حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
الشباب من وجهة نظر الامامين الخميني والخامنئي
الفتوّة والشباب من أروع فترات عمر الإنسان في هذه الدنيا، لأنّها الفترة التي تعبّر عن اكتمال الإستعدادت النفسية والفكرية والروحية والجسدية لدخول من هم في هذه السن إلى معترك الحياة من بابها الواسع، وليتمتّعوا بالتالي بكلّ النعم والهبات الإلهية التي أوجدها الله للإنسان.
ففي فترة الشباب، القابلية موجودة بقوة، والقدرة على الفعل غالباً ما تكون ناشطة ومتحفّزة، والإندفاع على أشدّه للإنخراط في خضم الحياة بكلّ ما فيها من تفاصيل ومجريات وأحداث متنوعة.
من هنا ندرك أهمية تربية الشباب التربية الصحيحة والسليمة المبنيّة على الضوابط الإسلامية الأصلية التي تنتج الشاب الملتزم الواعي والمنفتح على الحياة بكلّ تعقّل وحكمة واتّزان، ويتصرّف مع كلّ الأمور والقضايا التي تواجهه من دون إفراطٍ أو تفريط.
ولهذا نجد أنّ سنّ الشباب غالباً ما يؤدّي إلى حصول انحرافاتٍ عقائدية وأخلاقية وتربوية نتيجة عدم حصول الشباب على التربية السليمة، فنرى قسماً مهمّاً من الشباب ينغمس في الأمور الدنيوية لكي يأخذ من نعمها ومتعها ما أمكن، سواء من باب الحلال أو من باب الحرام كما هو الغالب عند غير الملتزمين الذين يتوهمون أنّ الضوابط تمنعه من التلذّذ بالمتع الدنيوية الرخيصة، فلا يلتفت إليها ويدير ظهره لها حتى لا تقف بينه وبين اللذّة والمتعة والشهوة التي يندفع الشاب وراءها لاهثاً ولاهياً وغير آبهٍ بالنتائج الخطيرة التي قد تترتّب على ذلك المسار المنحرف الذي يسير فيه.
والأهم من كلّ ذلك أنّ فترة الشباب هي التي غالباً ما تحدّد توجّه الإنسان لفترات حياته المقبلة، فإن كان الشاب ملتزماً سوف يأخذ توجّهاً صحيحياً وسليماً يجعله في المستقبل عنصراً فاعلاً وحيوياً ومنتجاً في حياته الإجتماعية والعامة، بينما إذا كان غير ملتزم فإنّه سوف يأخذ توجّهاً غير صحيح وغير سليم، وسيكون عنصراً سيئاً وسلبياً في الحياة العامة والإجتماعية.
ولهذا كلّه نرى أنّ الإسلام ركّز كثيراً على ضرورة الإعتناء بالشباب من كلّ النواحي ـ إيمانياً وروحياً وفكرياً وأخلاقياً ـ وعدم إهمال أيّة ناحية من النواحي الدخيلة في تكوين شخصية الشاب المؤمن الملتزم والواعي.
والعنصر الأكثر فاعلية في تكوين شخصية الشاب الملتزم هو (العلم والتربية) كما ورد في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (من تعلَّم في شبابه كان بمنزلة الرسم في الحجر، ومن تعلّم وهو كبير كان بمنزلة الكتاب على وجه الماء).
فمن خلال العلم والتربية بالشكل الصحيح يصبح الشاب مؤمناً ملتزماً يواظب على ممارسة واجباته الدينية، ويقوّي علاقته بالله سبحانه لكي يمنحه القوة لمواجهة إغراءات الحياة وأخطارها على دينه وتوجّهاته السليمة، ولذا يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنّ الله تعالى يباهي بالشاب العابد الملائكة، يقول: أنظروا إلى عبدي، ترك شهوته من أجلي)، وفي حديث ثالثاً للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: (فضل الشاب على العابد الذي تعبَّد في صباه على الشيخ الذي تعبَّد بعد ما كبرت سنّه كفضل المرسلين على سائر الناس).
وتتأكّد أهمية عنصر (العلم والتربية) في هذا الزمن بالخصوص، حيث الفساد منتشر وعام وله أشكال وصور مختلفة وبأساليب إغرائية ترمي الشباب بسهامها الطائشة حيناً والمسدّدة بإرادة المستكبرين والعابثين بمصير البشرية عموماً والشباب خصوصاً، لأنّهم بذلك يجعلون الشباب منغمسين في قضايا الشهوة واللذّة، فمن المتع الجنسية الرخيصة إلى المخدارات التي تفتك بالكثير من الشباب، وصولاً إلى الملاهي والنوادي الليلية والموسيقى الصاخبة وحفلات الغناء المحرّم ورحلات الترفيه العبثية والمخيمات المشتركة وغير ذلك كثير من أساليب الإنحراف التي يستعملها ويشتغلها أعداء الشعوب ومصّاصو دمائها وخيراتها.
وأولى الناس بالتنبيه إلى الإخطار المحدقة بالشباب على مستوى توجّهاتهم وسلوكياتهم هم قادة الأمّة الإسلامية وأولياء أمورها الذين جعلهم الله في موقع العين الساهرة والراعية للأمّة.
وعلى رأس هؤلاء القادة يأتي الإمام الخميني (قده) الذي أدرك باكراً أخطار الثقافة المنحرفة على الشباب عموماً والمسلم خصوصاً، ولذا ترك لنا ذلك الإمام العظيم والراحل الكبير تراثاً مهمّاً في هذا المجال، نأخذ منه أهم ما فيه لكي يكون ذلك دليلاً لنا ومرشداً في عملية بناء الشاب المؤمن الملتزم.
أولاً- الإستعمار هو المروّج لثقافة الإنحراف عند الشباب
يقول الإمام (قده): (إنّ الإستعمار هو الذي يجعل الصحافة مبتذلة حتّى تسمم أفكار شبابنا، وهو الذي ينظم برامجنا الثقافية بالنحو الذي لا يعود هناك شاب قوي في بلادنا، وهو الذي ينظم برامج الراديو والتلفزيون الذي يُضعِفُ فيه أعصاب الناس فيخسرون طاقاتهم وقوّتهم، هذا هو الإستعمار، ونحن ضدّ هذه المظاهر الإستعمارية). ويقول في نصٍّ آخر من هذا النوع: (الثقافة هي أساس السعادة والتعاسة للأمم، وإذا أصبحت الثقافة غيرصالحة، فإنّ هؤلاء الشباب الذين يتلقون هذه الثقافة الفاسدة سوف يصبحون هم مصدراً للفساد والثقافة الإستعمارية تصنع للأمّة شباباً مستعمراً، فالثقافة الّتي يصمّمها لنا الآخرون ويخطّطها لنا الأجانب وبواستطها يقومون بتزييف المجتمع وتحويله إلى ثقافة إستعمارية طفيلية وهي بالنسبة لنا أسوأ حتى من أسلحة هؤلاء المستكبرين).
ثانياً- تطهير الثقافة الإسلامية الغربية: ويقول الإمام (قده) في هذا المجال ما يلي
(يجب أن تخلقوا جواً جديداً عبر تطهير الثقافة الإسلامية ـ التربية والتعليم ـ من آثار الثقافة الإستعمارية، لتحوّلوا أطفالنا الأشبال إلى جبهة مساندة تقف دائماً خلف جبهة مقاومة أمريكا وإسرائيل وسائرالمعتدين من الشرق والغرب، واطمئنّوا إلى أنّ الخميني سيبقى معكم في خندق المواجهة حتى اقتلاع جذور الإستعمار).
ثالثاً- التركيز على تدريس الثقافة الإسلامية
وفي هذا المجال يقول الإمام الخميني (قده): (إذا كان التعليم موجوداً لوحده فقط بدون التربية فلا فائدة فيه بل هو مضر أحياناً، وكذلك التربية بدون التعليم فإنّها لا تثمر وحدها، فيجب إذن أن تكون التربية مع التعليم توأمين ومترافقين مع بعضهما البعض، فلو لم يكن عند الإنسان توأما التربية والتعليم لبقي ضمن حد الحيوانية، والإنسان بدون التربية والتعليم أسوأ من سائر الحيوانات)، ويقول في نص آخر: (يجب أن تنتبهوا إلى أنّ تربية هؤلاء الأطفال الذين تشرفون على تربيتهم أن تكون تربية دينية وأخلاقية، فإذا قدّمتم للمجتمع طفلاً متديناً فقد ترون أنّ نفس هذا الطفل المتدين الملتزم سوف يُصْلِحُ المجتمع، وبالعكس فيما لو ـ لا سمح الله ـ تخرّج من تحت أيديكم ضالاً فقد يُفسِد المجتمع).
رابعاً- ضرورة وجود الفئة الصالحة لنشر الثقافة الإسلامية الصحيحة
ويقول الإمام (قده) هنا: (إذا لم يكن المعلّمون قد تعلّموا وتربّوا بشكلٍ صحيح فإنّهم لن يستطيعوا تربية وتعليم الشباب، ذلك أنّ كلّ أمرٍ يقوم به الإنسان ينبع أصلاً من ذات ذلك الإنسان، يجب أن تبدأوا أيّها السادة بإصلاح أنفسكم أولاً، وآمل أن تقوموا بذلك ـ وكلّنا بهذا الصدد ـ حتى تستطيعوا القيام بإصلاح المجتمع).
خامساً- الشباب هم الأمانة الكبرى للإسلام
ويقول الإمام (قده) في ذلك: (وهؤلاء اليافعون والشباب الذين هم أمل الأمّة الإسلامية إنّما هم أمانة كبيرة وشريفة في أعناقكم، وضيافتهم خيانتهم للإسلام والوطن، ومصير الدولة في المستقبل إنّما هو بيد هؤلاء اليافعين والشباب، وعليه فيجب أن تكون التربية في جميع المدارس هي التربية الإسلامية الصحيحة والجديّة والملتزمة حتى نصون بلدنا ونحميها من الضرر).
وكذلك نرى عند سماحة ولي أمر المسلمين ومرجعهم الإمام الخامنئي (دام ظله) نفس التوجّهات حول الشباب وضرورة الإعتناء بهم من كلّ النواحي التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة في تكوين شخصيّتهم الإسلامية الملتزمة والمتميزة ويمكن أن نحدّد توجّهات الإمام الخامنئي (دام ظله) نحو الشباب بما يلي:
أولا- تشخيص حالة الشباب: ويقول (دام ظله) (أمّا الشباب فإنّه يعيش حالة من تطوّر الأحاسيس والغرائز والنمو الجسدي والروحي وهو يخطو نحو عالمٍ جديد بالنسبة له، وعلى الأغلب فإنّ المحيطين به من أهل وأفراد المجتمع يجهلون هذا التحوّل أو الإنتقال الجديد، أو لا يهتمّون لأمره، ممّا يدعو الشاب للشعور بالعزلة والوحدة، والشاب في مرحلة شبابه يواجه عالماً كبيراً يكتشفه لأوّل مرّة حيث لم يسبق له تجربة هذا العالم أو الإحتكاك الذي بشخصيّته التي يقابلها، ولهذا فإنّه يشعر بحاجته للدليل والمرشد والعون الفكري، والمؤسسات التي ينبغي أن تمدّه بهذا العون قد لا تساعده أو لا تعطيه الوقت الكافي الذي يحتاج إليه).
ثانياً- نماذج من إهتمام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالشباب: وهنا يذكر الإمام الخامنئي (دام ظله) أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد اهتمّ بالشباب اهتماماً بالغاً لأنّهم يشكّلون عنصر الإستمرار للمسيرة الإسلامية السليمة ويُلفِت النظر إلى اهتمام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالإمام علي (عليه السلام) في مرحلة الشباب ويقول: (... وإنّ إضاءاته ـ الإمام علي ـ في مرحلة الشباب تعتبر نموذجاً خالداً يمكن للشباب الإقتداء وتطبيقه في مسيرتهم ففي مرحلة الشباب في مكّة كان عنصراً فدائياً متوقد الذهن وفعّالاً ومقداماً وقد أزاح الموانع الكبيرة في شتّى الميادين من مسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولطالما اقتحم ميادين الخطر بنفسه وتحمّل أصعب المسؤوليات من خلال تضحيتة وإيثاره استطاع أن يوفّر للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فرصه الهجرة من مكة إلى المدينة بسلام، وفي مرحلة المدينة كان قائداً باسلاً عالماً ذكياً ومقداماً... وفي جميع الميادين كان مثالاً للشباب المتوقد) ثمّ يكمل ويقول: (ولم يقتصر اهتمام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على شخص علي (عليه السلام) فقط، بل واظب على تفضيل عناصر الشباب والإستفادة من طاقتهم إلى أقصى حد، وأود أن أشير إلى أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي أخطر المواقف حساسية من عمره... قد حمّل مسؤولية كبيرة لغلامٍ لا يتعدّى الثامنة عشرة من عمره، اختار الشاب الذي لا يتعدّى ذلك السن وهو (أسامة بن زيد).
ثالثاً- ضرورة وجود البرامج التوجيهية الصحيحة لتربية الشباب: ويقول في هذا المجال (إذا استفدنا من قوة الشباب والطاقة الكامنة فيهم بشكلٍ صحيح وضمن برامج منظمة وحرّة واستفدنا من جيل الشباب لبناء البلاد وسعينا لتحسين المستوى الفكري والعملي لجيل الشباب فإنّ مستقبل البلاد سيكون عظيماً، وهذا ليس شعاراً، بل هو أمر منطقي واستدلالي).
رابعاً- ضرورة حضور الشباب في كلّ الساحات: ويقول في هذا الصدد أيضاً: (أيّها الشباب الأعزاء، برهنوا على حضوركم في أيّ موقع، من خلال التظاهرات الدينية أو السياسية أو من خلال مشاركتكم مجالس الدعاء أو في تجمعات الإعتكاف، أو من خلال مشاركتكم في مظاهرات يوم القدس... وإنّ أيّ تحرّك لكم يُظهر ارتباطكم بالدين والثورة إنّما يثير حنق المنافقين وإيذاءهم...).
وفي الختام نرى أنّ السيد الإمام القائد ولشدّة اهتمامه بالشباب وبأنّهم أمل الأمّة والإسلام في المستقبل يتوجّه إلى الله سبحانه بالدعاء والإبتهال بأن يوفّق الشباب المسلم لما يحب ويرضى ويقول: (اللهم اهدِ شبابنا إلى الطريق الذي ترضاه، أللهم وفّق شبابنا وانصرهم، وأللهم بمحمدٍ وآل محمد تفضّل باللطف والعناية لشبابنا وفتياتنا).
وأخيراً نسأل الله أن يمنّ على شبابنا بالإيمان والصلاح والإستقامة والثقة به والتوكّل عليه فهم الأمل للمستقبل الواعد لهذه الأمّة الإسلامية العظيمة، وهم المنوط بهم قيادة الأمّة في غدها الذي نسأل الله أن يجعله غداً مشرقاً منيراً ببركة تضحيات الشباب، عنصر القوّة والقدرة والإرادة والعزم والشباب.
والحمد لله ربّ العالمين1.
- 1. نقلا عن الموقع الرسمي لسماحة الشيخ محمد توفيق المقداد حفظه الله.