حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
نظرية الاجماع.. والجدل المستمر في المجال الاسلامي
عرفت فكرة الإجماع بأنها من الأفكار التي فتحت جدلاً ونقاشاً واسعاً ومستمراً، بين الفقهاء والأصوليين والكلاميين في ساحة الفكر الإسلامي القديم والوسيط، وامتد إلى الأزمنة الحديثة والمعاصرة.
وانقسمت حول هذه الفكرة وتعددت المواقف والاتجاهات، ليس بين المذاهب والفرق الإسلامية فحسب، وإنما في داخل هذه المذاهب والفرق نفسها، واختلفت وتباينت الأقوال والتصورات، وظلت بهذا الحال على طول الخط.
واللافت أن هذا الاختلاف والتباين شمل كل ما يتعلق بفكرة الإجماع، عناصرها ومكوناتها وجهاتها، ابتداء من معنى الإجماع وسنده وحجيته، مروراً بمراتبه وأقسامه، وصولاً إلى صورته وإمكان وقوعه ماضياً وحاضراً.
ولم يعد هذا الاختلاف والتباين خافياً عن أحد، فقد أشار إليه معظم أو كل الذين لهم كتابات ودراسات في أصول الفقه، أو الذين اقتربوا من هذه الفكرة بصورة من الصور.
ولعل الشيخ محمود شلتوت أحد أكثر المعاصرين، الذين أشاروا بوضوح كبير لمثل هذا الاختلاف والتباين في كتابه (الإسلام عقيدة وشريعة)، وحسب رأيه (لا أكاد أعرف شيئاً اشتهر بين الناس أنه أصل من أصول التشريع في الإسلام، ثم تناولته الآراء، واختلفت فيه المذاهب من جميع جهاته، كهذا الأصل الذي يسمونه الإجماع).
وتأكيداً لهذا الرأي فقد تتبع الشيخ شلتوت، جهات الاختلاف حول هذا الأصل عند الفقهاء والأصوليين، الذين اختلفوا وأظهروا هذه الاختلاف حول حقيقته وحجيته وإمكان وقوعه.
والملاحظ أن هذه الجدل والنقاش الواسع والمستمر حول فكرة الإجماع عند الفقهاء والأصوليين، لم يحدث تجدداً وتطوراً واضحاً ونوعياً، يخرج هذه الفكرة من دائرة الشك والاضطراب، ومن حالة النزاع والانقسام، ومن وضعية السكون والجمود التي كانت عليه لفترة طويلة وما زالت.
فقد ظلت هذه الفكرة على حالها في الدراسات الأصولية، تتكرر ويعاد إنتاجها بطريقة تقليدية وتعليمية لا تخلو من سكون وجمود، فما تقرأه في كتاب قديم أو حديث، لا يكاد يختلف كثيراً عما تقرأه في كتاب آخر، فهناك تشابه يجعل من هذه الكتابات، وكأنها تكرر نفسها بطريقة رتيبة.
وعند أصحاب هذه الكتابات، فإن هذا التشابه غالباً ما يبرر بذريعة أن هذه الكتابات صنفت بطريقة تعليمية، ولغايات تعليمية يستفيد منها، ويرجع إليها، الطالب والمعلم والباحث، ومن يريد الاقتراب من هذا الحقل المعرفي.
ما أردت قوله، إن الزمن الطويل الذي قطعته هذه الفكرة عند الفقهاء والأصوليين، منذ عصر الإمام الشافعي في القرن الثاني الهجري إلى اليوم، لا يتناسب على الإطلاق في الموازين الفكرية والمعرفية، وما وصلت إليه هذه الفكرة في عصرنا الراهن، وكأنها قد توقفت عن التجدد والتطور، حالها كحال غيرها من الأفكار الأخرى التي تأثرت بعصور التراجع والجمود الذي أصاب المجال الإسلامي1.
- 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الأربعاء / 28 ديسمبر 2011م، العدد 16559.