي ابن الدعي، قدر ركز بين اثنتين : بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله ذلك لنا، ورسوله، والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأنوف حمية، ونفوس أبية من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام )2.
وفي هذا الشعار الحسيني أيضاً يرفض الإمام الحسين الاستسلام لابن زباد، والعيش بذل واستعباد، ويفضل الاستشهاد على الحياة في ذل وعبودية وخضوع في ظل الظلم والطغيان.
وفي شعار آخر يعتبر فيه الإمام الحسين أن الموت في سبيل الله يحقق السعادة الأبدية، أما الحياة في ظل الظالمين فلن تؤدي إلا إلى الشقاء والتعاسة، حيث يقول : ( لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برما )1.
ومرة أخرى يكرر الإمام الحسين أن لقاء الله، والموت في سبيله خير من الحياة في ظل الباطل، يقول : ( ألا ترون أن الحق لا يعمل به، وأن الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً )3.
إن شعارات الإمام الحسين قد حددت أهداف ثورته المباركة، ونهج فكره وسيرته، ورسمت لكل الأجيال رسالة الثورة الحسينية، ووضحت لكل الناس في كل زمان ومكان قيمة الحرية المسؤولة، وأهمية التضحية من أجلها، والوقوف بوجه الظلم والاستبداد والطغيان.
وقد بلغ عشق الإمام الحسين لقيمة الحرية، أنه كان يطلب من أعدائه أن يعيشوا أحراراً في دنياهم، يقول مخاطباً أعداءه ( إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم )4 فالحرية مطلب إنساني، يحتاجها كل إنسان، فالله عز وجل خلق الناس كلهم أحراراً ، يقول الإمام علي : ( أيها الناس إن آدم لم يلد عبداً ولا أمة، وإن الناس كلهم أحرار )5 وعنه أيضاً أنه قال : ( لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً)6 ذلك أن الإنسان لا يمكن أن يعيش بكرامة وشرف إلا في ظل الحرية، وضمان حقوق الإنسان المعنوية والمادية .
إن شعارات الإمام الحسين لم تكن حماسية فقط، بل كانت تعبر عن مضمون الثورة التي قادها، كانت شعاراته إحيائية، ونهضوية، تدعو لإحياء الدين، والنهوض من حياة الاستعباد إلى حياة الكرامة والعزة، والاستعداد للتضحية من أجل تحقيق الحق والخير والحرية والعدل والمساواة .
وهكذا، يجب أن تتطابق شعاراتنا في هذا اليوم، وفي كل يوم من كل زمان ومكان مع شعارات الإمام الحسين المليئة بالحماس والشجاعة والتضحية والفداء من أجل الدين، والمعبرة عن الحرية والعزة والكرامة الإنسانية .
وفي ذكرى شهادة الإمام الحسين ، علينا أن نستذكر الشعارات التي رفعها الإمام الحسين ، ولنكن من حاملي راية الدفاع عن الحريات العامة، واحترام حقوق الإنسان، والدفاع عن المظلومين، ورفض الظلم بمختلف أشكاله وألوانه، والوقوف مع الحق والعدل والمساواة .
أما عن كيفية تحقيق ذلك، فينبغي مراعاة الوسائل المشروعة والممكنة، وملاءمة الظروف الزمانية والمكانية التي تفرض أساليب ووسائل مختلفة من زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان، فليس بالضرورة أن يكون ذلك عبر الثورة كما فعل الإمام الحسين ؛ فالإمام الحسين قام بالثورة لأن الضرورة فرضت ذلك ( شاء الله أن يراني قتيلاً )7 فبشهادة الإمام الحسين واستشهاد أصحابه يُحيى الدين، وترتفع راية الحرية، ويتضح زيف الحكام الظالمين المتسترين بلحاف الإسلام ظاهراً وهم أبعد مايكونون بعداً عنه .
ويبقى لكل زمان ومكان ظروفه وخصائصه ووسائله، والمطلوب من المؤمن هو العمل من أجل الدين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعمل من أجل توسيع الحريات العامة، واحترام حقوق الإنسان، وسيادة القانون الصحيح.
أما وسائل الوصول لتلك الأهداف، فيختلف من عصر لعصر، ومن مجتمع لآخر، بحسبب ما يتلاءم مع التطورات الزمانية والمكانية التي تناسب كل مرحلة، وكل عصر .

شعارات الإمام الحسين ومسألة الحرية

يعتبر الاسبتداد والدكتاتورية وغباب الحريات العامة من أهم الأسباب التي ساهمت في تأخر المسلمين علمياً وحضارياً، فلا يمكن لأية أمة من الأمم أن تتقدم حضارياً في ظل الكبت والقهر والاستبداد .
والإمام الحسين أشار إلى هذه الحقيقة في شعاراته التي رفعها، فقد فَضَّل الموت في سبيل الله ورفع راية الحرية، على الحياة في ظل القهر والاستبداد والظلم .
ومع دخولنا في الألفية الثالثة، وتزايد الحديث عن نشر الحرية والديمقراطية في العالم الإسلامي،فإن من ناقلة القول: الإشارة إلى أن الحرية هي مطلب كل أمة من الأمم، بل وكل فرد من الناس في أي مجتمع إنساني، ذلك أن الإنسان وُلٍدَ حراً، ويجب أن يعيش كذلك، فالحرية ضرورة حياتية لكل إنسان، وحاجة اجتماعية، وركيزة لأي تقدم حضاري منشود.
وقد قَدَّسَ الإسلام الحرية، واعتبرها من أهم القيم الإنسانية على الإطلاق، وأنها من أعظم حقوق الإنسان التي يجب أن يتمتع بها كاملاً ، لأن الحرية تعني أن يعيش الإنسان حياته بكرامة، وبدونها يفقد الإنسان جوهر إنسانيته.
والدفاع عن الحرية كقيمة إنسانية وحضارية من أهم العوامل لأي أمة تطمح للتقدم والتطور الحضاري ، ففي ظل الحريات المشروعة ينمو الإبداع والاختراع والاكتشاف، ويكون مجال المنافسة مفتوحاً على مصراعيه مما يؤدي إلى تقدم الأمة وازدهارها.
ومع بداية حقبة الثمانينيات من القرن العشرين، بدأ الخطاب الإسلامي المعاصر يهتم كثيراً بمسألة الحرية، واحترام حقوق الإنسان، كعامل لا غنى عنه لأي تقدم حضاري. ومع دخولنا في الألفية الثالثة من القرن الواحد والعشرين ازداد نتاج الخطاب الإسلامي فيما يتعلق بقضايا الحريات العامة ؛ باعتبار أن الحرية سر التقدم، والاستبداد سر كل بلاء وتخلف.

والحرية كمفهوم من المفاهيم التي شغلت الفكر الإنساني عبر التاريخ، يخضع لتعدد الرؤى والتصورات، ومن ثم من الطبيعي أن يكون للفكر الإسلامي رؤيته الواضحة لمسألة الحرية،المرتكزة على المرجيعية الإسلامية فالحرية في الإسلام تقع في ضمن دائرة واسعة، وهي دائرة الحلال والمباح، وفي نفس الوقت لا حرية في فعل الحرام، علماً بأن مسائل الحرام في الإسلام محددة بأشياء قليلة جداً بالمقارنة مع مايقع في ضمن دائرة المباح؛بل إن الأصل في الأشياء الإباحة، والحرمة بحاجة لدليل شرعي .
ومن هنا، لابد أن يقع بعض التمايز بين فهمنا للحرية، وفهم الغرب لها لأنه ينطلق من مرجعية فكرية أخرى، ولكن تبقى دائرة التمايز محدودة، كما أنه من المفيد الاستفادة من تجارب الغرب في مجال تطبيق الحريات العامة، وفصل السلطات الثلاث ( التشريعية، القضائية، التنفيذية )، واحترام حقوق الإنسان، وسيادة القانون، وتكافؤ الفرص أمام الجميع .
وخلاصة القول: إن الشعارات الحسينية التي رفعها الإمام الحسين في يوم عاشوراء تؤكد على أهمية الحرية في حياة البشر، وأنه لاعزة ولاكرامة للإنسان في ظل الاستعباد والكبت والظلم .
لقد نادى الإمام الحسين باحترام الحريات العامة للناس في الوقت الذي لم يكن أحد يجرؤ على الحديث عنها، ودفع لذلك ثمناً باهضاً، أما اليوم حيث كثر الحديث عن أهمية الحريات العامة، وأصبح الحديث عنها ممكناً في ظل انتشار وسائل الإعلام والاتصال المختلفة، فإن المطالبة بنشر الحريات العامة، واحترام حقوق الإنسان، وترسيخ مبادئ العدل والحرية والمساواة في المجتمعات الإسلامية يعتبر خطوة لاغنى عنها إذا ما أردنا أن نتقدم حضارياً، وأن نطبق عملياً ما ثار من أجله الإمام الحسين ونساهم في تحقيق الأهداف التي وضحها الإمام الحسين من خلال شعاراته المدوية في يوم عاشوراء المصبوغ بدمائه ودماء أهل بيته وأصحابه الأخيار 8.

  • 1. a. b. مناقب آل أبي طالب، ابن شهر أشوب، ج4، ص76.
  • 2. اللهوف في قتلى الطفوف، السيد ابن طاوس الحسيني، مطبعة مهر، قم- إيران، الطبعة الأولى 1417هـ ، ص59.
  • 3. تحف العقول ،ابن شعبة الحراني،الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي لجماعة المدرسين، قم-إيران، الطبعة الثانية 1404هـ ص 245.
  • 4. اللهوف في قتلى الطفوف، السيد ابن طاوس الحسيني، مطبعة مهر، قم- إيران، الطبعة الأولى 1417هـ ، ص71.
  • 5. ميزان الحكمة، محمد الري شهري، ج2،ص582، رقم3556.
  • 6. ميزان الحكمة، محمد الري شهري، ج2،ص582، رقم3557.
  • 7. مقتل الإمام الحسين،السيد عبدالرزاق المقرم،ص65.
  • 8. المصدر: الموقع الرسمي لسماحة الشيخ عبدالله اليوسف حفظه الله.