مجموع الأصوات: 53
نشر قبل 7 سنوات
القراءات: 8701

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

قوة الغرب.. هل هي في تقدم ام تراجع؟

هناك صورتان حول قوة الغرب في داخل الغرب نفسه، صورة الغرب المتفوق والمنتصر والمهيمن الذي لا ينافس، ولا يخشى على مصيره وزعامته ومستقبله من أي قوة وحضارة أخرى. فهو الذي يتربع على قمة العلم والحداثة، ويمتلك مفاتيح العولمة، يتحكم في إدارة النظام العالمي، وبإمكانه أن يبدل ويغير ويفرض القرارات والقوانين والأنظمة الدولية، ويقرر مصير العالم بلا منازع، وهو القابض على اقتصاديات العالم، وأنه بات يمثل نهاية التاريخ. وهناك صورة أخرى للغرب، وهي صورة الغرب الذي دخل في طور الأزمة، وبدأ فيه العد التنازلي للتراجع، ولم يعد يمثل النموذج الأمثل للاقتباس في رؤية المجتمعات والحضارات الأخرى، وأخذ بريقه اللامع في العالم بالانحسار، كما فقد سحر الحضارة والتقدم في نظر شعوبه، وظهر عليه الاعتلال والعجز في معالجة الأزمات والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية، والقائمة طويلة في هذا الشأن.
ومنذ عقد التسعينيات في القرن العشرين والمناقشات ما زالت جارية في الغرب حول هاتين الصورتين المتعارضتين، حيث تتعدد وتتباين حولهما وجهات النظر واتجاهات التفكير والتحليل والاستشراف. وهناك من ينتصر إلى الصورة الأولى مثل الكاتب والناقد البريطاني تيري إيجلتون الذي يرى بأن الغرب مع نهاية القرن العشرين قد خطا خطوات جريئة إلى الأمام بوصفه بطل الإنسانية جمعاء ونصيرها، وهناك من يأخذ بالصورة الثانية أو يحاول أن يلفت النظر إليها باهتمام، وهذا ما تذهب إليه الباحثة الفرنسية في شؤون الاستراتيجية والدفاع مارليسول تورن حيث اعتبرت في كتابها (تقلب العالم.. جيوبوليتيك القرن الواحد والعشرين) الصادر عام1995م، أن الغرب لم يعد يكتب التاريخ، ومحذرة من تصدع جبهة الغرب، ومن صعود القوى الجديدة في آسيا. ويؤكد على هذه الصورة أيضاً الفيلسوف الفرنسي ادغار موران الذي اعتبر في كتابه (نحو سياسة حضارية) الصادر عام2002م، أن الحضارة الغربية دخلت في طور الأزمة، حيث تحولت منجزاتها حسب رأيه إلى أعراض مرضها، وغدت تولد الأمراض في داخلها وخارجها، فالتقدم الصناعي الذي بدأ في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي وكأنه معجزة أوروبا العظيمة، بات يهدد في نهاية القرن العشرين بتعريض المجتمعات الإنسانية لخطر تدمير البيئة والإيكولوجيا الكونية. وتمتد هذه الأزمة في نظر موران إلى مختلف المجالات المعرفية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فعلى الصعيد المعرفي فإن التقدم المذهل في مجال المعارف والعلوم يتم على حساب نكوص المعرفة نتيجة غلبة الفكر التجزيئي والتخصصي الدقيق على الفكر والمعرفة الكليين.
وبوضوح كبير تحدث عن هاتين الصورتين هنتنغتون في كتابه (صدام الحضارات)، وكشف عن تلك النقاشات النقدية والمتباينة هناك حول مصير قوة الغرب، وكيف أن هذه القضية وثيقة الصلة والارتباط بنظرية صدام الحضارات. وعن الصورة الأولى طرح هنتنغتون بعض الحقائق التي تبرهن عليها، كما لخصها أحد المؤلفين حسب قوله دون أن يذكر اسمه، ومن هذه الحقائق أن الغرب هو الذي يملك ويشغل النظام المصرفي العالمي، ويتحكم في كل العملات الصعبة، وهو المستهلك العالمي الرئيسي، والمزود لأغلب دول العالم بالمواد والسلع المصنعة، والمهيمن على أسواق الرأس المال العالمية، والملاحة البحرية، والقادر على التدخل العسكري الواسع، والمطبق لأحدث وسائل البحث والتطور التقني المتقدم، والمتحكم في التعليم التقني الراقي والقيادي، والمسيطر على صناعة غزو الفضاء، وعلى الاتصالات العالمية.. وغيرها. أما الصورة الثانية فقد تحدث عنها هنتنغتون باهتمام واضح يفوق ما تحدث به عن الصورة الأولى، وحسب رأيه فإن حضارة الغرب في حالة اضمحلال، ونصيبها من القوة العالمية السياسية والاقتصادية والعسكرية آخذ في الهبوط بالقياس إلى قوة الحضارات الأخرى، وأن الغرب بدأ يواجه نمواً اقتصاديا بطيئاً، وركوداً في عدد سكانه، وتفاقماً هائلاً في العجز الحكومي، واضمحلال أخلاقيات العمل، ورغبة المجتمعات الأخرى في قبول ما يمليه الغرب وفي الإخلاص لمواعظه بشكل سريع آخذة في التبخر، وكذلك الحال بالنسبة لثقة الغرب في نفسه وإرادته في الهيمنة.
وما يريد هنتنغتون أن يتوصل إليه هو في الإجابة على سؤال طرحه عن أي من هاتين الصورتين المتناقضتين عن مكانة الغرب في العالم تصف الحقيقة؟ ويرى أن الإجابة تنطبق إيجابياً على كليهما. فالغرب حسب رأيه مهيمن كلياً الآن وسيبقى الأول في القوة والنفوذ خلال القرن الواحد والعشرين. ومن جهة أخرى يرى بأن هناك تغيرات تدريجية شديدة وجوهرية تحدث في توازنات القوى بين الحضارات، وإن قوة الغرب بالقياس إلى تلك الحضارات الأخرى سوف تستمر في الاضمحلال، وأهم زيادة في القوة ستكون للحضارات الآسيوية. وهذه التحولات في القوة كما يضيف هنتنغتون بين الحضارات تؤدي وستؤدي إلى إحياء وتأكيد الذات الثقافي المتزايد للمجتمعات غير الغربية، ورفضهم المتزايد للثقافة الغربية.
والسؤال المحير هو لماذا يخاف الغرب من انبعاث الحضارات الأخرى؟ ولماذا يكون محكوماً بفرضية أن انبعاث تلك الحضارات يمكن أن يؤدي إلى صدام الحضارات! ولماذا لا يؤدي إلى خيار آخر يستبعد مثل ذلك الصدام1!

  • 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الأربعاء 31 ديسمبر 2003م، العدد 13640.