هل صحيح أن لكل شيء علة موجدة ؟

لقد أخطأ " راسل " في ما قاله ـ لو صحت نسبة هذه المقولة إليه ـ في و صفه لخالق الكون و مَبدَئه ، و ذلك لعدم إحاطته بما قاله الإلهيون العلماء ، حيث أن الإلهيين لا يقولون بأنّ كلّ شئ محتاج إلى مُوجد ، حتى يقول قائل : و حيث أن الله شئ فهو إذن بحاجة إلى خالق و موجد .
بل إن ما يقوله الإلهيون هو أن كل حادث يحتاج إلى محدث ، و كل ممكن الوجود يحتاج إلى علة لتأتي به إلى حيز الوجود و تلبسه ثوب التحقق .
و أما الله عز و جل باعتباره علة العلل و من تنتهي إليه سلسلة الأسباب و المسببات فهو بدليلي : " بطلان التسلسل 1 " و " بطلان الدور 2 " غير حادث و لا ممكن ، و لهذا لا يندرج تحت هذه القاعدة المسلّمة ، و القضية العقلية الثابتة و القائلة بأن : " كل حادث بحاجة إلى محدِث ، و كل ممكن مرتبط بعلّة " .
و هذه الزَلَّة التي و قع فيها " راسل " قد وقع فيها كل من خلط بين التعبيرين ، و لهذا جاز إطلاق لفظ شئ على الله تعالى ، و لم يجز إطلاق لفظ الحادث عليه ، كما نلاحظ ذلك في أحاديث مبحث التوحيد ، و الأسئلة و الأجوبة الدائرة بين الناس و بين المعصومين ( عليهم السَّلام ) .
فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ 3 ( عليه السَّلام ) عَنِ التَّوْحِيدِ ، فَقُلْتُ : أَتَوَهَّمُ شَيْئاً ؟
فَقَالَ : " نَعَمْ غَيْرَ مَعْقُولٍ و لَا مَحْدُودٍ ، فَمَا وقَعَ وهْمُكَ عَلَيْهِ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَهُوَ خِلَافُهُ ، لَا يُشْبِهُهُ شَيْ‏ءٌ و لَا تُدْرِكُهُ الْأَوْهَامُ ، كَيْفَ تُدْرِكُهُ الْأَوْهَامُ و هُوَ خِلَافُ مَا يُعْقَلُ و خِلَافُ مَا يُتَصَوَّرُ فِي الْأَوْهَامِ ، إِنَّمَا يُتَوَهَّمُ شَيْ‏ءٌ غيرُ مَعْقُولٍ و لَا مَحْدُودٍ " 4 .
و عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ سُئِلَ أَبُو جَعْفَرٍ الثَّانِي 5 ( عليه السَّلام ) يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِلَّهِ إِنَّهُ شَيْ‏ءٌ ؟
قَالَ : " نَعَمْ يُخْرِجُهُ مِنَ الْحَدَّيْنِ ، حَدِّ التَّعْطِيلِ و حَدِّ التَّشْبِيهِ " 6 .
و على كل حال فإن لفظ " الشيء " أعمّ من واجب الوجود السرمدي و الممكن الحادث .

  • 1. التسلسل : عبارة عن اجتماع سلسلة من العلل و المعاليل الممكنة ، مترتبة غير متناهية ، و يكون الكل مُتَّسِما بوصف الإمكان ، بان يتوقف ( أ ) على ( ب ) ، و الثاني على ( ج ) ، و الثالث على رابع ، و هكذا دواليك تتسلسل العلل و المعاليل من دون أن تنتهي إلى نقطة .
    و باختصار : حقيقة التسلسل لا تخرج عن حدود تَرَتُّب علل و معا ليل ، تكون متناهية من جانب ـ اعني آخرها ـ و غير متناهية من جانب آخر ـ اعني أولها ـ . و على كل ذلك ، يتسم الجزء الأخير بوصف المعلولية فقط بخلاف سائر الأجزاء ، فان كلا منها مع كونه معلولا لما فوقه ، علة لما دونه ، فالمعلولية وصف مشترك بين الجميع ، سائدة على السلسلة و على أجزائها كلها بخلاف العليَّة فهي غير صادقة على الجزء الأخير ، راجع : الإلهيات على هدى الكتاب و السنة و العقل : 1 / 63 ، مُحاضرات العلامة المُحقق آية الله الشيخ جعفر السُبحاني ( حفظه الله ) ، طبعة مؤسسة الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) ، قم / إيران .
  • 2. الدور : عبارة عن كون الشيء موجداً لشيء ثان ، و في الوقت نفسه يكون الشيء الثاني موجداً لذاك الشيء الأول ، و هذا باطل لان مقتضى كون الأول علة للثاني ، تقدُّمُه عليه و تأخُّرُ الثاني عنه ، و مقتضى كون الثاني علة للأول تقدم الثاني عليه ، فينتج كونُ الشيء الواحد في حالة واحدة و بالنسبة إلى شيء واحد ، متقدما و غير متقدم ، و متأخرا و غير متأخر ، و هذا هو الجمع بين النقيضين ، و بطلانه كارتفاعهما من الضروريات البديهية ، فينتج أن الدور و ما يستلزمه مُحال .
    و لتوضيح الحال نُمثِّل بمثال : إذا اتفق صديقان على إمضاء وثيقة و اشترط كل واحد منهما لإمضائها إمضاء الآخر ، فتكون النتيجة توقف إمضاء كلٍ على إمضاء الآخر ، و عند ذلك لن تكون تلك الورقة ممضاة إلى يوم القيامة ، لما ذكرنا من المحذور ، يراجع : الإلهيات على هدى الكتاب و السنة و العقل : 1 / 63 .
  • 3. أي الإمام محمد بن علي الباقر ( عليه السَّلام ) ، خامس أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) .
  • 4. الكافي : 1 / 82 ، بَابُ إِطْلَاقِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ شَيْ‏ءٌ ، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني ، المُلَقَّب بثقة الإسلام ، المتوفى سنة : 329 هجرية ، طبعة دار الكتب الإسلامية ، سنة : 1365 هجرية / شمسية ، طهران / إيران .
  • 5. أي الإمام محمد بن علي الجواد ، تاسع أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) .
  • 6. الكافي : 1 / 82 .