الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

ميادين تتسع

كثير ما تدفعنا القضايا الضاغطة والملحة للغفلة عن أمور استراتيجية ومصيرية ومهمة، فننشغل بتلك القضايا، وهي قد تستحق الاهتمام، ونغفل عن الكثير من الأمور الرئيسية والمهمة، ولا نفيق من غمرة الانشغال إلا وقد أضعنا اللبن وفرطنا بما كان بأيدينا.

تجميد الأمور وتعليقها على أمر واحد، خلاف سنة الكون المتحركة، وإن كان ذلك الأمر مهماً ومصيرياً، وتوجه الفعاليات باتجاه واحد في أي مجتمع مع الغفلة عن بقية الاتجاهات أمر غير محمود النتائج، وينبغي الحذر من أخطاره وآثاره المستقبلية.
هناك ترابط في النجاحات، والعناية بهذا الترابط ضرورية، لأنها تعزز الانطلاقة السليمة والمتوازنة، وتبعد عن السير بخطى عرجاء وغير متزنة.
لقد ورد عن رسول الله  أنه قال: «إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل».
فهول الساعة (القيامة) وعظيم أمرها، يجب أن لا يصرف الإنسان عن الأمور التي قد تبدو بسيطة يسيرة، إذ لعل هذا الأمر فيه نجاح له قيمته في الآخرة، وإضافة مفيدة للإنسان حين يقدم كتابه للحساب.
أعرف أشخاصاً، يشكون حياتهم، فلهم عين واحدة على أعمالهم وقد نجحوا فيها، لكن لأنهم لم يبصروا أسرهم ولم يلتفتوا إلى أولادهم فقد فشلوا في هذه النواحي، وبدأت المشاكل تنغص عليهم راحة النجاح وفرحته.
يتصور الكثير من الناس أن المجتمع الفلسطيني مجتمع لا هم له إلا المقاومة والتحدي وإعداد العدة لجولات الصراع والمواجهة التي لا تنتهي ولا تتوقف، لكن يمكن لأي مقترب ومتابع لهذا الشعب المقاوم أن يلحظ إصراره على التعلم، وعقوله التي تنتشر في أرجاء العالم ومثقفيه الذين يعدون مفخرة بطاقاتهم وعطائهم وإبداعهم، ويلحظ كذلك مدى عنايتهم بصغارهم ومحاولة حمايتهم من التأثيرات السلبية للصراع على عواطفهم وسلوكياتهم ومنهجية تفكيرهم.
أسر الشهداء هي الأخرى محل عناية ونظر للمقاومة في فلسطين ولبنان والعراق وغيرها، وتلحق بهم أسر المعتقلين، وهذا كله بحاجة إلى تعامل جاد ومتقن، تعب المتخصصون في إتقانه ومعرفة تفاصيله ثم راحوا يحولونه ثقافة ينشرونها بين الناس ليحافظوا بها على أجيال زحفت لها الهموم والتحديات قبل أوانها.
ثقافة التحدي والصمود ربما تغطي جانباً مهماً من حياة المواجهة، لكن المواجهة لها ساحات كثيرة ومتعددة وهي أحياناً معقدة، ولذلك كل ثقافة نبرتها عالية في التحدي والمواجهة تحتاج إلى مستشفيات ميدانية ليست لعلاج الجرحى المصابين في أجسامهم، بل لعلاج جراحات الروح وآلام الفراق، ولوعة الغياب، فليس المهم هو لحظة الصدمة بالشيء، والتي قد يواجهها الإنسان بروح قوية ومتوثبة، بل ما يعقب ذلك من تأثيرات تحتاج وقفة عناية كي يخرج الجميع منها سالماً في روحه ومعنوياته واستقامته.
تلك المؤسسات التي عنت بمعالجة الآثار المحتملة، والتي جهدت كي تبعد المجتمع عن ردات الفعل الانعكاسية - لا سمح الله - هي التي أعطت لشعبها طاقة وقدرة إضافية لاستمرار المواجهة والتحدي والأمل في النصر، كل ذلك كي لا تضيع المكاسب في غبار المعركة1.

  • 1. الشيخ محمد الصفار * صحيفة الوسط البحرينية 20 / 3 / 2012م - 1:48 م