حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
الكذب .. حرمته .. انواعه .. اثاره
قال الإمام الباقر «عليه السلام»: (إنّ الله عزّ وجل جعل للشر أقفالاً وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب، والكذب شر من الشراب)1.
والمراد من الشراب في هذه الرّواية هو الأشربة المحرّمة كالخمر، وكون الكذب شر من الشراب فلربما بلحاظ بعض أقسامه؛ كالكذب على الله سبحانه وتعالى وحججه من الأنبياء والأئمة «عليهم السلام»، وكبعض أفراد شهادة الزّور والتي بسببها تزهق الأرواح البريئة وتنتهك الحقوق والأعراض.
تعريف الكذب
الكذب هو الإخبار المزيف عن الواقع، بإعطاء صورة للسامع تخالف الحقيقة، وهذا الداء الخبيث والمرض العضال قد أصيب به الكثيرون، فتجد الإبن يكذب على أبيه، والأب يكذب على ابنه، والزوج يكذب على زوجته، والزوجة تكذب على زوجها، والصديق يكذب على صديقه، والأخ يكذب على أخيه، وتجد البائع يكذب على المشتري، والمشتري يكذب على البائع، فالكثيرون مصابون بهذا الداء إلاّ من عصم الله سبحانه وتعالى.
ومع أنَّ الشريعة الإسلامية حرّمت الكذب إلاّ أنَّ البعض يمارسه بدون أدنى تحرّز أو تردد، فأصبح الكذبُ عند الكثيرين شيئاً عادياً وكأنه لم تأت في حقّه حرمةٌ من الله سبحانه وتعالى.
الأدلّة على حرمة الكذب
ونهت الشريعةُ الإسلاميةُ عن الكذبِ، فقال الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: ﴿ إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴾ 2.
وقال: ﴿ ... إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ﴾ 3.
وقال: ﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ﴾ 4.
وقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: (... وإياكم والكذب، فإنّ الكذب يهدي إلى الفجور، وإنّ الفجور يهدي إلى النّار، وما يزال الرّجل يكذب ويتحرّى الكذب حتّى يكتب عند الله كذّاباً)5.
وقال «صلى الله عليه وآله»: (ويل للذي يحدّث فيكذب ليضحك به القوم، ويلٌ له، ويلٌ له)6.
وقال «صلى الله عليه وآله»: (كبرت خيانة أن تحدّث أخاك حديثاً هو لك به مصدّقٌ، وأنت له به كاذب)7.
وينقل أن رجلاً جاء إلى النبي «صلى الله عليه وآله» فقال: (يا رسول الله، ما عمل الجنة؟ قال: الصدق، وإذا صدق العبد بر، وإذا برّ آمن، وإذا آمن دخل الجنة، قال: يا رسول الله، وما عمل النار؟ قال: الكذب، إذا كذب العبد فجر، وإذا فجر كفر، وإذا كفر دخل - يعني النّار-)8.
إنّ البعض يختلق الأخبار والأحداث، ويُخبر بغير الواقع بهدف المزاح وإضحاك الآخرين، وهذا لا يجوز، فالكذب حرام في الجد والهزل، فقد أثر عن النبي «صلى الله عليه وآله» أنّه قال: (ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له، ويل له)9.
وقال الإمام زين العابدين علي بن الحسين «عليه السلام»: (اتقوا الكذب الصغير والكبير في كل جد وهزل، فإن الرجل إذا كذب في الصغير اجترئ على الكبير...)10.
وقال الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام»: (لا يجد عبد طعم الإيمان حتى يترك الكذب هزله وجده)11.
إنّ بعض الآباء والأمهات يدفعون أبناءهم إلى التخلق بهذا الخلق الذميم «الكذب» من حيث يشعرون أو لا يشعرون، فمثلاً عندما تُطرق الباب أو يرنُّ جرسُ الهاتف، يقول الأب أو الأم للأبناء إذا سأل أحدٌ عني فقولوا له أني غير موجود، فأنت أيها الأب تدفع بهذا التصرف أبناءك إلى الكذب وتعوّدهم عليه، وأنت أيتها الأم كذلك تدفعين أبناءك إلى الكذب وتعودينهم عليه، فإذا كنت أيها الأب مشغولاً ولا تريد أن تقابل من جاء وطرق باب بيتك فقل لابنك أن يعلم الطارق بأنك تعتذر عن اللقاء معه الآن، وإذا كنت أيتها الأم لا ترغبين في التحدث مع من اتصل بك، فأخبري ابنك أو ابنتك بالاعتذار عن التحدث مع المتصل أو المتصلة .. فعلى الوالدين أن يكونا قدوة حسنة لأبنائهم لا قدوة سيئة.
من الآثار السلبيّة للكذب
والشريعة الإسلامية إنّما حرّمت الكذب لما له من آثار سلبية وخطيرة، فهو يُؤدي إلى سوء سمعة الكاذب وسقوط كرامته، وانعدام الثقة به، فلا يصدق وإن نطق بالصدق، ولا يثق الناس بمواعيده، ولا تقبل شهادته، وإذا تفشى الكذب فإن ثقة الناس تضعف ببعضهم البعض، أو تنعدم، وهو باعث على تضييع الوقت لتمييز الواقع الحقيقي من المزيف والصدق من الكذب، فلهذه الأسباب وغيرها من الآثار السلبية الكثيرة للكذب حرّمت الشريعة الإسلامية الكذب.
فالكذب من الصفاتِ الذميمة القبيحة جداً، والتي تعود على صاحبها بالذم والسقوط من أنظار أفراد المجتمع الذي يعيش فيه، فهو مرض يصيب النفس الإنسانية بعد أن كانت طاهرة، فحريٌّ بمن ابتلى بهذا الذنب والخلق الذميم أن يُعالج نفسه منه، فما هو السبيل لكي يعالج الإنسان نفسه من هذا المرض ويعيدها إلى ما كانت عليه من الطهارة؟
أولاً: عليه أن ينظر ويتأمل في مفاسد الكذب الكثيرة والخطيرة وآثاره السلبية عليه في الدنيا والآخرة، ويكفي قول النبي «عليه السلام»: (... وإياكم والكذب، فإنّ الكذب يهدي إلى الفجور، وإنّ الفجور يهدي إلى النّار، وما يزال الرّجل يكذب ويتحرّى الكذب حتّى يكتب عند الله كذّاباً) في ابتعاد الإنسان عن هذا الخلق الذميم.
ثانياً: عليه أن يستعرض فضائل الصدق ومآثره الجليلة، ويكفي في بيان مآثر الصدق الحديث المأثور عن النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» أنّه قال: (عليكم بالصدق، فإنّ الصدق يهدي إلى البر، وإنّ البر يهدي الجنّة، وما يزال الرّجل يصدق ويتحرّى الصدق حتّى يكتب عند الله صدِّيقاً ...)11.
الكذب على الله والأنبياء والأئمة
إنّ شدّة حرمة الكذب تختلف باختلاف أنواعه، فأعظمه الكذب على الله سبحانه وتعالى، وعلى النبيِّ الأكرم محمد «صلى الله عليه وآله» وعلى سائر الأنبياء وعلى الأئمة «عليهم السلام»، فهذا من أبشعِ صورِ الكذبِ وأعظمِهِ إثماً، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: ﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ ... ﴾ 12، وقال سبحانه وتعالى أيضاً: ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴾ 13، وقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: (من تعمّد عليّ كذباً فليتبوأ مقعده من النّار)14.
وفي رواية أخرى عنه «صلى الله عليه وآله» أنّه قال: (من يقل عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النّار)15.
وقال «صلى الله عليه وآله»: (من حدّث عنّي بحديث وهو يرى أنّه كذب فهو أحد الكاذبين)16.
وقال «صلى الله عليه وآله»: (من كذب عليَّ متعمّداً بني له بيت في جهنم يرتع فيه)17.
وقال «صلى الله عليه وآله»: (إنّ كذباً عليّ ليس ككذب على غيري، فمن كذب عليّ متعمّداً فليتبوأ مقعده من النّار)18.
فإنّ عاقبة الكذب على رسول الله «صلى الله عليه وآله» ليست كعاقبة الكذب على غيره من سائر النّاس، لأنَّ كلامه «صلى الله عليه وآله» في أمور الدِّين، وفعله وتقريره تشريع للأمّة كالقرآن الكريم، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ﴾ 19، فمن يكذب على رسول الله «صلى الله عليه وآله» فإنّه يكون قد كذب على اللهِ عزّ وجل أيضاً، وقد قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ ... ﴾ 20.
وقال الإمام الصادق «عليه السلام»: (الكذب على الله وعلى رسوله «صلى الله عليه وآله» من الكبائر)21.
ولقد أفتى الفقهاء بأن الكذب على الله عزّ وجل ورسوله «صلى الله عليه وآله» والأئمة الطاهرين من أهل البيت «عليهم السلام» مما يفطر الصائم، ففي الخبر الرّواية عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله «عليه السلام» يقول: (إن الكذبة لتفطر الصائم، قلت: وأيّنا لا يكون ذلك منه؟! قال: ليس حيث ذهبت؛ إنّما ذلك الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة صلوات الله عليه وعليهم)21.
اليمين الكاذبة
ومن صنوف الكذب الذي يعدُّ من كبائر الذنوب «اليمين الكاذبة»، بأنْ يقسم المرء باللهِ عزّ وجل كاذباً، فهي جرأةٌ على الله سبحانه وتعالى بالحلف به كذباً وبهتاناً، وقد وردت النصوص الشريفة في ذمّها والتحذير منها، فعن الإمام محمد الباقر «عليه السلام» قال: (إن في كتاب علي «عليه السلام» أنّ اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم تذران الدّيار بلاقع من أهلها وتنغل الرحم - يعني انقطاع النسل-)22.
ومعنى بلاقع: أي: تذرُها قاعاً صفصفاً خاليةً من كلِّ خير بعد أن كانت عامرة.
وعن الإمام الصادق «عليه السلام» قال: (من حلف على يمين وهو يعلم أنّه كاذب، فقد بارز الله عزّ وجل)23.
ومن ذلك ما روي عن النبي المصطفى «صلى الله عليه وآله» أنه قال: (إيّاكم واليمين الفاجرة، فإنها تذر الدّيار من أهلها بلاقع)24.
وقال «صلى الله عليه وآله»: (ليس شيءٌ أعجل ثواباً من صلة الرحم، وليس شيءٌ أعجل عقوبة من البغي وقطيعة الرّحم، واليمين الفاجرة تدع الدّيار بلاقع)25.
وقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: (من حلف على يمين وهو يعلم أنّه كاذب فقد بارز الله بالمحاربة، وإنّ اليمين الكاذبة تذر الديار بلاقع من أهلها، وتورث الفقر في العقب)26.
وعن الإمام الصادق «عليه السلام» قال: قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: (اليمين الصبر الفاجرة تدع الديار بلاقع)23.
ومن أعظم أقسام اليمين الكاذبة أن يحلف العبد بالله كاذباً ليقتطع باليمين الكاذبة حقَّ المسلم لنفسه أو لغيره، فعن عبد الله بن مسعود قال سمعت رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقول:(من حلف على مال امرئ مسلم بغير حقه، لقي الله وهو عليه غضبان).
قال عبد الله: ثم قرأ علينا رسول الله «صلى الله عليه وآله» مصداقه من كتاب الله ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَٰئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ 2728.
وقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: (من اقتطع حقّ امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النّار وحرّم عليه الجنّة، فقال له رجلٌ وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟ قال: وإن قضيباً من أراك)29.
فمن يحلف يميناً كاذبة ليعتدي على حق مسلم فهو بهذا الفعل يُسيءُ إلى نفسه إساءة كبيرة بتعريضها لسخط الله سبحانه وتعالى وعقابه، ويسيءُ أيضاً إلى من اختلق عليه اليمين الكاذبة بإضاعة حقوقه، ويُسيءُ كذلك إلى من سانده وساعده، حيث شجّعه على بخس حقوق النّاس وابتزاز أموالهم وهدر كراماتهم.
واليمين التي يؤاخذ عليها العبد هي تلك اليمين المعقودة في القلب والمقصودة لتوثيق الكلام، أما ما ينطق به الإنسان من أيمان بحكم جريان العادة فلا يؤاخذ عليه، وهو من لغو اليمين، كالقول في غضون الكلام لا والله، وبلى والله، فإنه لا يقصد بذلك الحلف ولا تأكيد القول، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ ... ﴾ 30، على أنّ الشريعة الإسلامية توجه المسلم لأن ينزه الله تبارك وتعالى عن أن يجعله عرضة لأيمانه، حتى وإن كان صادقاً في قوله، قال اللهُ سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾ 31.
شهادة الزور
ومن أقسام الكذب الذي يعد من الكبائر «شهادةُ الزور» وهي مما نهى الله سبحانه وتعالى عنها في كتابه المجيد بقوله: ﴿ ... وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴾ 32، كما ورد التحذير منها والنهي عنها في السّنة الشريفة، فعن النبي «صلى الله عليه وآله» قال: (لا ينقضي كلام شاهد الزور من بين يدي الحاكم حتى يتبوأ مقعده من النار، وكذلك من كتم الشهادة)33.
وقال «صلى الله عليه وآله»: (... ومن شهد شهادة زور على رجل مسلم أو ذميّ أو من كان من النّاس، علّق بلسانه يوم القيامة وهو مع المنافقين في الدّرك الأسفل من النّار)34.
وقال «صلى الله عليه وآله»: (يبعث شاهد الزور يوم القيامة يدلع لسانه في النّار كما يدلع الكلب لسانه في الإناء)35.
فشهادة الزور بكافة أفرادها وأنواعها من المعاصي الكبيرة التي توعد الله سبحانه وتعالى عليها بالنّار على لسان نبيّه الأكرم، فعن الإمام الصادق «عليه السلام» قال: (شاهد الزور لا تزول قدماه حتى تجب له النار)36.
وعن الإمام الباقر «عليه السلام» قال: (ما من رجل يشهد بشهادة زور على مال مسلم ليقطعه إلاّ كتب الله له مكانه صكاً إلى النار)36.
وأعظمها وأشدّها إثماً وعذاباً شهادة الزور التي بسببها يُسفك دم الإنسان ظلماً وبدون حق.
فإنّ شاهد الزّور بارتكابه لهذا الذنب العظيم يظلم نفسه حيث أنّه يعرّضها لعذاب الله سبحانه وتعالى وعقابه العظيم الأليم، ويظلم من شهد عليه حيث أخذ منه ماله أو حقّه أو أزهقت روحه بشهادة شاهد الزور الكاذبة، وظلم الآخرين قولاً وفعلاً مما حذرت منه الشـريعة الإسـلامية، وزجرت عنـه أشـدّ الزجز، قال الله تعالى: ﴿ ... وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ 37، وقال سبحانه وتعالى أيضاً: ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ 38، وقال عزّ من قائل: ﴿ ... وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ﴾ 39، وقال: ﴿ ... إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ 40، وقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: (... وإياكم والظلم، فإن الظلم عند الله هوالظلمات يوم القيامة)41.
فهو يؤدي إلى سخط الله عزّ وجل ونقمته على عبده الظالم، وبالتالي فهو موجب من موجبات الدخول إلى النار، ففي الرواية عن النبيّ الأكرم «صلى الله عليه وآله» أنّه قال: (إنه ليأتي العبد يوم القيامة وقد سرته حسناته، فيجيء الرجل فيقول: يا رب ظلمني هذا، فيؤخذ من حسناته فيجعل في حسنات الذي سأله، فما يزال كذلك حتى ما يبقى له حسنة، فإذا جاء من يسأله نظر إلى سيئاته فجعلت مع سيئات الرجل، فلا يزال يستوفى منه حتى يدخل النار)42.
وفي رواية أنّه «صلى الله عليه وآله» قال: (أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إنّ المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار)43.
وإنّ على الصراط في يوم القيامة عقبة لا يجتازها عبد بمظلمة حتى يقتص منه، وهي من أصعب وأشدّ العقبات التي يواجهها العبد في ذلك اليوم، ففي الرواية عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قال: (بين الجنّة والعبد سبع عقاب، أهونها الموت، قال أنس: قلت: يا رسول الله فما أصعبها؟ قال: الوقوف بين يدي الله عز وجل إذا تعلّق المظلومون بالظالمين)42.
ومن الآثار السلبية لشهادة الزور أنّها سبب في تخليص المجرم من عقوبة الإجرام، وفي ذلك تشجيع له على الاستمرار في ممارسة الجرائم، وإغراء للآخرين بفعلها اتكالاً على وجود شهود الزور الذين سيخلصونهم من تبعات جرائمهم، وبالتالي فإنّ في تفشي شهادة الزور تعمّ الفوضى في المجتمع وتنتشر فيه الجرائم وتنتهك الأعراض وتسلب الحقوق وترتكب الجرائم بشكل واسع وكبير.
والشريعة الإسلامية كما أنّها نهت عن شهادة الزور نهت أيضاً أشدّ النهيّ عن أخذ المسلم ما ليس له بحق، والذي حكم له به بسبب شهادة الزور أو بسبب عدم تقديم صاحب الحقّ الأدلة الكافية التي تثبت له هذا الحق، فعن النبيّ «صلى الله عليه وآله» أنّه قال: (إنكم تختصمون إليّ، وإنما أنا بشر، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذه، فإنما أقطعه به قطعة من النار)44.
وكما أنّ الشريعة الإسلامية نهت عن شهادة الزّور فكذلك أمرت بالإدلاء بالشهادة بالحق، قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ ﴾ 45، وقال: ﴿ ... وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ... ﴾ 46، وقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: (من شهد شهادة حقّ ليحمي بها حقّ امرئٍ مسلم أتى يوم القيامة ولوجهه نور مدّ البصر، يعرفه الخلائق بإسمه ونسبه)47.
ونهت نهياً شديداً عن التقاعس عن أدائها أو كتمانها، قال الله تعالى: ﴿ ... وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ... ﴾ 48، وقال: ﴿ ... وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ 49، وقال سبحانه: ﴿ ... وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ 50، وقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: (من كتم شهادة إذا دعي إليها كان كمن شهد بالزور)51.
وعنه «صلى الله عليه وآله» أنّه قال: (لا ينقضي كلام شاهد الزور بين يدي الحاكم حتى يتبوأ مقعده من النّار، وكذلك من كتم الشهادة)36.
الموارد التي يجوز فيها الكذب
وجوّز الفقهاء الكذب إذا تحقق به دفع ضرر عن النفس أو العرض أو المال، سواء كان الضرر متوجهاً إلى نفس المكلّف أو إلى غيره، بل في بعض الموارد حيث يكون الضرر على النفس أو العرض أو المال كبيراً أو فاحشاً يصبح الكذب واجباً، بل ورد في بعض الرّوايات جواز الحلف بالله كاذباً من أجل نجاة النفس وصيانة العرض والمال، فعن الإمام الصادق «عليه السلام»، عن آبائه «عليهم السلام»، عن الإمام علي «عليه السلام»، قال: (احلف بالله كاذباً ونجّ أخاك من القتل)52.
وعن الإمام الرضا «عليه السلام» قال: (... وسألته عن رجل يخاف على ماله من السلطان فيحلف لينجو به منه؟ قال «عليه السلام»: لا جناح عليه. وسألته: هل يحلف الرجل على مال أخيه كما على ماله؟ قال «عليه السلام»: نعم)53.
وبالرغم من أنّ الكذب جائز في الموارد التي ذكرناها إلاّ أن الضرر إذا كان قليلاً كما إذا كان الضرر واقعاً على المال ويمكن تحمله فإنه ينبغي حينئذ تحمل هذا الضرر وعدم الكذب، ففي الرّواية عن الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» أنّه قال: (علامة الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرّك على الكذب حيث ينفعك)54.
وكذلك إذا كان قادراً على دفع الضرر بالتورية فإن الأحوط أن يدفع الضرر بها لا بالكذب.
ومن الموارد التي جوّز الفقهاء فيها الكذب مورد الإصلاح بين المتخاصمين المؤمنين إذا كان طريق الإصلاح بينهما منحصراً في الكذب ولا يمكن بغيره أو بالتورية فيجوز حينئذ الكذب ولا إثم على الكاذب، فعن الإمام الصادق «عليه السلام» قال: (المصلح ليس بكاذب)55.
وفي وصية النبي «صلى الله عليه وآله» لأمير المؤمنين «عليه السلام» قال: (يا علي إنّ الله عزّ وجل أحب الكذب في الصلاح، وأبغض الصدق في الفساد)56.
وجوّزوا أيضاً الكذب على العدو في الحرب فيما إذا كان الكذب سبباً في الانتصار والغلبة عليه57.
- 1. الكافي 2/339.
- 2. القران الكريم: سورة النحل (16)، الآية: 105، الصفحة: 279.
- 3. القران الكريم: سورة غافر (40)، الآية: 28، الصفحة: 470.
- 4. القران الكريم: سورة الجاثية (45)، الآية: 7، الصفحة: 499.
- 5. مسند أحمد بن حنبل 1/384.
- 6. مسند أحمد بن حنبل 5/5.
- 7. سنن أبي داود 2/471.
- 8. مسند أحمد بن حنبل 2/176.
- 9. بحار الأنوار 74/88.
- 10. بحار الأنوار 69/235.
- 11. a. b. مرآة العقول 10/332.
- 12. القران الكريم: سورة الزمر (39)، الآية: 60، الصفحة: 465.
- 13. القران الكريم: سورة النحل (16)، الآية: 116، الصفحة: 280.
- 14. صحيح البخاري 1/35.
- 15. بحار الأنوار 104/200.
- 16. سنن ابن ماجة 1/15.
- 17. جزء أبي طاهر السلفي، رواية رقم: 20.
- 18. صحيح البخاري 2/82.
- 19. القران الكريم: سورة النجم (53)، الآية: 3 و 4، الصفحة: 526.
- 20. القران الكريم: سورة العنكبوت (29)، الآية: 68، الصفحة: 404.
- 21. a. b. الكافي 2/340.
- 22. الكافي 5/477.
- 23. a. b. الكافي 5/476.
- 24. الكافي 7/436.
- 25. السنن الكبرى للبيهقي 10/36.
- 26. بحار الأنوار 101/283.
- 27. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 77، الصفحة: 59.
- 28. صحيح مسلم 1/86، والآية من سورة آل عمران، وهي الآية 77.
- 29. سنن الدّارمي 2/266.
- 30. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 89، الصفحة: 122.
- 31. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 224 و 225، الصفحة: 35.
- 32. القران الكريم: سورة الحج (22)، الآية: 30، الصفحة: 335.
- 33. الكافي 7/383.
- 34. ثواب الأعمال، ص 286.
- 35. ميزان الحكمة 2/1508.
- 36. a. b. c. الكافي 5/418.
- 37. القران الكريم: سورة الصف (61)، الآية: 7، الصفحة: 552.
- 38. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 57، الصفحة: 57.
- 39. القران الكريم: سورة الحج (22)، الآية: 53، الصفحة: 338.
- 40. القران الكريم: سورة القصص (28)، الآية: 37، الصفحة: 390.
- 41. بحار الأنوار 70/304.
- 42. a. b. ميزان الحكمة 2/1771.
- 43. صحيح مسلم 8/19.
- 44. السنن الكبرى للنسائي 3/472.
- 45. القران الكريم: سورة المعارج (70)، الآية: 33، الصفحة: 569.
- 46. القران الكريم: سورة الطلاق (65)، الآية: 2، الصفحة: 558.
- 47. الكافي 7/381.
- 48. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 282، الصفحة: 48.
- 49. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 140، الصفحة: 21.
- 50. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 283، الصفحة: 49.
- 51. كنز العمال 7/15.
- 52. تهذيب الأحكام 8/30.
- 53. الكافي 7/440.
- 54. وسائل الشيعة 12/255.
- 55. الكافي 2/310.
- 56. من لا يحضره الفقيه 4/354.
- 57. المصدر كتاب "بحوث ومقالات من هدي الإسلام" للشيخ حسن عبد الله العجمي حفظه الله.