الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

التشبه بالكافرين

من الأمور الَّتِي ابتُلي بها المسلمون في العقود الأخيرة أنْ أصبح الكفَّار نموذجاً لهم يُقلِّدونهم في مظهرهم وأفكارهم وطريقة عيشهم ونمط تفكيرهم ونظرتهم إلى الأمور... بل حَتَّى في لهجتهم وألفاظهم ويتعاملون معهم تعامل المبهور المنسحق.


بينما في المفهوم الإسلامي الأصيل لاَ بُدَّ للمسلم كفرد وللمسلمين كمجتمع أن يُحافظوا على طريقة عيشهم التي أمرهم الإسلام به، في سائر تفاصيلها بعيداً عن تأثيرات المجتمعات غير الإسلامية خاصة فيما اختصُّوا وعُرفوا به.‏
وهذا هو نهج علمائنا العظام وفقهائنا الأجلاَّء الذين ذكروا جملة من الفتاوى الَّتِي تُميِّز بين المسلم وغيره فيها العلوُّ والعزَّة والرِّفعة لأهل ملَّة التوحيد.‏
وعلى هذا المنوال أفرد سماحة ولي أمر المسلمين الإمام الخامنئي باباً خاصاً في استفتاءاته تحت عنوان «عدم جواز تقليد الكفَّار» فيما يختصون ويُعرفون به.‏
ولو عمل المجتمع الإسلامي بهذه التوجُّهات والفتاوى لردَّ على مظهر كبير من مظاهر التغريب الَّذِي يندرج تحت عنوان العولمة.‏

مظاهر تقليد الكفَّار المحرَّمة

المظَّاهر المحرَّمة للكفَّار هي الأمور الَّتِي يُعرفون بها عن غيرهم فلا يجوز للمسلم تقليدهم في عاداتهم وأعيادهم وطريقة عيشهم ولبسهم... وقال الله تعالى عنهم: ﴿ ... وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ 1.‏

فنرى البعض يحتفل بأعيادهم الدِّينيَّة وغيره، وهذه من العادات الَّتِي لم تكن معروفة قط في المجتمع الإسلامي عندما كان عزيزاً وصاحب مبادرة وسؤدُد.‏

فيُعَظَّم الحبُّ (بحسب مفهومهم له) والعشاق والموسيقى والخمر والرقص... تحت عناوين الفرح والأعياد.‏

وحذَّر الله عزَّ وجلَّ من ذلك بقوله: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا ... 2.‏

المتشبِّه بهم عدو لله تعالى

لا شك أنَّ المتشبِّه بالكفَّار يُجلُّهم ويتَّخذهم قدوةً ويُكْبر من قِيَمهِم وعقائدهم وهذا ما نراه بوضوح لا لَبْسَ فيه، في مجتمعنا اليوم... فهو بلا ريب يُقَوِّي باطلهم ويدعم ضلالتهم.‏

رُوي عن الإمام الصَّادق (ع) قال: «أوحى الله إلى نبي من الأنبياء، قُلْ للمؤمنين: لا تلبسوا لباس أعدائي، ولا تطعموا مطاعم أعدائي، ولا تسلكوا مسالك أعدائي فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي».‏

يقول المحدِّثُ الكبير مُحْيي سُنَنَ مُحَمَّد وآله (ص) الشَّيخ عبَّاس القمي رحمة الله عليه:‏

«يُسْتفاد من آيات وأحاديث كثيرة، أنَّ المسلم عليه أن يجتنب عن مودَّة الكفَّار، والتحابب والميل إليهم، والتشبُّه بهم وسلوك طريقهم».‏

وحدَّثنا الله سبحانه عن أبي الأنبياء أسوة المؤمنين سيِّدنا إبراهيم (ع) والَّذِين معه حيث قالوا لقومهم:‏

﴿ ... إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا ... 3.‏

فهل يبقى على صحة الإيمان مَنْ انبهر بالكفَّار واتَّبعهم... ولم يُبال بقوله تعالى:‏

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ 4.‏

لا يجوز تسليم الولاية للكفَّار

لأنَّ هذا لو حصل والعياذ بالله تعالى فسوف يُؤدِّي فوراً أو تدرُّجاً إلى اضمحلال مجتمع المؤمنين.‏

فكما أنَّ المؤمن وليُّهُ الله تعالى، كذلك للكفَّار أولياء ﴿ ... وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ ... 5.‏

فكيف يتَّخذ المؤمن الكافرين أولياء؟!‏

قال الله سبحانه محذِّراً: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ... 6.‏

وجعل سبحانه الَّذِين يُخالفون هذا الأمر منافقين كما في الآية الَّتِي بعدها: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ﴾ 7.‏

وكيف يكونون أولياء وقد اتَّخذوا ديننا وصلاتنا هُزُواً ولَعِب، وينقمون مِنَّا أنْ آمنَّا بالله؟!‏

قال الله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ 8.‏

وقال جلِّ جلاله: ﴿ وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ * قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ 9.‏

وحذَّر الله مانعاً مِمَّا ابتُلينا فيه في عصرنا اليوم، فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ 4.‏

خطورة التشبُّه تزداد في هذا الزَّمن

في الزَّمن السابق كان المسلم يُحذَّر إذا اضطُر للسَّفر أو الإقامة في بلاد الكفَّار من التأثّر بهم وبعقائدهم مِمَّا يُشكِّل خطراً على عاداتنا المقتبسة عن الأنبياء (ع).‏

أمَّا اليوم فالخطورة زادت عندما أخذت عاداتهم ومظاهرهم وممارساتهم تنتقل إلى مدارسنا ومناهجنا وشوارعنا وعِقْر ديارن... من خلال وسائل الإعلام المختلفة، ورُبَّما دون أن نشعر أو ندري.‏

فالخطر بات أعظم، لأنَّ الرَّجُل المسلم بات لا يَأْمَنُ على أهله وأطفاله من هذا الغزو الَّذِي يدخل خِلْسة دون استئذان... بل لا يأمن على نفسه أيض.‏

وسبحان الله تعالى القائل:‏

﴿ ... وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ 10.‏

فيا أيُّها المسلم المطيع المعتزُّ بدينه، لا تَنْسَ قول الله عزَّ وجَلَّ: ﴿ ... وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا 11.

* * *‏

ومضات: الفِرار عن مواطن الشُّبهات وأهل الفجور دَيْدنُ السالكين الَّذين لا يتخلَّف عملُهم عمَّا تعلَّموه.‏

والفِرار هو الهرب من الغير إلى الحق ﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ... 12خاصة أنَّ النَّفس ميَّالةٌ للركون إلى الشهوات ومحبَّة الخلاعة.‏

* * *‏

نصوص مباركة تتعلَّق بالموضوع‏

قال الله سبحانه وتعالى:‏

* ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ... 13.‏

* ﴿ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾ 14.‏

رُوي عن النبيّ (ص):‏

* «غيِّروا الشَّيب ولا تتشبَّهوا باليهود».‏

وقيل للإمام الحسن بن علي (ع):‏

* «فيك عظمة، فقال (ع): بل فِيَّ عزَّة، قال الله: ﴿ ... وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ... 15.‏

وعن الصَّادق (ع):‏

* «أوحى الله إلى نبي من الأنبياء أنْ قُلْ لقومك: لا تلبسوا لباس أعدائي، ولا تطعموا مطاعم أعدائي، ولا تشاكلوا بما شاكل أعدائي، فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي».‏

وعنه (ع) قال:‏

* «إنَّ الله فوَّض إلى المؤمن أمره كلَّه ولم يُفوِّضْ إليه أنْ يكون ذليل، أما تسمع الله يقول: ﴿ ... وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ... 15فالمؤمن يكون عزيزاً ولا يكون ذليل، فإنَّ المؤمن أعزُّ من الجبل»16.‏