حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
التضامن من أجل أخلاقيات عالمية جديدة
عندما طرحت مقولة صدام الحضارات في مقالة سنة 1993م، وفي كتاب سنة 1996م، وعرف بها صامويل هنتنغتون، المقولة التي صدمت العالم وحركت في وقتها وما زالت أوسع السجالات النقدية والنقاشات الاحتجاجية بين مختلف مراكز العالم. أمام هذه المقولة ورداً عليها ومواجهة لها، جاءت مقولة حوار الحضارات التي تقبلها العالم بسهولة مع أول مبادرة تقدم بها السيد محمد خاتمي سنة1998م، في اختيار سنة 2001م سنة عالمية لحوار الحضارات. وعندما طرحت مقولة العولمة وما صاحبها من هواجس ومخاوف وشكوك، عبرت عنها أمم العالم المتعددة الثقافات والقوميات واللغات، ومن أجل أن لا تتحول هذه العولمة إلى إمبريالية جديدة غايتها الهيمنة والسيطرة على مساحات واسعة من العالم، أو تنتهي إلى فرض الاتجاه الواحد وتنميط العالم والاستفراد والتحكم بثرواته و أسواقه وأمواله، إلى غير ذلك من أوصاف وتسميات. وأمام هذه المقولة المندفعة بقوة جاءت بعض المقولات المقابلة لها، مثل مقولة أنسنة العولمة، أو نحو عولمة عادلة، أو عولمة متكافئة، أو عولمة مسؤولة، أو عولمة رؤوفة.. إلى غير ذلك من تسميات طرحت في نطا قات عالمية بقصد الحد من سرعة واندفاعات العولمة، و التخفيف من أضرارها ومخاطرها، وضبط حركتها والتحكم بآلياتها، وتهذيبها وانسنتها.
ولكن عندما طرحت مقولة مكافحة الإرهاب بعد أحداث أيلول ـ سبتمبر، وأصبحت المقولة الأكثر تداولاً وانتشاراً وتحريضاً، وعلى مستوى العالم برمته. في مقابل ذلك لم تظهر مقولة تقابل تلك المقولة وتوازيها.
ولعله لأول مرة يحصل هذا المستوى من الاهتمام الكمي والكيفي تجاه هذه القضية في تاريخ العالم الحديث. فهي القضية التي باتت تتصدر وبلا منازع كافة الاجتماعات والمنتديات والمؤتمرات الإقليمية والعالمية، مهما اختلفت وتعددت طبيعة واختصاص هذه الاجتماعات، سواء كانت ذات طبيعة قانونية وحقوقية، أو ثقافية وتربوية، أو اقتصادية وتجارية، أو إعلامية واتصالية. إلى درجة أصبحت الدول والحكومات تراقب وتحاسب من جهة سياساتها حول مكافحة الإرهاب، بل هي ملزمة بوضع مثل هذه السياسات ، وعليها أن تثبت جديتها في تطبيق مثل هذه السياسات، وتقدم أدلة وشواهد على ذلك لكي تحصل على شهادة حسن سيرة وسلوك، كما وعليها أن تكون شريكة مع العالم في مكافحة هذه الظاهرة بكافة صورها وأنماطها وأشكالها، وهذا ما ألزمت به الأمم المتحدة الدول الأعضاء فيها.
ومن جهتها عملت الولايات المتحدة الأمريكية على أن يعيش معها العالم كله هذا الهاجس و القلق والترقب تجاه الإرهاب، لأنها تريد من العالم أن ينخرط في جبهتها، ويكون في صفها، وهذا هو صك البراءة من تهمة الإرهاب حسب المنطق الأمريكي. لذلك فان العالم بدأ يتغير في أنظمتة وقوانينه وإجراءاته وسياساته نتيجة هذه القضية، وبالشكل الذي يؤثر على حياة الناس ومعاملاتهم ومصالحهم و حقوقهم العامة.
وأمام هذه المقولة أو القضية لم تطرح مقولة أو مقولات مقابلة لها، بحيث يكون لها درجة عالية من الاهتمام العالمي، كما هو حال المقولات السابقة. وكأن الإرهاب قد أعمى العالم، وأعمى الأبصار التي في القلوب. والحاجة إلى مقولة مقابلة أو موازية لكي لا تتحول قضية مكافحة الإرهاب إلى طغيان وبطش واستبداد، أو إلى انتهاكات وتعسفات وتجاوزات، بدون رادع أو ضابط أو وازع قانوني أو أخلاقي أو إنساني.
فما هي المقولة التي يفترض لها أن تكون مقابلة لمقولة مكافحة الإرهاب؟
هذه المقولة كما اقدر هي التضامن من اجل أخلاقيات عالمية جديدة. لأن مكافحة الإرهاب سيكون له تأثيرات وتداعيات ومضاعفات سلبية على الأبعاد الأخلاقية والإنسانية، كتنامي حالات التمييز بصوره كافة، وإشاعة الكراهية، وانتهاكات لحقوق وكرامة الإنسان، وتقليص الحريات العامة، وتهديد السلم الاجتماعي، وسيادة أجواء الخوف والرعب بين الناس... إلى غير ذلك.
يقابل هذه التأثيرات ما يفترض إن تفرزه مقولة التضامن من اجل أخلاقيات عالمية جديدة، مثل إشاعة التسامح، وتأكيد النزعة الإنسانية التي تجعل النظرة بين الناس على أساس القيم والمبادئ والاحترام، وترسيخ مفهوم الكرامة، وتعزيز قاعدة العدالة والتضامن والتكافل.. إلى غير ذلك من مفاهيم ومبادئ وقيم إنسانية وأخلاقية ومعنوية.
ولتعزيز هذه المقولة في النطاق العالمي ينبغي الاستناد إلى تقرير اللجنة العالمية للثقافة والتنمية الصادر سنة1995م بعنوان (تنوعنا الخلاق) الذي أوصى بضرورة الحاجة إلى أخلاق عالمية تحكم السلوك الدولي، وفي هذا الشأن يقول التقرير (تود اللجنة أن تعلن بوضوح إن نشوء الأخلاق العالمية وحكم القانون فيما يتعلق بالسلوك الدولي سيصبح مستحيلاً مالم ترضخ الأمم القوية لسلطان لمثل تلك القواعد العامة، شأنها شأن بقية دول العالم، فالمساواة أمام القانون، والمساءلة الديمقراطية، وشفافية المعلومات هي مفهومات أساسية استغرقت قروناً لترسخ في وجدان الأمم، ولقد آن الأوان لمد هذه المبادئ حتى تشمل الأخلاق العالمية في القرن القادم) أي هذا القرن الحالي.
والتحدي الذي يواجهنا هو كيف نقتنع نحن والعالم بالحاجة الحقيقية إلى أخلاقيات عالمية جديدة نتضامن من اجلها في مقابل الحملة العالمية لمكافحة الإرهاب1.
- 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة المدينة، ملحق الرسالة ـ الجمعة 20 ديسمبر 2002م.