أنا كغيري من البسطاء يؤثر فينا المحسوس والملموس أكثر من أي شيء آخر ، لذلك يراودنا العجب حين نرى متدينا يطيل سجوده ثم يأكل لحم الناس بالغيبة ، و يستحل كرامتهم بالذكر السيىء . لا يخدعنا كثيرا صاحب المسبحة الذي لا تنفك شفتاه تسبحان و تشكران الله سبحانه و تعالى ، و نحن نرى أولاده و عائلته يتجرعون منه الذل و الهوان ، و نسمع جيرانه يشكون من سوء خلقه و انفلات لسانه معهم . أصبحت المظاهر آخر ما يفكر فيه العقلاء ، لأن عقولهم تدفعهم إلى معرفة جوهر الرجال بعيدا عن ( البرستيج ) و الشكل الذي يحبون أن يراهم الناس عليه ، لقد سألني مرة أحد الأعزة عن صديق لي تقدم لطلب ابنته قائلا : هل هو ملتزم ؟ سألته و ما قصدك بالملتزم ؟ فسألني عن لحيته و عن حضوره للمسجد و عن سماعه للغناء و قراءته للقرآن ؟
نقول دائما ان الإنسان محترم في أمريكا ، وفي الغرب ، وفي دول أوروبا عموما ، ونستدل بوثائق ومعاهدات حقوق الإنسان ، ونستشهد ببعض الأخبار والحوادث التي تحصل في الولايات المتحدة الأمريكية ، وكيف أن شخصا يمكنه أن يحاكم رئيس دولته أو يخالفه أو يعاديه ، دون أن يصيبه ضرر أو أن تهدد حريته ، أو يتعرض للسجن والاعتقال . ونلتفت إلى دولنا العربية والإسلامية ، فنقول ان الإنسان محترم فيها أكثر من الغرب لحاكمية الدستور الإسلامي الذي تنتهجه هذه الدول ، ثم نتلو المزيد من آيات القرآن الكريم وهي تقول : ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾ 1 .
المتدينون هم أكثر الناس دفئاً بعقيدتهم ، و أخلصهم في العمل من أجلها ، و أشدهم التزاماً بأوامرها و نواهيها . هم في الغالب مواظبون على مستحباتها ، بعيدون عن مكروهاتها ، يبحثون على ثواب الله و رضاه ، و إن أوجب لهم مشقة أو تعباً ، كما أنهم يتميزون بالوقار و الهدوء و الأمانة و الخلق الكريم . البسمة على محياهم « فالمؤمن هشٌ بش » و الطيب سمة قلوبهم ، و التجاوز عن أخطاء الآخرين ديدنهم ، هؤلاء هم المتدينون و المؤمنون كما أشارت لهم الآيات و تحدثت عنهم بإسهاب الروايات .