نشر قبل 19 سنة
تقيمك هو: 1. مجموع الأصوات: 44
القراءات: 34953

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

ما معنى الحديث التالي : ... قال سألته عن الارض على اي شيء هي قال هي على الحوت ؟

لمعرفة معنى الحديث المذكور و فهم أمثاله من الأحاديث و معرفة كيفية التعامل مع هذا النوع من الأحاديث بصورة عامة ، لا بد و أن يأخذ الباحث نقاطاً عديدة بعين الاعتبار حتى يتسنى له التوصل إلى المعنى الصحيح أو الأقرب إلى الصحيح .
أما النقاط المقترحة بصورة عامة بالنسبة إلى الأحاديث الغريبة ، و بالنسبة إلى الحديث الذي نحن بصدده بصورة خاصة فهي :
1. إن هذا الحديث رواه المُحَدِّث الكليني 1 في كتاب الكافي 2 الذي هو أحد الكتب الأربعة 3 و أحد أهم المصادر الحديثية الهامة لدى أتباع أهل البيت ( عليهم السلام ) .
2. رغم أن بعض الكتب و المجاميع الحديثية الشيعية تحظى بمنزلة رفيعة و مكانة عالية لدى العلماء و المحدثين إلا أن معنى ذلك ليس أن كل ما جاء فيها فهو صحيح يجب أن يعمل به من دون مناقشة و تمحيص ، بل أن جميع الأحاديث و الروايات لا بد و أن تخضع للجرح و التعديل و التمحيص و من ثم تأخذ طريقها إلى العمل بها ، و هذه العملية يقوم بها علماء متخصصون في علوم الحديث من حيث الرواية و الدراية 4 .
ثم إن الأحاديث و الروايات بعد فرض صدورها عن المعصوم ( عليه السَّلام ) تنقسم من حيث الحجية و الدلالة إلى :
1. أحاديث واضحة الدلالة و المعنى لا تحتاج إلى الشرح أو التفسير و التأويل بحيث يفهمها غالب الناس ذوي الثقافة العادية أو المتوسطة ، و أمثال هذه الأحاديث كثيرة جداً ، كالحديث الذي رواه العلامة المجلسي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : " صوموا تصحوا " 5 .
2. أحاديث تحتاج إلى الدقة و التدبر أو الرجوع إلى المتخصصين لمعرفة المراد منها ، و أمثال هذه الأحاديث أيضا ليست قليلة ، كالحديث الذي رواه السيد الشريف الرضي 6 ( رحمه الله ) عن الإمام أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) : " إِذَا بَلَغَ النِّسَاءُ نَصَّ الْحِقَاقِ فَالْعَصَبَةُ أَوْلَى " 7 .
قال السيد الشريف الرضي ( رحمه الله ) بعد ذكر هذا الحديث : " و النص منتهى الأشياء و مبلغ أقصاها كالنص في السير لأنه أقصى ما تقدر عليه الدابة و تقول نصصت الرجل عن الأمر إذا استقصيت مسألته عنه لتستخرج ما عنده فيه ، فنص الحقاق يريد به الإدراك لأنه منتهى الصغر و الوقت الذي يخرج منه الصغير إلى حد الكبير ، و هو من أفصح الكنايات عن هذا الأمر و أغربها ، يقول فإذا بلغ النساء ذلك فالعصبة أولى بالمرأة من أمها إذا كانوا محرما مثل الإخوة و الأعمام و بتزويجها إن أرادوا ذلك .
و الحقاق محاقة الأم للعصبة في المرأة و هو الجدال و الخصومة و قول كل واحد منهما للآخر أنا أحق منك بهذا يقال منه حاققته حقاقا مثل جادلته جدالا ، و قد قيل إن نص الحقاق بلوغ العقل و هو الإدراك لأنه ( عليه السَّلام ) إنما أراد منتهى الأمر الذي تجب فيه الحقوق و الأحكام ، و من رواه نص الحقائق فإنما أراد جمع حقيقة هذا معنى ما ذكره أبو عبيد القاسم بن سلام ، و الذي عندي أن المراد بنص الحقاق هاهنا بلوغ المرأة إلى الحد الذي يجوز فيه تزويجها و تصرفها في حقوقها تشبيها بالحقاق من الإبل و هي جمع حقة و حق و هو الذي استكمل ثلاث سنين و دخل في الرابعة و عند ذلك يبلغ إلى الحد الذي يتمكن فيه من ركوب ظهره و نصه في السير ، و الحقائق أيضا جمع حقة ، فالروايتان جميعا ترجعان إلى معنى واحد و هذا أشبه بطريقة العرب من المعنى المذكور أولا " 8 .
3. أحاديث تحتاج إلى مزيد من التأمل و الدقة من قبل المتخصصين بعلوم الحديث لفك رموزها و شرح ما يحتاج منها إلى الشرح و التبيين أو التأويل ، و قد يستعصي فهم بعض هذا النوع من الأحاديث حتى على المتخصصين في علوم الحديث ، و لعل الحديث المذكور من هذا القبيل .
و لقد إهتم بعض العلماء بشرح و تفسير أمثال هذه الأحاديث و تأويل ألفاظها الغامضة و كتبوا فيها الكتب و المقالات ، و من هؤلاء العلماء العلامة الراحل المرحوم السيد محمد علِي هبة الدين الشهرستاني في کتابه القيم " الهيئة و الإسلام " الذي نال اعجاب العلماء في عصره لانه تناول احاديث کثيرة صحيحة السند فِي مجال السماء و العالم العلوي ، حيث فسَّر الألفاظ التي كانت تبدو غريبة لدى الباحث ، و أزاح عنها الغموض بالتحليل العلمي و بيَّن عدم تناقضها مع العلم الحديث .
و قال رحمه الله بالنسبة إلى الحديث الذي نحن بصدده ما ملخصه :
" و لقد فتح الله علي في تفسير هذا الحديث فاهتديت الى الحل التالي و هو ان في هذا الحديث - على عادة العرب - حذفاً و تقديراً ، فيکون الحديث هکذا : الأرض على ـ شکل ـ حوت ، و المراد من الحوت السمك أي ان شکل الأرض بيضوي لا مدور کالکرة ، فهنا المحذوف المقدر هو لفظة شکل ، و هکذا قول الامام " على قرن ثور " اي على شکل قرن ثور ، فان قرني الثور و کما جاء في الدر المنثور للسيوطي : الارض بين قرني ثور ، أي کما ان قرني الثور على خلاف قرون غيره من الانعام مقوسان بحيث يشکلان معا شکلا بيضويا هکذا : () کذلك تکون الأرض ، فان الأرض ليست مدورة بل على هيئة قرني الثور، بمعنى ان مشرقها و مغربها متباعدان ، کما ان قرني الثور متباعدان عند الوسط ، متقاربان في طرفيهما الأعلى و الاسفل ، اي عند القطبين الشمالي و الجنوبي ، کالهلالين الذين صورناهما لك .
هذا خلاصة ما کتبه في تفسير و تقريب هذا الحديث و هو يتفق مع ما قال به العلم الحديث من ان الارض ليست کروية بل بيضوية ، و للتوسع راجع کتاب الهيئة و الإسلام .
و لا شک في ان الامام ( عليه السَّلام ) لم يکن في مقدوره ان يجيب على سؤال السائل في ذلک العصر و الذي کان يتصور العلماء فيه ان الأرض مسطحة ، الا بهذه الصورة .
و من الواضح أن هذا التفسير ليس تفسيراً نهائياً ، بل ربما يُفَسَّر هذا الحديث بنحو آخر .
كيف نتعامل مع الأحاديث الغريبة ؟
ثم أنه لو ثبت عندنا صدور الحديث عن المعصوم ( عليه السَّلام ) فلا يصح لنا أن نقف من الحديث موقف المهاجم بمجرد و جود بعض الكلمات الغامضة فيه و عدم مقدرتنا على فهم تلك الكلمات و فكِّ رموزه ، بل الصحيح هو أن نتوقف عن العمل بالحديث حتى يتسنى لنا أو لغيرنا كشف رموزه و معرفة معانيه ، و عند ما ينكشف لنا معناه نعمل به و نأخذ بتعاليمه .
ذلك لأن هناك أحاديث كثيرة لم تكن مفهومة في زمان صدورها عن المعصوم ( عليه السَّلام ) و حتى بعد ذلك بمئات السنين ، و لكن التقدم العلمي ساعد على فكّ رموزها فتبين أنها تحمل معاني عالية لم يتمكن المعصوم ( عليه السَّلام ) في زمانه من التعبير عنها إلا بهذه الصورة نظراً لأسباب قد تكون منها :
1. قصور فهم الراوي أو المجتمع أو كليهما في ذلك العصر .
2. و جود بعض النظريات الخاطئة و الشائعة و التي كانت تتبنَّاها أحياناً الحكومات و الأنظمة و تفرضها على الناس ، و تجبرهم على التعامل معها و كأنها حقائق ثابتة لا مجال لمناقشتها ، و ما أكثر العلماء و المكتشفون الذين عانوا من أنواع التعذيب و الإضطهاد لهذا السبب .
إلى غيرها من الأسباب التي لا مجال لذكرها هنا .
و المهم هو أن لا نستعجل في إصدار الحكم على أمثال هذه الأحاديث بمجرد و جود شيء من الغموض في ألفاظها ، بل ينبغي الإحتفاظ بها إلى حين توفر الشروط اللازمة و المعلومات الكافية لتقييمها تقييماً دقيقاً .

  • 1. هو الشيخ أبو جعفر محمد بن يعقوب ، المعروف بثقة الإسلام الكليني الرازي ، المتوفى سنة : 329 هجرية ، و هو من أبرز الفقهاء المُحدِّثين الإماميين و عَلَمٌ من أعلامها .
  • 2. الكافي : 8 / 89 ، طبعة دار الكتب الإسلامية ، سنة : 1365 هجرية / شمسية ، طهران / إيران .
  • 3. الكتب الأربعة هي موسوعات حديثية قيِّمة تتمتع بمكانة رفيعة في الأوساط العلمية الإسلامية بصورة عامة و في الأوساط الإسلامية الشيعية بصورة خاصة ، و تُعتبر من أهم المصادر الحديثية لديها ، و هي :
    1. الكافي : و هو ما ألَّفه الشيخ أبو جعفر محمد بن يعقوب ، المعروف بثقة الإسلام الكليني الرازي ، المتوفى سنة : 329 هجرية .
    2. من لا يحضره الفقيه : و هو ما ألَّفه الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي المعروف بالشيخ " الصدوق " ، المولود في سنة : 305 هجرية بقم ، و المتوفى سنة : 381 هجرية .
    3. تهذيب الأحكام : و هو ما ألَّفه الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي المعروف بشيخ الطائفة ، المولود بخراسان سنة : 385 هجرية ، والمتوفى بالنجف الأشرف سنة : 460 هجرية .
    4. الإستبصار فيما أختلف من الأخبار : و هو أيضا مما ألَّفه الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي المعروف بشيخ الطائفة ، المولود بخراسان سنة : 385 هجرية ، والمتوفى بالنجف الأشرف سنة : 460 هجرية .
  • 4. علم الدراية : هو العلم الباحث عن الحالات العارضة على الحديث من جانب السند أو المتن . العلامة الشيخ جعفر السبحاني : أصول الحديث وأحكامه في علم الدراية : 14 ، الطبعة الثانية سنة : 1419 هجرية ، مؤسسة الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، قم / إيران .
  • 5. العلامة محمد باقر المجلسي ، المولود باصفهان سنة : 1037 ، والمتوفى بها سنة : 1110 هجرية ، في كتابه بحار الأنوار : 55 / 267 و 89 / 255 ، طبعة مؤسسة الوفاء ، بيروت / لبنان ، سنة : 1414 هجرية .
  • 6. أبو الحسن محمد بن الحسين الموسوي ، المعروف بالشريف الرضي ، المولود ببغداد سنة : 359 و المتوفى سنة : 406 هجرية ، و هو جامع بعض كلام الإمام أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) في كتاب أسماه بـ " نهج البلاغة " .
  • 7. نهج البلاغة : 518 ، فصل غريب كلامه المحتاج إلى التـفسير ، تحقيق الدكتور صبحي الصالح ، طبعة : دار الهجرة ، قم / إيران .
  • 8. نهج البلاغة : 518 ، تحقيق الدكتور صبحي الصالح ، طبعة : دار الهجرة ، قم / إيران .