هل الامام المهدي المنتظر متزوج ؟ و هل له اولاد ؟

رغم دلالة ظاهر بعض الأخبار على وجود الزوجة و الأولاد للإمام المهدي المنتظر ( عجَّل الله فرَجَه ) إلا أنه لدى التحقيق و الرجوع إلى المصادر المعتبرة يتضح أن هذا الموضوع ليس ثابتاً بل هو موضع شك و ريب ، فإن بعض العلماء من أمثال المفيد ، و الطبرسي ، لم يرتضوا ذلك ، إذ ليست هناك أدلة صريحة تستحق الاستناد إليها و الاعتماد عليها في إثبات الزوجة و الذرية للإمام المهدي المنتظر ( عليه السَّلام ).

و فيما يلي نستعرض على وجه السرعة و الاختصار ما يمكن أن يُستدلّ به على وجود زوجة و أولاد للإمام المهدي ( عليه السَّلام ) :

1. رواية الشيخ الطوسي

روى الشيخ أبي جعفر محمد بن حسن الطوسي المتوفى سنة : 460 هجرية في كتابه المسمى بـ " الغيبة " بسنده عن المفضل بن عمر ، عن الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) رواية جاء فيها : " ... لا يطّلع على موضعه أحد من وَلَدِه و لا غيره ، إلاّ المولى الذي يلي أمره " 1 ، و قد يُفهم من لفظة " ولده " أن للإمام ( عليه السَّلام ) أولاد .
لكن لا يصح الاستدلال بهذه الرواية و الاستناد إليها في إثبات الأولاد للإمام المهدي ( عجَّل الله فرَجَه ) ، و ذلك لأن الشيخ محمد بن إبراهيم بن جعفر النعماني ، و الذي هو من علماء القرن الثالث الهجري ، قد رَوى نفس هذه الرواية ، لكن جاء فيها : " لا يطّلع على موضعه أحد من ولي ، و لا غيره " ، فترى أن لفظة " ولده " التي هي محل الشاهد ليست موجودة فيها ، فمع اتحاد الروايتين عند الشيخين الطوسي و النعماني ، و وجود هذا الاختلاف فيما هو محل الشاهد ، فإن الرواية تسقط عن صلاحية الاستدلال بها 2 .
لكننا حتى لو سلّمنا بصحة هذه الرواية و اعتمدنا عليها فإن الرواية ليس فيها ما يدلّ على زمان وجود الأولاد للإمام ( عليه السَّلام ) ، فقد يكون المقصود أنه سيولد له ( عليه السَّلام ) من غير تحديد لزمن معين ، و لربما يكون له أولاد لكن بعد مضي قرون من الزمن .

2. قصة الجزيرة الخضراء

و هذه القصة مما يحاول البعض الاستدلال بها في إثبات الزوجة و الأولاد للإمام المهدي ( عليه السَّلام ) ، و قد ازداد الاهتمام بأمرها بعد محاولات عديدة صدرت من البعض لإظهار صحة هذه القصة و واقعيتها و انطباقها على ما ذكرته بعض الجرائد و المجَّلات و الإذاعات بالنسبة إلى ما يسمى بـ " مثلث برمودا " المعروف .
أما بالنسبة لسند هذه القصة المزعومة ، فلابد من التصريح بوجود العديد من الملاحظات و المآخذ عليها ، و نحن نشير فيما يلي إلى بعضها :

  • إن المصدر الموثوق الوحيد الذي سبق بقية المصادر في نقل هذه القصة هو كتاب بحار الأنوار للعلامة المجلسي ( قدَّس الله نفسه الزَّكية ) فهو أول من نقل هذه القصة ، قال العلامة المجلسي ( رحمه الله ) عند نقله لهذه القصة : " أقول وجدت رسالة مشتهرة بقصة الجزيرة الخضراء في البحر الأبيض أحببت إيرادها لاشتمالها على ذكر من رآه ، و لما فيه من الغرائب ، و أني أفردت لها باباً لأني لم أظفر بها في الأصول المعتبرة ... " 3 ، و لتصريح المجلسي بأنه لم يظفر بها في الأصول المعتبرة قيمة خاصة كما هو واضح ، لا سيما إذا لاحظنا كثرة تتبعه و سعة إطلاعه .
  • ثم ان المتتبع يجد أن أكثر علمائنا الأعلام الذين نقلوا هذه القصة قد أخذوها عن المجلسي ، حيث ان بعضهم كالفيض في النوادر ، و الحُر في كتاب إثبات الهداة ، و السيد الجزائري في رياض الأبرار ، و المحدث البحراني في كشكوله ، و السيد شبر في جلاء العيون ـ قد صرحوا بالنقل عنه رحمه الله ، في حين نجد أن رواة آخرين لها كالأفندي في رياض العلماء ، و الشريف الفتوني العاملي في ضياء العالمين ، و الشيخ عبد الله البحراني في عوالم العلوم ، و الميرزا عبد الحسين النصيري في تفسيره ، و المير محمد لوحي في كفاية المهتدي ـ إن هؤلاء ـ كانوا من جملة تلامذة المجلسي ، عدا الأخيرين ، فإنهما من معاصريه .
  • غير أن المير محمد لوحي اعتمد على هذه القصة ، لكن اعتماده عليها إنما يُعبّر عن رأي خاص به ، و لم يظهر الوجه الذي اعتمد عليه 4 .
  • هذا و إن من الواضح أن مجرد إيراد العلماء لهذه القصة لا يدل على قبلوهم إياها ، و ليس دليلا على صحتها عندهم ، ذلك لأن الاتجاه نحو تدوين الأخبار كان حينئذ هو الصفة المميزة لذلك العصر حيث دوّنت فيه طائفة من أبرز و أوسع مجاميع الحديث ، عند الشيعة ، بهدف الحفاظ عليها ، مثل : وسائل الشيعة ، و الوافي ، و بحار الأنوار ، و عوالم العلوم ، و تفسير البرهان ، و تفسير نور الثقلين 5 .
  • يظهر لمن راجع القصة أن علي بن فاضل ، الذي يوصف في القصة بالمازندراني ، ثم يصف نفسه في نفس القصة بالعراقي ، يهتم بتسجيل بعض الفضائل لنفسه كما يظهر من قوله للسيد شمس الدين ، حيث يقول و هو يتحدث عن رؤية الإمام : " يا سيدي ، أنا من جملة عبيده المخلصين ، و لا رأيته ، فقال لي : بل رايته مرتين الخ ... " كما أن القصة كلها إنما تسجّل فضيلة فريدة له ، و انه قد وصل إلى ما لم يصل إليه أحد ، كما و تسجل اهتمام الناحية المقدسة بأمره 6 .
  • بملاحظة ما مرّ ، و ملاحظة عدم توثيقه من قبل أحد من معاصريه ، و إنما تمّ توثيقه من قبل بعض من تأخر عنه بمئات السنين ، و الظاهر أن مستندهم في هذا التوثيق هو نفس قصة الجزيرة الخضراء ، كما يشير إليه سياق كلماتهم ـ إذا لاحظنا ذلك ـ ، فان النتيجة هي : أنه لا يمكن الاطمئنان إلى صحة ما نقله لنا هذا الرجل إذ من الممكن أن تكون هذه القضية من صنع خياله بهدف الحصول على الشهرة في الآفاق ، أو لأهداف أخرى ، كما تعودناه في حالات مشابهة ، على مدى العصور 7 .
  • ثم إن مما يزيد ريباً في أمر هذا الرجل و قصته هو أن معاصريه ـ كالعلاّمة الحلي ، و ابن داود الذي انتهى من تأليف كتابه في الرجال في سنة : 707 هجرية ، و كذا غيرهما من العلماء ـ قد أهملوه إهمالاً كلياً و لم يُشر إليه أحد منهم بأدنى كلمة ، مع أن قصته الفريدة و النادرة لا بدّ و ان تُثير فيهم الحرص على الإشارة إليه و اليها ، و التنويه به و بها ، و اعتبارها من دلائل الإمام و الإمامة ، التي تستحق التدوين في المجاميع و المؤلفات ، و قد دوَّن العلماء ما هو أقل أهمية منها فهل اعتبرها العلماء أكذوبة باطلة ؟ أم انهم لم يسمعوا بها ؟ أم أنها لم تكن قد صنعت في عصرهم من الأساس ؟‍! .كل ذلك محتمل ، و كل ذلك يدعونا إلى الشك في الرواية و في ناقلها ، أو عدم الاعتماد عليها على الأقل 8 .
  • و مما يلفت النظر أيضاً هو : أن هذه القصة ـ كما هو واضح لمن راجعها ـ تصرّح بأن علي بن فاضل قد قصّ قصته من أولها إلى آخرها بحضور الطيبي ، و حضور جماعة من علماء الحلة و الأطراف ، كانوا قد أتوا لزيارة الشيخ المذكور ، و لكننا ـ مع ذلك ـ لم نجد لأحد من هؤلاء جميعاً رواية لهذه القصة ، لا بالمباشرة ، و لا بالواسطة ، رغم أننا نتوقع منهم أن ينشروها في البلاد و العباد ، و أن تتناقلها الألسن ، و تصبح حديث المحافل و الأندية حيث إنها تحدّد موضع وجود الإمام و أولاده في ظروف غامضة و استثنائية 8 .
  • هذا و إن الشهيد آية الله السيد محمد الصدر ( قدَّس الله نفسه الزَّكية ) و العلامة السيد جعفر مرتضى العاملي قد ذكرا العديد من التناقضات الموجودة في هذه الرواية فراجع 9 .

3. رواية المدائن الخمس

و هذه الرواية هي التي رواها أحمد بن محمد بن يحيى الأنباري 10 ، و قد ضعفها العلماء و ردّوها بصورة قوية و حاسمة ، فلتراجع كلماتهم رضوان الله تعالى عليهم 11 .

4. رواية السيد ابن طاووس

عن الإمام الرضا ( عليه السَّلام ) في الصلاة على الإمام المهدي ( عليه السَّلام ) ، فقد وردت العبارات التالية : " اللهم أعطه في نفسه ، و أهله و ولده و ذريته ، و جميع رعيته ما تقرّ به عينه ، و تسر به نفسه ، و تجمع له ملك المملكات كلها ، قريبها و بعيدها ، و عزيزها و ذليلها ، حتى يجري حكمه على كل حكم ، و يغلب بحقه على كل باطل ... " 12 .
و بالنسبة إلى هذه الرواية نقول : لو سلّمنا بهذه الرواية من حيث السند فإن غاية ما يدل عليه هذا الدعاء الذي صدر عن الإمام الرضا ( عليه السَّلام ) قبل ولادة الإمام المهدي ( عليه السَّلام ) بأكثر من نصف قرن : هو أنه سيكون ثمة مهدي للأمة ، و انه سوف يولد له أولاد ، و ليس فيه ما يدل على زمان ولادة أولئك الأولاد ، فقد يولدون له في أول عمره ، و قد يولدون له بعد قرون من الزمن ، و ربما بعد ظهوره ( عليه السَّلام ) كما ربما يفهم من سياق الكلام أن المقصود هو عصر ظهوره ، و قيام دولته ( عجَّل الله فرَجَه ) .

5. ما ذكره السيد ابن طاووس

روى السيد بن طاووس عن الإمام الرضا ( عليه السَّلام ) انه قال : " اللهم صلّ على ولاة عهده ، و الأئمة من ولده " 13 ، و لكن هذه الرواية أيضاً ، لا يمكن الاعتماد عليها ، لضعف أسنادها ، و لأن هناك نصاً آخر للرواية يقول : " اللهم صلّ على ولاة عهده و الأئمة من بعده " بتصريح ابن طاووس نفسه 13 ، فمع هذا الاختلاف فيما هو محل الشاهد ، فإن الرواية تسقط عن صلاحية الاستدلال بها ، كما لا يخفى .

صفوة القول

لماّ لم يمكن الاستناد إلى ما مرّ من النصوص و الروايات للأسباب المذكورة و لأنه ليس هناك أدلة أخرى ـ حسب علمنا ـ تُثبت وجود الزوجة و الأولاد في الحال الحاضر للإمام المهدي ( عليه السَّلام ) إذن لا يصح البت بهذا الموضوع من غير دليل ، إلا أننا لا نستبعد وجود ذلك للإمام أيضا ، إذ ليس هناك منع عقلي أو شرعي ، غير أن ظروف الغيبة و فلسفتها و ضرورة الحفاظ على الإمام تستدعي عدم انكشاف أمره ( عليه السَّلام ) و لعل وجود الزوجة و الأولاد يُعدّ عادةً من أسباب انكشاف أمر الإمام ( عليه السَّلام ) لمن يعاشرونه و يخالطونه بصورة طبيعية كالجيران و الأقرباء 14 ، هذا و أن الله قادر على كل شيء و العلم عند الله و هو بكل شيء عليم .
ثم اننا لسنا مكلفين إلا بالاعتقاد بولايته و وجوده لا أكثر و لا أقل .
و في الختام نسأل الله العلي القدير أن يُعجِّل في ظهور الامام المهدي ( عليه السَّلام ) و أن يجعلنا من أنصاره و أعوانه و المقتدين به .

  • 1. الغيبة : 102 ، للشيخ الطوسي ، طبعة : مكتبة الألفين / الكويت .
  • 2. تاريخ الغيبة الكبرى : 70 ، للعلامة الشهيد السيد محمد الصدر ( قدَّس الله نفسه الزَّكية ) .
  • 3. بحار الأنوار ( الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ) : 52 / 159 ، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ، المولود باصفهان سنة : 1037 ، و المتوفى بها سنة : 1110 هجرية ، طبعة مؤسسة الوفاء ، بيروت / لبنان ، سنة : 1414 هجرية .
  • 4. دراسة في علامات الظهور و الجزيرة الخضراء : 203 / 205 ، للعلامة السيد جعفر مرتضى العاملي .
  • 5. يراجع المعالم الجديدة للأصول : 82 ـ 83 .
  • 6. بحار الأنوار : 52 / 159 ، فما بعدها .
  • 7. يراجع ، تاريخ الغيبة الكبرى : 82 ، فما بعدها .
  • 8. a. b. دراسة في علامات الظهور و الجزيرة الخضراء : 217 .
  • 9. يراجع ، تاريخ الغيبة الكبرى : 61 / 88 ، و دراسة في علامات الظهور و الجزيرة الخضراء : 217 .
  • 10. يراجع ، بحار الأنوار : 53 / 214 .
  • 11. يراجع : الذريعة إلى تصانيف الشيعة : 5 / 1 و 107 ـ 108 ، الهامش ، و الأخبار الدخيلة : 1 / 146 / 152 ، و هامش كتاب الأنوار النعمانية : 2 / 64 ـ 69 .
  • 12. جمال الأسبوع بكمال العمل المشروع : 510 ـ 516 ، طبعة انتشارات الرضي المصورة عن الطبعة الحجرية سنة : 1330 هجرية ، للسيد رضي الدين بن طاووس ، المولود بالحلة / العراق في 15 / محرم / 589 هجرية ، و المتوفى ببغداد سنة : 664 هجرية .
  • 13. a. b. جمال الأسبوع : 512 .
  • 14. يراجع تاريخ الغيبة الكبرى : 63 .

4 تعليقات

صورة طالب علم

نقاش عن اولاد المهدي (عجل الله فرجه)وانه ليس موجود من زمن .

بسم الله الرحمن الرحيم
هو ولد قريبا عمره لن يتجاوز 15عام
ان شاء الله
هل ذكر في الدين ان المهدي سينجب اطفالا ام لا
ومن ستكون زوجته و من اين
الله اعلي واعلم