الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

عدم التشييع للميت لا يُنقصُ من قدره

المسألة:

في الظروف الحالية، نظرا للوباء المنتشر (كورونا)، يدفن الميت بلا غسل ولا يشيع كما العادة ولا يودعه أهله في ملحودته.

وهذا يجعلنا نتساءل، كما يتساءل أهالي المفقودين، لماذا فقيدنا لا يحصل على ما مر ذكره؟ ويتأثرون كثيرًا لذلك. فهل توجد روايات تسلي هؤلاء؟

وهل توجد في سيرة أهل البيت (عليهم السلام) أو لعظماء في التاريخ وحتى المعاصر من العلماء، من لم يحصل على تشييع وغسل وتوديع؟

الجواب:

المتوفَّى بفيروس كورونا شأنُه شأنُ سائر الأموات يجبُ تغسيلُه وتكفينُه والصلاةُ عليه، غايتُه أنَّه يتعيَّن أخذ الحيطة والحذر من انتقال العدوى، وذلك بالإلتزام بوسائل الوقاية التي يُوصِي بها أهلُ الإختصاص، فالمتوفَّى بفيروس كورونا مثل المُصاب بالفيروس، فكما أنَّ المُصاب يُباشرُه الأطباء والممرِّضون بعد الأخذ بالوسائل الاحترازيَّة فكذلك المتوفَّى بالفيروس، نعم لولم تتوفَّر وسائل الوقاية وكان في تغسيله -أو لا أقل- تيميمه مظنَّة انتقال العدوى المُوجب لوقوع المكلَّفين في الحرج من مباشرة تغسيله أو تيميمه فحينئذٍ يسقطُ الغسل والتيمُّم، وكذلك لو شخَّص أهلُ الإختصاص أنَّ في تغسيله أو تيميمه مظنَّة انتقال العدوى حتى مع الأخذ بالوسائل الاحترازيَّة فحينئذٍ يسقط الغسل والتيمُّم ويُقتَصر على الصلاة إلا أنَّ ذلك مجرَّد فرض ظاهرًا فإنَّ المتوفَّى بالفيروس مثل الحيِّ المُصاب بالفيروس يُباشره المعنيُّون بعد الأخذ بالوسائل الاحترازيَّة.

وأمَّا عدم التشييع فلأنَّه يصعب معه أخذ الاحتياطات الوقائية للعدد الكبير من الناس وهو ابتلاءٌ لذوي المتوفَّى يجب الصبر عليه، وهذا لا يُنقِصُ من شأن المتوفَّى ومقامه عند ربِّه جلَّ وعلا، فهذا الذي لم يتيسَّر تشييع المؤمنين له قد يُعوِّضه الله تعالى بأن يبعث رعيلًا من ملائكته الكرام يُشيِّعونه إلى قبره ويستغفرون له ويبشِّرونه برضوانٍ من الله، قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ 1 وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ 2.

وروي –كما في الكافي- عن أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أُخْرِجَ مِنْ بَيْتِه شَيَّعَتْه الْمَلَائِكَةُ إِلَى قَبْرِه يَزْدَحِمُونَ عَلَيْه حَتَّى إِذَا انْتَهَى بِه إِلَى قَبْرِه قَالَتْ لَه الأَرْضُ مَرْحَبًا بِكَ وأَهْلًا أَمَا واللَّه لَقَدْ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ يَمْشِيَ عَلَيَّ مِثْلُكَ لَتَرَيَنَّ مَا أَصْنَعُ بِكَ فَتَوَسَّعُ لَه مَدَّ بَصَرِه .." 3.

وأمَّا الذين لم يُشيَّعوا من أهل البيت (ع) فهم النبيُّ الكريم (ص) دُفن في الموضع الذي قُبض فيه لم يُرفع له سرير، والسيِّدة فاطمة (ع) أوصت بأن تُدفن سرًّا في جوف الليل، والثالث هو الإمامُ عليٌّ (ع) حمله الحسنُ والحسين (ع) وبعضُ ولده حملوه ليلًا إلى ظهر الكوفة –النجف- ودفنوه سرًّا خشية أن يتعرَّف الخوارج أو غيرهم على قبره فينبشوه، ولم يُعرَف موضعُ قبره الشريف إلا بعد أنْ عرَّفهم عليه الإمامُ الصادق (ع) والأئمة من بعده، وأمَّا الرابع فهو سيُّد الشهداء الإمامُ الحسين (ع) دفنه الإمامُ السجَّاد (ع) مزمَّلًا بدمائه، فالدنيا بعده مظلمة والآخرةُ بنور محيَّاه مشرقة.

فهل في عظماء التأريخ الضارب في عمق الزمن مَن هم أعظم شأنًا وأرفع مقامًا من هؤلاء الكرام؟!

والحمد لله ربِّ العالمين. 4