حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
الزواج الموقت في الاسلام
تواتر عن عمر بن الخطاب قوله:
متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأُعاقب عليهما: متعة الحجّ، ومتعة النساء 1.
وسبق البحث عن متعة الحجّ وكيفية اجتهاده في النهي عنها، وفي ما يلي نبحث عن متعة النساء وسبب تحريمه إيّاها واجتهاده فيها، بدءاً بايراد تعريفها عن مصادر مدرسة الخلفاء ثمّ عن فقه مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، ثمّ نبحث عنها في الكتاب والسنّة بحوله تعالى.
1 ـ نكاح المتعة في مصادر مدرسة الخلفاء
في تفسير القرطبي: لم يختلف العلماء من السلف والخلف أنّ المتعة نكاح إلى أجل لا ميراث فيه، والفرقة تقع عند انقضاء الأجل من غير طلاق.
وقال ابن عطيّة: وكانت المتعة أن يتزوّج الرجل المرأة بشاهدين وإذن الوليّ إلى أجل مسمّى، وعلى أن لا ميراث بينهما، ويعطيها ما اتّفقا عليه، فإذا انقضت المدّة فليس عليها سبيل وتستبرئ رحمها، لأنّ الولد لاحق فيه بلا شكّ، فإن لم تحمل حلّت لغيره 2.
وفي صحيح البخاري عن رسول الله (ص): "أيّما رجل وامرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليال فإن أحبّا أن يتزايدا أو يتتاركا" 3.
وفي مصنف ابن أبي شيبة عن جابر قال: إذا انقضى الأجل فبدا لهما أن يتعاودا فليمهرها مهراً آخر، فسئل كم تعتدّ؟ قال: حيضة واحدة، كنّ يعتددنها للمستمتع منهنّ 4.
وفي تفسير القرطبي عن ابن عباس قال: عدّتها حيضة، وقال: لا يتوارثان 5.
وفي تفسير الطبري، عن السّدي: "فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى فآتوهنّ أُجورهنّ فريضة ولا جناح عليكم في ما تراضيتم به من بعد الفريضة"، فهذه المتعة، الرجل ينكح المرأة بشرط إلى أجل مسمّى ويُشهد شاهدين وينكح باذن وليّها، وإذا انقضت المدّة فليس له عليها سبيل، وهي منه بريّة، وعليها أن تستبرئ ما في رحمها، وليس بينهما ميراث، ليس يرث واحد منهما صاحبه 6.
وفي تفسير الكشّاف للزمخشري: وقيل: نزلت في المتعة التي كانت ثلاثة أيّام حتى فتح الله مكة على رسوله (ص و س) ثمّ نسخت، كان الرجل ينكح المرأة وقتاً معلوماً ليلة أو ليلتين أو اسبوعاً بثوب أو غير ذلك ويقضي منها وطره ثمّ يسرّحها، سمّيت متعة لاستمتاعه بها أو لتمتيعه لها بما يعطيها ... 7.
هكذا ورد تعريف متعة النساء أو نكاح المتعة في مصادر مدرسة الخلفاء وورد تعريفها في الفقه الإمامي كما يلي:
2 ـ نكاح المتعة في الفقه الامامي
نكاح المتعة أو متعة النساء: أنْ تزوّج المرأة نفسها أو يزوّجها وكيلها أو وليّها إنْ كانت صغيرة لرجل تحلّ له ولا يكون هناك مانع شرعاً من نسب أو سبب أو رضاع أو عدّة أو احصان، بمهر معلوم إلى أجل مسمّى. وتَبِين عنه بانقضاء الأجل أو أن يهب الرجل ما بقي من المدّة وتعتد المرأة بعد المباينة مع الدخول وعدم بلوغها سنّ اليأس بقرءين إذا كانت ممّن تحيض وإلاّ فبخمسة وأربعين يوماً. وإن لم يمسسها فهي كالمطلقة قبل الدخول لا عدّة عليها. وشأن المولود من الزواج المؤقّت شأن المولود من الزواج الدائم في جميع أحكامه 8.
3 ـ نكاح المتعة في كتاب الله
قال الله سبحانه: ﴿ ... فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ 9 .
1 ـ روى عبد الرزاق في مصنّفه عن عطاء: أنّ ابن عباس كان يقرأ: "فما استمتعتم به منهن إلى أجل فآتوهنّ أُجورهنّ" 10.
2 ـ في تفسير الطبري عن حبيب بن أبي ثابت قال: أعطاني ابن عبّاس مصحفاً فقال: هذا على قراءة أُبيّ قال: وفيه: "فما استمتعهم به منهنّ إلى أجل مسمى" 11.
3 ـ في تفسير الطبري عن أبي نضرة بطريقين، قال: سألت ابن عبّاس عن متعة النساء، قال: أما تقرأ سورة النساء، قال: قلت: بلى، قال: فما تقرأ فيها: "فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمى"، قلت: لو قرأتها كذلك ما سألتك، قال: فانّها كذلك.
4 ـ عن أبي نضرة قال: قرأت هذه الآية على ابن عباس ﴿ ... فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ ... ﴾ 9 ، قال ابن عباس: "إلى أجل مسمى"، قال: قلت: ما اقرؤها كذلك، قال: والله لأنزلها الله كذلك، ثلاث مرّات.
5 ـ عن عمير و أبي إسحاق أنّ ابن عباس قرأ "فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمى".
6 ـ عن مجاهد ﴿ ... فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ ... ﴾ 9، قال: يعني نكاح المتعة.
7 ـ عن عمرو بن مرّة أنّه سمع سعيد بن جبير يقرأ "فما استمتعهم به منهنّ إلى أجل مسمى".
8 ـ عن قتادة قال: في قراءة اُبيّ بن كعب "فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمى".
9 ـ عن شعبة عن الحكم قال: سألته عن هذه الآية أمنسوخة هي؟ قال: لا.
أخرجنا الأحاديث (2-9) من تفسير الطبري، وأوجزنا بعضها.
10 ـ وفي أحكام القرآن للجصّاص أيضاً وردت رواية أبي نضرة وأبي ثابت عن ابن عباس وحديث قراءة أُبيّ بن كعب 12.
11 ـ روى البيهقي في سننه الكبرى عن محمد بن كعب، أنّ ابن عباس قال: كانت المتعة في أوّل الإسلام وكانوا يقرؤن هذه الآية "فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمى" 13.
12 ـ وفي شرح النووي على صحيح مسلم: وفي قراءة ابن مسعود "فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل ... 14.
13 ـ وفي تفسير الزمخشري: وقيل نزلت فيه المتعة التي كانت ثلاثة أيّام ... وقال: سمّيت متعة لاستمتاعه بها. وقال: وعن ابن عباس هي محكمة يعني لم تنسخ، وكان يقرأ "فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى" 15.
14 ـ قال القرطبي: وقال الجمهور: المراد نكاح المتعة الذي كان في صدر الإسلام، وقرأ ابن عباس وأُبيّ وابن جبير: "فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى فآتوهنّ أجورهن" 16.
15 ـ وفي تفسير ابن كثير: وكان ابن عبّاس وأُبيّ بن كعب وسعيد بن جبير والسدي يقرأون: "فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى فآتوهنّ أجورهنّ فريضة" وقال مجاهد: نزلت في نكاح المتعة 17.
16 ـ وفي تفسير السيوطي حديث أبي ثابت وأبي نضرة ورواية قتادة وسعيد بن جبير عن قراءة أُبيّ، وحديث مجاهد والسدي وعطاء عن ابن عباس وحديث الحكم انّ الآية غير منسوخة وعن عطاء عن ابن عبّاس أنّه قال: وهي التي في سورة النساء فما استمتعتم به منهنّ إلى كذا وكذا من الأجل على كذا وكذا قال: وليس بينهما وراثة فإن بدالهما أن يتراضيا بعد الأجل فنعم وإن تفرّقا فنعم ... 18.
قال المؤلف: كلّ هؤلاء المفسّرين وغيرهم 19 أوردوا ما ذكرناه في تفسير الآية ونرى أنّ ابن عباس وأُبيّ بن كعب وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة وغيرهم ممّن نقل عنهم انّهم كانوا يقرأون: "فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمى" كانوا يقرأون إلى أجل مسمّى على سبيل التفسير ويشهد على ذلك ما ورد في الرواية الأخيرة عن ابن عباس انّه قال: "فما استمتعتم به منهنّ إلى كذا وكذا من الأجل على كذا وكذا".
وأنّ أُبيّاً مثلا قصد أنّه سمع هذا التفسير من رسول الله أي أنّ رسول الله لما قال: "إلى أجل مسمى" فسّر الآية بهذه الجملة.
4 ـ نكاح المتعة في السنة
في باب نكاح المتعة من صحيحي مسلم والبخاري ومصنّفي عبد الرزاق وابن أبي شيبة ومسند أحمد وسنن البيهقي وغيرها، عن عبد الله بن مسعود، قال: كنّا نغزو مع رسول الله (ص) ليس لنا نساء، فقلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ثمّ رخّص لنا أنْ ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثمّ قرأ عبد الله ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ 20 21.
في صحيحي البخاري ومسلم ومصنف عبد الرزاق واللفظ لمسلم عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع قالا: خرج علينا منادي رسول الله (ص) فقال: انّ رسول الله قد أذن لكم أن تستمتعوا، يعني متعة النساء 22.
في صحيح مسلم ومسند أحمد وسنن البيهقي، عن سبرة الجهني قال: أذن لنا رسول الله (ص) بالمتعة، فانطلقت أنا ورجل إلى امرأة من بني عامر، كأنّها بكرة عيطاء، فعرضنا عليها أنفسنا. فقالت: ما تعطي؟ فقلت: ردائي، وقال صاحبي: ردائي، وكان رداء صاحبي أجود من ردائي وكنت أشبّ منه، فإذا نظرت إلى رداء صاحبي أعجبها، وإذا نظرت إليّ أعجبتها، ثمّ قالت: أنت ورداؤك يكفيني، فمكثت معها ثلاثاً. ثمّ إنّ رسول الله (ص) قال:
"من كان عنده شيء من هذه النساء التي يتمتع، فليخُلّ سبيلها" 23.
في مسند الطيالسي عن مسلم القرشي قال: دخلنا على أسماء بنت أبي بكر فسألناها عن متعة النساء، فقالت: فعلناها على عهد النبي (ص) 24.
في مسند أحمد وغيره عن أبي سعيد الخدري، قال: كنّا نتمتّع على عهد رسول الله (ص) بالثوب 25.
وفي مصنف عبد الرزاق: لقد كان أحدنا يستمتع بملء القدح سويقاً 26.
وفي صحيح مسلم ومسند أحمد وغيرهما واللفظ للأوّل، قال عطاء: قدم جابر بن عبد الله معتمراً، فجئناه في منزله، فسأله القوم عن أشياء، ثمّ ذكروا المتعة، فقال: نعم استمتعنا على عهد رسول الله (ص) وأبي بكر وعمر 27.
وفي لفظ أحمد بعده: حتى إذا كان في آخر خلافة عمر.
وفي بداية المجتهد: ونصفاً من خلافة عمر، ثمّ نهى عنها عمر الناس 28 29.
- 1. تفسير القرطبي 2 : 370; وتفسير الفخر الرازي 2 : 167; و 3 : 201 و 202; وكنز العمال 8 : 293 و 294; والبيان والتبيين للجاحظ 2 : 223.
- 2. تفسير القرطبي 5 : 132 .
- 3. صحيح البخاري 3 : 164 باب نهي رسول الله عن نكاح المتعة أخيراً.
- 4. المصنف لعبد الرزاق 7 : 499 باب المتعة.
- 5. تفسير القرطبي 5 : 132; والنيسابوري 5 : 17.
- 6. تفسير الطبري 5 : 9.
- 7. تفسير الكشاف 1 : 519 .
- 8. راجع أحكام نكاح المتعة في الفقه الإمامي مثل: شرح اللمعة الدمشقية وشرائع الإسلام وغيرهما.
- 9. a. b. c. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 24، الصفحة: 82.
- 10. المصنف 7 : 497 و 498 باب المتعة، تأليف عبد الرزاق بن همام الصنعاني مولى حمير (126-211 هـ) ط. 1390-1392 هـ من منشورات المجمع العلمي ببيروت; أخرج حديثه أصحاب الصحاح الستّ، راجع ترجمته في الجمع بين رجال الصحيحين وتقريب التهذيب; وراجع بداية المجتهد لابن رشد 2 : 63.
- 11. في تفسير الآية بتفسير الطبري 5 : 9.
- 12. أحكام القرآن 2 : 147.
- 13. سنن البيهقي 7 : 205 .
- 14. شرح النووي على صحيح مسلم 9 : 179.
- 15. الكشاف للزمخشري 1 : 519.
- 16. تفسير القرطبي 5 : 130.
- 17. تفسير ابن كثير 1 : 474.
- 18. الدر المنثور للسيوطي 2 : 140-141; وما ورد عن عطاء في المصنف لعبد الرزاق 7 : 497 ، وراجع بداية المجتهد لابن رشد 2 : 63 .
- 19. مثل القاضي أبي بكر الأندلسي (ت542 هـ) في أحكام القرآن 1 : 162; والبغوي الشافعي (ت510 أو 516 هـ) في تفسيره بهامش الخازن 1 : 423; والآلوسي (ت1279 هـ) في 5 : 5 من تفسيره.
- 20. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 87، الصفحة: 122.
- 21. صحيح مسلم ، كتاب النكاح ح1404 ص1022 بأسانيد متعددة; وفي صحيح البخاري 3 : 85 بتفسير سورة المائدة، باب 9; وفي كتاب النكاح منه 3 : 159 باب ما يكره من التبتل، باختلاف يسير في اللفظ; وفي مصنف عبد الرزاق 7 : 506 مع اضافة إلى آخر الحديث; وفي مصنف ابن أبي شيبة 4 : 294; وفي مسند أحمد 1 : 420 وقال بهامشه: وكان ابن مسعود يأخذ بهذا ويرى أنّ نكاح المتعة حلال، وفي 432 منه باختصار; وفي سنن البيهقي 7 : 200 و 201 وعلّق على الحديث; وفي تفسير ابن كثير 2 : 87.
- 22. صحيح مسلم : 1022 ح1405; وفي البخاري 3 : 164 باب نهي رسول الله عن نكاح المتعة آخراً ولفظه: كنّا في جيش فأتانا رسول رسول الله ... ; وكذلك لفظ أحمد في مسنده 4 : 51 وفي 47 منه باختصار; وفي المصنف لعبد الرزاق 7 : 498 باختلاف يسير.
- 23. صحيح مسلم، كتاب النكاح : 1024 ح1406; وسنن البيهقي 7 : 202 و 203 ; ومسند أحمد 3 : 405 وبعده قال: ففارقتها. والبكرة: الفتية من الابل أي الشابة القوية، والعيطاء: الطويلة العنق في اعتدال وحسن قوام.
- 24. الطيالسي : ح1637.
- 25. مسند أحمد 3 : 22; وفي مجمع الزوائد 4 : 264 رواه أحمد والبزار.
- 26. المصنف لعبد الرزاق 7 : 458 .
- 27. صحيح مسلم، كتاب النكاح : 1023 ح1405; وبشرح النووي 9 : 183; ومسند أحمد 3 : 380; ورجال أحمد رجال الصحيح; وأبو داود في باب الصداق تمتّعنا على عهد رسول الله وأبي بكر ونصفاً من خلافة عمر ثمّ نهى عنها عمر; وراجع عمدة القاري للعيني 8 : 310.
- 28. بداية المجتهد لابن رشد 2 : 63.
- 29. الزواج المؤقت في الاسلام، من سلسلة كتب على مائدة الكتاب والسنة (رقم 9) تأليف العلامة السيد مرتضى العسكري : ص 10 - 37 .













