الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

يزيد وأهلية الخلافة

أشرنا في موضوع الإسلام والخلافة أهم الصفات التي يجب أن يتحلّى بها الخليفة الإسلامي ، فأين (يزيد) منها؟ وهل فيه من هذه الصفات التي ذُكرت وقد أجمع معاصروه ومَن بعدهم على خلوّه منها ، وأنّه ليست له هذه الأهلية ، لأنّه متّصف بجميع الصفات القبيحة ، كشرب الخمر ، ولعب القمار ، وضرب الملاهي ، واللعب بالكلاب الهراش ، وإلى ما هنالك من صفات منافية؟ فلنستمع إلى ما يذكره المؤرّخون عنه :

١ ـ هذا ابن قتيبة ينقل ردّ الحسين على معاوية عندما جاء إلى المدينة المنوّرة لأخذ البيعة لابنه يزيد من بعده من رجالات المدينة ، فبعد أن خطب فيهم وأثنى على ولده يزيد ، قام إليه الحسين (عليه السّلام) وأجابه بعد كلام طويل قائلاً لمعاوية : «كأنّك تصف محجوباً ، أو تنعت غائباً ، أو تخبر عمّا كان ممّا احتويته بعلم خاصّ ، وقد دلّ يزيد من نفسه على موقع رأيه ، فخذ ليزيد فيما أخذ فيه ؛ من استقرائه الكلاب المهارشة عند التهارش ، والحمام السبق لأترابهن ، والقيان ذوات المعازف ، وضرب الملاهي ، تجده باصراً ، ودع عنك ما تحاول ، فما أغناك أن تلقى الله من وزر هذا الخلق بأكثر ممّا أنت لاقيه» 1.

٢ ـ ذكر الطبري أنّ عثمان بن محمّد بن أبي سفيان ، والي يزيد على المدينة آنذاك ، بعث بجماعة من أهل المدينة إلى يزيد وفيهم عبد الله بن حنظلة والمنذر بن الزبير وآخرون من أشراف المدينة ، فقدموا على يزيد ، فأكرمهم وأحسن إليهم ، وأعظم جوائزهم ، ثمّ رجعوا إلى المدينة وهم على رأي واحد ، فقالوا : «إنّا قدمنا من عند رجل ليس له دين ، يشرب الخمر ، ويعزف بالطنابير ، ويضرب عنده القيان ، ويلعب بالكلاب ، ويسامر الحراب والفتيان ، وإنّا نشهدكم أنّا قد خلعناه. فتابعهم الناس» 2.
٣ ـ ويقول الشوكاني في ردّه على بعض وعّاظ السلاطين : «لقد أفرط بعض أهل العلم فحكموا بأنّ الحسين السبط (رضي الله عنه وأرضاه) باغٍ على الخمير السكير ، الهاتك لحرمة الشريعة المطهّرة ، يزيد بن معاوية (لعنهما الله). فيا للعجب من مقالات تقشعرّ منها الجلود!» 3.
هذا بعض ما قيل في يزيد بن معاوية ، بل ذهب بعض العلماء إلى كفره والتشكيك في إيمانه ، وجواز لعنه ، «وقد جزم بكفره وصرّح بلعنه جماعة من العلماء ، منهم القاضي أبو يعلى ، والحافظ ابن الجوزي ، والتفتازاني ، والسيوطي» 4.

وقال التفتازاني : «الحقّ إنّ رضا يزيد بقتل الحسين واستبشاره به ، وإهانته أهل بيت النبي ممّا تواتر معناه وإن كان تفاصيله آحاد ، فنحن لا نتوقّف في شأنه بل في إيمانه ، لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه» 5.

وقد بلغت الوقاحة والاستهتار بيزيد إلى درجة لا يتصوّرها إنسان ، وذلك أنّ معاوية أرسله إلى الحجّ في حياته ، فلمّا بلغ يزيد المدينة المنوّرة جلس على مائدة الخمر ، فاستأذن عليه ابن عباس فأذن له ، وكان مكفوف البصر ، فقيل له : إنّ ابن عباس إن وجد ريح الشراب عرفه. فحجبه عنه 6.

إلى ما هنالك من عشرات أقوال الصحابة والتابعين والعلماء في يزيد بن معاوية ، ولو توسّعنا لاحتجنا إلى مجلّدات.
وبعد هذا العرض ، فهل يجد إنسان ما في يزيد أهلية الخلافة؟ اللّهمّ إلاّ بعض الحاقدين من أعوان السلطان ، وتجّار المادة الذين لا يخلو زمان ومكان منهم.
إنّ جميع ما تقدّم هو نزر يسير ممّا فعله يزيد بن معاوية ، وما ارتكبه الحكم الأموي من هتك حرمة الإسلام ، والتعدّي على الشريعة المقدّسة ، وتقويض أركانها ، ومن ثمّ الإجهاض عليها من جذورها 7. فلم تجد منقذاً ولا مخلّصاً لها إلاّ الحسين (عليه السّلام) ابن بنت صاحب الرسالة ، فقام (عليه السّلام) مغيثاً لها بثورته المقدّسة ، في اليوم العاشر من محرّم سنة ٦١ هجرية ، وأنقذها من الحكم الأموي الجائر قائلاً : «فإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة ، والحياة مع الظالمين إلاّ برماً».
وقد أبدع في تصوير هذا الموقف الشاعر ، حينما يرثي الحسين (عليه السّلام) في قصيدة طويلة تضمّ عشرات الأبيات ، منها :

يومٌ بحاميةِ الإسلامِ قــد نهضتْ             بــهِ حـميّةُ ديـنِ اللهِ إذ تُــــــركا
رأى بأنّ ســبيلَ الـــغي متّـــــبعٌ             و الرشدُ لم تـدرِ قومٌ أيه ســــلكا
والناسُ عادت إلـــيهم جاهليتُهم            كأنّ مَنْ شرّعَ الإسلامَ قد أفكا
و قد تحكّمَ بـــالإيمانِ طـــــاغيةٌ             يُمسي و يُصبحُ بالفحشاءِ مُنهمكا
لم أدرِ أينَ رجالُ المسلمينَ مــضوا           و كيفَ صارَ يـزيدٌ بينهم مــلكا
العاصــرُ الـخمرِ مـن لــؤمٍ بعنصره          ومن خساسةِ طبعٍ يعصرُ الودكا
أم كيفَ يسلمُ من شركٍ و والده           ما نزّهت حملهُ هندٌ عن الشركا
لئن جرت لفظةُ التوحيدِ في فمِـــه           فسيـفهُ بسوى التـوحيدِ ما فتـكا
قد أصبحَ الدينُ منهُ شاكياً سقـماً           و ما إلى أحدٍ غير الحسينِ شـكا
فمارأى السبطُ للدينِ الحنيفِ شفاً          إلاّ إذا دمــهُ في نـصرهِ سُفـــكا
و ما سمـعنا علـيلاً لا علاجَ لـــه            إلاّ بنفسِ مـداويـهِ إذا هـــــلكا
بقتلهِ فاحَ للإسلامِ طيبُ هدىً            فــكلّما ذكرتــهُ المسلمــــــونَ ذكا 8 9.

  • 1. الإمامة والسياسة ـ ابن قتيبة ١ ص ١٨٦.
  • 2. تاريخ الطبري ج ٤ ص ٣٦٨.
  • 3. نيل الأوطار ج ٧ ص ١٤٧.
  • 4. مقتل الحسين ـ عبد الرزاق المقرّم ص ١٠.
  • 5. شرح العقائد النسفية ص ١٨١ ، طبع الاستانة.
  • 6. الكامل ـ ابن الأثير ج ٣ ص ٤١٧.
  • 7. انظر تفصيل الجرائم الاُمويّة في كتابنا (الوثائق الرسميّة لنتائج ثورة الحسين (عليه السّلام) القسم الثاني) ، لم يطبع حتّى الآن.
  • 8. انظر ديوان سحر بابل وسجع البلابل ـ السيد جعفر الحلّي ص ٣٥٠.
  • 9. المصدر : الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، لسماحة العلامة السيد عبد الكريم الحسيني القزويني ( حفظه الله ).