الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

مكانة سنة الرسول في دين الإسلام

معنى سنة الرسول

تعني سنة الرسول : كل ما صدر عن الرسول بالذات من قول ، أو فعل أو تقرير ، إطلاقا . فأقوال الرسول هي السنة اللفظية أو القولية ، و تعرف بحديث النبي ، و أفعال الرسول هي سيرته أو سنته العملية ، و تشمل سنة الرسول أيضا تقريره ، و معنى التقرير أن يرى الرسول عملا من مسلم أو أكثر ، فلا ينهى عنه ، فيكون سكوت الرسول بهذه الحالة إقرارا منه بصحة ذلك الفعل . و لا خلاف بين اثنين من أتباع الملة حول مضمون و حدود هذا المعنى .

التلازم و التكامل بين القرآن الكريم و سنة الرسول

التلازم و التكامل بين القرآن و سنة الرسول ثمرة طبيعة لحالتي التلازم و التكامل بين القرآن الكريم و بين الرسول بالذات ، فمن غير المتصور عقلا و شرعا بأن ينزل الله تعالى كتابا سماويا أو تعليمات إلهية إلا على رسول ، أو أن يرسل رسالة لبني البشر بدون رسول ، فالكتاب و الرسول وجهان متكاملان لأمر واحد ، و إذا أردنا أن نلخص دين الإسلام تلخيصا دقيقا ، فلا نعدو القول بأنه يتكون من مقطعين رئيسيين : أولهما كتاب الله المنزل ، و ثانيهما نبي الله المرسل ، فلا غنى للكتاب عن النبي ، و لا غنى للنبي عن الكتاب ، فالكتاب لا يفهم فهما يقينيا بدون نبي ، و النبي لا برهان له و لا حجة إن لم يكن معه كتاب ضاق مضمونه أو اتسع . ثم إن الإيمان و الإسلام لا يتحققان إلا بالاثنين معا ، كتاب الله المنزل ، و نبيه المرسل ، فالإيمان .
بأحدهما لا يغني عن الإيمان بالآخر ، و قد أخذ التكامل و التلازم بين كتاب الله المنزل و نبيه المرسل ، بعدا خاصا في دين الإسلام ، لأن رسول الإسلام هو خاتم النبيين ، فلا نبي بعده ، و لأن القرآن هو آخر الكتب السماوية ، و علاوة على أن القرآن معجزة إلهية بيانية أساسها الكلمة الطيبة الصادقة ، فإنه هو الدستور الإلهي الذي شخص الأصول و المبادئ و المقدمات الأساسية للشريعة الإلهية النهائية التي ارتضاها الله تعالى للجنس البشري طوال عصور التكليف الممتدة من زمن خاتم النبيين حتى قيام الساعة ، لقد أجمل هذا القرآن كل ما يتغير ، و فصل ما لا يتغير ، و أشار إشارات إلى أحكام و فرائض و أخبار و ضروريات ، و مصطلحات دون تفصيل ، و عهد الله إلى رسوله ببيانها و تفصيلها على ضوء توجيهات الوحي الإلهي ، فمصطلحات الصلاة مثلا و هي عماد الدين ، و الزكاة ، و الصوم ، و الحج ، و الجهاد ، و نظام الحكم . . . الخ كلها موجودة في القرآن الكريم ، و لكن دون تفصيل لأن بيانها و تفصيلها متروك لسنة الرسول . ثم إن القرآن الكريم كمعجزة بيانية ذو وجوه متعددة ، تؤدي بالضرورة إلى تصورات و أفهام متعددة ، فتأتي سنة لتحدد الوجه و الفهم الذي يتلاءم مع المقصود الإلهي .
إن المهمة الأساسية للرسول الأعظم و لسنته المطهرة منصبة بالدرجة الأولى و الأخيرة على بيان ما أنزل الله بيانا قائما على الجزم و اليقين لا على الفرض و التخمين ، لأن الرسول الأعظم معد و مؤهل إلهيا لهذه المهمة ، و محاط بالعناية و التسديد الإلهي ، و معصوم عن الوقوع بالزلل ، و هو قادر من خلال هذا التأهيل الإلهي أن يفهم المقصود الإلهي من كل آية من آيات القرآن ، و من كل كلمة من كلماته و قد سهل هذا المهمة أن القرآن لم ينزل دفعة واحدة ، إنما نزل منجما ، و على مكث ، مما أتاح الفرصة أمام الرسول لينقل من خلال السنة المطهرة بفروعها الثلاثة نصوص القرآن الكريم من النظر إلى التطبيق ، و من الكلمة إلى الحركة ، و من خلال سنة الرسول تحقق التكامل و التلازم و الإحكام بين كتاب الله المنزل و نبيه المرسل ، و تيقن المؤمنون .
و العارفون باستحالة بيان القرآن بدون رسول ، و استحالة فهم دين الإسلام و الالتزام به بدون الرسول وسنته ، فالرسول من خلال سنته بفروعها الثلاثة يؤدي مهمة البيان التي اختاره الله لتأديتها ، قال تعالى مخاطبا نبيه : ﴿ ... وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ 1 و من خلال البيان النبوي المتمثل بسنة الرسول ، و الالتزام بهذا البيان ينقطع دابر الخلاف و الاختلاف في المجتمع البشري المؤمن ، قال تعالى مخاطبا رسوله : ﴿ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ 2 فالرسول الأعظم هو المرجع البشري الأعلى في مجال بيان القرآن ، و فهم المقاصد الإلهية من كل كلمة من كلماته ، فسنة الرسول هي القول الفصل في كل أمر من الأمور المتعلقة بالقرآن الكريم ، و سنة الرسول هي ثمرة وحي و إلهام إلهي ، و هي من عند الله ، و الفرق بين القرآن و السنة أن القرآن هو كلام الله المنزل على رسوله باللفظ و المعنى كقرآن ، بينما السنة هداية إلهية لغاية بيان القرآن للمكلفين ، فالرسول يتبع ما يوحى إليه و ينفذ ما يؤمر به ، إنه عبد مأمور لله تعالى ، و مخصص لتبليغ دين الإسلام المكون من ركنين لا ثالث لهما كتاب الله المنزل و نبيه المرسل بذاته و بسنته القولية و الفعلية و التقريرية ، و القرآن و النبي و سنته وجهان لأمر واحد ، و لا غنى لأحدهما عن الآخر ، و لا تتحقق الغاية الشرعية من أحدهما إلا بالآخر ، إن التلازم و التكامل بين القرآن و سنة الرسول إحكام إلهي اقتضته طبيعة الأمور و جوهرها .
و من هنا يتبين لنا فساد مقولة أولئك الذين قالوا لرسول الله و هو على فراش المرض ، عندما أراد أن يكتب وصيته : ( حسبنا كتاب الله ) ، أي يكفينا كتاب الله ، و يغنينا عن الرسول و سنته !!! لقد أيقن أعداء الله و رسوله بأن دمار الإسلام و تفريغه من مضامينه الخالدة مستحيل ما دام التلازم و التكامل و الإحكام موجودا ما بين كتاب الله و سنة رسوله ، و لا يتحقق هذا الدمار إلا بدمار سنة الرسول ، أو تحييدها ، أو إبعادها عن مسرح التأثير على الأحداث ، أو بفك الارتباط المتين بين كتاب الله المنزل و نبيه المرسل .
و هذا هو المنطلق الذي انطلقوا منه يوم قالوا لرسول الله لا حاجة لنا بكتابك و لا بوصيتك : ( حسبنا كتاب الله ) و هذا هو السر بمنعهم لرواية و كتابة سنة الرسول ، و جعل شعار ( حسبنا كتاب الله ) محور الثقافة التاريخية .

التأكيد الإلهي على مكانة الرسول ، و أهمية سنة الرسول

الله تعالى هو الذي أوجد التكامل و التلازم بين كتاب الله المنزل ، و نبيه المرسل ، و هو الذي فرض الإيمان بالاثنين معا ، و هو الذي خص رسوله بهذه المرتبة العالية حتى صار الإيمان بالرسول جزءا لا يتجزأ من الإيمان بالله ، و الله جلت قدرته هو الذي أبرز أهمية سنة الرسول بفروعها الثلاثة حتى صارت جزءا لا يتجزأ من دين الإسلام ، و فصلا جوهريا متداخلا تداخلا عضويا مع الشريعة الإلهية المكونة حصرا من كتاب الله و سنة رسوله .
فهو جلت قدرته الذي اختار نبيه للرسالة ، فأعده ، و أهله و عصمه ، و كلفه بالإمامة و الولاية ، و أمر المسلمين و المؤمنين أن يأتمروا بأمره و أن ينتهوا بنهيه : ﴿ ... وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ 3 فأمر الرسول كأمر الله ، و نهي الرسول كنهي الله .
و قال تعالى مخاطبا المكلفين : ﴿ ... فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ ... 4 فالإيمان بالله و الرسول لا ينفصلان عن بعضهما ، و الله يشهد و كفى بالله شهيدا بأن الرسول مؤمن بالله و بكلماته ، لذلك فإن الله قد أمر عباده باتباع الرسول ( فاتبعوه ) لأنه هو النموذج المتحرك للإنسان المؤمن الكامل ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ... 5 .
ثم إن الله تعالى قد أزال الشك نهائيا و أوجد اليقين عندما بين لعباده حقيقة رسول الله ، و طبيعة ما يصدر عن ذلك الرسول : بقوله تعالى : ﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى 6 و قد ترسخت هذه الحقيقة و شهد الله تعالى بثبوتها ، و إطلاقها يوم أمر الله رسوله بأن يعلن أمام العالمين ، بأنه صلى الله عليه و آله و سلم يتبع ما يوحى إليه من ربه في كل ما يصدر عنه من أقوال أو أفعال أو تقريرات ، و توثيقا من الله لنبيه و تصديقا تولى الله تعالى بنفسه و من خلال كتابه المبارك نشر هذا الإعلان النبوي فقال جلت قدرته مخاطبا رسوله : ﴿ ... قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي ... 7 و أعلن الله باسم الرسول قائلا : ﴿ ... إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ 8 و تصديقا من الله لرسوله ثبت الله هذا الإعلان في كتابه الكريم .
و تأكيدا من الله تعالى لعمق التكامل بين الكتاب المنزل و النبي المرسل و عمق الصلة بين الله و رسوله أمر الله رسوله بأن يعلن للمؤمنين و المسلمين خاصة و لأبناء الجنس البشري عامة هذا الإعلان الذي يعبر بدقة عن مضامينه الوارفة فقال تعالى مخاطبا رسوله : ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ... 9 فإتباع الرسول هو الطريق إلى محبة الله ، و هو الطريق إلى المغفرة .
و إحكاما لحلقة التكامل و التلازم بين الله و رسوله ، و بين الكتاب المنزل و النبي المرسل ، و بين شريعة الإسلام و نبي الإسلام ، و تمكينا من الله لرسوله للقيام بأعباء الرسالة ، و لسد الطريق أمام أولئك الذين يفرقون بين الله و رسوله ، أعلن الله سبحانه و تعالى قراره و مشيئته بقوله : ﴿ مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا 10 فطاعة الرسول تماما كطاعة الله ، و معصية الرسول تماما كمعصية الله ، و الله جلت قدرته هو الذي قرن الطاعنين معا فقال : ﴿ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ 11 ﴿ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ 12 و تكرر هذا الأمر الإلهي مرات متعددة في القرآن الكريم . لقد حصل اليقين عن طريق العقل و الشرع بأن طاعة الله لا تتحقق إلا بطاعة الرسول فمن يعصي الرسول هو عاص لله ، و من يطع الرسول هو مطيع لله ، و التفريق بين الطاعتين محاولة مكشوفة للتفريق بين الله و رسوله ، و الالتفاف على مقاصد الشرعية الإلهية ، و إيجاد ممر للمروق و الفساد و الخروج من دائرة الشرعية الإلهية .
فالرسول هو حامل الرسالة الإلهية ، و هو وحده الذي يتلقى التوجيهات الإلهية و هو المبلغ عن الله ، و الأمين على ما أوحاه الله و العارف بالمقاصد الشرعية ، ثم إنه هو الإمام و القائد و المرجع و الولي ، فمن غير الجائز أن يعصى الرسول تحت أي شعار لأن معصية الرسول تعيق حركته و قيامه بأعباء التكاليف الإلهية الملقاة على عاتقه لذلك اقتضت حكمة الله أن يطاع الرسول إطاعة تامة و هذا حق لكل الرسل قال تعالى : ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ ... 13 و رسول الله و خاتم النبيين أولى بالطاعة لأن المسؤوليات الملقاة على عاتقه ، أضخم و أكبر من المسؤوليات التي ألقيت على عاتق أي رسول من قبله ، فهو خاتم النبيين ، و معه الشريعة الإلهية بصورتها النهائية التي ارتضاها الله لعباده أجمعين . وهذا يعطي قيمة خاصة لكل ما يصدر عن الرسول من قول أو فعل أو تقرير ، لأن سنة الرسول بفروعها الثلاثة لازمة من لوازم الإسلام و البيان خاصة و أن الرسول لم يبعث إلى العرب إنما أرسله الله رحمة للعالمين ، و قد انتقل إلى جوار ربه ، ولم يدخل في الإسلام غير العرب ، فمن حق أبناء الجنس البشري أن يطلعوا على سنة رسول البشرية من مصادر موثوقة و لا يتحقق هذا إلا بصيانة السنة ، و كتابتها ونقلها إلى أبناء الجنس البشري نقية بلا زيادة و لا نقصان ، و من هنا يتبين لنا فداحة الجرم الذي ارتكبه أولئك الذين منعوا رواية و كتابة السنة طوال مائة عام تحت شعار : ( حسبنا كتاب الله ) .

شهادات على صحة ما ذهبنا إليه حول التكامل و التلازم بين القرآن و سنة الرسول

قلنا : إن القرآن و السنة وجهان لعملة واحدة ، فلا يمكن فهم القرآن فهما يقينيا أو تطبيقه دون وجود السنة المطهرة بفروعها الثلاثة القول و الفعل و التقرير لأن المهمة الأساسية لرسوله صلى الله عليه و آله و سلم تتمحور حول بيان ما أنزل الله من القرآن ، و القرآن و السنة متكاملان ، و لا غنى لأحدهما عن الآخر و تقريبا للذهن ، و إبرازا للمقصود ، فإن القرآن كالدستور في اللغة القانونية المعاصرة ، و السنة كالقانون ، فوجود الدستور لا يغني عن وجود القانون ، ووجود القانون لا يغني عن وجود الدستور ، لأن أي واحد منهما يشكل ركنا أساسيا من أركان المنظومة الحقوقية النافذة في المجتمع ، و هذا حال القرآن و السنة لأنهما هما المنظومة الحقوقية النافذة في المجتمع الإسلامي فالقرآن يشتمل على المبادئ الرئيسية و القواعد الكلية حيث أجمل ما يتغير و ترك للرسول الأعظم أمر تفصيل ذلك على ضوء توجيهات الوحي الإلهي ، أما ما لا يتغير ، فقد فصله القرآن تفصيلا دقيقا ، و مع هذا يبقى للرسول دور مهم يتمثل بتوضيح و تطبيق هذه التفصيلات .
1 ـ قال حسان بن عطية : ( كان جبريل ينزل على رسول الله بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن ، و يعلمه السنة كما يعلمه القرآن ) 14 .
2 ـ و قال أحمد بن حنبل : ( السنة تفسر الكتاب و تبينه ، و السنة عندنا آثار رسول الله ، و السنة تفسير القرآن و هي دلائل القرآن ) 15 .
3 ـ قال عبد الرحمن بن مهدي : ( الرجل إلى الحديث أحوج منه إلى الأكل و الشرب ، لأن الحديث يفسر القرآن ) 16 .
4 ـ و قال ابن حزم . . . ( لما بينا أن القرآن هو الأصل المرجوع إليه في الشرائع نظرنا فوجدنا فيه إيجاب طاعة ما أمرنا به رسول الله ، و وجدنا أن الله عز و جل يقوله فيه واصفا لرسوله : ﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى 6 أفصح لنا بذلك بأن الوحي ينقسم إلى قسمين :
أحدهما : وحي متلو مؤلف تأليفا معجز النظام و هو القرآن .
و الثاني : وحي مروي منقول غير مؤلف و لا معجز النظام ، و لا متلو لكنه مقروء و هو الخبر الوارد عن رسول الله ، و هو المبين عن الله عز و جل مراده ) 17 .
5 ـ قال الشيخ أبو زهرة : ( السنة هي أحد قسمي الوحي الإلهي الذي نزل به جبريل على النبي ، و القسم الثاني هو القرآن الكريم ) 18 .
و قال : ( و قد وكل الله إلى نبيه ، أن يبلغ القرآن للناس ، و أن يبين لهم بقوله و فعله ما يحتاج إلى البيان ، و الرسول إذ يبين للناس كتاب الله ، لا يصدر عن نفسه ، و لكنه يتبع ما يوحى إليه من ربه ، فالسنة النبوية وظيفتها تفسير القرآن ، و الكشف عن أسراره ، و توضيح مراد الله تعالى من أوامره و أحكامه ) 19 .
6 ـ و قال الشيخ عبد الغني عبد الخالق : السنة مع الكتاب في مرتبة واحدة من حيث الاعتبار و الاحتجاج بهما على الأحكام الشرعية و لا نزاع بأن الكتاب يمتاز عن السنة بأن لفظه منزل من عند الله ، متعبد بتلاوته ، معجز بخلافها ، و لكن ذلك لا يوجب التفضيل بينهما من حيث الحجية ) 20 .
7 ـ و قال محمد عجاج : كلما جاء من الرسول سوى القرآن من بيان الأحكام و تفصيل لما في الكتاب الكريم و تطبيق له هو الحديث النبوي أو السنة . . . و هي بوحي إلهي ) 21 .
( فكيف يؤدي الاشتغال بالحديث إلى إهمال القرآن و تركه ) 22 ( فهذا من أبده الكلام الباطل لوضوح أن حديث رسول الله و ما نطق به ليس إلا حقا كما صرح هو به في روايات إذنه لعبد الله بن عمرو في كتابة الحديث ) 23 .
8 ـ ( و ليس الحديث الشريف إلا مفسرا للقرآن و شارحا لمراده ) 24 .
9 ـ و عقد الدارمي بابا نقل فيه عن ابن أبي كثير شيخ الأوزاعي قال فيه : ( السنة قاضية على القرآن ، و ليس القرآن بقاض على السنة ) 25 .
10 ـ و نقل عن مكحول قوله : ( القرآن أحوج إلى السنة من السنة إلى القرآن ) 26 .
11 ـ و قال ابن برجان : ( ما قاله النبي من شيء فهو من القرآن ، و فيه أصله قرب أو بعد ، فهمه من فهمه ، و عمه عنه من عمه ) 27 .
12 ـ قال الزركشي : ( إعلم أن القرآن و الحديث أبدا متعاضدان على استيفاء الحق و إخراجه من مدار الحكمة ، حتى أن كل واحد منهما يخصص عموم الآخر و يبين إجماله ) 28 .
13 ـ قيل لعمران بن الحصين : ما هذه الأحاديث التي تحدثونها و تركتم القرآن ؟ لا تحدثوا لا تحدثوا إلا بالقرآن !!
فقال عمران في جوابه لذلك الآمر : أرأيت لو وكلت أنت و أصحابك إلى القرآن أكنت تجد فيه صلاة الظهر أربعا ، و صلاة العصر أربعا و المغرب ثلاثا !!!
أرأيت لو وكلت أنت و أصحابك إلى القرآن أكنت تجد الطواف بالبيت سبعا و الطواف بالصفا و المروة !!! ثم قال : ( اتبعوا ما حدثناكم و خذوا عنا و إلا والله ضللتم ) 29 .
14 ـ قال أيوب السجستاني : ( إذا حدثت الرجل بالسنة فقال : ( دعنا من هذا و حدثنا عن القرآن فاعلم أنه ضال مضل ) 30 31

بعض تأكيدات الرسول على التلازم و التكامل بين كتاب الله و سنة رسوله

شعار حسبنا كتاب الله

لما أراد الرسول الأعظم أن يكتب وصيته و توجيهاته النهائية و هو على فراش الموت ، تدخل عمر بن الخطاب ، فقال للحاضرين : ( إن المرض قد اشتد برسول الله ، أو أن الرسول يهجر ـ أي لا يعي ما يقول ـ و عندكم القرآن ( حسبنا كتاب الله ) 32 و سندا لهذا الشعار حالوا بين الرسول و بين كتابة ما أراد كتابته .
و بعد أن استولى أبو بكر على منصب الخلافة جمع الناس بعد وفاة نبيهم فقال : ( إنكم تحدثون عن رسول الله أحاديث تختلفون فيها ، و الناس بعدكم أشد اختلافا ، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا فمن سألكم فقولوا : بيننا و بينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله ، و حرموا حرامه ) 33 و التزاما من الخليفة بما أمر المسلمين به قام بحرق الأحاديث التي سمعها من رسول الله بإذنه ، و كتبها بخط يده 34 .
و لما تولى عمر بن الخطاب الخلافة ، ناشد الناس أن يأتوه بسنة الرسول المكتوبة عندهم لأنه يريد أن يجمعها في كتاب ، كما ناشدهم أن يأتوه بالكتب المحفوظة لديهم حتى ينظر فيها و يقومها ، فلما أتوه بها أمر بحرقها ، و حرقت فعلا 35 ثم كتب إلى ولاته في كل البلاد الخاضعة لحكمه ( أن من كان عنده شيء مكتوب من سنة الرسول فليمحه ) 36 .
و برر الخليفة عمله هذا بالقول : ( إني كنت أردت أن أكتب السنن ، و إني ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتبا ، فأكبوا عليها ، فتركوا كتاب الله !!
و إني والله لا ألبس كتاب الله بشيء ) 37 ثم قال : ( أمنية كأمنية أهل الكتاب رأي حتى لا ينشغل الناس بالسنة عن القرآن ) 38 .
و حرصا من الخليفة على القرآن الكريم ، منع الناس من رواية أحاديث رسول الله ، و هدد من يرويها ، و ضرب الرواة ، و حبس بعضهم ، و ملأ قلوب الرواة بالرعب و الإرهاب حتى لا يرووا سنة رسول الله ) 39 .
و ما فعل الخليفة ذلك إلا حرصا على القرآن و إعمالا لشعار ( حسبنا كتاب الله ) و شعار ( بيننا وبينكم كتاب الله ) كما سنوضح لاحقا !!!
حكم الرسول بهذين الشعارين
قال رسول الله : ( يوشك الرجل متكئا في أريكته ، يحدث بحديث من حديثي فيقول بيننا و بينكم كتاب الله ، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه ، و ما وجدنا فيه من حرام حرمناه ، ألا و إن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله ) 40 أنت تلاحظ أن الرسول قد استعمل حرفيا الكلام الذي قاله أبو بكر يوم منع المسلمين من أن يحدثوا شيئا عن رسوله ، فارجع إلى ما قاله أبو بكر في الصفحة السابقة !!
و قال الرسول : ( لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته ، يأتيه الأمر مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ) 41 .
و قال الرسول : ( أيحسب أحدكم متكئا على أريكته ، قد يظن أن الله تعالى لم يحرم شيئا إلا ما في القرآن ، ألا و إني والله قد أمرت و وعظت و نهيت عن أشياء إنها لمثل القرآن ) .
قال ابن حزم : ( صدق النبي هي مثل القرآن و لا فرق في وجوب طاعة كل ذلك علينا ، و قد صدق الله ﴿ مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ ... 42 و هي أيضا مثل القرآن في أن كل ذلك وحي من الله ) 43 44 .

  • 1. القران الكريم : سورة النحل ( 16 ) ، الآية : 44 ، الصفحة : 272 .
  • 2. القران الكريم : سورة النحل ( 16 ) ، الآية : 64 ، الصفحة : 273 .
  • 3. القران الكريم : سورة الحشر ( 59 ) ، الآية : 7 ، الصفحة : 546 .
  • 4. القران الكريم : سورة الأعراف ( 7 ) ، الآية : 158 ، الصفحة : 170 .
  • 5. القران الكريم : سورة الأحزاب ( 33 ) ، الآية : 21 ، الصفحة : 420 .
  • 6. a. b. القران الكريم : سورة النجم ( 53 ) ، الآية : 3 و 4 ، الصفحة : 526 .
  • 7. القران الكريم : سورة الأعراف ( 7 ) ، الآية : 203 ، الصفحة : 176 .
  • 8. القران الكريم : سورة الاحقاف ( 46 ) ، الآية : 9 ، الصفحة : 503 .
  • 9. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 31 ، الصفحة : 54 .
  • 10. القران الكريم : سورة النساء ( 4 ) ، الآية : 80 ، الصفحة : 91 .
  • 11. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 132 ، الصفحة : 66 .
  • 12. القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 92 ، الصفحة : 123 .
  • 13. القران الكريم : سورة النساء ( 4 ) ، الآية : 64 ، الصفحة : 88 .
  • 14. المراسيل لأبي داود السجستاني : 2 / 249 .
  • 15. حجية السنة : 332 .
  • 16. المصدر السابق .
  • 17. الإحكام في أصول الأحكام : 1 / 93 .
  • 18. الحديث و المحدثون : 11 .
  • 19. الحديث والمحدثون : 37 و 38 .
  • 20. حجية السنة : 485 .
  • 21. أصول الحديث : محمد عجاج الخطيب : 34 .
  • 22. المرجع السابق : 43 .
  • 23. المرجع السابق : 89 .
  • 24. مقدمة التيجاني لكتاب الكفاية للخطيب : 15 .
  • 25. سنن الدارمي : 1 ب 49 ح 594 .
  • 26. الكفاية للخطيب : 47 .
  • 27. الإرشاد في تفسير القرآن .
  • 28. البرهان في علوم القرآن للزركشي : 2 / 128 .
  • 29. الكفاية للخطيب : 48 ، و المستدرك على الصحيحين للحاكم : 1 / 109 .
  • 30. الكفاية : 49 .
  • 31. و قد نقلنا هذه المقتطفات عن كتاب تدوين السنة الشريفة من : 347 و 353 .
  • 32. راجع صحيح البخاري : 7 / 9 و 4 / 31 ، و صحيح مسلم : 5 / 75 و 11 / 95 بشرح النووي ، و في الفصول اللاحقة سنورد أربعين مرجعا على صحة هذه الواقعة .
  • 33. راجع تذكرة الحفاظ للذهبي : 1 / 2 ـ 3 ، و الأنوار الكاشفة : 53 و تدوين السنة : 423 .
  • 34. تذكرة الحفاظ للذهبي : 1 / 5 ، و كنز العمال : 10 / 285 ، و الاعتصام بحبل الله المتين : 1 / 30 .
  • 35. الطبقات لابن سعد : 5 / 140 .
  • 36. كنز العمال : 1 / 291 .
  • 37. تقييد العلم : 49 و رواه في دفاع عن السنة : 21 ، راجع كنز العمال : 1 / 291 ، و تدوين القرآن : 371 .
  • 38. راجع المبحث اللاحق تحت عنوان موقف الخليفة عمر من سنة رسول الله .
  • 39. المصدر نفسه
  • 40. مسند أحمد : 4 / 131 ، و أبو داود في سننه كتاب السنة باب 5 ، و لزوم السنة : 4 / 200 الحديث 4604 ، و سنن ابن ماجة : 1 / 6 باب 3 الحديث 12 ، و سنن الدارمي : 1 / 117 الحديث 592 ، و سنن البيهقي : 3 / 331 ، و دلائل النبوة : 1 / 25 ، و المستدرك على الصحيحين : 1 / 180 و 109 ، و الترمذي كتاب العلم : 2 / 110 ، 111 و قال هو حديث صحيح ، و الحديث و المحدثون : 11 و 24 .
  • 41. سنن ابن ماجة : 1 / 6 ـ 7 ، و المستدرك للحاكم : 1 / 108 و قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين .
  • 42. القران الكريم : سورة النساء ( 4 ) ، الآية : 80 ، الصفحة : 91 .
  • 43. الأحكام لابن حزم : 1 / 159 ، و راجع تدوين السنة الشريفة : 352 و ما فوق .
  • 44. أين سنة الرسول ما فعلوا بها ؟ احمد حسين يعقوب : 12 ـ 26 .